السؤال:
" التاريخ الفرعوني " أو بمعنى أصح : " التاريخ المصرى القديم " ، ما حكم
دراسته بصفة عامة ، حيث إنه تاريخ يختص بقوم قد كفروا بالله ؟ وما حكم
دراسته بصفة أن دراسته تحتاج إلى التعامل مع آثار مثل : تماثيل ، ونقوش
على جدران المقابر والمعابد ، حيث إن تلك الآثار هى سبيل دراسة هذا النوع
من التاريخ .
جزاكم الله خيراً .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
في كتاب الله تعالى دعوات متعددة للنظر
في أحوال الأمم السابقة – وخاصة المكذبة للرسل والطاغية في الأرض - ، ودعوات للتأمل
في حالهم كيف كان وهلاكهم كيف صار ، ومن ذلك :
1. قال تعالى :
( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) آل عمران 137 .
2. وقال تعالى : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ
يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى
الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحج/ 46 .
3. وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا
الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ ) الروم/ 9 .
ثانياً :
في
معرفة أحوال الأمم السابقة ، وخاصة من أهلكها الله لطغيانها وكفرها : فوائد جمة ،
ومن أعظمها : أخذ العبرة من هلاكهم وعقوبتهم ، والسعي لعدم السير على طريقهم وإلا
أصاب المشابهين لهم ما أصاب أسلافهم .
يقول ابن خلدون – رحمه الله - :
اعلم أن فن التأريخ فن عزيز المذهب ، جم الفوائد ، شريف الغاية ؛ إذ هو يوقفنا على
أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ، والأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم
وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا .
"
تاريخ ابن خلدون " ( 1 / 9 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنة الله وأيامه في عباده ، ودأب الأمم وعاداتهم .
"
مجموع الفتاوى " ( 28 / 427 ) .
ومن
هنا نعى ابن الأثير الجزري رحمه الله على من لم يقم لعلم التاريخ وزناً ، فقال :
لقد
رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية ويظن بنفسه التبحر في العلم والرواية : يحتقر
التواريخ ويزدريها ، ويُعرِض عنها ويلغيها ؛ ظنّاً منه أن غاية فائدتها إنما هو
القصص والأخبار ، ونهاية معرفتها الأحاديث والأسمار ؛ وهذا حال من اقتصر على القشر
دون اللب نظره ، ومن رزقه الله طبعاً سليماً ، وهداه صراطاً مستقيماً : علم أن
فوائدها كثيرة ، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمَّة غزيرة .
" الكامل في التاريخ " ( 1 / 7 ، 8 ) .
ومما ذكره – رحمه الله – من الفوائد الدنيوية :
أن
الملوك ومَن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان
ورأها مدوّنةً في الكتب يتناقلها الناس ، فيرويها خلف عن سلف ، ونظروا الى ما أعقبت
من سوء الذكر ، وقبيح الأحدوثة ، وخراب البلاد ، وهلاك العباد ، وذهاب الأموال ،
وفساد الأحوال : استقبحوها ، وأعرضوا عنها واطَّرحوها ، وإذا رأوا سيرة الولاة
العادلين وحسنها ، وما يتبعهم من الذكر الجميل بعد ذهابهم ، وأنّ بلادهم وممالكهم
عمرت ، وأموالهم درّت : استحسنوا ذلك ورغبوا فيه ، وثابروا عليه وتركوا ما يُنافيه
، هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي دفعوا بها مضرات الأعداء ،
وخلصوا بها من المهالك ، واستصانوا نفائس المدن وعظيم الممالك ، ولو لم يكن فيها
غير هذا لكفى به فخراً .
انتهى
ثالثاً :
والتاريخ الفرعوني هو حقبة من تاريخ الدنيا ، ولا شك أن فيه العبرة والعظة لمن
تأمله ، ولكننا نجد في هذا الزمان من يريد بذكره لذلك التاريخ عكس ما تريده الشريعة
، ومن ذلك :
1.
أنه يراد بتلك الحقبة تأصيل العنصرية في نفوس أهل تلك البلاد ، بل إن بعضهم لينسب
بلاده إلى " الفراعنة " ! وكذا رأيناه في تسمية فرقهم الرياضية ، وأخيراً – وليس
آخراً – تسمية قناة فضائية باسم " الفراعنة " .
2.
أنه قد جُعل التاريخ الفرعوني بديلاً - في المناهج الدراسية – عن التاريخ الإسلامي
! .
قال الدكتور جمال عبد الهادي – حفظه
الله - :
ألغي في " مصر " التاريخ الإسلامي من
المرحلتين الابتدائية والثانوية لحساب تاريخ الفراعنة والغرب ، فبينما كان التاريخ
الفرعوني يدرَّس في ( 75 ) صفحة ، وفي المرحلة الإعدادية فقط : أصبح يدرَّس في
المراحل الثلاث وفي ( 317 ) صفحة ! .
