الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هوامش على دفتر الكارثة:
برغم إيمانى أنه من المحن تأتى المنح، وأنه تحت كل محنة بشرى، ويقينى أننا منصورون، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً، ولا تحسبوه شراً، لكن تظل الطريقة التي تم بها الإغلاق ومسوغاته، والحملة المسعورة، والاتهامات القبيحة، ووقاحة، وجرأة، وقلة حياء الخصوم، تظل ممرضة وتصيب المرء بكمد وقهر لا يعلمهما إلا الله، طريقة إغلاق القنوات والحملة المسعورة التي صاحبتها من عباد الدرهم والخميصة والمنصب والشهرة، ووقاحة التهم وتفاهتها، يظل كل ذلك مثالاً مثالياً بامتياز لقهر الرجال الذي كان يستعيذ منه النبي صلى الله عليه وسلم.
حين تسمع التهم الرخيصة تتذكر العاهرات اللواتي يصفن الحرائر العفيفات بالزنا، تصور بينما تسير في الطريق، وأنت رجل محترم في حالك ذو حيثية، إذ طلع عليك عربجى فمسح بك الأرض وتحرش بنسائك أمام عينك، فماذا يمكنك أن تفعل مع عربجى؟ لا عنده دين يرده، ولا مروءة تصده، ولا حياء يمنعه؟ (والله مع الاعتذار للعربجية فإنهم أشرف من هؤلاء).
ماذا تفعل لو أوقفتك امرأة في الطريق ومعها أولاد وصرخت حتى اجتمع عليك الناس وأقسمت أن هؤلاء أولادك منها!! ماذا تفعل وقد انهال عليك الناس حتى كادوا أن يقتلوك وعبثاً حاولت أن تفهمهم أنك لا تُنجب أصلاً وأن معك شهادة بذلك!! تصور حين تجبر على دفع فاتورة تليفون بينما ليس عندك تليفون أصلاً!!!
ذكر لي واحد من الناس أن مسلسلاً إذاعياً أُذيع منذ سنوات بعنوان (لا) وقصته أن رجلاً محترماً يبدو أنه كان صحفياً يكشف الفساد، فقرر عُباد المنصب والمال والخميصة أن ينتقموا منه بصورة عجيبة، لقد محوا اسمه من السجلات والورق حتى لم يعد له وجود، ودبروا كومبارساً يقابله في كل مكان ويوهمه أنه ليس هو، حتى كاد أن يجن ليثبت أنه موجود وأنه هو هو.
يُحكى أن الأسد قال للفأر: لا تعكر على الماء وإلا قتلتك، فقال له الفأر وكيف أعكر عليك الماء وأنت في العالي والماء يأتيني من عندك؟؟ قال له الأسد: أنت شتمتني منذ سنتين، قال له الفأر: أنا عمري سنة واحدة! فقال له الأسد: (برضه سألتهمك)، (وإن كنا نوقن أننا الأسود وخصومنا هم الفئران). حين ينزل بك هذا القهر وتُتهم بالدجل، والشذوذ في الفتوى، وإيقاظ الفتنة وتدمير الوطن، تصور!! أنت الذي تتهم بهذا، أنت وليس العري والإباحية وليس الذين أباحوا الربا ولا الطواف بالقبور ولا صافحوا الحاخامات وليس الذين خطفوا المسلمات، وليس الذي طعن في القرآن، وليس القنوات الشيعية، ولا قنوات الجنس الصريح، ولا الذين كادوا أن يوقعوا حرباً بين مصر والجزائر لأجل قطعة جلدية خرقاء، ليس كل هؤلاء، بل أنت الذي فعلتها، ولكن أين الدليل؟ ليس هناك دليل والأمر ما نرى ولا معقب لحكمنا. (وبرضه سألتهمك) ولو بلا سبب.
حين ينزل بك هذا القهر لن تجد لك سلوى إلا أن تتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم اتُهم في عرضه، وقطعاً ليس هناك أَمر ولا أشد قهراً من ذلك، عليه وعلى المؤمنين، وحين يكاد القهر أن يشقك نصفين، تذكر قول الله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33].
قرار غلق هذه القنوات ليس غريباً بل الغريب من وجهة نظري أنه تأخر، والأغرب أنه سُمح لها من الأساس وقد كنت في غاية الاندهاش من استمرارها (ولعلمكم سيتم في المرحلة القادمة غلق المواقع والمنتديات ونحن على أبواب انتهاء شهر العسل بيننا وبين الدولة)، نعم فقد انقلب السحر على الساحر، وأصبح أصحاب الوجوه الوضيئة، واللسان الفصيح، والحجة الباهرة هم الذين يشكلون وعى الجماهير، وتم سحب البساط من تحت كل الأقدام الفاسدة التي أفسدت عقول الخلق. فهل بعد هذا يمكن أن يكون قرار الغلق غريباً؟!
سرعة القرار وحدته وعنفه ووقاحته دليل جديد على أن القائمين على إدارة هذه البلاد لا يقيموا أي وزن لأي شيء إلا رؤيتهم هم، وأنهم لا يخضعون إلا لحساباتهم هم، وأنهم متأكدون أن الناس ماتوا، وأن كل التحركات التي يقوم بها أهل الإصلاح بكافة أطيافهم هي من وجهة نظر الدولة جعجعة بلا طحن، والدليل على ذلك أن كاميليا في طريقها للنسيان، هذا إن لم تكن نُسيت بالفعل.
تظل حسابات صانعي القرار في بلادنا مجرد حسابات تحتمل الخطأ -ولو بعد حين- ويظل احتمال رد الفعل غير المتوقع قائماً، فبينما يظهر سليمان عليه السلام أمام الجن بكامل هيئته، مرهوباً، فإن الأكلة تعمل بهدوء، والأكلة بالطبع خارج الحسابات، أعنى أن حساباتهم قد تظل صحيحة لفترة طويلة، و قد تسقط كلها في غمضة عين ولأتفه الأسباب، ومعظم النار من مستصغر الشرر، وليس أدل على ذلك من شرارة الحرب العالمية الأولى.
من عيوبنا كأبناء للصحوة -إلا من رحم الله- هو التركيز على الصراخ والانشغال أحياناً بالسب والشتم والتهديد والوعيد والانشغال بظاهر الحدث لا جوهره أو برأس جبل الجليد ومثل هذه الآفات تضيع الوقت والمجهود وتفرغ الطاقة والغضب فيما قد لا يعود بشيء ذي بال، كما وأن مثل هذه الثقافة في التعامل مع أحداث جسام، ونوازل عظام تؤدى إلى تكوين فهم مغلوط عن حقيقة وطبيعة الحدث، وبالتالي تكون ردود الأفعال خاطئة، بل وغالباً تضر أكثر ما تنفع، والأغلب أن خصومنا يستخدمونها للتأكيد على التهم التي يلصقونها بنا. لذا أرى أنه من الواجب أن تكون لنا وقفة تاريخية بمناسبة هذه الأحداث الضخام، لنقوم بعمل كشف حساب تاريخي بكل معنى الكلمة، يتولى ذلك بالطبع أهل العلم الكبار، ويتم عمل تحليل بالغ الضخامة والدقة للمرحلة السابقة، وبناءاً عليه يتم وضع استراتيجية الصحوة في المرحلة القادمة، حتى نتمكن من التحول من مرحلة الكلام والصراخ والويل والثبور إلى مرحلة إحداث تغيير حقيقي ومستدام، وإلا فالناظر إلى ما تحقق على الأرض يكاد لا يجد إلا ضجيج وصخب وصراخ أما الواقع فلا كاميليا عادت، ولا استطعنا منع إغلاق الفضائيات، ولا توقفت أوربا عن نشر الصور المسيئة، ولا استطاعت المنتقبات أن يفرضن مطالبهن. والحال هذه فيجب على مرجعيات أهل السنة والجماعة أن يتفرغوا تفرغاً تاماً -مهما طال- لدراسة عميقة وجادة لكل تفاصيل المرحلة الفائتة لاستخلاص العبر والدروس واستشراف المستقبل تمهيدا لوضع استراتيجية الغد حتى لا نظل ندور في نفس الدائرة، فما أن يقع الحدث أو يصدر القرار الغاشم الظالم إلا وتبدأ موجة الرسائل الإلكترونية وتُفتح صفحات الفيس بوك وتدور العجلة بأقصى سرعة والكل يصرخ.
