وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة
الحمد
لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً،
والصلاة والسلام على عبده ورسوله الداعي إلى طاعة ربه المُحذر من الغلو
والبدع والمعاصي وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم
الدين. أما بعد:
أقول مستعيناً بالله تعالى: لا يجوز الاحتفال بمولد
الرسول ولا غيره بل يجب منعه لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين ولأن
الرسول لم يفعله ولم يأمر به لنفسه أو لأحد ممن تُوفي قبله من الأنبياء أو
من بناته أو زوجاته أو أحد أقاربه أو صحابته، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون
ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا التابعون لهم بإحسان،
ولا أحد من علماء الشريعة والسنة المحمدية في القرون المفضلة. وهؤلاء هم
أعلم الناس بالسنة وأكمل حباً لرسول الله ومتابعة لشرعه ممن بعدهم ولو كان
خيراً لسبقونا إليه.
وقد أُمرنا بالاتباع ونُهينا عن الابتداع
وذلك لكمال الدين الإسلامي والإغتناء بما شرعه الله تعالى ورسوله وتلقاه
أهل السنة والجماعة بالقبول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد ثبت عن النبي أنه قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » [متفق على صحته]. وفي رواية أخرى لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «عليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها
بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإنّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»
وكان يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير
الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ففي هذه الأحاديث
تحذير شديد من إحداث البدع وتنبيه بأنها ضلالةٌ تنبيهاً للأمة على عظيم
خطرها وتنفيراً لهم عن اقترافها والعمل بها.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7]
وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وقال تعالى: {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].
وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3].
وهذة
الآية تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة
دينها وأتمّ عليها نعمته ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما
بلّغ البلاغ المبين وبيّن للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال وأوضح
أنّ كل ما يُحدثه الناس بعده وينسبونه إلى الدين الإسلامي من أقوال وأعمال
فكله بدعة مردودة على من أحدثها ولو حسن قصده. وقد ثبت عن أصحاب رسول الله
وعن السلف الصالح بعدهم التحذير من البدع والترهيب منها وما ذاك إلا لأنها
زيادة في الدين وشرعٌ لم يأذن به الله وتشبهٌ بأعداء الله من اليهود
والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله ولأنّ
لازمها التنقص للدين الإسلامي واتهامه بعدم الكمال ومعلوم ما في هذا من
الفساد العظيم والمنكر الشنيع والمصادمة لقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها.
وإحداث
مثل هذه الاحتفالات بالمولد ونحوه يُفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم
يُكمل الدين لهذه الأمة، وأنّ الرسول لم يُبلّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به
حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله زاعمين أن
ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك، فيه خطر عظيم واعتراض على الله
سبحانه وتعالى وعلى رسوله والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم
النعمة والرسول قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة
ويباعد من النار إلا بيّنه لأمته كما ثبت في الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أُمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم»
[رواه مسلم في صحيحه] ومعلوم أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أفضل
الأنبياء وخاتمهم وأكملهم بلاغاً ونصحاً فلو كان الاحتفال بالموالد من
الدين الذي ارتضاه الله سبحانه لعباده لبينه الرسول للأمة أو فعله في حياته
أو فعله أصحابه رضي الله عنهم فلما لم يقع شيء من ذلك عُلم أنه ليس من
الإسلام في شيء بل هو من المحدثات التي حذر الرسول منها أمته كما تقدم ذلك
في الأحاديث السابقة.
وقد صرّح جماعة من العلماء بإنكار الموالد
والتحذير منها عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها ومعلوم أن القاعدة الشرعية أن
المرجع في التحليل والتحريم ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة
رسوله كما قال عز وجل: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10].
وإذا
رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله سبحانه وتعالى
وجدناه يأمرنا باتباع الرسول فيما جاء فيه ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا
بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الإحتفال مما جاء به
الرسول فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه.
