الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والصلاة والسلام على محمد خير
الأنام، وعلى الهوأصحابه
البررة الكرام.. ما بعد:
أخي المسلم:
اعلم أن إطلاق البصر سبب لأعظم
الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد، وكم انتكسبسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين، وكم
وقع بسببه أناس في الزنى والفاحشة والعياذبالله.
فالعين مرآة القلب، فإذا غض العبد
بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبدبصره أطلق القلب. شهوته وإرادته، ونقش
فيه صور تلك المبصرات، فيشغله ذلك عن الفكرفيما ينفعه في الدار الآخرة.
وما كان إطلاق البصر سببا لوقوع
الهوى في القلب أمر الشارع بغض البصر عما يخافعواقبه، فقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْوَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَايَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّوَيَحْفَظْنَ
فُرُوجَهُنَّ... [النور:31،30].
نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظفروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها: يَعْلَمُخَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ[غافر:19]، ولما كان مبدأ ذلكمن قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على
حفظ الفرج، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر،كما أن معظم النار من مستصغر الشرر،
تكون نظرة.. ثم خطرة.. ثم خطوة.. ثم خطيئة،ولهذا قيل: من حفظ هذه ا لأربعة أحرز
دينه: اللحظات، والخطرات، واللفظات، وا لخطوات.
قال: والنظر أصل عامة الحوادث
التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثمتولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة،
ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمةجازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع
مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر منالصبر على ألم ما بعده.
عليه].
2- وقال: {... فاتقوا. الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنيإسرائيل كانت في النساء} [رواه
مسلم].
3- وعن جرير بن عبدالله قال: {سألت
رسول الله صلىعليه
وسلم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري} [رواه
مسلم]. وعندأبي
داود أنه قال له. {اصرف بصرك}.
4- وقال عليه الصلاة والسلام. {يا
علي، لا تتبعالنظرة
النظرة؟ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة} [رواه
الترمذي وأبوداود
وحسنه الألباني].
5- وقال: {العينان تزنيان، وزناهما النظر} [متفقعليه].
أخي الحبيب:
وكان السلف الصالح يبالغون في غض
البصر؟ حذر أمن فتنته، وخوفا من الوقوع فيعقوبته.
قال ابن مسعود رضى الله عنه: ما
كان من نظرة فان للشيطان فيها مطمعا.
وكان الربيع بن خثيم رحمه الله
يغض بصره، فمر به نسوة، فأطرق - أي أمال رأسه إلىصدره - حتى ظن النسوة أنه أعمى، فتعوذن
بالله من العمى!!
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
الشيطان من الرجل في ثلاثة منازل: في بصره، وقلبه،وذكره، وهو من المرأة في ثلاثة منازل:
في بصرها، وقلبها، وعجزها.
قال في قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ[غافر:19]، قال: الرجل يكون فيالقوم فتمر بهم المرأة، فيريهم أنه يغض
بصره عنها، فإن رأى منهم غفلة نظر إليها،فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره، وقد اطلع الله عز وجل من
قلبه أنه يود لو نظر إلىعورتها!!
وقال عيسى ابن مريم: النظر يزرع
في القلب الشهوة، وكفى بها خطيئة.
وقال معروف: غضوا أبصاركم ولو عن
شاة أنثى!!
وقال و النون: اللحظات تورث
الحسرات؟ أولها أسف، واخرها تلف، فمن طاوع طرفه تابعحتفه.
وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد،
فلما عاد قالت له امرأته: كم من امرأة حسناء قدرأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في
إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك!
وقال أحمد بن حنبل: كم نظرة ألقت
في قلب صاحبها البلابل!!
الأمة، واتفق علىتحريمه
علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة؟ هو نظر الأجانب من الرجال والنساءبعضهم إلى بعض - وهم من ليس بينهم رحم
من النسب، ولا محرم من سبب كالرضاع وغيره - فهؤلاء
حرام نظر بعضهم إلى بعض... فالنظر والخلوة محرم على هؤلاء عند كافةالمسلمين.
