بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
على طالب العلم أن يحرص أن لا يقصد بعلمه اغتيال المناصب في الدنيا يغتال الولايات بهذا العلم ، نعم يَلبس العلم من فوق وهو يغتال به المناصب يريد أن يولّى
يا جاعل العلم له باذيا **يصطاد أموال المساكين
يا جاعل العلم له باذيا يعني الطير هذا الذي يُصاد به نوع من أنواع الصقور الذي يقال له الباذي
إحتلتَ للدنيا ولذاتها **بحيلة تذهب بالدينِ
أين رواياتك في ذمها **عن ابن عونٍ وابن سيرينِ
فصرتَ مجنونًا بها بعدما **كنتَ دواءًا للمجانينِ
إن قلتَ أُكرِهتُ فما ذا كذا ** زلَّ حمار العلم في الطينِ
فإياك إياك يا عبد الله أن تغازل بعلمك الولايات والمناصب ، تريد المنصب ، تريد أن تكون واليًا على شيء من الأشياء ، بيت المال ، رئاسة القضاء ، الإفتاء ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إدارة الجامعة الفلانية ، إدارة الكلية الفلانية ، إدارة المدرسة الفلانية أو إدارة الوقف الفلاني ونحو ذلك فهذا كله من مناصب الدنيا نعوذ بالله من ذلك ولا يجوز لك أيضًا أن يكون همك في طلب العلم أو أن يكون القصد من طلبك للعلم تحصيل الثناء عليك من الناس ، فلان عالِم ، فلان حافظ ، فلان فقيه ، فلان محدث ماشاء الله ، هذا سيكون حظك من الدنيا وتَقْدم على الله تبارك وتعالى قد خسرتَ الدنيا والآخرة فاحذر يا عبد الله من هذا احذر أيها الطالب من هذا الداء داء حب المديح ، حب الثناء ، حب الإشارة إليك بالبنان فإنه قد ورد في ذلك الوعيد الشديد في كتاب الله تبارك وتعالى مما أشار إليه الناظم وسيأتي وفي صحيح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرَضًا من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة " خرَّجه أبو داود وغيره أو " لم يرَح رائحة الجنة "وأيضًا جاء عنه رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الثلاثة الذين أول ما تُسجَّر بهم جهنم يأتي الله بهم يوم القيامة فيُعرِّفهم نعمه عليهم فيعرفونها فيقول للأول ماذا عملت بها أو فيها ؟ فيقول : يا ربي تعلمت العلم وعلَّمته فيك فيقول الله له : كَذَبت وتقول له الملائكة : كذبت ثم يُؤمر به فيُلقى على وجهه في النار والعياذ بالله فنعوذ بالله من غضب الجبار . والثاني الذي قاتل فيُعَرِّفه كما تقدم أيضًا فيقول ماذا عملت ؟ فيقول : يا ربي قاتلت حتى قُتِلت فيك فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت فيؤمر به فيُلقى على وجهه في النار ، نعم إنما قاتلت ليقال جواد وقد قيل والأول قرأت ليقال قارئ وقد قيل فيُلقى على وجهه في النار والثاني يُلقى على وجهه في النار والثالث صاحب المال أنفقته فيك فيقول الله كذبت وتقول له الملائكة كذبت إنما أنفقت ليقال جواد وقد قيل فيؤمر به فيلقى على وجهه في النار والعياذ بالله نعم ولهذا قال الناظم ابن رسلان في الزُّبَد عند الشافعية :
وعالمٌ بعلمه لم يعملَنْ ** مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْل عُبّاد الوثن