وإذا
رددناه أيضاً إلى سنة رسول الله لم نجد فيها أن فعله ولا أمر به ولا فعله
أصحابه رضي الله عنهم، فبذلك نعلم أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة
ومن التشبه الأعمى بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح
لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الإحتفال بجميع
الموالد ليس من دين الإسلام في شيء بل هو من البدع المحدثات التي أمرنا
الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام بتركها والحذر منها.
ولا
ينبغي للعاقل أن يغترّ بكثرة ما يفعله الناس في سائر الأقطار فإنّ الحق لا
يُعرف بكثرة الفاعلين وإنما يُعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى عن اليهود
والنصارى: {وَقَالُواْ
لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ
أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. وقال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116].
ثم
إن غالب هذه الاحتفالات مع كونها بدعة لا تخلو في أغلب الأحيان وفي بعض
الأقطار من اشتمالها على منكرات أخرى كإختلاط النساء بالرجال واستعمال
الأغاني والمعازف وشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور، وقد يقع
فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلو في رسول الله أو غيره
من الأولياء ودعائه والاستغاثة به وطلب المدد منه واعتقاد أنه يعلم الغيب
ونحو ذلك من الأمور التي تكفر فاعلها وقد صح عن رسول الله أنه قال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» } وقال عليه الصلاة والسلام: «لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله
» [أخرجه البخاري في صحيحه]، ومما يدعو إلى العجب والإستغراب أن الكثير من
الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف
عما أوجب الله عليه من حضور الجُمع والجماعات ولا يرفع بذلك رأساً ولا يرى
أنه أتى منكراً عظيماً، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة
ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر
المسلمين.
وأغرب من ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله يحضر الموالد
ولهذا يقومون له محيين ومرحبين وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل فإن الرسول
لا يخرج من قبره يوم القيامة. ولا يتصل بأحد من الناس ولا يحضر
اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلا عليين عند
ربه في دار الكرامة كما قال الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:16،15]. وقال النبي: «أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع»
فهذه الآية والحديث الشريف وما جاء بمعناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل
على أن النبي وغيره من الأموات إنما يُخرجون من قبورهم يوم القيامة وهذا
أمر مُجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم
التنبه لهذه الأمور والحذر مما أحدثه الجُهال وأشباههم من البدع والخرافات
التي ما أنزل الله بها من سلطان، أما الصلاة والسلام على رسول الله فهي من
أفضل القربات ومن الأعمال الصالحات كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}
[الأحزاب:56]. وقال النبي: « من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشراً
» وهي مشروعة في جميع الأوقات ومتأكدة في آخر كل صلاة بل واجبة عند الكثير
من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة وسنّة مؤكدة في مواضع كثيرة
منها ما بعد الأذان وعند ذكره ، وفي يوم الجمعة وليلتها كما دلت على ذلك
أحاديث كثيرة، وهذا ما أردت التنبيه عليه نحو هذه المسألة وفيه كفاية إن
شاء الله لمن فتح الله عليه وأنار بصيرته.
وإنه ليؤسفنا جداً أن
تصدر مثل هذه الاحتفالات البدعية من مسلمين متمسكين بعقيدتهم وحبهم لرسول
الله . ونقول لمن يقول بذلك إن كنت سنياً ومتبعاً لرسول الله فهل فعل ذلك
هو أو أحد من صحابته الكرام أو التابعين لهم بإحسان أم هو التقليد الأعمى
لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى ومن على شاكلتهم.
وليس حب الرسول
يتمثل فيما يقام من الاحتفالات بمولده بل بطاعته فيما أمر به وتصديقه فيما
أخبر به واجتناب ما عنه نهى وزجره وألا يُعبد الله إلا بما شرع. وكذا
بالصلاة عليه عند ذكره وفي الصلوات وفي كل وقت ومناسبة.
وليس
منع الاحتفال البدعي بمولد الرسول وما يكون فيه من غلو أو شرك ونحو ذلك
عملاً غير إسلامي او إهانة لرسول الله بل هو طاعة له وامتثال لأمره حيث
قال: « إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين »
وقال:«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله
ورسوله».
وهذا ما أردت التنبيه عليه. والله المسؤول أن يوفقنا وسائر
المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة
والحذر من البدعة إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه.
الحمد
لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً،
والصلاة والسلام على عبده ورسوله الداعي إلى طاعة ربه المُحذر من الغلو
والبدع والمعاصي وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم
الدين. أما بعد:
أقول مستعيناً بالله تعالى: لا يجوز الاحتفال بمولد
الرسول ولا غيره بل يجب منعه لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين ولأن
الرسول لم يفعله ولم يأمر به لنفسه أو لأحد ممن تُوفي قبله من الأنبياء أو
من بناته أو زوجاته أو أحد أقاربه أو صحابته، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون
ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا التابعون لهم بإحسان،
ولا أحد من علماء الشريعة والسنة المحمدية في القرون المفضلة. وهؤلاء هم
أعلم الناس بالسنة وأكمل حباً لرسول الله ومتابعة لشرعه ممن بعدهم ولو كان
خيراً لسبقونا إليه.
وقد أُمرنا بالاتباع ونُهينا عن الابتداع
وذلك لكمال الدين الإسلامي والإغتناء بما شرعه الله تعالى ورسوله وتلقاه
أهل السنة والجماعة بالقبول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد ثبت عن النبي أنه قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » [متفق على صحته]. وفي رواية أخرى لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «عليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها
بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإنّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»
وكان يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير
الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ففي هذه الأحاديث
تحذير شديد من إحداث البدع وتنبيه بأنها ضلالةٌ تنبيهاً للأمة على عظيم
خطرها وتنفيراً لهم عن اقترافها والعمل بها.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7]
وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وقال تعالى: {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].
وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3].
وهذة
الآية تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة
دينها وأتمّ عليها نعمته ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما
بلّغ البلاغ المبين وبيّن للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال وأوضح
أنّ كل ما يُحدثه الناس بعده وينسبونه إلى الدين الإسلامي من أقوال وأعمال
فكله بدعة مردودة على من أحدثها ولو حسن قصده. وقد ثبت عن أصحاب رسول الله
وعن السلف الصالح بعدهم التحذير من البدع والترهيب منها وما ذاك إلا لأنها
زيادة في الدين وشرعٌ لم يأذن به الله وتشبهٌ بأعداء الله من اليهود
والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله ولأنّ
لازمها التنقص للدين الإسلامي واتهامه بعدم الكمال ومعلوم ما في هذا من
الفساد العظيم والمنكر الشنيع والمصادمة لقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها.
وإحداث
مثل هذه الاحتفالات بالمولد ونحوه يُفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم
يُكمل الدين لهذه الأمة، وأنّ الرسول لم يُبلّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به
حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله زاعمين أن
ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك، فيه خطر عظيم واعتراض على الله
سبحانه وتعالى وعلى رسوله والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم
النعمة والرسول قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة
ويباعد من النار إلا بيّنه لأمته كما ثبت في الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أُمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم»
[رواه مسلم في صحيحه] ومعلوم أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أفضل
الأنبياء وخاتمهم وأكملهم بلاغاً ونصحاً فلو كان الاحتفال بالموالد من
الدين الذي ارتضاه الله سبحانه لعباده لبينه الرسول للأمة أو فعله في حياته
أو فعله أصحابه رضي الله عنهم فلما لم يقع شيء من ذلك عُلم أنه ليس من
الإسلام في شيء بل هو من المحدثات التي حذر الرسول منها أمته كما تقدم ذلك
في الأحاديث السابقة.
وقد صرّح جماعة من العلماء بإنكار الموالد
والتحذير منها عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها ومعلوم أن القاعدة الشرعية أن
المرجع في التحليل والتحريم ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة
رسوله كما قال عز وجل: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10].
وإذا
رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله سبحانه وتعالى
وجدناه يأمرنا باتباع الرسول فيما جاء فيه ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا
بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الإحتفال مما جاء به
الرسول فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه.
وإذا
رددناه أيضاً إلى سنة رسول الله لم نجد فيها أن فعله ولا أمر به ولا فعله
أصحابه رضي الله عنهم، فبذلك نعلم أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة
ومن التشبه الأعمى بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح
لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الإحتفال بجميع
الموالد ليس من دين الإسلام في شيء بل هو من البدع المحدثات التي أمرنا
الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام بتركها والحذر منها.
ولا
ينبغي للعاقل أن يغترّ بكثرة ما يفعله الناس في سائر الأقطار فإنّ الحق لا
يُعرف بكثرة الفاعلين وإنما يُعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى عن اليهود
والنصارى: {وَقَالُواْ
لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ
أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. وقال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116].
ثم
إن غالب هذه الاحتفالات مع كونها بدعة لا تخلو في أغلب الأحيان وفي بعض
الأقطار من اشتمالها على منكرات أخرى كإختلاط النساء بالرجال واستعمال
الأغاني والمعازف وشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور، وقد يقع
فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلو في رسول الله أو غيره
من الأولياء ودعائه والاستغاثة به وطلب المدد منه واعتقاد أنه يعلم الغيب
ونحو ذلك من الأمور التي تكفر فاعلها وقد صح عن رسول الله أنه قال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» } وقال عليه الصلاة والسلام: «لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله
» [أخرجه البخاري في صحيحه]، ومما يدعو إلى العجب والإستغراب أن الكثير من
الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف
عما أوجب الله عليه من حضور الجُمع والجماعات ولا يرفع بذلك رأساً ولا يرى
أنه أتى منكراً عظيماً، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة
ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر
المسلمين.
وأغرب من ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله يحضر الموالد
ولهذا يقومون له محيين ومرحبين وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل فإن الرسول
لا يخرج من قبره يوم القيامة. ولا يتصل بأحد من الناس ولا يحضر
اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلا عليين عند
ربه في دار الكرامة كما قال الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:16،15]. وقال النبي: «أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع»
فهذه الآية والحديث الشريف وما جاء بمعناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل
على أن النبي وغيره من الأموات إنما يُخرجون من قبورهم يوم القيامة وهذا
أمر مُجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم
التنبه لهذه الأمور والحذر مما أحدثه الجُهال وأشباههم من البدع والخرافات
التي ما أنزل الله بها من سلطان، أما الصلاة والسلام على رسول الله فهي من
أفضل القربات ومن الأعمال الصالحات كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}
[الأحزاب:56]. وقال النبي: « من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشراً
» وهي مشروعة في جميع الأوقات ومتأكدة في آخر كل صلاة بل واجبة عند الكثير
من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة وسنّة مؤكدة في مواضع كثيرة
منها ما بعد الأذان وعند ذكره ، وفي يوم الجمعة وليلتها كما دلت على ذلك
أحاديث كثيرة، وهذا ما أردت التنبيه عليه نحو هذه المسألة وفيه كفاية إن
شاء الله لمن فتح الله عليه وأنار بصيرته.
وإنه ليؤسفنا جداً أن
تصدر مثل هذه الاحتفالات البدعية من مسلمين متمسكين بعقيدتهم وحبهم لرسول
الله . ونقول لمن يقول بذلك إن كنت سنياً ومتبعاً لرسول الله فهل فعل ذلك
هو أو أحد من صحابته الكرام أو التابعين لهم بإحسان أم هو التقليد الأعمى
لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى ومن على شاكلتهم.
وليس حب الرسول
يتمثل فيما يقام من الاحتفالات بمولده بل بطاعته فيما أمر به وتصديقه فيما
أخبر به واجتناب ما عنه نهى وزجره وألا يُعبد الله إلا بما شرع. وكذا
بالصلاة عليه عند ذكره وفي الصلوات وفي كل وقت ومناسبة.
وليس
منع الاحتفال البدعي بمولد الرسول وما يكون فيه من غلو أو شرك ونحو ذلك
عملاً غير إسلامي او إهانة لرسول الله بل هو طاعة له وامتثال لأمره حيث
قال: « إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين »
وقال:«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله
ورسوله».
وهذا ما أردت التنبيه عليه. والله المسؤول أن يوفقنا وسائر
المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة
والحذر من البدعة إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه.