بسم الله الرحمن الرحيم
أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى ؟
الْغِنَى الْحَقِيقِيُّ غِنَى النَّفْسِ :
فَمَنْ يَتَغَنَّى يُغْنِهِ اللَّهُ وَالْغِنَى غِنَى النَّفْسِ لَا عَنْ كَثْرَةِ الْمُتَعَدِّدِ ،
أَوْ كُلُّ إنْسَانِ يَتَغَنَّى أَيْ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الْغِنَى وَالْعَفَافَ ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا بِالْمَالِ ( يُغْنِهِ اللَّهُ ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
يُقَالُ : تَغَنَّيْت وَتَغَانَيْت وَاسْتَغْنَيْت أَيْ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ .
قَالَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
( وَالْغِنَى ) الْحَقِيقِيُّ ( غِنَى النَّفْس ) بِالْعَفَافِ وَالْقَنَاعَةِ وَالِاقْتِصَادِ وَعَدَمِ الِانْهِمَاكِ فِي لَذَّاتِ الدُّنْيَا ( لَا عَنْ كَثْرَةِ ) الْمَالِ ( الْمُتَعَدِّدِ ) ،
فَإِنَّهُ لَا يُوَرِّثُ غِنًى بَلْ يُوَرِّثُ مَزِيدَ الشَّرَهِ وَالِانْهِمَاكِ ، فَكُلَّمَا نَالَ عَنْهُ شَيْئًا طَلَبَ شَيْئًا آخَرَ ،وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَهْلَكَ .
ورَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى ؟
قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : فَتَرَى قِلَّةَ الْمَالِ هُوَ الْفَقْرُ ؟
قُلْت نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : إنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ ، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ ،
ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ : هَلْ تَعْرِفُ فُلَانًا ؟
قُلْت نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : فَكَيْفَ تَرَاهُ أَوْ تَرَاهُ ؟
قُلْت : إذَا سَأَلَ أُعْطِيَ ، وَإِذَا حَضَرَ أُدْخِلَ ،
قَالَ : ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ
فقَالَ : هَلْ تَعْرِفُ فُلَانًا ؟
فَقُلْت : لَا وَاَللَّهِ مَا أَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا زَالَ يُحَلِّيهِ وَيُنْعِتُهُ حَتَّى عَرَفْتُهُ ،
فَقُلْت قَدْ عَرَفْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : فكَيْفَ تَرَاهُ أَوْ تَرَاهُ ؟
قُلْت : هُوَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ،
قَالَ : هُوَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ مِنْ الْآخَرِ ،
قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا يُعْطَى بَعْضَ مَا يُعْطَى الْآخَرُ ؟
فَقَالَ : إذَا أُعْطِيَ خَيْرًا فَهُوَ أَهْلُهُ ، وَإِذَا صُرِفَ عَنْهُ فَقَدْ أُعْطِيَ حَسَنَةً
} .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{اُنْظُرْ أَرْفَعَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ ؟
قَالَ : فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ ، قُلْت : هَذَا ،
قَالَ : اُنْظُرْ أَوْضَعَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ أَخْلَاقٌ ، قَالَ قُلْت هَذَا .
قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَهَذَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ} .
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَيْضًا وَمُوَطَّأِ مَالِكٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ :
{مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدًا عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ} .
الْعَرَضُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ هُوَ مَا يُقْتَنَى مِنْ الْمَالِ وَغَيْرِهِ .
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
خَبَرْت بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ مِنْهُــمْ ... سِوَى خَادِعٍ وَالْخُبْثُ حَشْوُ إهَابِــهِ
فَجَرَّدْت عَنْ غِمْدِ الْقَنَاعَةِ صَارِمًا ... قَطَعْت رَجَائِي مِنْهُمْ بِذُبَابِــــــــــــهِ
فَلَا ذَا يَرَانِي وَاقِفًا بِطَرِيقِـــــــــــهِ ... وَلَا ذَا يَرَانِي قَاعِدًا عِنْدَ بَابِــــــــــــهِ
غَنِيٌّ بِلَا مَالٍ عَنْ النَّاسِ كُلِّهِـمْ ... وَلَيْسَ الْغِنَى إلَّا عَنْ الشَّيْءِ لَا بِهِ
وَقَالَ غَيْرُهُ وَأَحْسَنَ :
إذَا أَعْطَشَتْك أَكُفُّ اللِّئَــــامِ ... كَفَتْك الْقَنَاعَةُ شِبَعًا وَرِيَّا
فَكُنْ رَجُلًا رِجْلُهُ فِي الثَّرَى ... وَهَامَةُ هِمَّتِهِ فِي الثُّرَيَّـــا
وَقَالَ آخَرُ وَأَحْسَنَ :
وَمَنْ يَطْلُبْ الْأَعْلَى مِنْ الْعَيْشِ لَمْ يَزَلْ ... حَزِينًا عَلَى الدُّنْيَا رَهِينَ غُبُونِهَا
إذَا شِئْت أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا فَلَا تَكُــــــــنْ ... عَلَى حَالَةٍ إلَّا رَضِيت بِدُونِهَــــــا
وَقَالَ هَارُونُ بْنُ جَعْفَرٍ :
بُوعِدَتْ هِمَّتِي وَقُورِبَ مَالِـــــــــــي ... فَفِعَالِي مُقْصَرٌ عَنْ مَقَالِـــــــــــي
مَا اكْتَسَى النَّاسُ مِثْلَ ثَوْبِ اقْتِنَاعِ ... وَهُوَ مِنْ بَيْنِ مَا اكْتَسَوْا سِرْبَالِي
وَلَقَدْ تَعْلَمُ الْحَوَادِثُ أَنِّـــــــــــــــــي ... ذُو اصْطِبَارٍ عَلَى صُرُوفِ اللَّيَالِـــي
وَقَالَ : مُؤَيِّدُ الدِّينِ فَخْرُ الْكِتَابِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْأَصْفَهَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالطُّغْرَاوِيِّب:
يَا وَارِدًا سُؤْرَ عَيْشٍ صَفْوُهُ كَـــــدِرٌ ... أَنْفَقْت عُمْرَك فِي أَيَّامِك الْأُوَلِ
فِيمَا اعْتِرَاضُك لُجَّ الْبَحْرِ تَرْكَبُــــــهُ ... وَأَنْتَ تَكْفِيك مِنْهُ مَصَّةُ الْوَشَلِ
مَلِكُ الْقَنَاعَةِ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ وَلَا ... يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْأَنْصَارِ وَالْخَوَلِ
وَمَعْنَى الْبَيْتِ أَنَّ الْقَنَاعَةَ صَاحِبُهَا مَلِكٌ ; لِأَنَّهُ فِي غِنًى عَنْ النَّاسِ ،
وَفِيهِ مَزِيَّةٌ عَلَى مِلْكِ مَا سِوَاهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا ،
وَهِيَ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى خَدَمٍ وَلَا أَنْصَارٍ وَعَسَاكِرَ يَحْفَظُونَهَا .
وَلَا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْ زَوَالٍ وَلَا اغْتِصَابٍ ،
بِخِلَافِ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْخَوَلِ وَالْأَنْصَارِ لِلْخِدْمَةِ ،
وَالِاحْتِرَازِ عَلَى نُفُوسِهِمْ مِنْ الْأَعْدَاءِ ،
ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي هَمٍّ وَفِكْرَةٍ فِي تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ وَتَدْبِيرِ الرَّعَايَا ،
وَفِي خَوْفٍ مِنْ زَوَالِ الْمُلْكِ ، إمَّا بِغَلَبَةِ الْعَدُوِّ ، وَإِمَّا بِخُرُوجِ أَحَدٍ مِنْ الرَّعَايَا عَنْ الطَّاعَةِ .
وَإِمَّا بِوُثُوبِ أَحَدٍ مِنْ حَشَمِهِمْ وَخَدَمِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ عَلَيْهِمْ وَإِطْعَامِهِمْ السُّمَّ ،
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ،
وَمَلِكُ الْقَنَاعَةِ سَالِمٌ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْآفَاتِ ،
وَكُلُّ أَمْرٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعَبٍ وَكُلْفَةٍ خَيْرٌ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى ؟
الْغِنَى الْحَقِيقِيُّ غِنَى النَّفْسِ :
فَمَنْ يَتَغَنَّى يُغْنِهِ اللَّهُ وَالْغِنَى غِنَى النَّفْسِ لَا عَنْ كَثْرَةِ الْمُتَعَدِّدِ ،
أَوْ كُلُّ إنْسَانِ يَتَغَنَّى أَيْ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الْغِنَى وَالْعَفَافَ ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا بِالْمَالِ ( يُغْنِهِ اللَّهُ ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
يُقَالُ : تَغَنَّيْت وَتَغَانَيْت وَاسْتَغْنَيْت أَيْ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ .
قَالَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
( وَالْغِنَى ) الْحَقِيقِيُّ ( غِنَى النَّفْس ) بِالْعَفَافِ وَالْقَنَاعَةِ وَالِاقْتِصَادِ وَعَدَمِ الِانْهِمَاكِ فِي لَذَّاتِ الدُّنْيَا ( لَا عَنْ كَثْرَةِ ) الْمَالِ ( الْمُتَعَدِّدِ ) ،
فَإِنَّهُ لَا يُوَرِّثُ غِنًى بَلْ يُوَرِّثُ مَزِيدَ الشَّرَهِ وَالِانْهِمَاكِ ، فَكُلَّمَا نَالَ عَنْهُ شَيْئًا طَلَبَ شَيْئًا آخَرَ ،وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَهْلَكَ .
ورَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغِنَى ؟
قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : فَتَرَى قِلَّةَ الْمَالِ هُوَ الْفَقْرُ ؟
قُلْت نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : إنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ ، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ ،
ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ : هَلْ تَعْرِفُ فُلَانًا ؟
قُلْت نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : فَكَيْفَ تَرَاهُ أَوْ تَرَاهُ ؟
قُلْت : إذَا سَأَلَ أُعْطِيَ ، وَإِذَا حَضَرَ أُدْخِلَ ،
قَالَ : ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ
فقَالَ : هَلْ تَعْرِفُ فُلَانًا ؟
فَقُلْت : لَا وَاَللَّهِ مَا أَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا زَالَ يُحَلِّيهِ وَيُنْعِتُهُ حَتَّى عَرَفْتُهُ ،
فَقُلْت قَدْ عَرَفْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
قَالَ : فكَيْفَ تَرَاهُ أَوْ تَرَاهُ ؟
قُلْت : هُوَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ،
قَالَ : هُوَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ مِنْ الْآخَرِ ،
قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا يُعْطَى بَعْضَ مَا يُعْطَى الْآخَرُ ؟
فَقَالَ : إذَا أُعْطِيَ خَيْرًا فَهُوَ أَهْلُهُ ، وَإِذَا صُرِفَ عَنْهُ فَقَدْ أُعْطِيَ حَسَنَةً
} .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{اُنْظُرْ أَرْفَعَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ ؟
قَالَ : فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ ، قُلْت : هَذَا ،
قَالَ : اُنْظُرْ أَوْضَعَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ أَخْلَاقٌ ، قَالَ قُلْت هَذَا .
قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَهَذَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ} .
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَيْضًا وَمُوَطَّأِ مَالِكٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ :
{مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدًا عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ} .
الْعَرَضُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ هُوَ مَا يُقْتَنَى مِنْ الْمَالِ وَغَيْرِهِ .
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
خَبَرْت بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ مِنْهُــمْ ... سِوَى خَادِعٍ وَالْخُبْثُ حَشْوُ إهَابِــهِ
فَجَرَّدْت عَنْ غِمْدِ الْقَنَاعَةِ صَارِمًا ... قَطَعْت رَجَائِي مِنْهُمْ بِذُبَابِــــــــــــهِ
فَلَا ذَا يَرَانِي وَاقِفًا بِطَرِيقِـــــــــــهِ ... وَلَا ذَا يَرَانِي قَاعِدًا عِنْدَ بَابِــــــــــــهِ
غَنِيٌّ بِلَا مَالٍ عَنْ النَّاسِ كُلِّهِـمْ ... وَلَيْسَ الْغِنَى إلَّا عَنْ الشَّيْءِ لَا بِهِ
وَقَالَ غَيْرُهُ وَأَحْسَنَ :
إذَا أَعْطَشَتْك أَكُفُّ اللِّئَــــامِ ... كَفَتْك الْقَنَاعَةُ شِبَعًا وَرِيَّا
فَكُنْ رَجُلًا رِجْلُهُ فِي الثَّرَى ... وَهَامَةُ هِمَّتِهِ فِي الثُّرَيَّـــا
وَقَالَ آخَرُ وَأَحْسَنَ :
وَمَنْ يَطْلُبْ الْأَعْلَى مِنْ الْعَيْشِ لَمْ يَزَلْ ... حَزِينًا عَلَى الدُّنْيَا رَهِينَ غُبُونِهَا
إذَا شِئْت أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا فَلَا تَكُــــــــنْ ... عَلَى حَالَةٍ إلَّا رَضِيت بِدُونِهَــــــا
وَقَالَ هَارُونُ بْنُ جَعْفَرٍ :
بُوعِدَتْ هِمَّتِي وَقُورِبَ مَالِـــــــــــي ... فَفِعَالِي مُقْصَرٌ عَنْ مَقَالِـــــــــــي
مَا اكْتَسَى النَّاسُ مِثْلَ ثَوْبِ اقْتِنَاعِ ... وَهُوَ مِنْ بَيْنِ مَا اكْتَسَوْا سِرْبَالِي
وَلَقَدْ تَعْلَمُ الْحَوَادِثُ أَنِّـــــــــــــــــي ... ذُو اصْطِبَارٍ عَلَى صُرُوفِ اللَّيَالِـــي
وَقَالَ : مُؤَيِّدُ الدِّينِ فَخْرُ الْكِتَابِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْأَصْفَهَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالطُّغْرَاوِيِّب:
يَا وَارِدًا سُؤْرَ عَيْشٍ صَفْوُهُ كَـــــدِرٌ ... أَنْفَقْت عُمْرَك فِي أَيَّامِك الْأُوَلِ
فِيمَا اعْتِرَاضُك لُجَّ الْبَحْرِ تَرْكَبُــــــهُ ... وَأَنْتَ تَكْفِيك مِنْهُ مَصَّةُ الْوَشَلِ
مَلِكُ الْقَنَاعَةِ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ وَلَا ... يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْأَنْصَارِ وَالْخَوَلِ
وَمَعْنَى الْبَيْتِ أَنَّ الْقَنَاعَةَ صَاحِبُهَا مَلِكٌ ; لِأَنَّهُ فِي غِنًى عَنْ النَّاسِ ،
وَفِيهِ مَزِيَّةٌ عَلَى مِلْكِ مَا سِوَاهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا ،
وَهِيَ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى خَدَمٍ وَلَا أَنْصَارٍ وَعَسَاكِرَ يَحْفَظُونَهَا .
وَلَا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْ زَوَالٍ وَلَا اغْتِصَابٍ ،
بِخِلَافِ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْخَوَلِ وَالْأَنْصَارِ لِلْخِدْمَةِ ،
وَالِاحْتِرَازِ عَلَى نُفُوسِهِمْ مِنْ الْأَعْدَاءِ ،
ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي هَمٍّ وَفِكْرَةٍ فِي تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ وَتَدْبِيرِ الرَّعَايَا ،
وَفِي خَوْفٍ مِنْ زَوَالِ الْمُلْكِ ، إمَّا بِغَلَبَةِ الْعَدُوِّ ، وَإِمَّا بِخُرُوجِ أَحَدٍ مِنْ الرَّعَايَا عَنْ الطَّاعَةِ .
وَإِمَّا بِوُثُوبِ أَحَدٍ مِنْ حَشَمِهِمْ وَخَدَمِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ عَلَيْهِمْ وَإِطْعَامِهِمْ السُّمَّ ،
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ،
وَمَلِكُ الْقَنَاعَةِ سَالِمٌ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْآفَاتِ ،
وَكُلُّ أَمْرٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعَبٍ وَكُلْفَةٍ خَيْرٌ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .