[color=#0099FF]
ما معنى قول الله تعالى{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } العلامة الفوزان
[center]سئل فضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان عن معنى قول الله تعالى :{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ
مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ
يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ سورة النور : آية 35 ] ؟
فأجاب :{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ذكر العلماء رحمهم الله أن الله سبحانه
وتعالى نور السماوات والأرض الحسي والمعنوي وذلك بأنه تعالى بذاته نور،
وحجابه نور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه وما انتهى إليه بصره من خلقه، وبه
استنار العرش والكرسي والشمس والقمر، وبه استنارت الجنة . وكذلك هو نور
السماوات والأرض النور المعنوي فنور السماوات والأرض المعنوي يرجع إلى الله تعالى
فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان به والمعرفة به في قلوب رسله وعباده
المؤمنين نور، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات، ولهذا كل محل يفقد نوره
فَثَمَّ الظلمة والحسرة، قد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعائه المشهور : ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ) ; البداية والنهاية " لابن كثير ( 3/136 ) ، و " الكامل في التاريخ " لابن الأثير ( 2/64 ) وأوله : ( اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي . . . ) وذلك عند رجوعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطائف ] .{ مَثَلُ نُورِهِ } الذي يهدي إليه وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين { كَمِشْكَاةٍ } : أي : كوَّة فيها مصباح، لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق، ذلك المصباح في زجاجة، الزجاجة من صفائها وبهائها { كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي : كوكب مضيء إضاءة الدر { يُوقَدُ } ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الدرية، { مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ } أي : يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون { لا شَرْقِيَّةٍ } فقط فلا تصيبها الشمس آخر النهار { وَلا غَرْبِيَّةٍ } فقط
فلا تصيبها الشمس أول النهار، وإذا انتفى عنها الأمران كانت متوسطة من
الأرض كزيتون الشام تصيبه الشمس أول النهار وآخره فيحسن ويطيب، ويكون أصفى
لزيتها، ولهذا قال : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ } أي : من صفائه يضيء { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } فإذا مسته النار أضاء إضاءة بليغة { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } أي : نور النار ونور الزيت .ووجه هذا المثل الذي ضربه الله وتطبيقه على حالة المؤمن ونور الله في
قلبه أن فطرته التي فطر عليها بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية مستعدة
للتعاليم الإلهية والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان اشتعل ذلك
النور في قلبه بمنزلة إشعال النار فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من
سوء القصد ومن سوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان أضاء إضاءة عظيمة
لصفائه من الكدرات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية فيتجمع له نور الفطرة
ونور الإيمان ونور العلم وصفاء المعرفة { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك قال : { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ } [ سورة النور : آية 35 ] ممن يعلم زكاؤه وفطرته وطهارته، وأنه يزكو معه وينمو هداه { وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } ليعقلوا عنه، ويفهموا لطفًا منه سبحانه وتعالى { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ سورة النور : آية 35 ] والله أعلم .
المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان - الجزء الثاني - برقم ...