أخذه من هذا الحديث "أول ثلاثة تسجَّر بهم جهنم يوم القيامة -نسأل الله العافية والسلامة - فيجب على الإنسان أن يبتعد عن ذلك غاية البعد ويَحذر منه غاية الحذر وجاء أيضًا عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه : ( من طلب العلم ليُماري به السفهاء أو يجادل به العلماء ولفظ أو يجاري به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار ) نسأل الله العافية والسلامة ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : لا تَعَلَّموا العلم لثلاث : لتماروا به السفهاء أو لتجادلوا به الفقهاء أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، لا تَعَلَّموا العلم لثلاث : لتماروا به السفهاء وسيأتي : (إيَّاكَ واحْذَرْ مُمارَاةَ السَّفِيهِ بِهِ )سيأتينا أو لتجادلوا به الفقهاء أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، ثم قال : وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله تعالى فإن ما عند الله يبقى وما سواه يفنى فلهذا ينبغي للعالم والمتعلم أن يترفعا عن هذا المقصد والمتعلم من باب أولى كما قلنا لأن جانبه أضعف فالدينار يَحرفه والدرهم يَصرفه وهكذا ، الدرهم شيء قليل يصرفه أما الدينار كثير فيحرفه فنسأل الله العافية والسلامة وأنتم ترون كم من سلفي أقبل على العلم في هذا الزمن فحرفه الدينار وإذا به مؤسسات وإذا به ندوات وإذا به جمعيات وإذا به استثمارات وترَك العلم والتعلم فالدينار يَحرِف كما أن الدرهم يصرف فلا يصرفنكم عن العلم شيء من حطام الدنيا فإن الدنيا حقيرة ذليلة ليست بشيء وسيأتي إن شاء الله مزيد كلام على ذلك فالواجب على العالم والمتعلم أن يتفطنوا لهذا فإن الأمر جِدُّ خطير وننبِّه على هذا لأننا في هذا العصر بالذات هذه الجمعيات والمؤسسات التي تأتي الآن على الساحة ويسمونها الدعوية أول ما تُركِّز على حَرْف وصَرْف طلبة العلم فتفسدهم بالمال وإذا بك بعد أن كنتَ ترى النظارة في وجوههم وحرصهم على طلب الحديث والفقه والسنة والأثر تجدهم كالكلاب المسعورة أكرمكم الله بعد أن دخل حب الدينار والدرهم في قلوبهم فتبدلت حالهم وتغيرت أخلاقهم فتجد الكذب والبهتان والحرص على الدنيا والتنافس عليها والعيب والذم منهم لأهل الدعوة الحقَّة إلى كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لماذا ؟ لأن هؤلاء لم يفطن لهم إلا أصحاب العلم الحق وأصحاب الفقه الحق الذين يهدون بأمر الله وبه يعدلون فهُم يعادونهم لأن هؤلاء يُمسِّكون بالكتاب يمسِّكون الناس بالكتاب ويدعونهم إلى العلم وإلى البقاء على ما ينفعهم في الدنيا والآخرة وأولئك يريدون أن يحرفوهم فأول ما يصطدمون يصطدمون بهؤلاء العلماء وكم من شخص أَوْبق نفسه فأهلك آخرته بدنياه نسأل الله العافية والسلامة وذلك أنه كم من عمل يُتصوَّر بصورة عمل الآخرة ثم يصير من أعمال الدنيا بسوء النية ، وكم من عمل يُتصوَّر بصورة أعمال الدنيا ثم يصير من عمل الآخرة بحُسن النية فإنك أوَّل ما تقوم بطلب العلم تأتيك هذه الوساوس وتأتيك هذه الخطرات فأنت تجالد نفسك حتى تغلبها بأمر الله تبارك وتعالى قال إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي رحمهم الله تعالى : مَنْ طلب هذا العلم لله تعالى شَرُفَ وسَعِدَ في الدنيا والآخرة ، هذا إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الذي كان لجده أبي إسحاق السبيعي كعصا موسى لموسى يقولون فيه لأنه هو قائده ويَعْلم حديثه حتى إنه يعلم مدخوله من صحيحه ولذلك أخذ عنه وخرّج له صاحب الصحيح عن جده وكان قد اختلط والذين قالوا إن البخاري لم يخرِّج لأبي إسحاق السبيعي من طريق (..) هذا أخطأ وهِم وحديثه في البخاري وذلك لأنه حافظ لحديث جده وكان أبوه يونس يقول : ابني إسرائيل أحفظ لحديث جده مني، فهذا إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي رحمه الله يقول : من طلب هذا العلم لله تعالى شَرُفَ وسَعِدَ في الدنيا والآخرة ومن لم يطلبه لله خسر في الدنيا والآخرة نسأل الله العافية والسلامة وينبغي لكل طالب علم أن يتفكر في تعلُّمه هذا العلم كيف يرضى أن يستبدل به الدنيا يتفكر فيه على هذه الصورة أنا أطلب من كل طالب علم أن يتفكر كيف يبيع العلم بالدنيا ؟ يتفكر بالعلم على هذه الصورة فإذا تفكر فيه على هذه الصورة تفكرًا صحيحًا لا أظن ذلك إلا مفيده بإذن الله تبارك وتعالى كيف؟ يفكر يقول أنا تعلمت هذا العلم وما حصّلته إلا بالكدّ الشديد وبالجهد الكثير فهذا يدل على شرفه وعلو منزلته أفَيَليق بي أن أصرفه مع عزته ورفعته في مقابل هذه الدنيا الدنية الحقيرة ؟ يتفكر بس هذا التفكر ،كل الدنيا حقيرة في مقابل العلم ما بين أقطارها في مقابل العلم حقير فإذا تفكر الإنسان في كده ونصبه وتعبه في تحصيل هذا العلم ثم فكر بعد ذلك يستبدل به هذه الدنيا الدنية؟ إنه والله لأحمق إن فعل ، ألا ترى إذا كان معك دينار ذهب وقيل لك تستبدله بدرهم مغشوش ، درهم لكنه مغشوش ما نحن قائلين بدينار ، درهم ، تَقْبل؟ درهم مغشوش فيه فضة وفيه غير الفضة حديد تَقبَل أو ما تقبل ؟ طيب هذا درهم طيب إذا كان حديد خفيف من باب أولى هذا معدن نفيس ذهب تستبدله بحديد خفيف ؟ ما يمكن فالعلم نفيس فلا تستبدله بالخفيف تعبتَ وكدَحتَ وجهِدتَ حتى حصَّلته فلما بلغت أو كِدْت بعته بالخسيس الرخيص ؟ هذا والله يدل على الحماقة فالواجب على العبد أن يتفكر في هذا العلم وفي الذي يقابله هل يستحق أن يعطيه بمقابله أو لا ؟
أرى الناس مَنْ دانهمُ هانَ عندهمُ ** ومَنْ لَزِمَتْهُ عِفَّة النفس أُكْرِمَ
يقولون لي فيكَ انقباضٌ وإنما ** رأوا رجلًا عن موقف الذُّلِّ أحْجَمَا
إذا قيل هذا موردٌ قلتُ قد أرى ** ولكنَّ نفسَ الحرِّ تحتمل الضَّما
وما كل برقٍ لاحَ لي يستفزني **ولا كُلُّ مَنْ في الأرض أرضاهُ مُنْعِما
إلى أن قال :
أأشقى به غرسًا وأجنيه ذلةً -يعني العلم- **إذًا فاتخاذ الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ** ولو عظموه في النفوسِ لعُظِّما
ولكن أهانوه فهانَ ودنَّسوا** محَيّاهُ بالأطماعِ حتى تَجَهَّما
فكلما رأيت إنسانًا يجري خلف الدنيا فاعلم أنه لص (..) يبدأ بالعلم لص وأنتم سمعتم عتاب الأولين . وَلِي ولاية فقط ابن عُلَيَّة ولي بيت المال فكتب له ابن المبارك :
يا جاعل العلم له باذِيًا** يصطاد أموال المساكينِ
أين رواياتك في ذَمِّها **عن ابن عَونٍ وابن سيرينِ
إلى آخر الأبيات فيجب على طالب العلم أن يحفظ علمه وأن يصحح نيته فإن هذه الدنيا فانية وهي حقيرة ذليلة لا ينبغي أن تكون عوضًا (..) فيها العلم فمن فعل ذلك فهو الأحمق والله ولهذا قال القائل :
هي الدنيا أقل من القليل ** وعاشقها أذل من الذليل
تُصِمُّ بسحرها قومًا وتُعمي** فَهُم متحيرون بلا دليلِ
هذه هي حال الدنيا ، هي الدنيا أقل من القليل... وعاشقها أذل من الذليل ، عاشق الدنيا أذل من الذليل تصوَّر أي ذليل ، عاشق الدنيا أذل منه ، الدينار يقيمه والدرهم يقعده ، عبد الدينار والدرهم ، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه هذا ، بعض المتبجحين يقول : تُكفِّرون الناس ! هذا قول نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش إن أُعطي رضي وإن لم يُعطَ لم يرضَ"فهذا نسأل الله العافية والسلامة ، الدنيا قليلها يَصرفك فكثيرها ماذا ؟ يَحرفك ، وكم عرفنا وللأسف انتقل من العلم إلى هذه الجمعيات والدعوات التنظيمية كما يزعمون فأضاع العلم وما اكتفى بذلك بل أراد أن يضيع طلاب العلم في أقطار المعمورة فاحذروا من هذا الصنف على حِلَقِكم إن انقلبتم إلى بلدانكم فإنهم والله قُطّاع الطريق على أهل العلم وقطّاع الطريق على طلبة العلم نسأل الله العافية والسلامة فمما ينبغي لطالب العلم وللعالم أن لا يُذِل نفسه بالطمع ويحترز كل الاحتراز عما فيه مذلة العلم وأهله .......
ثم قال الشيخ في آخر المادة :
قيل لسفيان رحمه الله -سفيان الثوري - : مَن الناس ؟ من هم الناس ؟ إذا قيل الناس ، الناس الذين يملؤون الفم والعين والصدر إذا رأيتهم ، مَنْ الناس ؟ قال : العلماء . قيل : ومَن السَّفلة ؟ قال : الظَّلَمة ، سفلة القوم أحط القوم ( لا يظلم إلا مَن هانت نفسه عليه فهو من أسفل الناس نسأل الله العافية والسلامة ) قيل له: فمَن الغوغاء ؟ قال : الذين يكتبون الحديث يأكلون به الناس (الذين يكتبون الحديث ، العلم ، يأكلون به الناس يتأكَّلون به ) قيل له : فمن الملوك ؟ قال : الزهّاد الذي يرتضي بما عنده ولو كان قليلًا مع عزة نفسه وصيانة دينه ولا يعرِّض دينه ونفسه للخطر ولهذا قال ابن الوردي في مرشدة الخلان :
مُلْك كِسرى عنه تغني كِسرةٌ **ومِن البحر اجتزاء بالوَشَل
مُلْك كسرى ، كسرة واحدة تكفي عنه وأنا حُر ليس لأحد عليّ منَّة أقول بما أدين الله به بملئ فيَّ يخطب الناس ودِّي ولا أخطب ودَّ أحد
فأقول بأمر الله ولا أخشى إلا الله تبارك وتعالى
مُلْكُ كسرى عنه تغني كِسرةٌ **ومن البحر اجتزاء بالوشل ، الوشل أول المطر الخفيف جدًا الذي لا يكاد يُحَسّ ، نعم هذا هو الوشل فيكفيني هذا الوشل القليل يبل به ريقه من الدنيا عن أن تكون عنده الأموال مثل البحار
مُلْكُ كسرى عنه تغني كِسرةٌ **ومن البحر اجتزاء بالوشل فيجب على طالب العلم أن يقوم بحق الله تبارك وتعالى في هذا الجانب فيحفظ هذا العلم ويصونه فإنه قد شقي به غرسًا فلا يجنيه ذلا فإنه قد شقي فيه غرسًا يعني شقي فيه يعني تعِب في تحصيله ، شقي به غرسًا فلا يجنيه ذلة ومهانة حينما يأتي وقت الثمرة يجنيه مذلة يبيعه بالدنيا ؟ إذًا فاتخاذ الجهل قد كان أحزم
[الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله/شرح ميمية الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله/من المادة الثامنة]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
