السؤال:
قرأت في كتاب تاريخ يحكي عن قصة النبي إبراهيم عليه السلام ، أنه لما صنع
المنجنيق ورمي بها في النار فإن صانعه قد خسف الله تعالى به الأرض ، فهو
يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، فهل ثبت حديث في هذا الباب ؛ لأني أعلم أن
مثل هذه الأمور لا بد فيها من الخبر الصادق . وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
لم
يرد في الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء عن الشخص الذي أشار بتحريق
خليل الله إبراهيم عليه السلام ، وإنما جاء ذلك في كتب المفسرين والمؤرخين عن بعض
الصحابة والتابعين :
عن
مجاهد قال : تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر – يعني قوله تعالى : ( قَالُوا
حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) الأنبياء/68 فقال :
أتدري - يا مجاهد - من الذي أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام بالنار ؟ قال : قلت :
لا . قال : رجل من أعراب فارس . قال : قلت : يا أبا عبد الرحمن ! وهل للفرس أعراب ؟
قال : نعم ، الكرد هم أعراب فارس ، فرجل منهم هو الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار .
رواه الطبري في " جامع البيان " (18/465)، وفي " تاريخ الرسل والملوك " (1/168) قال
: حدثنا ابن حميد ، قال حدثنا سلمة ، قال حدثني محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن دينار
، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد .
وهذا إسناد ضعيف ، بسبب الليث بن أبي سليم ، فإن أكثر النقاد على تضعيف حديثه ، وله
كثير من المناكير في رواياته عن مجاهد عن ابن عمر خاصة . انظر " تهذيب التهذيب "
(8/468)، " سير أعلام النبلاء " (6/179)، وفي الإسناد أيضا الحسن بن دينار متفق على
ضعفه . انظر حاشية محقق " تهذيب الكمال " (6/145) ، ومحمد بن حميد الرازي ، شيخ
الطبري : ضعيف جدا ، متهم بالكذب ، على سعة حفظه . انظر : تهذيب التهذيب (9/111)
وما بعدها .
وعن
شعيب الجبائي قال :
إن
الذي قال حرقوه " هيزن "، فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
رواه الطبري في " جامع البيان " (9/42)، وفي " تاريخ الرسل والملوك " (1/168) قال :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني
وهب بن سليمان ، عن شعيب به .
وشعيب هذا إخباري يروي عن كتب بني إسرائيل ، كحال روايات وهب بن منبه ، وقد سئل عنه
الإمام أحمد فقال : رجل قرأ الكتب ، يشبه وهبا .
ومن
كان هذا حاله فأخباره التي يرويها ، ولا يكون لها شواهد من الكتاب والسنة الصحيحة
تبقى موقوفة ، من غير تصديق ولا تكذيب . انظر ترجمة شعيب في " ميزان الاعتدال "
(2/278)
هذا
فضلا عن أن في السند إليه بعض العلل ، فوهب بن سليمان هذا لم يذكره أحد بجرح ولا
تعديل ، وترجمته في " التاريخ الكبير " للبخاري (8/169)، و " الجرح والتعديل " لابن
أبي حاتم (9/27)، وذكره ابن حبان في " الثقات " (7/557)
وقد
تتابع كثير من المفسرين والمؤرخين على ذكر هذه الحادثة ، ولكن ليس على وجه التصديق
والجزم ، وإنما على سبيل الحكاية للاستئناس والاعتبار .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
"
وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبا من جميع ما يمكنهم من الأماكن ، فمكثوا مدة يجمعون له
، حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق ابراهيم .
ثم
عمدوا إلى جوبة عظيمة ، فوضعوا فيها ذلك الحطب ، وأطلقوا فيه النار فاضطرمت وتأججت
والتهبت ، وعلا لها شرر لم ير مثله قط .
ثم
وضعوا ابراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له هيزن ،
وكان أول من صنع المجانيق ، فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
.
ثم
أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول : لا إله إلا أنت سبحانك ، لك الحمد ، ولك الملك ،
لا شريك لك .
فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيدا مكتوفا ثم ألقوه منه إلى النار
قال : حسبنا الله ونعم الوكيل " انتهى.
"
البداية والنهاية " (1/168-169)
والخلاصة : أنه لم يرد في الأدلة الصحيحة شيء عن أول من صنع المنجنيق لرمي إبراهيم
عليه السلام في النار بواسطته ، ولا من أشار على قومه بتحريقه ، وإنما يحكى ذلك في
كتب المؤرخين ، منقولا عن علماء أهل الكتاب ، فلا يمكننا الجزم بصدقه ولا بكذبه .
والله أعلم .
