بسم الله الرحمن الرحيم
هل أخذ جبريل القرآن من الله أم من اللوح المحفوظ؟
إن الحمد لله ،
نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من
يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام
الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل
محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فإننا نجد في أسانيد كثير من القراء { عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن اللوح المحفوظ عن رب العزة}
وهذه المسألة الكلام فيها مبني على أصل عقدي وهو مسألة كلام الله هل هو على الحقيقة وأنه بصوت وحرف.
وهذه
المسألة زلت فيها أقدام وضلت فيها أفهام ذلك أنهم أرادوا تنزيه الله عن
الحوادث ـ بزعمهم ـ فعطلوا الله عن الكلام فمنهم من قال القرآن مخلوق ومنهم
من قال هو كلام نفسي ألقى الله معناه في روع جبريل وغير ذلك من التحريفات
التي ما هي في الحقيقة إلا مخلفات الفلاسفة والمتكلمين ، ولهذا أنقل لك ـ
يا رعاك الله ـ كلام أهل العلم قديماً وحديثاً لبيان معتقد أهل السنة
والجماعة في هذه المسألة العظيمة.
سئل شيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن
تيمية الإمام رحمه الله عن رجل قال إن الله لم يكلم موسى تكليماً وإنما خلق
الكلام والصوت في الشجرة وموسى عليه السلام سمع من الشجرة لا من الله وأن
الله عز وجل لم يكلم جبريل بالقرآن وإنما أخذه من اللوح المحفوظ فهل هو على
الصواب أم لا ؟
فكان من جوابه:
"وكذلك قد أخبر في غير موضع من
القرآن أن القرآن نزل منه وأنه نزل به جبريل منه رداً على هذا المبتدع
المفتري وأمثاله ممن يقول إنه لم ينزل منه قال تعالى ( أفغير الله أبتغي
حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه
منزل من ربك بالحق ) وقال تعالى ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ) وروح
القدس هو جبريل كما قال في الآية الأخرى ( نزل به الروح الأمين على قلبك )
وقال ( من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) وقال هنا (
نزله روح القدس من ربك ) فبين أن جبريل نزله من الله لا من هواء ولا من لوح
ولا غير ذلك وكذلك سائر آيات القرآن ... فقد بين في غير موضع أنه منزل من
الله فمن قال إنه منزل من بعض المخلوقات كاللوح والهواء فهو مفتر على الله
مكذب لكتاب الله متبع لغير سبيل المؤمنين ألا ترى أن الله فرّق بين ما نزل
منه وما نزله من بعض المخلوقات كالمطر بأن قال ( أنزل من السماء ماء ) ...
ولو كان جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ لكان اليهود أكرم على الله من
أمة محمد لأنه قد ثبت بالنقل الصحيح أن الله كتب لموسى التوراة بيده
وأنزلها مكتوبة فيكون بنو إسرائيل قد قرأوا الألواح التي كتبها الله وأما
المسلمون فأخذوه عن محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد أخذه عن جبريل وجبريل عن
اللوح فيكون بنو إسرائيل بمنزلة جبريل وتكون منزلة بني إسرائيل أرفع من
منزلة محمد صلى الله عليه وسلم على قول هؤلاء الجهمية والله سبحانه جعل من
فضائل أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه أنزل عليهم كتاباً لا يغسله الماء
وأنه أنزله عليهم تلاوة لا كتابة وفرقه عليهم لأجل ذلك فقال ( وقرآنا
فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً ) وقال تعالى ( وقالوا
لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ) ثم
إن كان جبريل لم يسمعه من الله وإنما وجده مكتوباً كانت العبارة عبارة
جبريل وكان القرآن كلام جبريل ترجم به عن الله كما يترجم عن الأخرس الذي
كتب كلاماً ولم يقدر أن يتكلم به وهذا خلاف دين المسلمين وإن احتج محتج
بقوله ( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين ) قيل له فقد قال في
الآية الأخرى ( إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا
بقول كاهن قليلاً ما تذكرون ) فالرسول في هذه الآية محمد صلى الله عليه
وسلم والرسول في الأخرى جبريل فلو أريد به أن الرسول أحدث عبارته لتناقض
الخبران فعُلم أنه أضافه إليه إضافة تبليغ لا إضافة إحداث ولهذا قال ( لقول
رسول ) ولم يقل ملك ولا نبي ولا ريب أن الرسول بلغه كما قال تعالى ( يا
أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) فكان النبي يعرض نفسه على الناس في
الموسم ويقول ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي فإن قريشاً قد منعوني
أن أبلغ كلام ربي ولما أنزل الله ( ألم غلبت الروم ) خرج أبو بكر الصديق
فقرأها على الناس فقالوا هذا كلامك أم كلام صاحبك فقال ليس بكلامي ولا كلام
صاحبي ولكنه كلام الله ... وهذه المسألة من أصول أهل الإيمان والسنة التي
فارقوا بها الجهمية من المعتزلة والفلاسفة ونحوهم والكلام عليها مبسوط فى
غير هذا الموضع والله أعلم".(مجموع الفتاوى 12/519ـ522).
