التمسك بالإسلام
حقا هو سبب النصر والنجاة في الآخرة
الحمد للهحقا هو سبب النصر والنجاة في الآخرة
وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى
إنما خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، وأنزل كتبه وأرسل رسله للأمر بذلك
والدعوة إليه، كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[1]، وقال سبحانه: يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[2]، وقال عز وجل: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ
ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلا
تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ[3]، وقال تعالى: وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[4] الآية، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ
رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا
أَنَا فَاعْبُدُونِ[5]، فهذه الآيات وأمثالها كلها تدل على أن الله
عز وجل إنما خلق الثقلين ليعبد وحده لا شريك له، وأن ذلك هو الحكمة في
خلقهما، كما تدل على أنه عز وجل إنما أنزل الكتب وأرسل الرسل لهذه الحكمة
نفسها.
والعبادة هي الخضوع له والتذلل لعظمته بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، عن
إيمان به سبحانه وإيمان برسله، وإخلاص له في العمل، وتصديق بكل ما أخبر
به ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو أصل الدين وأساس الملة، وهو
معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، فجميع العبادات
من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك يجب أن تكون لله وحده،
وأن لا يصرف من ذلك شيء لسواه للآيات السابقات؛ ولقوله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ[6] الآية، وقوله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ
لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[7]، وقوله سبحانه: ذَلِكُمُ
اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا
دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[8]، وقال تعالى: وَمَنْ
أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا
حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ
كَافِرِينَ[9]، وقال عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ
رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[10]، فأبان سبحانه في هذه الآيات أنه المالك لكل
شيء، وأن العبادة حقه سبحانه، وأن جميع المعبودين من دونه من أنبياء
وأولياء وأصنام وأشجار وأحجار وغيرهم لا يملكون شيئاً، ولا يسمعون دعاء من
دعاهم، ولو سمعوا دعاءه لم يستجيبوا له، وأخبر أن ذلك شرك به عز وجل،
ونفي الفلاح عن أهله، كما أخبر سبحانه أنه لا أضل ممن دعا غيره، وأن ذلك
المدعو من دون الله لا يستجيب لداعيه إلى يوم القيامة، وأنه غافل عن دعائه
إياه، وأنه يوم القيامة ينكر عبادته إياه، ويتبرأ منها، ويعاديه عليها،
فكفى بهذا تنفيراً من الشرك وتحذيراً منه، وبياناً لخسران أهله وسوء
عاقبتهم.
وترشد الآيات كلها إلى أن عبادة ما سواه باطلة، وأن العبادة بحق لله وحده،
ويؤيد ذلك صريحاً قوله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ
الْبَاطِلُ[11] الآية من سورة الحج.
وذكر سبحانه في مواضع أخرى من كتابه أن من
الحكمة في خلق الخليقة أن يعرف سبحانه بعلمه الشامل وقدرته الكاملة، وأنه
عز وجل سيجزي عباده في الآخرة بأعمالهم، كما قال عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عِلْمًا[12]، وقال تعالى: أَمْ
حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ
كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ
وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ
لا يُظْلَمُونَ[13].
فالواجب على كل ذي لب أن ينظر فيما خلق له، وأن يحاسب نفسه
ويجاهدها لله حتى يؤدي حقه وحق عباده، وحتى يحذر ما نهاه الله عنه ليفوز
بالسعادة والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، وهذا العلم هو أنفع العلوم
وأهمها وأفضلها وأعظمها؛ لأنه أساس الملة وزبدة ما جاءت به الرسل عليهم
الصلاة والسلام، وخلاصة دعوتهم، ولا يتم ذلك ولا يحصل به النجاة إلا بعد
أن يضاف إليه الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم إمامهم
وسيدهم وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومقتضى هذا الإيمان،
تصديقه صلى الله عليه وسلم في أخباره وطاعة أوامره وترك نواهيه، وأن لا
يعبد الله سبحانه إلا بالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام.
وهكذا كل أمة بعث الله
إليها رسولاً لا يصح إسلامها ولا يتم إيمانها، ولا تحصل لها السعادة
والنجاة إلا بتوحيدها لله، وإخلاص العبادة له عز وجل، ومتابعة رسولها صلى
الله عليه وسلم، وعدم الخروج عن شريعته، وهذا هو الإسلام الذي رضيه الله
لعباده، وأخبر أنه هو دينه، كما في قوله عز وجل: الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا[14]، وقوله عز وجل: إِنَّ
الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[15].
وبهذا يتضح لذوي البصائر أن أصل دين الإسلام
وقاعدته أمران:
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله وحده، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا
الله.
الثاني: أن لا يعبد إلا بشريعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
فالأول يبطل جميع الآلهة
المعبودة من دون الله، ويعلم به أن المعبود بحق هو الله وحده، والثاني
يبطل التعبد بالآراء والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، كما يتضح به
بطلان تحكيم القوانين الوضعية والآراء البشرية، ويعلم به أن الواجب هو
تحكيم شريعة الله في كل شيء، ولا يكون العبد مسلماً إلا بالأمرين جميعاً،
كما قال الله عز وجل: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى
شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ
الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا[16]، وقال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا[17]، وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ
يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[18]، وقال عز وجل: وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ،
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[19]، وهذه الآيات تتضمن غاية التحذير والتنفير من
الحكم بغير ما أنزل الله، وترشد الأمة حكومة وشعباً إلى أن الواجب على
الجميع هو الحكم بما أنزل الله والخضوع له والرضا به، والحذر مما يخالفه،
كما تدل أوضح دلالة على أن حكم الله سبحانه هو أحسن الأحكام وأعدلها، وأن
الحكم بغيره كفر وظلم وفسق، وأنه هو حكم الجاهلية الذي جاء شرع الله
بإبطاله والنهي عنه، ولا صلاح للمجتمعات ولا سعادة لها ولا أمن ولا استقرار
إلا بأن يحكم قادتها شريعة الله، وينفذوا حكمه في عباده، ويخلصوا له
القول والعمل، ويقفوا عند حدوده التي حدها لعباده، وبذلك يفوز الجميع
بالنجاة والعز في الدنيا والآخرة، كما يفوزون بالنصر على الأعداء والسلامة
من كيدهم واستعادة المجد السليب، والعز الغابر، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ
يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[20]، وقال عز وجل: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ
فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ[21]، وقال سبحانه: وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ
إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ[22].
ولما حذر سبحانه من اتخاذ الكفار بطانة من دون
المؤمنين وأخبر أن الكفار لا يألون المسلمين خبالاً، وأنهم يودون عنتهم،
قال بعد ذلك: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا
يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[23].
وهذا الأصل الأصيل والفقه الأكبر هو أولى ما كتب
فيه الكاتبون، وعني به دعاة الهدى وأنصار الحق، وهو أحق العلوم أن يعض
عليه بالنواجذ، وينشر بين جميع الطبقات حتى يعلموا حقيقته ويبتعدوا عما
يخالفه.
وإني لأنصح إخواني أهل العلم والقائمين بالدعوة إلى الله سبحانه بأن يعنوا
بهذا الأصل العظيم، ويكتبوا فيه ما أمكنهم من المقالات والرسائل حتى
ينتشر ذلك بين الأنام، ويعلمه الخاص والعام؛ لعظم شأنه وشدة الضرورة إليه،
ولما وقع بسبب الجهل به في غالب البلدان الإسلامية من الغلو في تعظيم
القبور، ولاسيما قبور من يسمونهم بالأولياء، واتخاذ المساجد عليها، وصرف
الكثير من العبادة لأهلها، كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك.
ولما وقع أيضاً بسبب
الجهل بهذا الأصل الأصيل في غالب البلاد الإسلامية من تحكيم القوانين
الوضعية والآراء البشرية، والإعراض عن حكم الله ورسوله الذي هو أعدل
الأحكام وأحسنها.
فنسأل الله أن يرد المسلمين إليه رداً حميداً، وأن يصلح قادتهم،
وأن يوفق الجميع للتمسك بشريعة الله والسير عليها، والحكم بها والتحاكم
إليها، والتسليم لذلك والرضا به، والحذر مما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر
عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه ومن سار
على طريقه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
[1] سورة الذاريات الآية 56.
[2] سورة البقرة الآية 21.
[3] سورة هود الآيتان 1-2.
الموضوع الأصلى من هنا التمسك بالإسلام حقا
هو سبب النصر والنجاة في الآخرة | من موقع : منتديات المعهد العربي
[4]
سورة النحل الآية 36.
[5] سورة الأنبياء الآية 25.
[6] سورة البينة الآية 5.
[7] سورة الجن الآية 18.
[8] سورة فاطر الآيتان 13-14.
[9] سورة الأحقاف الآيتان 5-6.
[10] سورة المؤمنون الآية 117.
[11]
سورة الحج الآية 162.
[12] سورة الطلاق الآية 12.
[13] سورة الجاثية الآية 21-22.
[14]
سورة المائدة الآية 3.
[15] سورة آل عمران الآية 19.
[16] سورة الجاثية الآية 18-19.
[17]
سورة النساء الآية 65.
[18] سورة المائدة الآية 50.
[19] المائدة الآيات 44-45-47
[20]
سورة محمد الآية 7.
[21] سورة الأنفال الآية 29.
[22] سورة الحج الآيتان 40-41.
[23]
سورة آل عمران الآية 120.