على طالب العلم أن يحرص أن لا يقصد بعلمه اغتيال المناصب في الدنيا يغتال الولايات بهذا العلم ، نعم يَلبس العلم من فوق وهو يغتال به المناصب يريد أن يولّى
يا جاعل العلم له باذيا **يصطاد أموال المساكين
يا جاعل العلم له باذيا يعني الطير هذا الذي يُصاد به نوع من أنواع الصقور الذي يقال له الباذي
إحتلتَ للدنيا ولذاتها **بحيلة تذهب بالدينِ
أين رواياتك في ذمها **عن ابن عونٍ وابن سيرينِ
فصرتَ مجنونًا بها بعدما **كنتَ دواءًا للمجانينِ
إن قلتَ أُكرِهتُ فما ذا كذا ** زلَّ حمار العلم في الطينِ
فإياك إياك يا عبد الله أن تغازل بعلمك الولايات والمناصب ، تريد المنصب ، تريد أن تكون واليًا على شيء من الأشياء ، بيت المال ، رئاسة القضاء ، الإفتاء ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إدارة الجامعة الفلانية ، إدارة الكلية الفلانية ، إدارة المدرسة الفلانية أو إدارة الوقف الفلاني ونحو ذلك فهذا كله من مناصب الدنيا نعوذ بالله من ذلك ولا يجوز لك أيضًا أن يكون همك في طلب العلم أو أن يكون القصد من طلبك للعلم تحصيل الثناء عليك من الناس ، فلان عالِم ، فلان حافظ ، فلان فقيه ، فلان محدث ماشاء الله ، هذا سيكون حظك من الدنيا وتَقْدم على الله تبارك وتعالى قد خسرتَ الدنيا والآخرة فاحذر يا عبد الله من هذا احذر أيها الطالب من هذا الداء داء حب المديح ، حب الثناء ، حب الإشارة إليك بالبنان فإنه قد ورد في ذلك الوعيد الشديد في كتاب الله تبارك وتعالى مما أشار إليه الناظم وسيأتي وفي صحيح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرَضًا من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة " خرَّجه أبو داود وغيره أو " لم يرَح رائحة الجنة "وأيضًا جاء عنه رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الثلاثة الذين أول ما تُسجَّر بهم جهنم يأتي الله بهم يوم القيامة فيُعرِّفهم نعمه عليهم فيعرفونها فيقول للأول ماذا عملت بها أو فيها ؟ فيقول : يا ربي تعلمت العلم وعلَّمته فيك فيقول الله له : كَذَبت وتقول له الملائكة : كذبت ثم يُؤمر به فيُلقى على وجهه في النار والعياذ بالله فنعوذ بالله من غضب الجبار . والثاني الذي قاتل فيُعَرِّفه كما تقدم أيضًا فيقول ماذا عملت ؟ فيقول : يا ربي قاتلت حتى قُتِلت فيك فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت فيؤمر به فيُلقى على وجهه في النار ، نعم إنما قاتلت ليقال جواد وقد قيل والأول قرأت ليقال قارئ وقد قيل فيُلقى على وجهه في النار والثاني يُلقى على وجهه في النار والثالث صاحب المال أنفقته فيك فيقول الله كذبت وتقول له الملائكة كذبت إنما أنفقت ليقال جواد وقد قيل فيؤمر به فيلقى على وجهه في النار والعياذ بالله نعم ولهذا قال الناظم ابن رسلان في الزُّبَد عند الشافعية :
وعالمٌ بعلمه لم يعملَنْ ** مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْل عُبّاد الوثن
أخذه من هذا الحديث "أول ثلاثة تسجَّر بهم جهنم يوم القيامة -نسأل الله العافية والسلامة - فيجب على الإنسان أن يبتعد عن ذلك غاية البعد ويَحذر منه غاية الحذر وجاء أيضًا عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه : ( من طلب العلم ليُماري به السفهاء أو يجادل به العلماء ولفظ أو يجاري به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار ) نسأل الله العافية والسلامة ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : لا تَعَلَّموا العلم لثلاث : لتماروا به السفهاء أو لتجادلوا به الفقهاء أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، لا تَعَلَّموا العلم لثلاث : لتماروا به السفهاء وسيأتي : (إيَّاكَ واحْذَرْ مُمارَاةَ السَّفِيهِ بِهِ )سيأتينا أو لتجادلوا به الفقهاء أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، ثم قال : وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله تعالى فإن ما عند الله يبقى وما سواه يفنى فلهذا ينبغي للعالم والمتعلم أن يترفعا عن هذا المقصد والمتعلم من باب أولى كما قلنا لأن جانبه أضعف فالدينار يَحرفه والدرهم يَصرفه وهكذا ، الدرهم شيء قليل يصرفه أما الدينار كثير فيحرفه فنسأل الله العافية والسلامة وأنتم ترون كم من سلفي أقبل على العلم في هذا الزمن فحرفه الدينار وإذا به مؤسسات وإذا به ندوات وإذا به جمعيات وإذا به استثمارات وترَك العلم والتعلم فالدينار يَحرِف كما أن الدرهم يصرف فلا يصرفنكم عن العلم شيء من حطام الدنيا فإن الدنيا حقيرة ذليلة ليست بشيء وسيأتي إن شاء الله مزيد كلام على ذلك فالواجب على العالم والمتعلم أن يتفطنوا لهذا فإن الأمر جِدُّ خطير وننبِّه على هذا لأننا في هذا العصر بالذات هذه الجمعيات والمؤسسات التي تأتي الآن على الساحة ويسمونها الدعوية أول ما تُركِّز على حَرْف وصَرْف طلبة العلم فتفسدهم بالمال وإذا بك بعد أن كنتَ ترى النظارة في وجوههم وحرصهم على طلب الحديث والفقه والسنة والأثر تجدهم كالكلاب المسعورة أكرمكم الله بعد أن دخل حب الدينار والدرهم في قلوبهم فتبدلت حالهم وتغيرت أخلاقهم فتجد الكذب والبهتان والحرص على الدنيا والتنافس عليها والعيب والذم منهم لأهل الدعوة الحقَّة إلى كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لماذا ؟ لأن هؤلاء لم يفطن لهم إلا أصحاب العلم الحق وأصحاب الفقه الحق الذين يهدون بأمر الله وبه يعدلون فهُم يعادونهم لأن هؤلاء يُمسِّكون بالكتاب يمسِّكون الناس بالكتاب ويدعونهم إلى العلم وإلى البقاء على ما ينفعهم في الدنيا والآخرة وأولئك يريدون أن يحرفوهم فأول ما يصطدمون يصطدمون بهؤلاء العلماء وكم من شخص أَوْبق نفسه فأهلك آخرته بدنياه نسأل الله العافية والسلامة وذلك أنه كم من عمل يُتصوَّر بصورة عمل الآخرة ثم يصير من أعمال الدنيا بسوء النية ، وكم من عمل يُتصوَّر بصورة أعمال الدنيا ثم يصير من عمل الآخرة بحُسن النية فإنك أوَّل ما تقوم بطلب العلم تأتيك هذه الوساوس وتأتيك هذه الخطرات فأنت تجالد نفسك حتى تغلبها بأمر الله تبارك وتعالى قال إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي رحمهم الله تعالى : مَنْ طلب هذا العلم لله تعالى شَرُفَ وسَعِدَ في الدنيا والآخرة ، هذا إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الذي كان لجده أبي إسحاق السبيعي كعصا موسى لموسى يقولون فيه لأنه هو قائده ويَعْلم حديثه حتى إنه يعلم مدخوله من صحيحه ولذلك أخذ عنه وخرّج له صاحب الصحيح عن جده وكان قد اختلط والذين قالوا إن البخاري لم يخرِّج لأبي إسحاق السبيعي من طريق (..) هذا أخطأ وهِم وحديثه في البخاري وذلك لأنه حافظ لحديث جده وكان أبوه يونس يقول : ابني إسرائيل أحفظ لحديث جده مني، فهذا إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي رحمه الله يقول : من طلب هذا العلم لله تعالى شَرُفَ وسَعِدَ في الدنيا والآخرة ومن لم يطلبه لله خسر في الدنيا والآخرة نسأل الله العافية والسلامة وينبغي لكل طالب علم أن يتفكر في تعلُّمه هذا العلم كيف يرضى أن يستبدل به الدنيا يتفكر فيه على هذه الصورة أنا أطلب من كل طالب علم أن يتفكر كيف يبيع العلم بالدنيا ؟ يتفكر بالعلم على هذه الصورة فإذا تفكر فيه على هذه الصورة تفكرًا صحيحًا لا أظن ذلك إلا مفيده بإذن الله تبارك وتعالى كيف؟ يفكر يقول أنا تعلمت هذا العلم وما حصّلته إلا بالكدّ الشديد وبالجهد الكثير فهذا يدل على شرفه وعلو منزلته أفَيَليق بي أن أصرفه مع عزته ورفعته في مقابل هذه الدنيا الدنية الحقيرة ؟ يتفكر بس هذا التفكر ،كل الدنيا حقيرة في مقابل العلم ما بين أقطارها في مقابل العلم حقير فإذا تفكر الإنسان في كده ونصبه وتعبه في تحصيل هذا العلم ثم فكر بعد ذلك يستبدل به هذه الدنيا الدنية؟ إنه والله لأحمق إن فعل ، ألا ترى إذا كان معك دينار ذهب وقيل لك تستبدله بدرهم مغشوش ، درهم لكنه مغشوش ما نحن قائلين بدينار ، درهم ، تَقْبل؟ درهم مغشوش فيه فضة وفيه غير الفضة حديد تَقبَل أو ما تقبل ؟ طيب هذا درهم طيب إذا كان حديد خفيف من باب أولى هذا معدن نفيس ذهب تستبدله بحديد خفيف ؟ ما يمكن فالعلم نفيس فلا تستبدله بالخفيف تعبتَ وكدَحتَ وجهِدتَ حتى حصَّلته فلما بلغت أو كِدْت بعته بالخسيس الرخيص ؟ هذا والله يدل على الحماقة فالواجب على العبد أن يتفكر في هذا العلم وفي الذي يقابله هل يستحق أن يعطيه بمقابله أو لا ؟
أرى الناس مَنْ دانهمُ هانَ عندهمُ ** ومَنْ لَزِمَتْهُ عِفَّة النفس أُكْرِمَ
يقولون لي فيكَ انقباضٌ وإنما ** رأوا رجلًا عن موقف الذُّلِّ أحْجَمَا
إذا قيل هذا موردٌ قلتُ قد أرى ** ولكنَّ نفسَ الحرِّ تحتمل الضَّما
وما كل برقٍ لاحَ لي يستفزني **ولا كُلُّ مَنْ في الأرض أرضاهُ مُنْعِما
إلى أن قال :
أأشقى به غرسًا وأجنيه ذلةً -يعني العلم- **إذًا فاتخاذ الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ** ولو عظموه في النفوسِ لعُظِّما
ولكن أهانوه فهانَ ودنَّسوا** محَيّاهُ بالأطماعِ حتى تَجَهَّما
فكلما رأيت إنسانًا يجري خلف الدنيا فاعلم أنه لص (..) يبدأ بالعلم لص وأنتم سمعتم عتاب الأولين . وَلِي ولاية فقط ابن عُلَيَّة ولي بيت المال فكتب له ابن المبارك :
يا جاعل العلم له باذِيًا** يصطاد أموال المساكينِ
أين رواياتك في ذَمِّها **عن ابن عَونٍ وابن سيرينِ
إلى آخر الأبيات فيجب على طالب العلم أن يحفظ علمه وأن يصحح نيته فإن هذه الدنيا فانية وهي حقيرة ذليلة لا ينبغي أن تكون عوضًا (..) فيها العلم فمن فعل ذلك فهو الأحمق والله ولهذا قال القائل :
هي الدنيا أقل من القليل ** وعاشقها أذل من الذليل
تُصِمُّ بسحرها قومًا وتُعمي** فَهُم متحيرون بلا دليلِ
هذه هي حال الدنيا ، هي الدنيا أقل من القليل... وعاشقها أذل من الذليل ، عاشق الدنيا أذل من الذليل تصوَّر أي ذليل ، عاشق الدنيا أذل منه ، الدينار يقيمه والدرهم يقعده ، عبد الدينار والدرهم ، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه هذا ، بعض المتبجحين يقول : تُكفِّرون الناس ! هذا قول نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش إن أُعطي رضي وإن لم يُعطَ لم يرضَ"فهذا نسأل الله العافية والسلامة ، الدنيا قليلها يَصرفك فكثيرها ماذا ؟ يَحرفك ، وكم عرفنا وللأسف انتقل من العلم إلى هذه الجمعيات والدعوات التنظيمية كما يزعمون فأضاع العلم وما اكتفى بذلك بل أراد أن يضيع طلاب العلم في أقطار المعمورة فاحذروا من هذا الصنف على حِلَقِكم إن انقلبتم إلى بلدانكم فإنهم والله قُطّاع الطريق على أهل العلم وقطّاع الطريق على طلبة العلم نسأل الله العافية والسلامة فمما ينبغي لطالب العلم وللعالم أن لا يُذِل نفسه بالطمع ويحترز كل الاحتراز عما فيه مذلة العلم وأهله .......
ثم قال الشيخ في آخر المادة :
قيل لسفيان رحمه الله -سفيان الثوري - : مَن الناس ؟ من هم الناس ؟ إذا قيل الناس ، الناس الذين يملؤون الفم والعين والصدر إذا رأيتهم ، مَنْ الناس ؟ قال : العلماء . قيل : ومَن السَّفلة ؟ قال : الظَّلَمة ، سفلة القوم أحط القوم ( لا يظلم إلا مَن هانت نفسه عليه فهو من أسفل الناس نسأل الله العافية والسلامة ) قيل له: فمَن الغوغاء ؟ قال : الذين يكتبون الحديث يأكلون به الناس (الذين يكتبون الحديث ، العلم ، يأكلون به الناس يتأكَّلون به ) قيل له : فمن الملوك ؟ قال : الزهّاد الذي يرتضي بما عنده ولو كان قليلًا مع عزة نفسه وصيانة دينه ولا يعرِّض دينه ونفسه للخطر ولهذا قال ابن الوردي في مرشدة الخلان :
مُلْك كِسرى عنه تغني كِسرةٌ **ومِن البحر اجتزاء بالوَشَل
مُلْك كسرى ، كسرة واحدة تكفي عنه وأنا حُر ليس لأحد عليّ منَّة أقول بما أدين الله به بملئ فيَّ يخطب الناس ودِّي ولا أخطب ودَّ أحد
فأقول بأمر الله ولا أخشى إلا الله تبارك وتعالى
مُلْكُ كسرى عنه تغني كِسرةٌ **ومن البحر اجتزاء بالوشل ، الوشل أول المطر الخفيف جدًا الذي لا يكاد يُحَسّ ، نعم هذا هو الوشل فيكفيني هذا الوشل القليل يبل به ريقه من الدنيا عن أن تكون عنده الأموال مثل البحار
مُلْكُ كسرى عنه تغني كِسرةٌ **ومن البحر اجتزاء بالوشل فيجب على طالب العلم أن يقوم بحق الله تبارك وتعالى في هذا الجانب فيحفظ هذا العلم ويصونه فإنه قد شقي به غرسًا فلا يجنيه ذلا فإنه قد شقي فيه غرسًا يعني شقي فيه يعني تعِب في تحصيله ، شقي به غرسًا فلا يجنيه ذلة ومهانة حينما يأتي وقت الثمرة يجنيه مذلة يبيعه بالدنيا ؟ إذًا فاتخاذ الجهل قد كان أحزم
[الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله/شرح ميمية الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله/من المادة الثامنة]