الحديث الأربعون
عَنِ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ
غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا
أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ،
وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ.[274]رواه البخاري.
الشرح:
قوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" أي أمسك بكفتي من الأمام. وذلك من أجل أن يستحضر مايقوله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "كُنْ فِي الدُّنِيا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ" فالغريب لم يتخذها سكناً وقراراً، وعابر السبيل: لم يستقر فيها أبداً، بل هو ماشٍ.
وعابر السبيل أكمل زهداً من الغريب، لأن عابر السبيل ليس بجالس، والغريب يجلس لكنه غريب.
"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابرُ سَبِيْلٍ"
وهذا يعني الزهد في الدنيا، وعدم الركون إليها، لأنه مهما طال بك العمر
فإن مآلك إلى مفارقتها. ثم هي ليست بدار صفاء وسرور دائماً، بل صفوها محفوف
بكدرين، وسرورها محفوف بحزنين كما قال الشاعر:
ولاطيبَ للعيشِ مَادامت منغّصةً لذاتُهُ بادّكارِ الموتِ والهَرَمِ
إذاً كيف تركن إليها؟ كن فيها كأنك غريب لاتعرف أحداً ولايعرفك أحد، أوعابر سبيل أي ماشٍ لاتنوي الإقامة.
وَكَانُ
ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا
تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ،
وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه
البخاري.
هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول:
إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ
والمعنى: اعمل العمل قبل أن تصبح ولاتقل غداً أفعله، لأن منتظر الصباح إذا
أمسى يؤخر العمل إلى الصباح، وهذا غلط، فلا تؤخر عمل اليوم لغد.
وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ أي اعمل وتجهّز، وهذا أحد المعنيين في الأثر.
أو
المعنى: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاح لأنك قد تموت قبل أن
تصبح. وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاء لأنك قد تموت قبل أن
تمسي. وهذا في عهدنا كثير جداً، انظر إلى الحوادث كيف نسبتها؟ تجد الرجل
يخرج من بيته وهو يقول لأهله هيؤوا لي الغداء، ثم لا يتغدى، يصاب بحادث
ويفارق الدنيا، أو يموت فجأة، وقد شوهد من مات فجأة. وفي هذا يقول بعضهم: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)والمعنى:
الدنيا لاتهمّك، الذي لاتدركه اليوم تدركه غداً فاعمل كأنك تعيش أبداً،
والآخرة اعمل لها كأنك تموت غداً، بمعنى: لاتؤخر العمل.
وهذا يروى حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس بحديث.
وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ
فالإنسان إذا كان صحيحاً تجده قادراً علىالأعمال منشرح الصدر، يسهل عليه
العمل لأنه صحيح، وإذا مرض عجز وتعب، أو تعذر عليه الفعل، أو إذا أمكنه
الفعل تجد نفسه ضيّقة ليست منبسطة، فخذ من الصحة للمرض، لأنك ستمرض أو
تموت.
وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ الحي موجود قادر علىالعمل، وإذامات انقطع عمله إلا من ثلاث، فخذ من الحياة للموت واستعد.
هذه كلمات نيّرات، ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعاً فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ينبغي
للإنسان أن يجعل المال كأنه حمار يركبه، أو كأنه بيت الخلاء يقضي فيه
حاجته فهذا هو الزّهد. وأكثر الناس اليوم يجعلون المال غاية فيركبهم المال،
ويجعلونه مقصوداً فيفوتهم خير كثير.
من فوائد هذا الحديث:
.1التزهيد في الدنيا وأن لايتخذها الإنسان دار إقامة، لقوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".
.2 حسن
تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأمثال المقنعة، لأنه لو قال: ازهد
في الدنيا ولاتركن إليها وما أشبه ذلك لم يفد هذا مثل ما أفاد قوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَريْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".
.3 فعل ما يكون سبباً لانتباه المخاطب وحضور قلبه، لقوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" ، ونظير ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمَ ابن مسعود رضي الله عنه التشهد أمسك كفه وجعله بين كفيه[275] حتى ينتبه.
.4 أنه ينبغي للعاقل مادام باقياً والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله.
.5 الموعظة التي ذكرها ابن عمر رضي الله عنهما: أن من أصبح لاينتظر المساء، وذكرنا لها وجهين في المعنى، وكذلك من أمسى لاينتظر الصباح.
والموعظة
الثانية: أن يأخذ الإنسان من صحته لمرضه، لأن الإنسان إذا كان في صحة تسهل
عليه الطاعات واجتناب المحرمات بخلاف ما إذاكان مريضاً، وكذلك أيضاً أن
يأخذ الإنسان من حياته لموته.
.6 فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأثّر بهذه الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
[274] أخرجه البخاري – كتاب: الرقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، (6416)
[275] أخرجه البخاري – كتاب: الاستئذان، باب: الأخذ باليدين، (6265). ومسلم – كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، (402)،(59).
عَنِ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ
غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا
أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ،
وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ.[274]رواه البخاري.
الشرح:
قوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" أي أمسك بكفتي من الأمام. وذلك من أجل أن يستحضر مايقوله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "كُنْ فِي الدُّنِيا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ" فالغريب لم يتخذها سكناً وقراراً، وعابر السبيل: لم يستقر فيها أبداً، بل هو ماشٍ.
وعابر السبيل أكمل زهداً من الغريب، لأن عابر السبيل ليس بجالس، والغريب يجلس لكنه غريب.
"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابرُ سَبِيْلٍ"
وهذا يعني الزهد في الدنيا، وعدم الركون إليها، لأنه مهما طال بك العمر
فإن مآلك إلى مفارقتها. ثم هي ليست بدار صفاء وسرور دائماً، بل صفوها محفوف
بكدرين، وسرورها محفوف بحزنين كما قال الشاعر:
ولاطيبَ للعيشِ مَادامت منغّصةً لذاتُهُ بادّكارِ الموتِ والهَرَمِ
إذاً كيف تركن إليها؟ كن فيها كأنك غريب لاتعرف أحداً ولايعرفك أحد، أوعابر سبيل أي ماشٍ لاتنوي الإقامة.
وَكَانُ
ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا
تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ،
وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه
البخاري.
هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول:
إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ
والمعنى: اعمل العمل قبل أن تصبح ولاتقل غداً أفعله، لأن منتظر الصباح إذا
أمسى يؤخر العمل إلى الصباح، وهذا غلط، فلا تؤخر عمل اليوم لغد.
وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ أي اعمل وتجهّز، وهذا أحد المعنيين في الأثر.
أو
المعنى: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاح لأنك قد تموت قبل أن
تصبح. وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاء لأنك قد تموت قبل أن
تمسي. وهذا في عهدنا كثير جداً، انظر إلى الحوادث كيف نسبتها؟ تجد الرجل
يخرج من بيته وهو يقول لأهله هيؤوا لي الغداء، ثم لا يتغدى، يصاب بحادث
ويفارق الدنيا، أو يموت فجأة، وقد شوهد من مات فجأة. وفي هذا يقول بعضهم: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)والمعنى:
الدنيا لاتهمّك، الذي لاتدركه اليوم تدركه غداً فاعمل كأنك تعيش أبداً،
والآخرة اعمل لها كأنك تموت غداً، بمعنى: لاتؤخر العمل.
وهذا يروى حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس بحديث.
وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ
فالإنسان إذا كان صحيحاً تجده قادراً علىالأعمال منشرح الصدر، يسهل عليه
العمل لأنه صحيح، وإذا مرض عجز وتعب، أو تعذر عليه الفعل، أو إذا أمكنه
الفعل تجد نفسه ضيّقة ليست منبسطة، فخذ من الصحة للمرض، لأنك ستمرض أو
تموت.
وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ الحي موجود قادر علىالعمل، وإذامات انقطع عمله إلا من ثلاث، فخذ من الحياة للموت واستعد.
هذه كلمات نيّرات، ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعاً فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ينبغي
للإنسان أن يجعل المال كأنه حمار يركبه، أو كأنه بيت الخلاء يقضي فيه
حاجته فهذا هو الزّهد. وأكثر الناس اليوم يجعلون المال غاية فيركبهم المال،
ويجعلونه مقصوداً فيفوتهم خير كثير.
من فوائد هذا الحديث:
.1التزهيد في الدنيا وأن لايتخذها الإنسان دار إقامة، لقوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".
.2 حسن
تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأمثال المقنعة، لأنه لو قال: ازهد
في الدنيا ولاتركن إليها وما أشبه ذلك لم يفد هذا مثل ما أفاد قوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَريْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".
.3 فعل ما يكون سبباً لانتباه المخاطب وحضور قلبه، لقوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" ، ونظير ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمَ ابن مسعود رضي الله عنه التشهد أمسك كفه وجعله بين كفيه[275] حتى ينتبه.
.4 أنه ينبغي للعاقل مادام باقياً والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله.
.5 الموعظة التي ذكرها ابن عمر رضي الله عنهما: أن من أصبح لاينتظر المساء، وذكرنا لها وجهين في المعنى، وكذلك من أمسى لاينتظر الصباح.
والموعظة
الثانية: أن يأخذ الإنسان من صحته لمرضه، لأن الإنسان إذا كان في صحة تسهل
عليه الطاعات واجتناب المحرمات بخلاف ما إذاكان مريضاً، وكذلك أيضاً أن
يأخذ الإنسان من حياته لموته.
.6 فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأثّر بهذه الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
[274] أخرجه البخاري – كتاب: الرقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، (6416)
[275] أخرجه البخاري – كتاب: الاستئذان، باب: الأخذ باليدين، (6265). ومسلم – كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، (402)،(59).