فتوى في (حكم المظاهرات في الشريعة الإسلامية)
الشيخ محمد بن عبد الله الإمام حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى في (حكم المظاهرات في الشريعة الإسلامية)
فضيلة الشيخ محمد بن عبد الله الإمام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لا يخفى عليكم ما يجري هذه الأيام في كثير من البلدان العربية من مظاهرات، فما حكم هذه المظاهرات في الشريعة الإسلامية؟
الجواب :
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
أما
بعد: فالمظاهرات والاعتصامات وسيلة من وسائل الديمقراطية، وكل وسائل
الديمقراطية معروضة على شرع الله، فما قبله منها قبل، وما رده منها رد،
والمظاهرات لا تقبلها الشريعة الإسلامية لأمور، ومنها:
1- أنها من
قوانين الغرب المبنية على النظام الديمقراطي الذي ينص على حرية التكلم
والاعتراض للكافر والمسلم والسفيه والعاقل والصالح والمجرم، والحاقد
والمحب، والمغرض والمخلص، وهذا يمنعه الشرع قال تعالى: ** أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) }
[القلم: ٣٥ - ٣٦ ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك، وتأييدا لهذا ما
يشاهده المسلمون: أن المسلمين المتظاهرين في مصر في هذه الأيام هم ونصارى
مصر سوياً في المظاهرات، بل يؤدي كلٌ صلاته في ميدان التحرير، والمسلم يرفع
القرآن والنصراني بجانه يرفع الإنجيل، وغير ذلك. فالانتقاد والنصح في نظام
الإسلام إنما يأتي من أهل العلم والفهم والرُشد والعقل.
2- المظاهرات
تقوم على الفوضى بحيث يشارك فيها أصناف متعددة أغراضهم مختلفة وأحوالهم
متباينة حتى إنه يجتمع فيها من الغوغاء والهمج والرعاع والفساق والجهال ما
لا يجتمعون في غيرها وهؤلاء لا ينضبطون لدين الله، ولا تردهم مروءة ولا
يحجزهم عقل فلا تسأل عما يحصل بسببهم من الشر.
3- المظاهرات تستغل من
قبل أرباب الفتن، والطامعين في المحن، والساعين إلى النقم، والمتربصين
بالعباد الدوائر، وهذا مشاهد في المتظاهرين، فمنهم الذي يسب ويشتم ويلعن،
ومنهم الذي يسلب وينهب، ومنهم الذي يخرب ويلعب، ومنهم الذي يسفك الدماء
ويقتل الأبرياء، وكل هذه محرمة في شريعة الإسلام. وكم من مظاهرة يعلنون
أنها ستكون سلمية، فما يلبثون إلا وتتحول إلى فوضى وعبث بسبب الهيجان
والإثارة التي تحصل من جراء المظاهرة مع وجود المفسدين والمغرضين.
4-
المظاهرات مجال خصب لتسليط السفهاء على الأبرياء، والأقوياء على الضعفاء،
والمتربصين على الآمنين بل قد يُتعمد فيها إصابة وإهانة أناس دون غيرهم
وتنتهك فيها حرمات أناس دون غيرهم ففيها من المكر والكيد والغدر ما فيها،
وهذه الأعمال في الشريعة الإسلامية من الكبائر والمنكرات.
5- المظاهرات
التي يقوم بها المسلمون كثير ما يراد من ورائها إسقاط دول وإقامة دول كما
يلاحظ هذا في وقتنا الحاضر، فهنا يجتمع فيها الشر كله، ويتحقق فيها ما قاله
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الفوضى يقع فيها من الظلم في ساعة ما
لا يقع في سنين من الاستبداد» ويصير المتظاهرون لأجل هذا مغامرين، فهم ما
بين الحياة والموت، فإن ماتوا على هذه الحال فنعوذ بالله من سوء الخاتمة،
حيث ماتوا في سبيل الشر والفتن والتعدي والظلم العام, وإن عاشوا فبعدما
أفسدوا في الأرض وربما كانوا أجراء لأعداء الإسلام فالجرم أعظم والخطر أطم
فالمظاهرات لإسقاط دول وإقامة دول أخرى حفر قبور المسلمين، وفتح أبواب
السجون، وتمكين للأعداء الطامعين في النفوذ أو الاحتلال للبلاد والعباد،
والدولة التي ستقوم على إثر الدولة التي أسقطت ستسعى بكل ما أمكن للتخلص
ممن تسببوا في إسقاط الدولة التي قبلها، لأنها لا تأمن أن يفعلوا بها مثل
ما فعلوا بمن قبلها فالمؤججون لفتن إسقاط الدول ذنبهم كبير، وحياتهم في خطر
ما عاشوا وربما لم يجدوا إلا أن يغادروا إلى بلاد الكفار، وفي هذا من
الأخطار ما لا ينعم به الفاعل لذلك لا في ليل ولا في نهار ولا يسلك مسلك
المظاهرات لإسقاط دول إلا من كان مضحياً بدينه، أو مفرطاً فيه في سبيل
المال والملك، وقد قال تعالى:** وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ
عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ
فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ
هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) }[الحج: ١١ ] ثم إن الأحزاب التي تسعى
لإسقاط الدول لتقيم لها دول لم يجمعها دين على ذلك وإنما جمعتها إرادة
الملك فإذا قربت من الملك ذهب كل حزب إلى مؤاثرة نفسه بالملك دون غيره وسعى
في التخلص ممن عارضه أو سعى إلى تهميشه وإضعافه ولا تسأل هنا عن التصفيات
بين الأحزاب بالقتل والقتال والاغتيال والاحتيال والدول الكافرة تقوي
الأحزاب التي تحارب الإسلام فيوشك هنا أن تتغلب الأحزاب التي تحارب الإسلام
وتفتك بالمسلمين فلا يبقى للمسلمين دين قائم ولا دنيا صالحة بل تتحول
أحوال المسلمين إلى تدافع إلى الفتن التي لا تبقي ولا تذر فالخروج على
الحكام المسلمين بطريق المظاهرات من أعظم الفتن العامة التي تحصد الأخضر
واليابس وتهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد.
فبناء على ما سبق ذكره
بل وعلى بعضه لا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفتي بجواز
المظاهرات سواء كانت سلمية أو تخريبية، فهي أشد وأضر، ولا يجوز لمن يؤمن
بالله واليوم الآخر أن يشارك فيها، لا تخطيطاً ولا تنفيذاً، ولا حضوراً،
ولا دفاعاً.
وليست هذه الفتوى أول فتوى في تحريم المظاهرات، بل قد حذر
منها علماء أهل السنة الذين تدور عليهم الفتوى وفي مقدمتهم شيخنا المحدث
الوادعي والعلامة ابن باز والعلامة الفقيه ابن عثيمين، بل واللجنة الدائمة.
وعندما
نحذر المسلمين من المظاهرات لا يعني أبداً أننا نرتضي بظلم الحكام، لا،
ولكن نقول يسعى في النصح لهم والمطالبة بالإصلاح ممن له قدرة على ذلك
وبالطرق الشرعية مع توصيتنا للمسلمين بالصبر على جور حكامهم، لأن ظلمهم لنا
عقوبة علينا بسبب ظلم بعضنا بعضاً، فلو تركت الشعوب الإسلامية التظالم
فيما بينها لما ولّى الله عليها إلا خيارها فلا نغفل عن ظلم بعضنا بعضاً،
فإن ذلك مؤدٍ إلى زيادة الظلم العام والخاص، ونحن نعلم علم اليقين أن بقاء
الحكام على الملك لا يدوم إلا ببسط العدل فإن العدل قوام العالمين، وهذا
سهل على من سهله الله، فليوطنوا أنفسهم على إقامة ذلك وليستعينوا بكل من
يحضهم عليه ويرغب لهم في إقامته. ولا حول ولا قوة