من
المصطلحات المهمة في القرآن الكريم مصطلح ( الشريعة ) بل إن من أسماء سورة
الجاثية، أنها سورة ( الشريعة )؛ وقد سبق أن أشرنا في مقال سابق إلى أن
مصطلح ( الشريعة ) من المصطلحات المرادفة لمصطلح ( الدين ) وإذ كنا قد
فصلنا القول في دلالة مصطلح ( الدين ) فلنعطف عليه القول ببيان معنى هذا
المصطلح، مصطلح ( الشريعة ) فنقول:
( الشريعة ) في أصل اللغة: هي
مورد الشاربةُ الماءَ، ثم استعير لكل طريقة موضوعة بوضع إلهي ثابت؛ واشتق
منه الشِّرْعة في الدين، والشريعة، قال تعالى: { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } (المائدة:48) وقال سبحانه: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } (الجاثية:18) وقال الشاعر:
ولما رأت أن الشريعة همُّها وأن البياض من فرائصها دامي
ومن
الباب: أشرعتُ الرمح نحوه إشراعًا؛ والإبل الشروع: التي شَرَعت ورَويت؛
ويقال: أشرعتُ طريقًا، إذا أنفذته وفتحته، وشرعت الإبل، إذا أمكنتها من
الشريعة، أي: من مورد شرب الماء .
و( الشَّرِيعَة ) و( الشِّرْعَة
): ما سنَّ الله من الدِّين وأَمَرَ به؛ كالصوم، والصلاة، والحج، والزكاة،
وسائر أَعمال البرِّ، ومنه قوله تعالى: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } (الجاثية:18) .
وقوله تعالى: { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } (المائدة:48) رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الآية، قال: ( الشرعة: ما ورد في القرآن، والمنهاج: ما ورد في السنة ) ورُوي عنه في معنى الآية أيضًا، قال: ( شرعة ومنهاجًا: سبيلاً وسُنَّة ) وقال قتادة :
شرعة ومنهاجًا، الدِّين واحد، والشريعة مختلفة؛ وقيل في تفسيره: (
الشِّرْعَةُ ): الدِّين، و( المِنهاجُ ): الطريقُ؛ وقيل: ( الشرعة ) و(
المنهاج ) جميعًا: الطريق، والطريقُ ههنا: الدِّين؛ وقال بعضهم: ( شِرْعَةً
) معناها: ابْتِداءُ الطريق، و( المنهاج ): الطريق المستقيم والواضح .
وقوله تعالى: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } (الجاثية:18) قال الفراء : على دين ومِلَّة ومنهاج؛ وقال بعضهم: { على شريعة }
أي: على مِثال ومَذْهَبٍ؛ ومنه يقال: شَرَعَ فلان في كذا وكذا، إِذا أَخذ
فيه؛ ويقال: فلان يَشْتَرِعُ شِرْعَتَهُ، ويَفْتَطِرُ فِطْرَتَهُ،
ويَمْتَلُّ مِلَّتَه، كل ذلك من شرعة الدِّين، وفطرته، ومِلَّته .
و( شَرَع ) الدِّين يَشْرَعُهُ شَرْعًا: سَنَّه؛ وفي التنزيل العزيز: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } (الشورى:13) قال ابن الأَعرابي : { شرع ) أَي: أَظهر، وقال في تفسير قوله تعالى: { شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } (الشورى:21) قال: أَظهروا لهم .
وقوله تعالى في قصة أصحاب السبت: { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا } (الأعراف:163) قيل في تفسيره: إنها الرافعة رؤوسها، ومنه قولهم: رمح شُراعيٌّ، أي: طويل .
على
أن من المصطلحات القرآنية المرادفة لمصطلح الشريعة - مع فروق تُنظر في
مظانها - مصطلح ( الملة ) وهو مصطلح قرآني آخر، يتقاطع مع مصطلح ( الشريعة )
في معان، ويفارقه في أخرى .