الفرار من العذاب والوحشة والحجاب:
هذا ليس
في قلبه سوى المرأة والمال.. السيارة والعمارة.. الجار والجارة.. الصديق
والصديقة.. والعشيق والعشيقة؟!! أيهما أسعد يا ترى؟!.. تفكروا أيها
العقلاء.. أيهما أسعد..؟! رجل يقول: إلهي.. ربي.. سيدي، فيقول الله له:
لبيك عبدي.. أم رجل قد تعلق قلبه بإمرأة تسومه سوء العذاب.. أو مال يرغم
أنفه في التراب.. أو بالمنصب فذاق بسببه الوبال.. من السعيد..؟!! من السعيد
حقا..؟!!
إن
السعيد حقا هو الطائع لله.
ـ الفرار من
العذاب والوحشة والحجاب:
نادانا
ربنا فقال:{ ففروا الى الله} [الذاريات: 50].. إننا بالتوبة نفر الى الله
نفر من الهوى.. نفر من المعاصي.. نفر من الذنوب.. نفر من الشيطان.. نفر من
النفس الأمارة بالسوء.. نفر من الدنيا.. نفر من الشهوات.. نفر من المال..
نفر من الجاه.. ونفرّ من كل هذا الى الملك.. الملك الذي بيده مفاتيح خزائن
كل هذا فإن رأى الخير أن يعطيك كل ما تشتهي.. أعطاك .. وإن رأى الخير لك
منعك كما يمنع الطبيب المريض شرب الماء وهو عليه هين.. "" إن الله يحمي
عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما يحمي أحدكم سقيمه الماء وهو يحبه".
إننا
بحاجة الى ان نقف على الحجب العشرة بين العاصي وبين الله.. فإن بين العاصي
وبين الله عشرة حجب بعضها أكثف من بعض.. كل حجاب أغلظ من الذي يليه.. ولا
سبيل للعبد للوصول الى الله إلا بتخطي تلك الحجب العشرة..
تأمل ـ
أخي وأختي في الله ـ تأمل حين يكون بينك وبين الله عشرة من الحجب.. إنني
عندما أفكر في هذا، أتذكر رجلا كان قد سجن يوما فأذن له بزيارة أهله.. فكان
يراهم من وراء سلك.. من ورائه حديد.. من ورائه سلك.. ثم أهله.. فتساءلت ما
الذي يمكن أن تراه من بعد ذلك..؟ ثم كيف يتكلم..؟ فإذا تكلم فماذا يقول..؟
وكيف يسمعون..؟!!
اللهم
رحمتك نرجو فأدركنا بها.. إنك إذا تفكرت في حال ذلك الرجل رثيت له.. فكيف
بك إذا كان بينك وبين الله عشرة من الحجب..؟!! لو أنها جدر من طين ما سمعت
وما رأيت.. فقلت.. هذا والله هو السر في جفاء أهل عصرنا مع الله.. وقوع تلك
الحجب بين الناس وبين الله..
اللهم
أزل الحجب بيننا وبينك حتى نعرفك فنحبك.. نعم حجب كل منها أشد كثافة مما
يليه وهي:
الحجاب
الأول: الجهل بالله:
ألّا
تعرف الله.. فمن عرف الله أحبه.. وما عرفه قط من لم يحبه..وما أحبه قط من
لم يعرفه.. لذا كان أولياء الله هم أهل السنة قولا وفعلا.. هم طلبة العلم
حقا.. هؤلاء هم الذين يحبهم الله ويحبونه.. لأنك كلما عرفت الله أكثر
أحببته أكثر..
أنصت الى
نداء شعيب ـ خطيب الأنبياء ـ لقومه وهو يقول: {واستغفروا ربكم ثم توبوا
اليه، إن ربي رحيم ودود} [هود 90].
استمع
الى قول ربك جل جلاله:{ إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن
ودّا} [مريم:96].
إن أغلظ
الحجب هو الجهل بـ الله وألّا تعرفه.. فالمرء عدو ما جهل.. إن الذين لا
يعرفون الله يعصونه.. من لا يعرفون الله يكرهونه.. من لا يعرفون الله
يعبدون الشيطان من دونه.. ولذلك كان نداء الله بالعلم أولا:
{ فاعلم
أنه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات}[محمد: 19].
فالدواء:
أن تعرف الله حق المعرفة.. فإذا عرفته معرفة حقيقية، عند ذلك تعيش حقيقة
التوبة.
يقول ابن
القيم:
إن
للتوبة لأسرارا ولطائف.. وأسرار التوبة ثلاثة:
" أن ينظر
الى الجناية التي قضاها الله عليه فيعرف مراد الله فيها إذا خلّا بينه
وبين إتيانه.. فإن الله عز وجل إنما خلّى بين العبد والذنب لمعنيين،
أحدهما: أن يعرف عزته في قضائه.. وبره في ستره.. وحلمه في إمهال راكبه..
وكرمه في قبول العذر منه وفضله في مغفرته..
لا بد أن
تعرف أيها العبد ربك.. إلهك.. لتكشف الحجاب الأول حجاب الجهل.. تعلّم
ارتباط الأمر والخلق.. الجزاء والوعد والوعيد.. تعلّم كل ذلك بمعرفة أسماء
الله وصفاته.. تعلم أن ذلك موجب الأسماء والصفات وأثرها في الوجود.. فإن كل
إسم وصفة مقتض لأثره، وموجبه متعلق به..
إن هذا
المشهد يطلعك على رياض من المعارف والايمان..
من
بعضها: أن يعرف العبد عزّة الله في قضائه.. أنه سبحانه العزيز الذي يقضي
بما يشاء.. في واقعنا ترى إنسانا ينظر الى نفسه بعين الرضا والكمال..
يتعامل مع امرأة ويقول: إن هؤلاء الملتزمين ينظرون الى الآخرين بعين
الازدراء.. ويظنون أن كل من تعامل مع امرأة لا يفكر إلا في شهوته..
ويتهمهم بالأمراض النفسية وضيق الأفق وغيرها.. وتراه يردد مثل ذلك وهو دائم
الاختلاط بالنساء كما يصنع بعض أصحاب المحلات ومديري الشركات.
يقولون:
إن هذه الأمور لا تخطر ببال أحدهم.. وهذا من حسن ظنهم بأنفسهم.. وسوء ظنهم
بالله الذي شرّع حجب النساء عن الرجال.. ومنع التعامل بينهم.. فيعاقبه الله
سبحانه وهو العزيز الحكيم بان يقع في المحظور.. ثم من بعد يأتيك يبكي
فيقول: وقعت في حب امرأة ممن أتعامل معهن وأنا أشعر بأنني أتمرّغ في
الوحل.. فهنا تستشعر عزة الله في قضائه أنه العزيز الذي لا يغالب.. يستطيع
ان يحوّل قلبك كيف شاء.. فتجد نفسك وأنت تسير محترزا.. محترسا محافظا..
مدقق النظر.. متأكدا من الصواب.. فإذا بقدمك تزل.. تقع في المعصية بعد
المعصية تقول: ما الذي أسقطني هذه السقطة.. هل أنا ممن يرتكب مثل هذا الذنب
القذر..؟! أنا أكذب مثل هذه الكذبة..؟! أنا يمكن أن أقع في اغتياب إنسان..
إن هذه ليست من أخلاقي ولا من طباعي.. لست أنا..
هذا
لتعرف عزته في قضاءه.. إنه العزيز الذي لكمال عزته حكم على العبد وقضى عليه
بأنه قلّب قلبه وصرّف إرادته على ما يشاء.. وحال بين العبد وقلبه.. بل
وجعل العبد مريدا شائيا لما يريد الله ويشاء.. تعرف الله العزيز.. فإذا عرف
العبد عز سيده.. ولاحظه بقلبه.. وتمكن شهود العز من قلبه كان الاشتغال
بالذل وصدق اللّجأ اليه هو نجاته.. اللهم نجنا وأنجي بنا يا رب..