{ولما نظر الفضل بن عباس إلى امرأة حول
النبيوجهه إلى الشقالآخر} [رواه
أبو داود].
قال ابن القيم: وهذا منع وإنكار
بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.
سد النبيكل ذريعة تفضي إلى تعمد النظر إلى
النساء؟ حرصا منهعلى
سلامة القلوب ونقاءالنفوس
واستقامة المجتمع المسلم على تقوى الله ومخافته. لي من ذلك:
1- أنهنهىالنساء
إذا صلين مع الرجال أن يرفعن رءوسهن قبل الرجال؟ لئلا يكون ذريعة منهن إلىرؤية عورات الرجال من وراء الأزر.
2- أنهنهىالمرأة
إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو أن تصيب بخورا، وذلك لأنه ذريعة إلى ميلالرجال وتشوقهم إليها، فإن رائحتها
وزينتها وصورتها وإبداء محاسنها تدعو إليها،فأمرها أن تخرج تفلة ولا تتطيب.
3- أنهلميجعل
لها وسط الطريق عند المشي حتى لا يراها كل أحد، بل جعل لها حافات الطريقوجوانبه.
4- أنهنهىأن
تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها، سدا للذريعة، وحماية عن
مفسدةوقوعها في
قلبه وميله إليها بحضور صورتها في نفسه.
5- أنهنهىعن
الجلوس في الطرقات، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى النظر المحرم، فلما أخبروه
أنهلابد لهم من
ذلك قال: {أعطوا الطريق حقه، قالوا: وماحقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد
السلام} [متفق عليه].
6- أن الله سبحانه نهى النساء عن الضرب
بأرجلهن عند السير سدا لذريعة النظر، حتىلا ينظر الرجال إلى ما يخفين من الزينة والجمال، قال سبحانه: وَلَايَضْرِبْنَ
بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ[النور:31].
اعلم أن النظر إلى المحرمات يورث
الحسرات والزفرات، والألم الشديد، فيرى العبدما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه، وهذا
من أعظم العذاب كما قيل:
فمن عقوبات النظر إلى المحرمات:
1- فساد القلب: فالنظرة تفعل في القلب ما
يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتلهجرحته، فهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس،
فإن لم تحرقه كله أحرقتبعضه.
2- نسيان العلم: فقد نسي أحد العباد القرآن
بسبب نظرة إلى غلام نصراني!!
3- نزول البلاء: قال عمرو بن مرة: نظرت إلى
امرأة فأعجبتني فكف بصري، فأرجو أنيكون ذلك جزائي.
4- إبطال الطاعات: فعن حذيفة قال: من تأمل
خلق امرأة من وراء الثياب فقد أبطلصومه!!
5- الغفلة عن الله والدار الآخرة: فإن
القلب إذا شغل بالمحرمات أورثه ذلك كسلاعن ذكر الله وملازمة الطاعات.
6- إهدار الشارع عين من تعمد النظر في بيوت
الناس متجسسا: فعن أبي هريرةقال: قال رسولالله:
{لو اطلع أحد في بيتك ولم تأذن له،
فخذفته بحصاة ففقأت عينه،ما كان عليك جناح}
[متفق عليه].
وفي غض البصر فوائد عديدة ذكر
الإمام ابن القيم رحمه الله منها عشر فوائد وهي:
1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق
نظره دامت حسرته.
2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في
العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أنإطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.
3- أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور
وثمراته، قال شجاع الكرماني: من عمرظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن
المحارم، وكف نفسه عنالشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته.
4- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل
عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب،فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره
تكدر عليه قلبه وأظلم.
5- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، قال بعض الشيوخ: الناس
يطلبون العزبأبواب
الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
6- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا
أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر،فلذة العفة أعظم من لذة الذنب.
7- أنه يخلص القلب من أسر الشهوة، فإن
الأسير هو أسير شهوته وهواه، ومتى أسرتالشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه، وسامه سوء العذاب وصار:
8- أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة
الحاملة علىمواقعة
الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكهأقرب.
9- أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن
إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفةالعقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب كما قيل:
10- أنه يخلص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق
البصر يوجب استحكامالغفلة
عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق.
ويزاد على ما ذكره ابن القيم:
11- أنه يورث محبة الله، قال الحسن بن
مجاهد: غض البصر عن محارم الله يورث حبالله.
12- أنه يورث الحكمة، قال أبو الحسين
الوراق: من غض بصره عن محرم أورثه اللهبذلك حكمة على لسانه، يهدى بها سامعوه.
13- أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه
والاشتغال بما ينجيه يوم القيامة.
به، إنما بصرك نعمة من الله عليك، فلاتعصه بنعمه، وعامله بغضه عن الحرام تربح، واحذر أن تكون
العقوبة سلب تلك النعمة،وكل زمن الجهاد في الغض لحظة، فإن فعلت نلت الخير الجزيل،
وسلمت من الشر الطويل.
أحمد بن حنبل: رجل تاب وقال: لو ضربظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله، إلا أنه لا يدع
النظر؟! فقال: أي توبة هذه! قال
جرير: {سألت رسول اللهعن نظرة الفجاءة، فقال: "اصرف
بصرك " } [رواه مسلم وأبو داود].
إن إطلاق البصر له أسباب كنيرة
جدا يصعب حصرها، ومن أهمها:
1- اتباع الهوى وطاعة الشيطان.
2- الجهل بعواقب النظر، وأنه يؤدي إلى
الزنى، وربما أدى إلى الردة عن الإسلام،فقد ورد أن رجلا نظر إلى نصرانية فعشقها، فلم ترض منه إلا
بالبراءة من الإسلام،فارتد ودخل في النصرانية!!
3- الاتكال على عفو الله ومغفرته، ونسيان
أن الله شديد العقاب.
4- مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج
والصور الفاتنة التي تتبرج فيها النساءعن طريق القنوات الفضائية أو المجلات الخليعة.
5- العزوف عن الزواج، فقد قال: {يا
معشر الشباب، مناستطاع
منكم الباءة فليتزوج؟ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج...} [متفقعليه].
6- كثرة التواجد في الأماكن التي يختلط
فيها الرجال بالنساء كالأسواق مثلا. قالالعلاء بن زياد: لا تتبع بصرك رداء امرأة، فإن النظرة تجعل
في القلب شهوة.
7- وجود لذة كاذبة يشعر بها الناظر في
نفسه، وهي أثر من آثار الغفلة عن اللهوقلة تعظيمه في القلب، إذ لو كان معظما لله عز وجل لما فرح
بمعصيته.
8- تبرج النساء في الشوارع والأسواق، وتعمد
بعضهن إظهار الجمال والزينة، ممايدعو ضعاف النفوس إلى النظر إليهن.
9- تشجيع بعض النساء لذلك بتعمد نظرهن إلى
الرجال، فيجرئنهم على مبادلتهنالنظرات.
10- كثرة التعامل مع النساء سواء أكان في
بيع أو شراء أو عمل أو غيره.
ولغض البصر أسباب كثيرة كذلك نذكر
منها:
1- تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه.
2- التخلص من جميع الأسباب التي ذكرنا أنها
تؤدي إلى إطلاق البصر.
3- معرفة أن إطلاق البصر يؤدي إلى الأسف
والحسرة، قال الحسن: من أطلق طرفه طالأسفه.
4- معرفة أن النظر زنا العينين، ويكفيه في
ذلك قبحا.
5- دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزما
ثم تنتقل إلى مرحلة الفعل، فمن غضبصره عند أول نظرة سلم من آفات لا تحصى، فإذا كرر النظر فلا
يأمن أن يزرع في قلبهزرع يصعب قلعه.
6- القيام بحقيقة الشكر، فإن من تمامشكر النعمة ألا يعصى الله عز وجل بها. والبصر من نعم الله تعالى على العبد.
7- الصوم؟ وهو سبب قوي في غض البصر بعد
الزواج.
8- تأمل ما يستقبح من شأن النساء، فإنهن
يتفلن ويبلن ويتغوطن وتصيبهن الروائحالكريهة، وفي ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا أعجبت
أحدكم امرأة فليذكرمناتنها!!".