هذا التوسع جاء على حساب التاريخ
الإسلامي الذي كان يدرَّس في المراحل الثلاث في ( 307 ) صفحة ، ليختزل في مرحلة
واحدة هي الإعدادية إلى ( 32 ) صفحة ! .
" مجلة البيان " ( عدد 130 ) .
3. تعظيم الأصنام والأوثان الفرعونية ،
ورعايتها ، وجعلها محطات سياحية ، للنظر ، والاستمتاع ، فلا عبرة بزوال تلك الدولة
وطغاتها ، ولا اعتبار لتحريم الشريعة المطهرة لبقاء الأصنام شامخة تُرعى ، وتُحرس ،
وتُعظَّم ! .
04 تفتيت وحدة الأمة الإسلامية ، وهدم عقيدة الولاء والبراء في النفوس ؛ فبدلا من
أن يكون الإسلام هو الوحدة الجامعة : صارت هذه البلد فرعونية ، والأخرى فينيقية ،
والثالثة آشورية ، والرابعة بربرية قبلية ... ، وهكذا ، إلى أن يفرقوا الأمة ،
ويلقوا التدابر والتهاجر بين أبنائها .
هذا بعض ما نراه من سوء وشر ومخالفة
للشرع في دراسة " التاريخ الفرعوني " ، ولو كانت الدراسة لتلك الحقبة من باب التأمل
والاعتبار بزوال تلك الحقبة بعدما أرست قواعدها في الأرض لكان لتلك الدراسة وجه
شرعي ، بل لرغَّبنا بها ، ولكننا نجد لتلك الحقبة تعظيماً في نفوس أهل تلك الديار
من قبَل أناس مخصوصين – كرفاعة الطهطاوي وأحمد لطفي السيد ومن تبعهم - ، ونرى
واقعاً مخالفاً للشرع من جهة تعظيم طغاة تلك الحقبة ، ومن جهة رعاية أصنامهم .
وعليه : فما كان من دراسة لتلك الحقبة
من التاريخ يسير في الاتجاه المخالف للشرع – من تعظيم للأصنام وأصحابها الطغاة :
فهو غير جائز ، وما كان من دراسة لتلك الحقبة خالياً من تلك المخالفات : فهو جائز .
والله أعلم
" التاريخ الفرعوني " أو بمعنى أصح : " التاريخ المصرى القديم " ، ما حكم
دراسته بصفة عامة ، حيث إنه تاريخ يختص بقوم قد كفروا بالله ؟ وما حكم
دراسته بصفة أن دراسته تحتاج إلى التعامل مع آثار مثل : تماثيل ، ونقوش
على جدران المقابر والمعابد ، حيث إن تلك الآثار هى سبيل دراسة هذا النوع
من التاريخ .
جزاكم الله خيراً .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
في كتاب الله تعالى دعوات متعددة للنظر
في أحوال الأمم السابقة – وخاصة المكذبة للرسل والطاغية في الأرض - ، ودعوات للتأمل
في حالهم كيف كان وهلاكهم كيف صار ، ومن ذلك :
1. قال تعالى :
( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) آل عمران 137 .
2. وقال تعالى : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ
يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى
الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحج/ 46 .
3. وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا
الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ ) الروم/ 9 .
ثانياً :
في
معرفة أحوال الأمم السابقة ، وخاصة من أهلكها الله لطغيانها وكفرها : فوائد جمة ،
ومن أعظمها : أخذ العبرة من هلاكهم وعقوبتهم ، والسعي لعدم السير على طريقهم وإلا
أصاب المشابهين لهم ما أصاب أسلافهم .
يقول ابن خلدون – رحمه الله - :
اعلم أن فن التأريخ فن عزيز المذهب ، جم الفوائد ، شريف الغاية ؛ إذ هو يوقفنا على
أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ، والأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم
وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا .
"
تاريخ ابن خلدون " ( 1 / 9 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنة الله وأيامه في عباده ، ودأب الأمم وعاداتهم .
"
مجموع الفتاوى " ( 28 / 427 ) .
ومن
هنا نعى ابن الأثير الجزري رحمه الله على من لم يقم لعلم التاريخ وزناً ، فقال :
لقد
رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية ويظن بنفسه التبحر في العلم والرواية : يحتقر
التواريخ ويزدريها ، ويُعرِض عنها ويلغيها ؛ ظنّاً منه أن غاية فائدتها إنما هو
القصص والأخبار ، ونهاية معرفتها الأحاديث والأسمار ؛ وهذا حال من اقتصر على القشر
دون اللب نظره ، ومن رزقه الله طبعاً سليماً ، وهداه صراطاً مستقيماً : علم أن
فوائدها كثيرة ، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمَّة غزيرة .
