<blockquote class="postcontent restore ">
لا إله إلا الله، ما أرحم الله، ما أحكم الله
أخوتي في
الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله -عز وجل- في السر والعلانية فهي وصية
الله -جل وعلا- للأولين والآخرين. (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ)
راقبوا الله جل وعلا راقبوا الله جل وعلا فما راقبه عبد وذل وأخطأ إلا آب وعاد وحاله
رحماك يا رب رحماك *** رب يا رب ويا رب الورى
ما ترى في عبد سوء ما ترى
خلقما ترى في عبد سوء ما ترى
الله السماوات سبعا وخلق الأراضين سبعا وفي مجموع أحاديث النبي صلى الله
عليه وسلم الصحاح أن ما بين الأرض وما بين السماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام
وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام
ومن فوق السماء السابعة مسيرة خمسمائة عام ومن فوق ذلك عرش الرحمن ومن فوقه
ربنا سبحانه وبحمده بائن عن خلقه مستو على عرشه (ما يكون من نجوى ثلاثة
إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو
معهم أينما كانوا) متى علمت هذا ومتى استشعرت هذا فأنت من المتقين
إذا ما خلوت الدهر يوما *** فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
هاولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
هو [عمر بن الخطاب] رضي الله عنه وأرضاه في بستان من بساتين الأنصار وأنس
بن مالك رضي الله عنه وأرضاه يراقبه ويرقبه وهو لا يراه وإذا بعمر يقف وقفة
محاسبة ووقفة مراقبة مع نفسه ويقول عمر أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين
الله يا عمر أو ليعذبنك الله والله لتتقين الله أو ليعذبنك الله عمر الذي
يأتيه أعرابي قد قرض الجوع بطنه وبه من الفقر ما به و يقف على رأسه ويقول
يا عمر الخير جزيت الجنة
اكس بناتي وأمهن
وكن لنا في ذا الزمان جنة
أقسم بالله لتفعلن
قال وإن لم أفعل يكون ماذا قال:اكس بناتي وأمهن
وكن لنا في ذا الزمان جنة
أقسم بالله لتفعلن
إذا أبا حفص لأمضين
قال وإذا مضيت يكون ماذا قال:والله عنهن لتسألن
يوم تكون الأعطيات منة
وموقف المسئول بينهن
إما إلى نار وإما إلى جنة
فلميوم تكون الأعطيات منة
وموقف المسئول بينهن
إما إلى نار وإما إلى جنة
يملك عمر رضي الله عنه وأرضاه إلا أن زرفت دموعه على لحيته رضي الله عنه
وأرضاه ودخل ولم يجد شيئا في بيته فما كان إلا أن خلع ردائه وقال خذ هذا
ليوم تكون الأعطيات منة وموقف المسئول بينهن إما إلى نار وإما جنة هكذا
تكون مراقبة الله – عز وجل – وهكذا تكون تقوى الله – عز وجل –
وعمر الثاني
[عمر بن عبد العزيز] وهو يلي أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم في يوم من
الأيام ويكسب أو يفيء الله على المسلمين فيئا وهذا الفيء تفاح فأراد أن
يقسمه على الرعية بينما هو يقسم هذا التفاح إذ امتدت يد صبي من صبيانه طفل
صغير أخذ تفاحة ووضعها في فمه فما كان من عمر إلا أن أمسك بفيه وأوجع فكيه
واستخرج التفاحة من فمه وردها بين التفاح والطفل يبكي ابن عمر يبكي ويخرج
ويذهب إلى أمه ويذكر لها الحادثة فترسل غلام من البيت ليشتري لهم تفاحا
ويقسم الفيء على المسلمين وينسى نفسه فلم يأخذ تفاحة واحدة ويذهب إلى البيت
فيشم رائحة التفاح في بيته فيقول من أين لكم هذا و والله ما جئتكم بواحدة
بتفاحة واحدة فأخبرته الخبر قالت جاء ابنك يبكي فأرسلت الغلام وجاء له بهذا
التفاح قال يا فاطمة والله لقد انتزعت التفاحة من فمه وكأنما أنتزعها من
قلبي، لكني والله كرهت أن أضيع نفسي بتفاحة من فيْء المسلمين يأكلها قبل أن
يقسم الفيء هكذا تكون مراقبة الله – جل وعلا – هكذا تكون تقوى الله – جل
وعلا – وبها النجاة (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا
هم يحزنون) ما راقب عبد ربه إلا أفلح وفاز وما الحياة الدنيا إلا متاع ما
راقب عبد ربه فذلت به قدمه فأخطأ فارتكب فاحشة إلا عاد نادما حسيرا كسيرا
فيتقبله ربه وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين بمنه وكرمه الله عز وجل رحيم
بل هو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما رحمته وسعت كل شيء وسبقت غضبه –
سبحانه وبحمده – له مائة رحمة أنزل لنا في هذه الدنيا رحمة واحدة فبها
يتراحم الخلق كلهم ناطقهم والأعجم صغيرهم والكبير حتى إن الدابة لترفع
رجلها لوليدها ليرضع منها ثم يذهب بهذه الرحمة فإذا كان يوم القيامة لرفع
الله هذه الرحمة إلى تسع وتسعين رحمة عنده سبحانه وبحمده فيتطاول إبليس
ويظن أن رحمة الله ستسعه في ذلك اليوم.
فيا من
رحمته وسعت كل شيء ارحمنا برحمتك اسمع له صلى الله عليه وسلم كما يروى في
[البخاري]" يوم يأتيه سبي وإذا بامرأة من بين هذا السبي تبحث عن صبي لها
فقدته لا تلوي على شيء كلما وجدت طفلا قلبته ونظرت فيه فإذا به ليس طفلها
ثم تجده تجد ابنها بعد مشقة وعناء فتلصقه ببطنها وترضعه ورسول الله وصحابته
صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم يرقبون الموقف وإذا بها تذرف الدموع
على ابنها وهو على ثديها دموع الفرح فيقول صلى الله عليه وسلم أترون هذه
طارحة ولدها في النار قال الصحابة لا والله يا رسول الله فقال الله أرحم
بعباده من هذه بولدها."
يا كثير العفو عن من كثر الذنب لديه جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم لديه
أنا ضيف
وجزاء الضيف إحسان إليه (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو
العذاب الأليم) أحبتي في الله كثيرا ما يضل الإنسان في الطريق وينحرف عن
الجادة بوازع الجهل والهوى أحيانا واستجابة لإغراء عابث أحيانا أو لشهوة
جامحة قوية الأمر الذي يهبط بمستواه الإنسان ويحول بينه وبين الطهر
والتسامي فتسقط قيمته وينحط إلى الدرك الأسفل من الرذيلة والعار تتجه قواه
كلها إلى إشباع غرائزه وإتيان لذائذه فيسقط إلى منزلة البهيمة حتى إنك
لتجده بأذن لا تسمع وبعين لا تبصر وبقلب لا يفقه تجده بهيمة في مسلاخ بشر
والإنسان قد تمر به ساعة تنام فيها قواه ويغفو فيها ضميره وتستيقظ غرائزه
فيسقط صريع الهوى والشهوة والشبهة فيا له من سقوط ويا لحقارتها من لذة مؤقتة تورث النار
تفنو اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
وكلناتبقى عواقب سوء من مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
ذوو خطأ والمعصوم من عصمه الله جل وعلا على كل واحد منا أن يذكر فلا ينسى
أنه لم يخلق ملكا ولم يخلق بشرا معصوما وإنما هو إنسان تتنازعه قوى الخير
والشر فتارة يغلب خيره شره فهو خير من الملائكة وتارة يغلب شره خيره فهو شر
من البهائم كما قال [ابن القيم] عليه رحمة الله وكل ابن آدم خطاء وخير
الخطائين التوابون كلنا ذوو خطأ في صحيح [مسلم] عن [أبي هريرة] رضي الله
عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا
لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" فلابد من
الخطأ ولابد من التقصير وكلنا ذوو خطأ
من ذا الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط
تريد مبرئا لا عيب فيه *** وهل نار تفوح بلا دخان
لكنتريد مبرئا لا عيب فيه *** وهل نار تفوح بلا دخان
إياك أن تبقى على الخطأ إياك أن تدوم على المعصية فإن المعصية شؤم وإن
المعصية عذاب وإن المعصية وحشة وإن المعصية غضب من الله الواحد الديان وقد
يحبس عن أمة خير بمعصية من فرد واحد لم يأمروه ولم ينهوه نسأل الله ألا
يحرمنا خير ما عنده من شر ما عندنا هاهم بنو إسرائيل –كما في كتاب التوابين
[لابن قدامة]- يلحق بهم قحط على عهد [موسى] –عليه السلام- فاجتمعوا إلى
موسى ، وقالوا: يا نبي الله ادعُ لنا ربك أن يسقينا الغيث ، فقام معهم
وخرجوا إلى الصحراء ليستسقوا وهم سبعون ألفًا أو يزيدون، فقال موسى: إلهنا
اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرُّضَّع، والبهائم
الرُتَّع، والشيوخ الرُّكَّع، فما ازدادت السماء إلا تقشعًا، ذهب السحاب
الذي في السماء، وما ازدادت الشمس إلا حرارة ، فقال: يا رب استسقيناك فلم
تسقِنا، فقال: يا موسى إن فيكم عبدًا يبارزني بالمعصية منذ أربعين عامًا،
فمُرْهُ أن يخرج من بين أظهركم؛ فبشؤم ذنبه مُنِعْتم القطر من السماء، قال:
يا رب عبد ضعيف وصوتي ضعيف، أين يبلغ وهم سبعون ألفًا أو يزيدون؟، فأوحى
الله إليه –سبحانه وبحمده- منك النداء وعلينا البلاغ، فقام ينادي في سبعين
ألف، قام ينادي فيهم قائلا: يا أيها العبد العاصي الذي بارز الله بالمعصية
أربعين عامًا، اخرج من بين أظهرنا؛ فبشؤم ذنبك مُنِعْنَا القطر من السماء،
فيوحي الله إلي موسى أنه تلفت هذا العبد يمينًا وشمالا لعله يخرج غيره،
فعلم أنه المقصود بذلك، فقال في نفسه: إن خرجت افتضحت على رؤوس بني
إسرائيل، وإن بقيت هلكت وهلكوا جميعًا بالقحط والجدب. فماذا كان منه ؟ ما
كان منه إلا أن ادخل رأسه في ثيابه ، وقال: يا رب عصيتك أربعين وأمهلتني،
واليوم قد أقبلت إليك طائعًا تائبًا نادمًا ، فاقبلني واسترني بين الخلق
هؤلاء -يا أكرم الأكرمين-؛ فلم يستتم الكلام حتى علتْ السماء سحابة بيضاء،
فأمطرت كأفواه القِرَب، فقال موسى لربه -سبحانه وتعالي- قال كليم الله
لربه: يا رب سقيتنا ولم يخرج من بين أظهرنا أحد، فقال: يا موسى أسقيتكم
بالذي منعتكم به، بنفس العبد الذي منعتكم به أسقيتكم به، قال: يا رب أرني
هذا العبد الطائع التائب النادم، قال: يا موسى لم أكن لأفضحه وهو يعصيني
أفأفضحه وهو يطيعني؟
يا من ألوذ به فيما أؤمله *** وأستعيذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره *** ولا يهيضون عظمًا أنت جابره
لالا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره *** ولا يهيضون عظمًا أنت جابره
إله إلا الله، ما أرحم الله، ما أحكم الله، هو القائل: (وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوَا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاّ اللهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ما جزاؤهم ؟
(أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مغْفِرَةٌ من ربِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) هو
القائل كما أخبر المصطفى –صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي " يا ابن
آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو
بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم لو أتيتني بتراب
الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بترابها مغفرة"
سبحان من يعفو ونهفو دائمًا *** ولا يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه *** جلاله عن العطا لذي الخَطَا
يبسطيعطي الذي يخطي ولا يمنعه *** جلاله عن العطا لذي الخَطَا
يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى
تطلع الشمس من مغربها ، هو القائل كما في الحديث القدسي "يا عبادي إنكم
تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا ، فاستغفروني أغفر لكم" هو
القائل في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ
تَوْبَةً نصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لاَ
يُخْزِى اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) ما أكرم الله -جل وعلا-! ما أكرم
الله -سبحانه وتعالى-! هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات،
ويعلم ما تفعلون، ولن يهلك على الله إلا هالك ، فيا مخطئاً وكلنا ذوو خطأ،
ويا من سقط في المعصية وكلنا ذاك الرجل، ويا من زلَّتْ قدمه وكلنا ذاك
الرجل، صحح أخطاءك، وعالج أمراضك، وغسِّل نفسك مما قد ران عليها، واستأنف
الحياة في ثوب التوبة النقي النظيف، واسمع لداعي الله -جل وعلا- يوم يقول:
(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ)
توضأ بماء التوبة اليوم نادمًا *** به ترأى أبواب الجنان الثماني
كلناذوو خطأ، والله يمهل ولا يهمل، ويحب التوابين والمتطهرين، ولذلك فتح باب
التوبة أمام المخطئين ليتوبوا ويؤوبوا ويعودوا إلى رشدهم، فيغفر لهم ما
اقترفوه من إثم وخطيئة وموبقة وصغيرة وكبيرة ؛ فله الحمد أولا وآخر وظاهرًا
وباطنًا.
هاهو كما في
[البخاري]: رجل من بني إسرائيل أسرف على نفسه كثيرًا، وهو موحد لم يشرك
بالله –جل وعلا- قتل وزنا وسرق وغش وكذب واحتال وشهد الزور وأساء كل
الإساءة، انتهك حرمات الله، تكبر وتجبر، وحلت به سكرات الموت التي لم يُعفَ
منها أحد حتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- جمع أبناءه في تلك الساعة ،
ساعة لا ينفع فيها مال ، ولا ينفع فيها ولد، ولا ينفع فيها منصب، ولا ينفع
فيها جاه، جمع أولاده وقال: أي أبٍ كنت لكم ؟ قالوا: خير أب، قال: فوالذي
نفسي بيده ما عملت خيرًا قط، غير أني أشهد أن لا إله إلا الله، فإذا أنا مت
فأضرموا فيَّ نارًا، ثم القوني في النار حتى أصير فحمًا، ثم اسحقوني، ثم
زروني مع الريح، فمات فنفذوا وصيته، أضرموا له النار، ورموه فيها حتى صار
فحمًا، ثم سحقوه، ثم ذروه مع الريح، تفرق على ذرى الجبال، وعلى رؤوس
الأشجار، وعلى السهول والوِهَاد وعلى الأنهار، لكن الذي
بدأه أول مرة يعيده، قال الله له: كن فكان، قال: يا عبدي ما حملك على ما
صنعت؟ أما علمت أني أستر العيب، وأغفر الذنب، قال: يا رب خفتك وخشيت ذنوبي،
قال: أشهدكم يا ملائكتي بأني قد غفرت له وأدخلته الجنة. فلا إله إلا الله،
ما أرحم الله! ما ألطف الله بعباده! ما أحلم الله على عباده! (وَمَن
يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ
اللهَ غَفُورًا رحِيمًا) وكلنا ذوو خطأ .
هاهي امرأة
بَغِيّ، بارعة الجمال، لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار، وتمر على عابد ما
عصى الله طرفة عين، يتعبد لله في صومعة من الصوامع فيفتتن بها، وصدق رسول
الله –صلى الله عليه وسلم-: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" افتُتن بها
فراودها على نفسها، فأبت أن تمكنه إلا بمائة دينار، وهو لا يملك ريالا ولا
دينارًا ولا درهمًا، فماذا كان منه؟ كان منه أن ترك صومعته وذهب يكدُّ
ويتعب، وجمع المائة الدينار، ثم ذهب إلى هذه البغي في بيتها وفي قصرها، طرق
عليها الباب ولما طرق عليها الباب خرجت، ويوم خرجت قال لها: ها أنا ذا، قد
جمعت المائة دينار وجئت، قالت: ادخل، فدخل إليها في قصرها، فَعَلَتْ على
سرير من ذهب وتزينت في كامل زينتها، ويوم تزينت في كامل زينتها قالت: هلمَّ
إليّ، فسقط جالسًا، قالت: قد كنت تزعم أنك ستجمع وتأتي، فلما مكنتك من
نفسي تجلس، قال: ذكرت وقوفي بين يدي الله –عز وجل- فلم تحملني أعضائي لأقف،
فما كان منها هي أيضًا إلا أن ارتعدت وارتعشت وخافت ووجلت وقالت: لا تخرج
من هذا البيت حتى تتزوجني، قال: لكني والله لا أتزوجك، وإنما خذي هذه
الدنانير ودعيني أخرج، قالت: لا تخرج حتى توافق على الزواج مني ، فماذا كان
منه ؟ قال: بلدي في المكان الفلاني ، وعلك إن جئت تائبة لعلي أن أتزوجك،
-وهو يريد الخلاص منها- أما هو فذهب وخرج نادمًا على تفكيره في عمل
المعصية، نادمًا على تركه العبادة ليجمع المائة دينار ليزني بها، كما يفعل
بعض شبابنا اليوم –هداهم الله- يوم يجمعون دراهمهم ودنانيرهم ليذهبوا
ليعصوا الله في بلاد الكفر والعري، ثم يرجعوا وكأن لم يكن شيئًا، وكأن الله
–عز وجل سبحانه وبحمده وله العزة والجلال- كأنه لا يراقبهم إلا في جزيرة
العرب ، أما هي فأقلقتها بشاعة الفاحشة وآلمتها مرارة الكبيرة ولسعتها
مرارة المعصية وما كان منها إلا أن رجعت إلى الله، وتابت إلى الله، وذهبت
تبحث عمن كان سببًا في توبتها إلى الله- جل وعلا- ذهبت إليه في قريته،
وسألت عنه، فدُلَّت على بيته، فلما وصلت إلى البيت طرقت الباب فخرج، فتذكر
يوم كادت تزل قدمه، فشهق شهقة عظيمة فمات –كما ذكر ذلك [ابن قدامة] في
كتابه التوابين -. فكان منها أن حزنت حزنًا عظيمًا، وقالت: لأتزوجنَّ
قريبًا من أقربائه حبًا فيه، فقالوا: له أخ فقير تقي، قالت: أتزوجه حبًا في
أخيه، فتزوجت هذا العبد الصالح الفقير التقي أخو ذلك الصالح التقي، فجعل
الله من نسلها ومن نسله سبعة من الصالحين العابدين الزاهدين، فلا إله إلا
الله! ما أعظم شأن التوبة! وكلنا ذوو خطأ، فهل من توبة؟ وهل من أوبة؟، آن
لنا أن نتوب، آن لنا أن نؤوب أيها الأحبة. قد يدَّعي الإنسان التوبة ثم لا
يتوب؟ إن ذلك كقول غاسل الثياب: قد غسلتها ولم يغسلها بعد، فالقول لا ينظف
الثياب، وادِّعاء التوبة لا ينظف القلوب، والنفس البشرية كالطفل إن أهملتها
ضاعت وضلت وخسرت وتاهت، وإن هذبتها وأدَّبتها صلحت واستقامت، بل هي
كالبعير إن علفته وغذيته سكن وثبت، وإن تركته صدَّ وندَّ وهرب، والنفس
بطبيعتها تميل إلى الشهوات، وتميل إلى الملذات، ووالله لا فلاح لنفس ولا
نجاح ولا فوز إلا بالعودة إلى بارئها -سبحانه وبحمده- القائل: (قَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)
والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمْه ينفطمِ
خالف هواك إذا دعاك لريبة *** فلا خير في مخالفة الهوى
حتى متى لا ترعوي يا صاحبي ***حتى متى وإلى متى وإلى متى
خالف هواك إذا دعاك لريبة *** فلا خير في مخالفة الهوى
حتى متى لا ترعوي يا صاحبي ***حتى متى وإلى متى وإلى متى
</blockquote>