9- التسلي بما أحله الله عز وجل من الشهوة المباحة، فعن جابرأن رسول اللهرأى امرأة فأعجبته،فأتى زينب فقضى منها حاجته وقال: {إن
المرأة تقبل فيصورة
شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله،
فإنذلك يرد ما في
نفسه} [رواه مسلم].
قال النووي: معنى الحديث أن
المرأة تذكر بالهوى والفتنة والشهوة لما جعل اللهتعالى في نفوس الرجال من الميل إليهن
والالتذاذ بالنظر إليهن، ولذا فإنه ينبغي لهاألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وكذا
فإنه ينبغي للرجل الغض عنها وعن ثيابها،والإعراض عنها مطلقا" شرح صحيح مسلم للنووي،.
10- الدعاء والاستعانة بالله عز وجل وسؤاله
النجاة من هذه الفتنة، فقد كانيقول:
{اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر
بصري، ومن شر لساني،ومن
شر قلبي} [رواه أبو داود وصححه.الألباني].
11- الخوف من سوء الخاتمة والتأسف عند الموت.
12- صحبة الأخيار وترك صحبة الأشرار، فإن
الطبع يسرق من خصال المخالطين، والمرءعلى دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأنام، وعلى الهوأصحابه
البررة الكرام.. ما بعد:
أخي المسلم:
اعلم أن إطلاق البصر سبب لأعظم
الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد، وكم انتكسبسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين، وكم
وقع بسببه أناس في الزنى والفاحشة والعياذبالله.
فالعين مرآة القلب، فإذا غض العبد
بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبدبصره أطلق القلب. شهوته وإرادته، ونقش
فيه صور تلك المبصرات، فيشغله ذلك عن الفكرفيما ينفعه في الدار الآخرة.
وما كان إطلاق البصر سببا لوقوع
الهوى في القلب أمر الشارع بغض البصر عما يخافعواقبه، فقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْوَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَايَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّوَيَحْفَظْنَ
فُرُوجَهُنَّ... [النور:31،30].
النظر وخطورته
قال الإمام ابن القيم: أمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظفروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها: يَعْلَمُخَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ[غافر:19]، ولما كان مبدأ ذلكمن قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على
حفظ الفرج، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر،كما أن معظم النار من مستصغر الشرر،
تكون نظرة.. ثم خطرة.. ثم خطوة.. ثم خطيئة،ولهذا قيل: من حفظ هذه ا لأربعة أحرز
دينه: اللحظات، والخطرات، واللفظات، وا لخطوات.
قال: والنظر أصل عامة الحوادث
التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثمتولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة،
ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمةجازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع
مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر منالصبر على ألم ما بعده.
كـل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر
الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك الســهام بلاقوس ولاوتر
والعبــد ما دام
ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـر مقلته ما ضـر
مهجـته *** لا مـرحبا بسرور عاد بالضـرر
الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك الســهام بلاقوس ولاوتر
والعبــد ما دام
ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـر مقلته ما ضـر
مهجـته *** لا مـرحبا بسرور عاد بالضـرر
أحاديث وأثار في فتنة النظر
1- قال النبي: {ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال منالنساء} [متفقعليه].
2- وقال: {... فاتقوا. الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنيإسرائيل كانت في النساء} [رواه
مسلم].
3- وعن جرير بن عبدالله قال: {سألت
رسول الله صلىعليه
وسلم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري} [رواه
مسلم]. وعندأبي
داود أنه قال له. {اصرف بصرك}.
4- وقال عليه الصلاة والسلام. {يا
علي، لا تتبعالنظرة
النظرة؟ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة} [رواه
الترمذي وأبوداود
وحسنه الألباني].
5- وقال: {العينان تزنيان، وزناهما النظر} [متفقعليه].
أخي الحبيب:
وكان السلف الصالح يبالغون في غض
البصر؟ حذر أمن فتنته، وخوفا من الوقوع فيعقوبته.