كفاناً صراخا وعويلاً وشتماً وهياجاً، قليل من التعقل والتأمل والتفكر، أنا لا أقلل من المجهود الجبار الذي يبذله شباب الإنترنت، ولا أقلل من أهمية الصراخ أحياناً، ولا أنكر أنهم أحدثوا نوعاً من الحراك والتأثير النافع، لكن ما أود أن أقوله، أن المكاسب أقل بكثير من المجهود الجبار، وما أود أن أقوله أنه ينبغي الانتقال إلى مرحلة جديدة، أود أن أؤكد أننا نحتاج أن نتحرك طبقاً لخطة، وأن نوزع الأدوار، وأن نتحلى بالصبر والحكمة، وأن نعلم أن آفة الإصلاح هي الاستعجال، أو تعجل النتائج، وأكبر كارثة هي التهور.
بقيت نقطة أحب أن أسجلها ألا وهى أولئك الذين كانوا يتهمون المشايخ بالتخاذل، وشغل الناس بفقه الحيض والنفاس، وعدم الجهر بالحق، ومهاجمة الظالمين، وكنا نقول لهم حنانيكم، هم أعلم وذلك الظن بهم، ولعلهم أدين أو على أقل تقدير ليسوا بالذين يبيعون دينهم، أو يأكلوا به، فهذا اجتهادهم. أقول لهؤلاء الآن مبروك، ألف ألف مبروك،أهذا ما أردتموه؟ ارتحتم الآن؟ ناموا قريري الأعين يا مجاهدي الحناجر والكيبورد، فقد أغلقت أبواب الخير بمجرد أن بدأت في قول الحقيقة، فقط بعض الحقيقة، الآن لم يعد هناك حتى فقه الحيض والنفاس، فلعلكم تهدأون الآن؟ هل تأكدتم الآن أن الدعاة كانوا على حق، وأن مشكلتكم الخفة والسطحية فضلاً عن قلة العلم اقرءوا مرة أخرى مقالي (ابتزاز العلماء) اقرءوه الآن بعد إغلاق القنوات، هل عندكم من الشجاعة ما يجعلكم تعتذرون لهم؟
أما من أغلق هذه القنوات، أو حرض على ذلك، أو فرح به، فأقول له ألف مبروك العار، هنيئاً لكم خزي الانتصار، دونكم الجماهير قد استنقذها الله منا لكم، فعلموهم شيئاً غير الدجل والشعوذة، علموهم الزنا والخنا والشذوذ وأكل الربا وعبادة الأضرحة، ولكن اعلموا أن لنا بين يدي الله موقفاً آت لا محالة يفصل فيه بيننا وبينكم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227].
اللهم وإن كانت هذه القنوات قنوات خير وحق وفضيلة وكان بقاءها أحب إليك وأرضى لك، وكان من أغلقها، أغلقها ظلماً وعدواناً وصداً عن سبيلك، اللهم وخذ لهذه القنوات منه، وأظهر الحق آية باهرة كآية غلام الأخدود، وآية نار إبراهيم، وآية عصا موسى حتى يقع السحرة ساجدين، اللهم إننا مقهورون مغلوبون مظلومون فانتصر لنا.
هوامش على دفتر الكارثة:
برغم إيمانى أنه من المحن تأتى المنح، وأنه تحت كل محنة بشرى، ويقينى أننا منصورون، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً، ولا تحسبوه شراً، لكن تظل الطريقة التي تم بها الإغلاق ومسوغاته، والحملة المسعورة، والاتهامات القبيحة، ووقاحة، وجرأة، وقلة حياء الخصوم، تظل ممرضة وتصيب المرء بكمد وقهر لا يعلمهما إلا الله، طريقة إغلاق القنوات والحملة المسعورة التي صاحبتها من عباد الدرهم والخميصة والمنصب والشهرة، ووقاحة التهم وتفاهتها، يظل كل ذلك مثالاً مثالياً بامتياز لقهر الرجال الذي كان يستعيذ منه النبي صلى الله عليه وسلم.
حين تسمع التهم الرخيصة تتذكر العاهرات اللواتي يصفن الحرائر العفيفات بالزنا، تصور بينما تسير في الطريق، وأنت رجل محترم في حالك ذو حيثية، إذ طلع عليك عربجى فمسح بك الأرض وتحرش بنسائك أمام عينك، فماذا يمكنك أن تفعل مع عربجى؟ لا عنده دين يرده، ولا مروءة تصده، ولا حياء يمنعه؟ (والله مع الاعتذار للعربجية فإنهم أشرف من هؤلاء).
ماذا تفعل لو أوقفتك امرأة في الطريق ومعها أولاد وصرخت حتى اجتمع عليك الناس وأقسمت أن هؤلاء أولادك منها!! ماذا تفعل وقد انهال عليك الناس حتى كادوا أن يقتلوك وعبثاً حاولت أن تفهمهم أنك لا تُنجب أصلاً وأن معك شهادة بذلك!! تصور حين تجبر على دفع فاتورة تليفون بينما ليس عندك تليفون أصلاً!!!
ذكر لي واحد من الناس أن مسلسلاً إذاعياً أُذيع منذ سنوات بعنوان (لا) وقصته أن رجلاً محترماً يبدو أنه كان صحفياً يكشف الفساد، فقرر عُباد المنصب والمال والخميصة أن ينتقموا منه بصورة عجيبة، لقد محوا اسمه من السجلات والورق حتى لم يعد له وجود، ودبروا كومبارساً يقابله في كل مكان ويوهمه أنه ليس هو، حتى كاد أن يجن ليثبت أنه موجود وأنه هو هو.
يُحكى أن الأسد قال للفأر: لا تعكر على الماء وإلا قتلتك، فقال له الفأر وكيف أعكر عليك الماء وأنت في العالي والماء يأتيني من عندك؟؟ قال له الأسد: أنت شتمتني منذ سنتين، قال له الفأر: أنا عمري سنة واحدة! فقال له الأسد: (برضه سألتهمك)، (وإن كنا نوقن أننا الأسود وخصومنا هم الفئران). حين ينزل بك هذا القهر وتُتهم بالدجل، والشذوذ في الفتوى، وإيقاظ الفتنة وتدمير الوطن، تصور!! أنت الذي تتهم بهذا، أنت وليس العري والإباحية وليس الذين أباحوا الربا ولا الطواف بالقبور ولا صافحوا الحاخامات وليس الذين خطفوا المسلمات، وليس الذي طعن في القرآن، وليس القنوات الشيعية، ولا قنوات الجنس الصريح، ولا الذين كادوا أن يوقعوا حرباً بين مصر والجزائر لأجل قطعة جلدية خرقاء، ليس كل هؤلاء، بل أنت الذي فعلتها، ولكن أين الدليل؟ ليس هناك دليل والأمر ما نرى ولا معقب لحكمنا. (وبرضه سألتهمك) ولو بلا سبب.
حين ينزل بك هذا القهر لن تجد لك سلوى إلا أن تتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم اتُهم في عرضه، وقطعاً ليس هناك أَمر ولا أشد قهراً من ذلك، عليه وعلى المؤمنين، وحين يكاد القهر أن يشقك نصفين، تذكر قول الله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33].
قرار غلق هذه القنوات ليس غريباً بل الغريب من وجهة نظري أنه تأخر، والأغرب أنه سُمح لها من الأساس وقد كنت في غاية الاندهاش من استمرارها (ولعلمكم سيتم في المرحلة القادمة غلق المواقع والمنتديات ونحن على أبواب انتهاء شهر العسل بيننا وبين الدولة)، نعم فقد انقلب السحر على الساحر، وأصبح أصحاب الوجوه الوضيئة، واللسان الفصيح، والحجة الباهرة هم الذين يشكلون وعى الجماهير، وتم سحب البساط من تحت كل الأقدام الفاسدة التي أفسدت عقول الخلق. فهل بعد هذا يمكن أن يكون قرار الغلق غريباً؟!
سرعة القرار وحدته وعنفه ووقاحته دليل جديد على أن القائمين على إدارة هذه البلاد لا يقيموا أي وزن لأي شيء إلا رؤيتهم هم، وأنهم لا يخضعون إلا لحساباتهم هم، وأنهم متأكدون أن الناس ماتوا، وأن كل التحركات التي يقوم بها أهل الإصلاح بكافة أطيافهم هي من وجهة نظر الدولة جعجعة بلا طحن، والدليل على ذلك أن كاميليا في طريقها للنسيان، هذا إن لم تكن نُسيت بالفعل.
تظل حسابات صانعي القرار في بلادنا مجرد حسابات تحتمل الخطأ -ولو بعد حين- ويظل احتمال رد الفعل غير المتوقع قائماً، فبينما يظهر سليمان عليه السلام أمام الجن بكامل هيئته، مرهوباً، فإن الأكلة تعمل بهدوء، والأكلة بالطبع خارج الحسابات، أعنى أن حساباتهم قد تظل صحيحة لفترة طويلة، و قد تسقط كلها في غمضة عين ولأتفه الأسباب، ومعظم النار من مستصغر الشرر، وليس أدل على ذلك من شرارة الحرب العالمية الأولى.
من عيوبنا كأبناء للصحوة -إلا من رحم الله- هو التركيز على الصراخ والانشغال أحياناً بالسب والشتم والتهديد والوعيد والانشغال بظاهر الحدث لا جوهره أو برأس جبل الجليد ومثل هذه الآفات تضيع الوقت والمجهود وتفرغ الطاقة والغضب فيما قد لا يعود بشيء ذي بال، كما وأن مثل هذه الثقافة في التعامل مع أحداث جسام، ونوازل عظام تؤدى إلى تكوين فهم مغلوط عن حقيقة وطبيعة الحدث، وبالتالي تكون ردود الأفعال خاطئة، بل وغالباً تضر أكثر ما تنفع، والأغلب أن خصومنا يستخدمونها للتأكيد على التهم التي يلصقونها بنا. لذا أرى أنه من الواجب أن تكون لنا وقفة تاريخية بمناسبة هذه الأحداث الضخام، لنقوم بعمل كشف حساب تاريخي بكل معنى الكلمة، يتولى ذلك بالطبع أهل العلم الكبار، ويتم عمل تحليل بالغ الضخامة والدقة للمرحلة السابقة، وبناءاً عليه يتم وضع استراتيجية الصحوة في المرحلة القادمة، حتى نتمكن من التحول من مرحلة الكلام والصراخ والويل والثبور إلى مرحلة إحداث تغيير حقيقي ومستدام، وإلا فالناظر إلى ما تحقق على الأرض يكاد لا يجد إلا ضجيج وصخب وصراخ أما الواقع فلا كاميليا عادت، ولا استطعنا منع إغلاق الفضائيات، ولا توقفت أوربا عن نشر الصور المسيئة، ولا استطاعت المنتقبات أن يفرضن مطالبهن. والحال هذه فيجب على مرجعيات أهل السنة والجماعة أن يتفرغوا تفرغاً تاماً -مهما طال- لدراسة عميقة وجادة لكل تفاصيل المرحلة الفائتة لاستخلاص العبر والدروس واستشراف المستقبل تمهيدا لوضع استراتيجية الغد حتى لا نظل ندور في نفس الدائرة، فما أن يقع الحدث أو يصدر القرار الغاشم الظالم إلا وتبدأ موجة الرسائل الإلكترونية وتُفتح صفحات الفيس بوك وتدور العجلة بأقصى سرعة والكل يصرخ.
كفاناً صراخا وعويلاً وشتماً وهياجاً، قليل من التعقل والتأمل والتفكر، أنا لا أقلل من المجهود الجبار الذي يبذله شباب الإنترنت، ولا أقلل من أهمية الصراخ أحياناً، ولا أنكر أنهم أحدثوا نوعاً من الحراك والتأثير النافع، لكن ما أود أن أقوله، أن المكاسب أقل بكثير من المجهود الجبار، وما أود أن أقوله أنه ينبغي الانتقال إلى مرحلة جديدة، أود أن أؤكد أننا نحتاج أن نتحرك طبقاً لخطة، وأن نوزع الأدوار، وأن نتحلى بالصبر والحكمة، وأن نعلم أن آفة الإصلاح هي الاستعجال، أو تعجل النتائج، وأكبر كارثة هي التهور.
بقيت نقطة أحب أن أسجلها ألا وهى أولئك الذين كانوا يتهمون المشايخ بالتخاذل، وشغل الناس بفقه الحيض والنفاس، وعدم الجهر بالحق، ومهاجمة الظالمين، وكنا نقول لهم حنانيكم، هم أعلم وذلك الظن بهم، ولعلهم أدين أو على أقل تقدير ليسوا بالذين يبيعون دينهم، أو يأكلوا به، فهذا اجتهادهم. أقول لهؤلاء الآن مبروك، ألف ألف مبروك،أهذا ما أردتموه؟ ارتحتم الآن؟ ناموا قريري الأعين يا مجاهدي الحناجر والكيبورد، فقد أغلقت أبواب الخير بمجرد أن بدأت في قول الحقيقة، فقط بعض الحقيقة، الآن لم يعد هناك حتى فقه الحيض والنفاس، فلعلكم تهدأون الآن؟ هل تأكدتم الآن أن الدعاة كانوا على حق، وأن مشكلتكم الخفة والسطحية فضلاً عن قلة العلم اقرءوا مرة أخرى مقالي (ابتزاز العلماء) اقرءوه الآن بعد إغلاق القنوات، هل عندكم من الشجاعة ما يجعلكم تعتذرون لهم؟
أما من أغلق هذه القنوات، أو حرض على ذلك، أو فرح به، فأقول له ألف مبروك العار، هنيئاً لكم خزي الانتصار، دونكم الجماهير قد استنقذها الله منا لكم، فعلموهم شيئاً غير الدجل والشعوذة، علموهم الزنا والخنا والشذوذ وأكل الربا وعبادة الأضرحة، ولكن اعلموا أن لنا بين يدي الله موقفاً آت لا محالة يفصل فيه بيننا وبينكم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227].
اللهم وإن كانت هذه القنوات قنوات خير وحق وفضيلة وكان بقاءها أحب إليك وأرضى لك، وكان من أغلقها، أغلقها ظلماً وعدواناً وصداً عن سبيلك، اللهم وخذ لهذه القنوات منه، وأظهر الحق آية باهرة كآية غلام الأخدود، وآية نار إبراهيم، وآية عصا موسى حتى يقع السحرة ساجدين، اللهم إننا مقهورون مغلوبون مظلومون فانتصر لنا.