ثم تعرف
أن الكمال لله وحده.. وأن تعرف برّه في ستره ـ برّه الذي حلّ في ستره عليك
حال ارتكابك للذنب.. فكم من عاص على نفس معصيتك فضح هو، وسترك الله..
فتتشاغل بالتوبة والشكر.. تنشغل بالشكر على الستر.. والتوبة من الذنب قبل
أن يفعل بك ما فعل بغيرك..
ومنها:
أن تشهد حلم الله.... تعرف حلمه في أنه أملهك ولو شاء لعاجلك بالعقوبة..
ومنها:
أن تعرف كرم الله الكريم.. أن تعرف كرمه في أنك إذا تبت فاعتذرت قبل
توبتك.. وأن اشهد الغفور ذو الفضل العظيم.. وهو يغفر لك بعد كل ما أسأت...
فتكتمل معرفتك بأسماء الله.. الرحيم.. العزيز.. الغفور.. البر.. التواب..
الملك.. القاهر.. القادر.. البديع.. الودود.. اللطيف .. الحليم.. حين تعرف
الله.. القريب.. الرقيب.. المقيت.. الحسيب.. التواب.. حين تعرف الله..
الجميل.. الماجد.. حين تعرف الله لا تملك إلا أن تحبه.. فينقشع الحجاب
الأول.
الحجاب
الثاني: البدعة:
فمن
ابتدع حجب عن الله بدعته.. فتكون بدعته حجابا بينه وبين الله حتى يتخلص
منها.. قال صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
أخرجه البخاري (2697) كتاب الصلح. ومسلم (1718) كتاب الأقضية.
وانظر
الى قول الله جل جلاله في الكفار أنهم { لا تفتح لهم أبواب السماء}
[الأعراف: 40] لماذا؟!
هنا
لطيفة من كلام سلفنا في قول الله عز وجل {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل
الصالح يرفعه} [فاطر:10].. فالمؤمن حين يعمل الأعمال الصالحة تخترق
السماوات.. وتخترق الحجب.. تصعد الى الله كأنها تفتح في السماوات طريقا..
وتفتح أبوابا.. فإذا مات وصعدت روحه.. وجدت الأبواب مفتحة.. لأن الذي فتح
الأبواب.. ومهّد الطرق.. وسبّل السبل.. هي أعماله.. التي تصعد من الصالحات
والذكر .. أما إذا لم يكن له أعمال صالحة.. ظلت الأبواب مغلقة.. والطرق
مؤصدة.. والسبل مسدودة.. فإذا مات جاءت روحه لتصعد.. غلّقت دونها أبواب
السماء.. كما لم يفتح بعمله لنفسه سبيلا.. قال ربنا:{ ومن عمل صالحا
فلأنفسهم يمهدون} [الروم: 44].
والعمل
الصالح له شرطان:
الإخلاص:
أن يكون لوجه الله وحده لا شريك له.
والمتابعة:
أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ودون
هذين الشرطين لا يسمى صالحا.. فلا يصعد الى الله.. لأنه إنما يصعد اليه
العمل الطيب الصالح.. فتكون البدعة حجابا تمنع وصول العمل الى الله..
وبالتالي تمنع وصول العبد.. فتكون حجابا بين العبد وبين الرب.. لأن المبتدع
إنما عبد على هواه.. لا على مراد مولاه.. فهو حجاب بينه وبين الله.. من
خلال ما ابتدع مما لم يشرّع الله.. فالعامل للصالحات يمهّد لنفسه.. اما
المبتدع فإنه شر من المعاصي.
تنبيه:
رأيت
بدعة جديدة في هذه الأيام.. وهو أن يطلق الرجل جزءا من اللحية.. ولا يعفيها
بالكلية.. هذه بدعة شر من حلق اللحية.. لأن حالق اللحية عاص.. والذي يطلق
هذا الجزء مبتدع.. لذلك نقول: إن المبتدع الذي يعبد الله على غير سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم.. أعماله تكون حجابا بينه وبين الله.
الحجاب الثالث:
الكبائر الباطنة:
وهي
كثيرة كالخيلاء.. والفخر.. والكبر.. والحسد.. والعجب.. والرياء والغرور..
هذه الكبائر الباطنة أكبر من الكبائر الظاهرة.. أعظم من الزنا وشرب الخمر
والسرقة.. هذه الكبائر الباطنة إذا وقعت في القلب.. كانت حجابا بين قلب
العبد وقلب الرب.
ذلك أن
الطريق الى الله إنما تقطع بالقلوب .. ولا تقطع بالأقدام.. والمعاصس
القلبية قطاع الطريق.
يقول ابن
القيّم:
وقد
تستولي النفس على العمل الصالح.. فتصيرجندا لها.. فتصول به وتطغى.. فترى
العبد أطوع ما يكون.. أزهد ما يكون.. وهو عن الله أبعد ما يكون.. فتأمل..!!
الحجاب
الرابع : حجاب أهل الكبائر الظاهرة:
كالسرقة.. وشرب الخمر.. وسائر الكبائر..
إخوتاه..
ينبغي أن نفقه في هذا المقام.. أنه لا صغيرة مع الإصرار.. ولا كبيرة مع
الاستغفار..والإصرار هو الثبات على المخالفة.. والعزم على المعاودة.. وقد
تكن هناك معصية صغيرة فتكبر .. بالله عليك هل
وجد أسعد حالا وأقرّ عينا من عبد لله لم يتعلق قلبه إلا بالله؟!.. يقوم
الليل فيصلي ويناجي ربه.. ثم يصبح فيدخل المسجد ويجلس ليذكر ربه.. ثم يعود
فينام هنيئا يتعبد بنومه يرجو الثواب بالنوم.. يقول ـ كمعاذ ـ أنام أول
الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب قومتي كما
أحتسب نومتي". أخرجه البخاري ( 4342)، ( 4345) كتاب المغازي
باب بعث أبي موسى ومعاذ الى اليمن قبل حجة الوداع.ـأسأل الله أن يجعلنا من عباد ه الصالحين اللذين يحبهم
ويحبونه وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثير
والحمد لله رب العالمين
الحجب بين العبد وبين الله
هذا ليس
في قلبه سوى المرأة والمال.. السيارة والعمارة.. الجار والجارة.. الصديق
والصديقة.. والعشيق والعشيقة؟!! أيهما أسعد يا ترى؟!.. تفكروا أيها
العقلاء.. أيهما أسعد..؟! رجل يقول: إلهي.. ربي.. سيدي، فيقول الله له:
لبيك عبدي.. أم رجل قد تعلق قلبه بإمرأة تسومه سوء العذاب.. أو مال يرغم
أنفه في التراب.. أو بالمنصب فذاق بسببه الوبال.. من السعيد..؟!! من السعيد
حقا..؟!!
إن
السعيد حقا هو الطائع لله.
ـ الفرار من
العذاب والوحشة والحجاب:
نادانا
ربنا فقال:{ ففروا الى الله} [الذاريات: 50].. إننا بالتوبة نفر الى الله
نفر من الهوى.. نفر من المعاصي.. نفر من الذنوب.. نفر من الشيطان.. نفر من
النفس الأمارة بالسوء.. نفر من الدنيا.. نفر من الشهوات.. نفر من المال..
نفر من الجاه.. ونفرّ من كل هذا الى الملك.. الملك الذي بيده مفاتيح خزائن
كل هذا فإن رأى الخير أن يعطيك كل ما تشتهي.. أعطاك .. وإن رأى الخير لك
منعك كما يمنع الطبيب المريض شرب الماء وهو عليه هين.. "" إن الله يحمي
عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما يحمي أحدكم سقيمه الماء وهو يحبه".
إننا
بحاجة الى ان نقف على الحجب العشرة بين العاصي وبين الله.. فإن بين العاصي
وبين الله عشرة حجب بعضها أكثف من بعض.. كل حجاب أغلظ من الذي يليه.. ولا
سبيل للعبد للوصول الى الله إلا بتخطي تلك الحجب العشرة..
تأمل ـ
أخي وأختي في الله ـ تأمل حين يكون بينك وبين الله عشرة من الحجب.. إنني
عندما أفكر في هذا، أتذكر رجلا كان قد سجن يوما فأذن له بزيارة أهله.. فكان
يراهم من وراء سلك.. من ورائه حديد.. من ورائه سلك.. ثم أهله.. فتساءلت ما
الذي يمكن أن تراه من بعد ذلك..؟ ثم كيف يتكلم..؟ فإذا تكلم فماذا يقول..؟
وكيف يسمعون..؟!!
اللهم
رحمتك نرجو فأدركنا بها.. إنك إذا تفكرت في حال ذلك الرجل رثيت له.. فكيف
بك إذا كان بينك وبين الله عشرة من الحجب..؟!! لو أنها جدر من طين ما سمعت
وما رأيت.. فقلت.. هذا والله هو السر في جفاء أهل عصرنا مع الله.. وقوع تلك
الحجب بين الناس وبين الله..
اللهم
أزل الحجب بيننا وبينك حتى نعرفك فنحبك.. نعم حجب كل منها أشد كثافة مما
يليه وهي:
الحجب بين العبد وبين الله
الحجاب
الأول: الجهل بالله:
ألّا
تعرف الله.. فمن عرف الله أحبه.. وما عرفه قط من لم يحبه..وما أحبه قط من
لم يعرفه.. لذا كان أولياء الله هم أهل السنة قولا وفعلا.. هم طلبة العلم
حقا.. هؤلاء هم الذين يحبهم الله ويحبونه.. لأنك كلما عرفت الله أكثر
أحببته أكثر..
أنصت الى
نداء شعيب ـ خطيب الأنبياء ـ لقومه وهو يقول: {واستغفروا ربكم ثم توبوا
اليه، إن ربي رحيم ودود} [هود 90].
استمع
الى قول ربك جل جلاله:{ إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن
ودّا} [مريم:96].
إن أغلظ
الحجب هو الجهل بـ الله وألّا تعرفه.. فالمرء عدو ما جهل.. إن الذين لا
يعرفون الله يعصونه.. من لا يعرفون الله يكرهونه.. من لا يعرفون الله
يعبدون الشيطان من دونه.. ولذلك كان نداء الله بالعلم أولا:
{ فاعلم
أنه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات}[محمد: 19].
فالدواء:
أن تعرف الله حق المعرفة.. فإذا عرفته معرفة حقيقية، عند ذلك تعيش حقيقة
التوبة.
يقول ابن
القيم:
إن
للتوبة لأسرارا ولطائف.. وأسرار التوبة ثلاثة:
" أن ينظر
الى الجناية التي قضاها الله عليه فيعرف مراد الله فيها إذا خلّا بينه
وبين إتيانه.. فإن الله عز وجل إنما خلّى بين العبد والذنب لمعنيين،
أحدهما: أن يعرف عزته في قضائه.. وبره في ستره.. وحلمه في إمهال راكبه..
وكرمه في قبول العذر منه وفضله في مغفرته..
لا بد أن
تعرف أيها العبد ربك.. إلهك.. لتكشف الحجاب الأول حجاب الجهل.. تعلّم
ارتباط الأمر والخلق.. الجزاء والوعد والوعيد.. تعلّم كل ذلك بمعرفة أسماء
الله وصفاته.. تعلم أن ذلك موجب الأسماء والصفات وأثرها في الوجود.. فإن كل
إسم وصفة مقتض لأثره، وموجبه متعلق به..
إن هذا
المشهد يطلعك على رياض من المعارف والايمان..
من
بعضها: أن يعرف العبد عزّة الله في قضائه.. أنه سبحانه العزيز الذي يقضي
بما يشاء.. في واقعنا ترى إنسانا ينظر الى نفسه بعين الرضا والكمال..
يتعامل مع امرأة ويقول: إن هؤلاء الملتزمين ينظرون الى الآخرين بعين
الازدراء.. ويظنون أن كل من تعامل مع امرأة لا يفكر إلا في شهوته..
ويتهمهم بالأمراض النفسية وضيق الأفق وغيرها.. وتراه يردد مثل ذلك وهو دائم
الاختلاط بالنساء كما يصنع بعض أصحاب المحلات ومديري الشركات.
يقولون:
إن هذه الأمور لا تخطر ببال أحدهم.. وهذا من حسن ظنهم بأنفسهم.. وسوء ظنهم
بالله الذي شرّع حجب النساء عن الرجال.. ومنع التعامل بينهم.. فيعاقبه الله
سبحانه وهو العزيز الحكيم بان يقع في المحظور.. ثم من بعد يأتيك يبكي
فيقول: وقعت في حب امرأة ممن أتعامل معهن وأنا أشعر بأنني أتمرّغ في
الوحل.. فهنا تستشعر عزة الله في قضائه أنه العزيز الذي لا يغالب.. يستطيع
ان يحوّل قلبك كيف شاء.. فتجد نفسك وأنت تسير محترزا.. محترسا محافظا..
مدقق النظر.. متأكدا من الصواب.. فإذا بقدمك تزل.. تقع في المعصية بعد
المعصية تقول: ما الذي أسقطني هذه السقطة.. هل أنا ممن يرتكب مثل هذا الذنب
القذر..؟! أنا أكذب مثل هذه الكذبة..؟! أنا يمكن أن أقع في اغتياب إنسان..
إن هذه ليست من أخلاقي ولا من طباعي.. لست أنا..
هذا
لتعرف عزته في قضاءه.. إنه العزيز الذي لكمال عزته حكم على العبد وقضى عليه
بأنه قلّب قلبه وصرّف إرادته على ما يشاء.. وحال بين العبد وقلبه.. بل
وجعل العبد مريدا شائيا لما يريد الله ويشاء.. تعرف الله العزيز.. فإذا عرف
العبد عز سيده.. ولاحظه بقلبه.. وتمكن شهود العز من قلبه كان الاشتغال
بالذل وصدق اللّجأ اليه هو نجاته.. اللهم نجنا وأنجي بنا يا رب..
ثم تعرف
أن الكمال لله وحده.. وأن تعرف برّه في ستره ـ برّه الذي حلّ في ستره عليك
حال ارتكابك للذنب.. فكم من عاص على نفس معصيتك فضح هو، وسترك الله..
فتتشاغل بالتوبة والشكر.. تنشغل بالشكر على الستر.. والتوبة من الذنب قبل
أن يفعل بك ما فعل بغيرك..
ومنها:
أن تشهد حلم الله.... تعرف حلمه في أنه أملهك ولو شاء لعاجلك بالعقوبة..
ومنها:
أن تعرف كرم الله الكريم.. أن تعرف كرمه في أنك إذا تبت فاعتذرت قبل
توبتك.. وأن اشهد الغفور ذو الفضل العظيم.. وهو يغفر لك بعد كل ما أسأت...
فتكتمل معرفتك بأسماء الله.. الرحيم.. العزيز.. الغفور.. البر.. التواب..
الملك.. القاهر.. القادر.. البديع.. الودود.. اللطيف .. الحليم.. حين تعرف
الله.. القريب.. الرقيب.. المقيت.. الحسيب.. التواب.. حين تعرف الله..
الجميل.. الماجد.. حين تعرف الله لا تملك إلا أن تحبه.. فينقشع الحجاب
الأول.
الحجاب
الثاني: البدعة:
فمن
ابتدع حجب عن الله بدعته.. فتكون بدعته حجابا بينه وبين الله حتى يتخلص
منها.. قال صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
أخرجه البخاري (2697) كتاب الصلح. ومسلم (1718) كتاب الأقضية.
وانظر
الى قول الله جل جلاله في الكفار أنهم { لا تفتح لهم أبواب السماء}
[الأعراف: 40] لماذا؟!
هنا
لطيفة من كلام سلفنا في قول الله عز وجل {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل
الصالح يرفعه} [فاطر:10].. فالمؤمن حين يعمل الأعمال الصالحة تخترق
السماوات.. وتخترق الحجب.. تصعد الى الله كأنها تفتح في السماوات طريقا..
وتفتح أبوابا.. فإذا مات وصعدت روحه.. وجدت الأبواب مفتحة.. لأن الذي فتح
الأبواب.. ومهّد الطرق.. وسبّل السبل.. هي أعماله.. التي تصعد من الصالحات
والذكر .. أما إذا لم يكن له أعمال صالحة.. ظلت الأبواب مغلقة.. والطرق
مؤصدة.. والسبل مسدودة.. فإذا مات جاءت روحه لتصعد.. غلّقت دونها أبواب
السماء.. كما لم يفتح بعمله لنفسه سبيلا.. قال ربنا:{ ومن عمل صالحا
فلأنفسهم يمهدون} [الروم: 44].
والعمل
الصالح له شرطان:
الإخلاص:
أن يكون لوجه الله وحده لا شريك له.
والمتابعة:
أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ودون
هذين الشرطين لا يسمى صالحا.. فلا يصعد الى الله.. لأنه إنما يصعد اليه
العمل الطيب الصالح.. فتكون البدعة حجابا تمنع وصول العمل الى الله..
وبالتالي تمنع وصول العبد.. فتكون حجابا بين العبد وبين الرب.. لأن المبتدع
إنما عبد على هواه.. لا على مراد مولاه.. فهو حجاب بينه وبين الله.. من
خلال ما ابتدع مما لم يشرّع الله.. فالعامل للصالحات يمهّد لنفسه.. اما
المبتدع فإنه شر من المعاصي.
تنبيه:
رأيت
بدعة جديدة في هذه الأيام.. وهو أن يطلق الرجل جزءا من اللحية.. ولا يعفيها
بالكلية.. هذه بدعة شر من حلق اللحية.. لأن حالق اللحية عاص.. والذي يطلق
هذا الجزء مبتدع.. لذلك نقول: إن المبتدع الذي يعبد الله على غير سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم.. أعماله تكون حجابا بينه وبين الله.
الحجاب الثالث:
الكبائر الباطنة:
وهي
كثيرة كالخيلاء.. والفخر.. والكبر.. والحسد.. والعجب.. والرياء والغرور..
هذه الكبائر الباطنة أكبر من الكبائر الظاهرة.. أعظم من الزنا وشرب الخمر
والسرقة.. هذه الكبائر الباطنة إذا وقعت في القلب.. كانت حجابا بين قلب
العبد وقلب الرب.
ذلك أن
الطريق الى الله إنما تقطع بالقلوب .. ولا تقطع بالأقدام.. والمعاصس
القلبية قطاع الطريق.
يقول ابن
القيّم:
وقد
تستولي النفس على العمل الصالح.. فتصيرجندا لها.. فتصول به وتطغى.. فترى
العبد أطوع ما يكون.. أزهد ما يكون.. وهو عن الله أبعد ما يكون.. فتأمل..!!
الحجاب
الرابع : حجاب أهل الكبائر الظاهرة:
كالسرقة.. وشرب الخمر.. وسائر الكبائر..
إخوتاه..
ينبغي أن نفقه في هذا المقام.. أنه لا صغيرة مع الإصرار.. ولا كبيرة مع
الاستغفار..والإصرار هو الثبات على المخالفة.. والعزم على المعاودة.. وقد
تكن هناك معصية صغيرة فتكبر .. بالله عليك هل
وجد أسعد حالا وأقرّ عينا من عبد لله لم يتعلق قلبه إلا بالله؟!.. يقوم
الليل فيصلي ويناجي ربه.. ثم يصبح فيدخل المسجد ويجلس ليذكر ربه.. ثم يعود
فينام هنيئا يتعبد بنومه يرجو الثواب بالنوم.. يقول ـ كمعاذ ـ أنام أول
الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب قومتي كما
أحتسب نومتي". أخرجه البخاري ( 4342)، ( 4345) كتاب المغازي
باب بعث أبي موسى ومعاذ الى اليمن قبل حجة الوداع.ـأسأل الله أن يجعلنا من عباد ه الصالحين اللذين يحبهم
ويحبونه وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثير
والحمد لله رب العالمين