قرأت في كتاب تاريخ يحكي عن قصة النبي إبراهيم عليه السلام ، أنه لما صنع
المنجنيق ورمي بها في النار فإن صانعه قد خسف الله تعالى به الأرض ، فهو
يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، فهل ثبت حديث في هذا الباب ؛ لأني أعلم أن
مثل هذه الأمور لا بد فيها من الخبر الصادق . وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
لم
يرد في الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء عن الشخص الذي أشار بتحريق
خليل الله إبراهيم عليه السلام ، وإنما جاء ذلك في كتب المفسرين والمؤرخين عن بعض
الصحابة والتابعين :
عن
مجاهد قال : تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر – يعني قوله تعالى : ( قَالُوا
حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) الأنبياء/68 فقال :
أتدري - يا مجاهد - من الذي أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام بالنار ؟ قال : قلت :
لا . قال : رجل من أعراب فارس . قال : قلت : يا أبا عبد الرحمن ! وهل للفرس أعراب ؟
قال : نعم ، الكرد هم أعراب فارس ، فرجل منهم هو الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار .
رواه الطبري في " جامع البيان " (18/465)، وفي " تاريخ الرسل والملوك " (1/168) قال
: حدثنا ابن حميد ، قال حدثنا سلمة ، قال حدثني محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن دينار
، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد .
وهذا إسناد ضعيف ، بسبب الليث بن أبي سليم ، فإن أكثر النقاد على تضعيف حديثه ، وله
كثير من المناكير في رواياته عن مجاهد عن ابن عمر خاصة . انظر " تهذيب التهذيب "
(8/468)، " سير أعلام النبلاء " (6/179)، وفي الإسناد أيضا الحسن بن دينار متفق على
ضعفه . انظر حاشية محقق " تهذيب الكمال " (6/145) ، ومحمد بن حميد الرازي ، شيخ
الطبري : ضعيف جدا ، متهم بالكذب ، على سعة حفظه . انظر : تهذيب التهذيب (9/111)
وما بعدها .
وعن
شعيب الجبائي قال :
إن
الذي قال حرقوه " هيزن "، فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
رواه الطبري في " جامع البيان " (9/42)، وفي " تاريخ الرسل والملوك " (1/168) قال :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني
وهب بن سليمان ، عن شعيب به .
وشعيب هذا إخباري يروي عن كتب بني إسرائيل ، كحال روايات وهب بن منبه ، وقد سئل عنه
الإمام أحمد فقال : رجل قرأ الكتب ، يشبه وهبا .
ومن
كان هذا حاله فأخباره التي يرويها ، ولا يكون لها شواهد من الكتاب والسنة الصحيحة
تبقى موقوفة ، من غير تصديق ولا تكذيب . انظر ترجمة شعيب في " ميزان الاعتدال "
(2/278)
هذا
فضلا عن أن في السند إليه بعض العلل ، فوهب بن سليمان هذا لم يذكره أحد بجرح ولا
تعديل ، وترجمته في " التاريخ الكبير " للبخاري (8/169)، و " الجرح والتعديل " لابن
أبي حاتم (9/27)، وذكره ابن حبان في " الثقات " (7/557)
وقد
تتابع كثير من المفسرين والمؤرخين على ذكر هذه الحادثة ، ولكن ليس على وجه التصديق
والجزم ، وإنما على سبيل الحكاية للاستئناس والاعتبار .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
"
وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبا من جميع ما يمكنهم من الأماكن ، فمكثوا مدة يجمعون له
، حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق ابراهيم .
ثم
عمدوا إلى جوبة عظيمة ، فوضعوا فيها ذلك الحطب ، وأطلقوا فيه النار فاضطرمت وتأججت
والتهبت ، وعلا لها شرر لم ير مثله قط .
ثم
وضعوا ابراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له هيزن ،
وكان أول من صنع المجانيق ، فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
.
ثم
أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول : لا إله إلا أنت سبحانك ، لك الحمد ، ولك الملك ،
لا شريك لك .
فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيدا مكتوفا ثم ألقوه منه إلى النار
قال : حسبنا الله ونعم الوكيل " انتهى.
"
البداية والنهاية " (1/168-169)
والخلاصة : أنه لم يرد في الأدلة الصحيحة شيء عن أول من صنع المنجنيق لرمي إبراهيم
عليه السلام في النار بواسطته ، ولا من أشار على قومه بتحريقه ، وإنما يحكى ذلك في
كتب المؤرخين ، منقولا عن علماء أهل الكتاب ، فلا يمكننا الجزم بصدقه ولا بكذبه .
والله أعلم .