بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه إشراقات رمضانية، ونفحات ربانية تنير دروب الصائمين وتشرح صدور القانتين وتهدي قلوب الحائرين فيها الحكم الشرعي والهدي النبوي والموعظة البليغة والآداب الرشيدة اختصرناها من كلام الإمام أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه التبصرة والله نسأل الإخلاص في الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
قال الله -عز وجل-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]
إنما سمي الشهر شهرًا لشهرته في دخوله وخروجه قاله النحاس وقال ثعلب: "سمي رمضان لأن الإبل ترمض فيه من الحر".
قوله -تعالى-: {هُدًى لِلنَّاسِ} أي: بيانًا لهم.
والبينات: الآيات الواضحات
والفرقان: المفرق في الدين بين الضلالة والشبهة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين». [صححه الألباني].
وفي لفظ «فتحت أبواب الجنة». [رواه البخاري ومسلم، أخرجاه في الصحيحين].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان: صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة». [صححه الألباني].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه». [رواه البخاري ومسلم، أخرجاه في الصحيحين].
وقد أخرجاه من حديث يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة ولفظه: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا» [رواه البخاري ومسلم].
شعر:
من ناله داء دوٍ بذنوبه *** فليأت في رمضان باب طبيبه
فخلوف هذا الصوم يا قوم اعلموا *** أشهى من المسك وطيبه
أو ليس هذا القول قول مليككم *** الصوم لي وأنا الذي أجزي به
إخواني! أين من كان معكم في رمضان الماضي؟
أما أفتنته آفات المنون القواضي؟
أين من كان يتردد إلى المساجد في الظلم؟ سافر عن داره منذ زمان وانعدم!
أين من صبر على مشقة الجوع والظمأ؟ غاب فما آب ومضى فانقضى
أين الذين ارتفعت أصواتهم بالأدعية؟ خرجت تلك الجواهر من تلك الأوعية...
سل الأيام ما فعلت بكسرى *** وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهم للمـــوت طُراًّ *** فلم تدع الحليم ولا السفيها
أما لو بيعت الدنيا بفلس *** أنفت لعاقل أن يشتريها
إخواني... تفكروا لماذا خلقتم فالتفكير عبادة، وامتثلوا أمر الإله قد امر عباده، والتفتوا عن أسباب الشقاء إلى أسباب السعادة، واعلموا أنكم في نقص من الأعمار لا في زيادة.
أيها الغافل عن فضيلة الشهر، اعرف زمانك...
يا كثير الحديث فيمـا يؤذي، احفـظ لسانك...
يا مسؤولًا عن أعمالـه اعقــل شانك...
يا متلوثًا بالزلل، اغسل بالتوبة ما شانك...
يا مكتوبًا عليه كل قبيح، تصفح ديوانك...
قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]
كتب بمعنى فرض.
سأل المأمون علي بن موسى الرضا: أي شيء فائدة الصوم في الحكمة؟
فقال: علم الله ما ينال الفقير من شدة الجوع، فأدخل على الغني الصوم، ليذوق طعم الجوع ضرورة حتى لا ينسى الفقير.
فقال المأمون: أقسم بالله لا كتبت هذا إلا بيدي.
من آداب الصيام
وللصوم آداب يجمعها:
حفظ الجوارح الظاهرة، وحراسة الخواطر الباطنة، فينبغي أن يتلقى رمضان بتوبة صادقة، وعزيمة موافقة، وينبغي تقديم النية، وهي لازمة في كل ليلة.
ولابد من ملازمة الصمت عن الكلام الفاحش والغيبة، فإنه ما صام من ظل يأكل لحوم الناس.
وكف البصر عن النظر الحرام، ويلزم الحذر من تكرار النظر إلى الحلال.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». [رواه البخاري].
ويستحب تعجيل الفطر:
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». [رواه البخاري ومسلم].
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله -عز وجل-: إن أحب عبادي إليّ أعجلهم فطرًا» [المحدث: أحمد شاكر، صحيح].
وفي حديث سليمان بن عامر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا أفطر أحدكم، فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمرًا، فالماء فإنه طهور» [المحدث: الترمذي، حسن].
وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنه- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» [حسنه الألباني].
ويستحب السحور وتأخيره:
وفي الصحيحين من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تسحروا فإن في السحور بركة» [رواه البخاري].
وينبغي للصائم أن يتشاغل طول نهاره بالذكر والتلاوة.
وكان الشافعي -رضي الله عنه- يختم في رمضان ستين ختمة!!
وعن الزهري قال: "تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحة في غيره".
حق شهر رمضان شيئان إن كنت من الموجبين *** حق الصيام
تقطع الصوم في نهارك بالذكر *** وتفني ظلامه بالقيام
ويستحب للصائم أن يفطر الصوام إذا أمكنه، فعن زيد بن خالد الجهني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا» [المحدث: الترمذي، حسن صحيح].
موعظة:
فبادروا إخواني شهركم بأفعال الخير، وأفردوها عن الخطايا لتكون وحدها لا غير، واعلموا أن شهركم هذا شهر إنعام ومير، تعرف حرمته الملائكة والجن والطير.
وآهًا لأوقاته من زواهر ما أشرفها ولساعاته التي كالجواهر ما أظرفها...
أشرقت لياليها بصلاة التراويح وأنارت أيامها بالصلاة والتسبيح...
حليتها الإخلاص والصدق وثمرتها الخلاص والعتق...
إخواني هذا شهر التيقظ.. هذا أوان التحفظ
إخواني بين أيديكم سفر.. والأعمار فيها قصر...
وكلكم والله على خطر... فاعرفوا قدر من قدر..
وتذكروا كيف عصيتم وستر...
قال سري السقطي: "السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها وأنفاس العباد ثمرتها".
فشهر رجب أيام توريقها.. وشعبان أيام تفريعها.. ورمضان أيام قطفها... والمؤمنون قطافها..
هذه الأشهر الثلاث المعظمة كالجمرات الثلاث... فرجب كأول جمرة تحمي بها العزائم، وشعبان كالثانية تذوب فيها مياه العيون، ورمضان كالثالثة تورق فيها أشجار المجاهدات... وأي شجرة لم تورق في الربيع قطعت للحطب!
فيا من قد ذهبت عنه هذه الأشهر وما تغير، أحسن الله عزاءك!!
واعجبًا! لو عرض عليك أن تشرب شربة ماء في رمضان لما شربت ولو ضربت، وأنت فيه تغش في البيع، وتطفف في الميزان، فإذا خرج عصيت الله في شوال، أما كان الناهي عن هذا هو الناهي عن ذاك!
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85].
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له» [حسنه الألباني].
باع قوم جارية قبيل رمضان، فلما حصلت عند المشتري قال لها: هيئي لنا ما يصلح للصوم، فقالت: لقد كنت قبلكم لقوم كان زمانهم رمضان!
عن أنس -رضي الله عنه-: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: «شعبان لتعظيم رمضان» قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال «صدقة في رمضان». [المحدث: المنذري، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما].
من فطر صائمًا فله أجر صائم، فاجتهد أن تصوم رمضان ستين يومًا.
فضائل الصيام عمومًا
اعلموا أن الصوم من أشرف العبادات وله فضيلة ينفرد بها عن جميع التعبدات وهي إضافته إلى الله -عز وجل- بقوله: «الصوم لي وأنا أجزي به» [رواه البخاري].
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله -عز وجل-: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان:فرحة عن فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك» [رواه مسلم].
وعن سهل بن سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلن يدخل منه أحد». [رواه البخاري].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له» [صححه الألباني].
تحذير
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أصبح أحدكم يوما صائما، فلا يرفث ولا يجهل؛ فإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم» [رواه مسلم].
وقد لا تخلص النية، ولا يحصل الأجر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر» [المحدث: الألباني، صحيح لغيره، المصدر: صحيح الترغيب].
مع السلف
كان أبو أمامة وامرأته لا يلفون إلا صيامًا، فإذا رأوا عندهم نارًا أو دخانًا في منزلهم، عرفوا أن قد اعتراهم ضعف.
وكان جماعة من السلف يغتنمون العمر، فيسردون الصوم ولا يفطرون إلا الأيام المحرمة.
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يسرد الصوم، وسرده أبو طلحة وأبو أمامة وعائشة وعروة وسعيد بن المسيب وكان بعض السلف يبكي عند الموت فقيل له: ما يبكيك؟
قال: أبكي على يوم ما صمته وليلة ما قمتها!!
فاغتنموا إخواني زمنكم وبادروا بالصحة سقمكم، واحفظوا أمانة التكليف لمن أمنكم وكأنكم بالحميم وقد دفنكم وبالعمل في القبر قد ارتهنكم.
ألم يأن تركي ما علي ولا ليا *** وعزمي ما فيه إصلاح حاليا
وقد نال مني الدهر وابيض مفرقي *** بكر الليالي كما هيا
أليس الليالي غاصباتي مهجتي *** كما غصبت قبلي القرون الخواليا
إعداد القسم العلمي بمدار الوطن
تنسيق موقع وذكر الإسلامي
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه إشراقات رمضانية، ونفحات ربانية تنير دروب الصائمين وتشرح صدور القانتين وتهدي قلوب الحائرين فيها الحكم الشرعي والهدي النبوي والموعظة البليغة والآداب الرشيدة اختصرناها من كلام الإمام أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه التبصرة والله نسأل الإخلاص في الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
قال الله -عز وجل-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]
إنما سمي الشهر شهرًا لشهرته في دخوله وخروجه قاله النحاس وقال ثعلب: "سمي رمضان لأن الإبل ترمض فيه من الحر".
قوله -تعالى-: {هُدًى لِلنَّاسِ} أي: بيانًا لهم.
والبينات: الآيات الواضحات
والفرقان: المفرق في الدين بين الضلالة والشبهة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين». [صححه الألباني].
وفي لفظ «فتحت أبواب الجنة». [رواه البخاري ومسلم، أخرجاه في الصحيحين].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان: صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة». [صححه الألباني].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه». [رواه البخاري ومسلم، أخرجاه في الصحيحين].
وقد أخرجاه من حديث يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة ولفظه: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا» [رواه البخاري ومسلم].
شعر:
من ناله داء دوٍ بذنوبه *** فليأت في رمضان باب طبيبه
فخلوف هذا الصوم يا قوم اعلموا *** أشهى من المسك وطيبه
أو ليس هذا القول قول مليككم *** الصوم لي وأنا الذي أجزي به
إخواني! أين من كان معكم في رمضان الماضي؟
أما أفتنته آفات المنون القواضي؟
أين من كان يتردد إلى المساجد في الظلم؟ سافر عن داره منذ زمان وانعدم!
أين من صبر على مشقة الجوع والظمأ؟ غاب فما آب ومضى فانقضى
أين الذين ارتفعت أصواتهم بالأدعية؟ خرجت تلك الجواهر من تلك الأوعية...
سل الأيام ما فعلت بكسرى *** وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهم للمـــوت طُراًّ *** فلم تدع الحليم ولا السفيها
أما لو بيعت الدنيا بفلس *** أنفت لعاقل أن يشتريها
إخواني... تفكروا لماذا خلقتم فالتفكير عبادة، وامتثلوا أمر الإله قد امر عباده، والتفتوا عن أسباب الشقاء إلى أسباب السعادة، واعلموا أنكم في نقص من الأعمار لا في زيادة.
أيها الغافل عن فضيلة الشهر، اعرف زمانك...
يا كثير الحديث فيمـا يؤذي، احفـظ لسانك...
يا مسؤولًا عن أعمالـه اعقــل شانك...
يا متلوثًا بالزلل، اغسل بالتوبة ما شانك...
يا مكتوبًا عليه كل قبيح، تصفح ديوانك...
قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]
كتب بمعنى فرض.
سأل المأمون علي بن موسى الرضا: أي شيء فائدة الصوم في الحكمة؟
فقال: علم الله ما ينال الفقير من شدة الجوع، فأدخل على الغني الصوم، ليذوق طعم الجوع ضرورة حتى لا ينسى الفقير.
فقال المأمون: أقسم بالله لا كتبت هذا إلا بيدي.
من آداب الصيام
وللصوم آداب يجمعها:
حفظ الجوارح الظاهرة، وحراسة الخواطر الباطنة، فينبغي أن يتلقى رمضان بتوبة صادقة، وعزيمة موافقة، وينبغي تقديم النية، وهي لازمة في كل ليلة.
ولابد من ملازمة الصمت عن الكلام الفاحش والغيبة، فإنه ما صام من ظل يأكل لحوم الناس.
وكف البصر عن النظر الحرام، ويلزم الحذر من تكرار النظر إلى الحلال.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». [رواه البخاري].
ويستحب تعجيل الفطر:
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». [رواه البخاري ومسلم].
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله -عز وجل-: إن أحب عبادي إليّ أعجلهم فطرًا» [المحدث: أحمد شاكر، صحيح].
وفي حديث سليمان بن عامر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا أفطر أحدكم، فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمرًا، فالماء فإنه طهور» [المحدث: الترمذي، حسن].
وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنه- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» [حسنه الألباني].
ويستحب السحور وتأخيره:
وفي الصحيحين من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تسحروا فإن في السحور بركة» [رواه البخاري].
وينبغي للصائم أن يتشاغل طول نهاره بالذكر والتلاوة.
وكان الشافعي -رضي الله عنه- يختم في رمضان ستين ختمة!!
وعن الزهري قال: "تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحة في غيره".
حق شهر رمضان شيئان إن كنت من الموجبين *** حق الصيام
تقطع الصوم في نهارك بالذكر *** وتفني ظلامه بالقيام
ويستحب للصائم أن يفطر الصوام إذا أمكنه، فعن زيد بن خالد الجهني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا» [المحدث: الترمذي، حسن صحيح].
موعظة:
فبادروا إخواني شهركم بأفعال الخير، وأفردوها عن الخطايا لتكون وحدها لا غير، واعلموا أن شهركم هذا شهر إنعام ومير، تعرف حرمته الملائكة والجن والطير.
وآهًا لأوقاته من زواهر ما أشرفها ولساعاته التي كالجواهر ما أظرفها...
أشرقت لياليها بصلاة التراويح وأنارت أيامها بالصلاة والتسبيح...
حليتها الإخلاص والصدق وثمرتها الخلاص والعتق...
إخواني هذا شهر التيقظ.. هذا أوان التحفظ
إخواني بين أيديكم سفر.. والأعمار فيها قصر...
وكلكم والله على خطر... فاعرفوا قدر من قدر..
وتذكروا كيف عصيتم وستر...
قال سري السقطي: "السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها وأنفاس العباد ثمرتها".
فشهر رجب أيام توريقها.. وشعبان أيام تفريعها.. ورمضان أيام قطفها... والمؤمنون قطافها..
هذه الأشهر الثلاث المعظمة كالجمرات الثلاث... فرجب كأول جمرة تحمي بها العزائم، وشعبان كالثانية تذوب فيها مياه العيون، ورمضان كالثالثة تورق فيها أشجار المجاهدات... وأي شجرة لم تورق في الربيع قطعت للحطب!
فيا من قد ذهبت عنه هذه الأشهر وما تغير، أحسن الله عزاءك!!
واعجبًا! لو عرض عليك أن تشرب شربة ماء في رمضان لما شربت ولو ضربت، وأنت فيه تغش في البيع، وتطفف في الميزان، فإذا خرج عصيت الله في شوال، أما كان الناهي عن هذا هو الناهي عن ذاك!
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85].
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له» [حسنه الألباني].
باع قوم جارية قبيل رمضان، فلما حصلت عند المشتري قال لها: هيئي لنا ما يصلح للصوم، فقالت: لقد كنت قبلكم لقوم كان زمانهم رمضان!
عن أنس -رضي الله عنه-: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: «شعبان لتعظيم رمضان» قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال «صدقة في رمضان». [المحدث: المنذري، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما].
من فطر صائمًا فله أجر صائم، فاجتهد أن تصوم رمضان ستين يومًا.
فضائل الصيام عمومًا
اعلموا أن الصوم من أشرف العبادات وله فضيلة ينفرد بها عن جميع التعبدات وهي إضافته إلى الله -عز وجل- بقوله: «الصوم لي وأنا أجزي به» [رواه البخاري].
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله -عز وجل-: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان:فرحة عن فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك» [رواه مسلم].
وعن سهل بن سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلن يدخل منه أحد». [رواه البخاري].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له» [صححه الألباني].
تحذير
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أصبح أحدكم يوما صائما، فلا يرفث ولا يجهل؛ فإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم» [رواه مسلم].
وقد لا تخلص النية، ولا يحصل الأجر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر» [المحدث: الألباني، صحيح لغيره، المصدر: صحيح الترغيب].
مع السلف
كان أبو أمامة وامرأته لا يلفون إلا صيامًا، فإذا رأوا عندهم نارًا أو دخانًا في منزلهم، عرفوا أن قد اعتراهم ضعف.
وكان جماعة من السلف يغتنمون العمر، فيسردون الصوم ولا يفطرون إلا الأيام المحرمة.
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يسرد الصوم، وسرده أبو طلحة وأبو أمامة وعائشة وعروة وسعيد بن المسيب وكان بعض السلف يبكي عند الموت فقيل له: ما يبكيك؟
قال: أبكي على يوم ما صمته وليلة ما قمتها!!
فاغتنموا إخواني زمنكم وبادروا بالصحة سقمكم، واحفظوا أمانة التكليف لمن أمنكم وكأنكم بالحميم وقد دفنكم وبالعمل في القبر قد ارتهنكم.
ألم يأن تركي ما علي ولا ليا *** وعزمي ما فيه إصلاح حاليا
وقد نال مني الدهر وابيض مفرقي *** بكر الليالي كما هيا
أليس الليالي غاصباتي مهجتي *** كما غصبت قبلي القرون الخواليا
إعداد القسم العلمي بمدار الوطن
تنسيق موقع وذكر الإسلامي