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله ـ:
"هذه
((المقالة)) مبنية على أَصل فاسد، وهو القول بخلق القرآن، وهذه هي مقالة
الجهمية والمعتزلة ومن نحى نحوهم. وهذه المقالة الخاطئة حقيقتها إنكار أَن
يكون الله متكلمًا حقيقة، ويلزم هذه المقالة من الكفر والإلحاد والزندقة
وإنكار الرسالة ووصف الله تعالى بالخرس وتشبيهه بآلهة المشركين الأصنام
التي لا تنطق وغير ذلك من المحاذير الكفرية ما يعرفه أَهل العلم فان الذي
عليه أَهل السنة والجماعة قاطبة أَن الله تعالى لم يزل متكلمًا إذا شاءَ
ومتى شاءَ وكيف شاءَ، وأن جبريل عليه السلام سمع القرآن الكريم من الله
تعالى، وبلغه إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
والقائلون بخلق القرآن منهم
من يقول: خلقه في اللوح المحفوظ، وأَخذ جبريل ذلك المخلوق من اللوح
المحفوظ، وجاءَ به إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
ومنهم من يقول: خلقه في جبريل.
ومنهم من يقول: خلقه في محمد، إلى غير ذلك من أَقوالهم.
والأَدلة
لأَهل السنة والجماعة على هذا الأَصل من الكتاب والسنة والمعقول كثيرة
جدًا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ
أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ) وقال تعالى: (حم - تَنزِيلُ
الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - غَافِرِ الذَّنبِ
وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) وقال تعالى: (حم - تَنزِيلٌ مِّنَ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وقال تعالى: (الم - تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا
رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ).وقال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ
الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ) و (من) في هذه الآيات كلها لابتداء
الغاية. وإذا ضم ذلك إلى الآيات الدالة على أَن الله متكلم حقيقة كقوله
تعالى وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ)
(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى
يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ) يعني القرآن ونحو ذلك من الآيات المثبتة. نسبة
القرآن وغيره من كلام الله إلى الله نسبة قول وكلام له تعالى اتضح بذلك
ابتداءُ القرآن من رب العالمين قولاً، ولم يبق أَي لبس في أَن القرآن سمعه
جبريل من رب العالمين، كما سمع موسى عليه السلام الكلام من الله تعالى
حقيقة.
وفي الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام : (( يَقُولُ اللهُ
تَعَالى يَوْم الْقيامَة يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ
فَيُنَادِيْ بصَوْت إن اللهَ يَامُرُكَ أَنْ تُخْرجَ منْ ذُرِّيَّتكَ
بَعْثًا إلى النَّار)).
فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (1/214 وما بعدها.
سئل
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك ـ حفظه الله ـ هل هذه العبارة
صحيحة: (تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن عن جبريل عليه السلام عن
اللوح المحفوظ، عن رب العزة)؟
الجواب :الحمد لله، وبعد:
مذهب أهل
السنة والجماعة أن القرآن كلام الله تكلَّم به وألقاه إلى جبريل الروح
الأمين، فنزل به فأوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم فألقاه على سمعه
وقلبه، فابتداء نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم من ربه بواسطة
الرسول الكريم جبريل، قال الله تعالىوإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح
الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) وقال تعالى: (قل نزله
روح القدس من ربك بالحق) وقال تعالى: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي
العرش مكين) وقال تعالى: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) وهذه
العبارة المذكورة في السؤال تقتضي أن جبرائيل عليه السلام لم يسمع القرآن
من الله وإنما أخذه من اللوح المحفوظ نعم القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ
واللوح المحفوظ هو أم الكتاب كما قال تعالى: (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم
تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) وقال تعالى: (بل هو قرآن مجيد
في لوح محفوظ) .
وبهذا يتبين أن العبارة غير صحيحة لما تتضمنه من المعنى
الفاسد وهو أن جبريل لم يسمع القرآن من الله وهذا مذهب أهل البدع من
الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة وغيرهم يقولون: إن الله لا يتكلم
وهذا القرآن مخلوق بل كل كلام يضاف إلى الله فهو مخلوق والأشاعرة يقولون:
إن كلام الله معنىً نفسي قديم لا يُسمع منه ولا تتعلق به مشيئته وهذا
القرآن المكتوب في المصاحف المتلو بالألسن المحفوظ المسموع هو عبارة عن
المعنى النفسي وحقيقة قولهم أن هذا القرآن مخلوق فشابهوا بذلك المعتزلة
وهذه مذاهب مبتدعة باطلة مناقضة للعقل والشرع ومناقضة لمذهب أهل السنة
والجماعة من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ـ رضوان الله عليهم ـ والله
أعلم.
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك عضو هيئة التدريس بجامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية /القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة التاريخ
19/07/1426هـ
قال الأستاذ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر ـ حفظه الله:ـ
"وأما
من تأثروا ببدع المتكلمين وأهل الباطل ممن يعطون إجازات في القرآن فيوقفون
الإسناد إلى اللوح المحفوظ ، حتى يسلموا من إضافة الكلام إلى الله عز وجل ،
فالقرآن عندهم إنما هو عبارة عن كلام الله ، يقول بعضهم : خلقه الله في
اللوح المحفوظ ، وأخذه جبريل من اللوح المحفوظ مباشرة".