" الكامل في التاريخ " ( 1 / 7 ، 8 ) .
ومما ذكره – رحمه الله – من الفوائد الدنيوية :
أن
الملوك ومَن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان
ورأها مدوّنةً في الكتب يتناقلها الناس ، فيرويها خلف عن سلف ، ونظروا الى ما أعقبت
من سوء الذكر ، وقبيح الأحدوثة ، وخراب البلاد ، وهلاك العباد ، وذهاب الأموال ،
وفساد الأحوال : استقبحوها ، وأعرضوا عنها واطَّرحوها ، وإذا رأوا سيرة الولاة
العادلين وحسنها ، وما يتبعهم من الذكر الجميل بعد ذهابهم ، وأنّ بلادهم وممالكهم
عمرت ، وأموالهم درّت : استحسنوا ذلك ورغبوا فيه ، وثابروا عليه وتركوا ما يُنافيه
، هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي دفعوا بها مضرات الأعداء ،
وخلصوا بها من المهالك ، واستصانوا نفائس المدن وعظيم الممالك ، ولو لم يكن فيها
غير هذا لكفى به فخراً .
انتهى
ثالثاً :
والتاريخ الفرعوني هو حقبة من تاريخ الدنيا ، ولا شك أن فيه العبرة والعظة لمن
تأمله ، ولكننا نجد في هذا الزمان من يريد بذكره لذلك التاريخ عكس ما تريده الشريعة
، ومن ذلك :
1.
أنه يراد بتلك الحقبة تأصيل العنصرية في نفوس أهل تلك البلاد ، بل إن بعضهم لينسب
بلاده إلى " الفراعنة " ! وكذا رأيناه في تسمية فرقهم الرياضية ، وأخيراً – وليس
آخراً – تسمية قناة فضائية باسم " الفراعنة " .
2.
أنه قد جُعل التاريخ الفرعوني بديلاً - في المناهج الدراسية – عن التاريخ الإسلامي
! .
قال الدكتور جمال عبد الهادي – حفظه
الله - :
ألغي في " مصر " التاريخ الإسلامي من
المرحلتين الابتدائية والثانوية لحساب تاريخ الفراعنة والغرب ، فبينما كان التاريخ
الفرعوني يدرَّس في ( 75 ) صفحة ، وفي المرحلة الإعدادية فقط : أصبح يدرَّس في
المراحل الثلاث وفي ( 317 ) صفحة ! .
هذا التوسع جاء على حساب التاريخ
الإسلامي الذي كان يدرَّس في المراحل الثلاث في ( 307 ) صفحة ، ليختزل في مرحلة
واحدة هي الإعدادية إلى ( 32 ) صفحة ! .
" مجلة البيان " ( عدد 130 ) .
3. تعظيم الأصنام والأوثان الفرعونية ،
ورعايتها ، وجعلها محطات سياحية ، للنظر ، والاستمتاع ، فلا عبرة بزوال تلك الدولة
وطغاتها ، ولا اعتبار لتحريم الشريعة المطهرة لبقاء الأصنام شامخة تُرعى ، وتُحرس ،
وتُعظَّم ! .
04 تفتيت وحدة الأمة الإسلامية ، وهدم عقيدة الولاء والبراء في النفوس ؛ فبدلا من
أن يكون الإسلام هو الوحدة الجامعة : صارت هذه البلد فرعونية ، والأخرى فينيقية ،
والثالثة آشورية ، والرابعة بربرية قبلية ... ، وهكذا ، إلى أن يفرقوا الأمة ،
ويلقوا التدابر والتهاجر بين أبنائها .
هذا بعض ما نراه من سوء وشر ومخالفة
للشرع في دراسة " التاريخ الفرعوني " ، ولو كانت الدراسة لتلك الحقبة من باب التأمل
والاعتبار بزوال تلك الحقبة بعدما أرست قواعدها في الأرض لكان لتلك الدراسة وجه
شرعي ، بل لرغَّبنا بها ، ولكننا نجد لتلك الحقبة تعظيماً في نفوس أهل تلك الديار
من قبَل أناس مخصوصين – كرفاعة الطهطاوي وأحمد لطفي السيد ومن تبعهم - ، ونرى
واقعاً مخالفاً للشرع من جهة تعظيم طغاة تلك الحقبة ، ومن جهة رعاية أصنامهم .
وعليه : فما كان من دراسة لتلك الحقبة
من التاريخ يسير في الاتجاه المخالف للشرع – من تعظيم للأصنام وأصحابها الطغاة :
فهو غير جائز ، وما كان من دراسة لتلك الحقبة خالياً من تلك المخالفات : فهو جائز .
والله أعلم