قال ابن مسعود رضى الله عنه: ما
كان من نظرة فان للشيطان فيها مطمعا.
وكان الربيع بن خثيم رحمه الله
يغض بصره، فمر به نسوة، فأطرق - أي أمال رأسه إلىصدره - حتى ظن النسوة أنه أعمى، فتعوذن
بالله من العمى!!
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
الشيطان من الرجل في ثلاثة منازل: في بصره، وقلبه،وذكره، وهو من المرأة في ثلاثة منازل:
في بصرها، وقلبها، وعجزها.
قال في قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ[غافر:19]، قال: الرجل يكون فيالقوم فتمر بهم المرأة، فيريهم أنه يغض
بصره عنها، فإن رأى منهم غفلة نظر إليها،فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره، وقد اطلع الله عز وجل من
قلبه أنه يود لو نظر إلىعورتها!!
وقال عيسى ابن مريم: النظر يزرع
في القلب الشهوة، وكفى بها خطيئة.
وقال معروف: غضوا أبصاركم ولو عن
شاة أنثى!!
وقال و النون: اللحظات تورث
الحسرات؟ أولها أسف، واخرها تلف، فمن طاوع طرفه تابعحتفه.
وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد،
فلما عاد قالت له امرأته: كم من امرأة حسناء قدرأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في
إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك!
وقال أحمد بن حنبل: كم نظرة ألقت
في قلب صاحبها البلابل!!
يا من رأى سـقمي يزيد *** وعـلتي تـعي طبيـبي
لا تعجبن
فهكـــذا *** تجني العيون على القلوب
لا تعجبن
فهكـــذا *** تجني العيون على القلوب
حكم النظر للنساء
قال الحافظ أبو بكر بن حبيب العامري: إن الذي أجمعت عليه الأمة، واتفق علىتحريمه
علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة؟ هو نظر الأجانب من الرجال والنساءبعضهم إلى بعض - وهم من ليس بينهم رحم
من النسب، ولا محرم من سبب كالرضاع وغيره - فهؤلاء
حرام نظر بعضهم إلى بعض... فالنظر والخلوة محرم على هؤلاء عند كافةالمسلمين.
{ولما نظر الفضل بن عباس إلى امرأة حول
النبيوجهه إلى الشقالآخر} [رواه
أبو داود].
قال ابن القيم: وهذا منع وإنكار
بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.
سد الذرائع إلى النظر
أخي الحبيب:سد النبيكل ذريعة تفضي إلى تعمد النظر إلى
النساء؟ حرصا منهعلى
سلامة القلوب ونقاءالنفوس
واستقامة المجتمع المسلم على تقوى الله ومخافته. لي من ذلك:
1- أنهنهىالنساء
إذا صلين مع الرجال أن يرفعن رءوسهن قبل الرجال؟ لئلا يكون ذريعة منهن إلىرؤية عورات الرجال من وراء الأزر.
2- أنهنهىالمرأة
إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو أن تصيب بخورا، وذلك لأنه ذريعة إلى ميلالرجال وتشوقهم إليها، فإن رائحتها
وزينتها وصورتها وإبداء محاسنها تدعو إليها،فأمرها أن تخرج تفلة ولا تتطيب.
3- أنهلميجعل
لها وسط الطريق عند المشي حتى لا يراها كل أحد، بل جعل لها حافات الطريقوجوانبه.
4- أنهنهىأن
تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها، سدا للذريعة، وحماية عن
مفسدةوقوعها في
قلبه وميله إليها بحضور صورتها في نفسه.
5- أنهنهىعن
الجلوس في الطرقات، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى النظر المحرم، فلما أخبروه
أنهلابد لهم من
ذلك قال: {أعطوا الطريق حقه، قالوا: وماحقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد
السلام} [متفق عليه].
6- أن الله سبحانه نهى النساء عن الضرب
بأرجلهن عند السير سدا لذريعة النظر، حتىلا ينظر الرجال إلى ما يخفين من الزينة والجمال، قال سبحانه: وَلَايَضْرِبْنَ
بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ[النور:31].
عقوبات النظر إلى المحرمات
أخي المسلم:اعلم أن النظر إلى المحرمات يورث
الحسرات والزفرات، والألم الشديد، فيرى العبدما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه، وهذا
من أعظم العذاب كما قيل:
يا راميا بسـهام اللحظ مجتهدا *** أنت القتيل بما ترمي فـلا
تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
1- فساد القلب: فالنظرة تفعل في القلب ما
يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتلهجرحته، فهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس،
فإن لم تحرقه كله أحرقتبعضه.
2- نسيان العلم: فقد نسي أحد العباد القرآن
بسبب نظرة إلى غلام نصراني!!
3- نزول البلاء: قال عمرو بن مرة: نظرت إلى
امرأة فأعجبتني فكف بصري، فأرجو أنيكون ذلك جزائي.
4- إبطال الطاعات: فعن حذيفة قال: من تأمل
خلق امرأة من وراء الثياب فقد أبطلصومه!!
5- الغفلة عن الله والدار الآخرة: فإن
القلب إذا شغل بالمحرمات أورثه ذلك كسلاعن ذكر الله وملازمة الطاعات.
6- إهدار الشارع عين من تعمد النظر في بيوت
الناس متجسسا: فعن أبي هريرةقال: قال رسولالله:
{لو اطلع أحد في بيتك ولم تأذن له،
فخذفته بحصاة ففقأت عينه،ما كان عليك جناح}
[متفق عليه].
فوائد غض البصر
أخي المسلم:وفي غض البصر فوائد عديدة ذكر
الإمام ابن القيم رحمه الله منها عشر فوائد وهي:
1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق
نظره دامت حسرته.
2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في
العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أنإطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.
3- أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور
وثمراته، قال شجاع الكرماني: من عمرظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن
المحارم، وكف نفسه عنالشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته.
4- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل
عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب،فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره
تكدر عليه قلبه وأظلم.
شكوت إلى وكيــع سوء *** حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن
العـلم نـور *** ونــور الله لا يهـدي العاصي
وأخبرني بأن
العـلم نـور *** ونــور الله لا يهـدي العاصي
يطلبون العزبأبواب
الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
6- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا
أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر،فلذة العفة أعظم من لذة الذنب.
7- أنه يخلص القلب من أسر الشهوة، فإن
الأسير هو أسير شهوته وهواه، ومتى أسرتالشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه، وسامه سوء العذاب وصار:
كعصفورة في كف طفل يسومها *** حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
الحاملة علىمواقعة
الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكهأقرب.
9- أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن
إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفةالعقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب كما قيل:
وأعقل الناس من لم يرتكب سببا *** حتى يفكر ما تجني عواقبه
البصر يوجب استحكامالغفلة
عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق.
ويزاد على ما ذكره ابن القيم:
11- أنه يورث محبة الله، قال الحسن بن
مجاهد: غض البصر عن محارم الله يورث حبالله.
12- أنه يورث الحكمة، قال أبو الحسين
الوراق: من غض بصره عن محرم أورثه اللهبذلك حكمة على لسانه، يهدى بها سامعوه.
13- أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه
والاشتغال بما ينجيه يوم القيامة.
جاهد نفسك لحظة
قال ابن الجوزي: فتفهم يا أخي ما أوصيك به، إنما بصرك نعمة من الله عليك، فلاتعصه بنعمه، وعامله بغضه عن الحرام تربح، واحذر أن تكون
العقوبة سلب تلك النعمة،وكل زمن الجهاد في الغض لحظة، فإن فعلت نلت الخير الجزيل،
وسلمت من الشر الطويل.
التوبة والنظر
قال أبو بكر المروزي : قلت لأبي عبداللهأحمد بن حنبل: رجل تاب وقال: لو ضربظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله، إلا أنه لا يدع
النظر؟! فقال: أي توبة هذه! قال
جرير: {سألت رسول اللهعن نظرة الفجاءة، فقال: "اصرف
بصرك " } [رواه مسلم وأبو داود].
أسباب إطلاق البصر
أخي المسلم:إن إطلاق البصر له أسباب كنيرة
جدا يصعب حصرها، ومن أهمها:
1- اتباع الهوى وطاعة الشيطان.
2- الجهل بعواقب النظر، وأنه يؤدي إلى
الزنى، وربما أدى إلى الردة عن الإسلام،فقد ورد أن رجلا نظر إلى نصرانية فعشقها، فلم ترض منه إلا
بالبراءة من الإسلام،فارتد ودخل في النصرانية!!
3- الاتكال على عفو الله ومغفرته، ونسيان
أن الله شديد العقاب.
4- مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج
والصور الفاتنة التي تتبرج فيها النساءعن طريق القنوات الفضائية أو المجلات الخليعة.
5- العزوف عن الزواج، فقد قال: {يا
معشر الشباب، مناستطاع
منكم الباءة فليتزوج؟ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج...} [متفقعليه].
6- كثرة التواجد في الأماكن التي يختلط
فيها الرجال بالنساء كالأسواق مثلا. قالالعلاء بن زياد: لا تتبع بصرك رداء امرأة، فإن النظرة تجعل
في القلب شهوة.
7- وجود لذة كاذبة يشعر بها الناظر في
نفسه، وهي أثر من آثار الغفلة عن اللهوقلة تعظيمه في القلب، إذ لو كان معظما لله عز وجل لما فرح
بمعصيته.
8- تبرج النساء في الشوارع والأسواق، وتعمد
بعضهن إظهار الجمال والزينة، ممايدعو ضعاف النفوس إلى النظر إليهن.
9- تشجيع بعض النساء لذلك بتعمد نظرهن إلى
الرجال، فيجرئنهم على مبادلتهنالنظرات.
10- كثرة التعامل مع النساء سواء أكان في
بيع أو شراء أو عمل أو غيره.
أسباب غض البصر
أخي الكريم: ولغض البصر أسباب كثيرة كذلك نذكر
منها:
1- تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه.
2- التخلص من جميع الأسباب التي ذكرنا أنها
تؤدي إلى إطلاق البصر.
3- معرفة أن إطلاق البصر يؤدي إلى الأسف
والحسرة، قال الحسن: من أطلق طرفه طالأسفه.
4- معرفة أن النظر زنا العينين، ويكفيه في
ذلك قبحا.
5- دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزما
ثم تنتقل إلى مرحلة الفعل، فمن غضبصره عند أول نظرة سلم من آفات لا تحصى، فإذا كرر النظر فلا
يأمن أن يزرع في قلبهزرع يصعب قلعه.
6- القيام بحقيقة الشكر، فإن من تمامشكر النعمة ألا يعصى الله عز وجل بها. والبصر من نعم الله تعالى على العبد.
7- الصوم؟ وهو سبب قوي في غض البصر بعد
الزواج.
8- تأمل ما يستقبح من شأن النساء، فإنهن
يتفلن ويبلن ويتغوطن وتصيبهن الروائحالكريهة، وفي ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا أعجبت
أحدكم امرأة فليذكرمناتنها!!".
لو فكر العاشق في منتهى *** حسن الذي يسبيه لم يسبه!
المرأة تقبل فيصورة
شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله،
فإنذلك يرد ما في
نفسه} [رواه مسلم].
قال النووي: معنى الحديث أن
المرأة تذكر بالهوى والفتنة والشهوة لما جعل اللهتعالى في نفوس الرجال من الميل إليهن
والالتذاذ بالنظر إليهن، ولذا فإنه ينبغي لهاألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وكذا
فإنه ينبغي للرجل الغض عنها وعن ثيابها،والإعراض عنها مطلقا" شرح صحيح مسلم للنووي،.
10- الدعاء والاستعانة بالله عز وجل وسؤاله
النجاة من هذه الفتنة، فقد كانيقول:
{اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر
بصري، ومن شر لساني،ومن
شر قلبي} [رواه أبو داود وصححه.الألباني].
11- الخوف من سوء الخاتمة والتأسف عند الموت.
12- صحبة الأخيار وترك صحبة الأشرار، فإن
الطبع يسرق من خصال المخالطين، والمرءعلى دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم.