ما
زال دعاة تحرير المرأة في بلادنا ينعقون بضرورة تخليص المرأة المسلمة من
قيود العادات والتقاليد- على حد زعمهم- ولم يسلم الدين من هذه الدعاوى،
ضاربين المثل بالمرأة الغربية وكيف أنها استطاعت تحقيق ذاتها وإثبات
شخصيتها والحصول على حقوقها بخروجها من بيتها ومنافسة الرجل في كافة
الميادين، وهم في كل هذا متغافلين عن ذكر الواقع المرير الذي تعيشه المرأة
في البلاد الغربية، وسائر البلاد الإباحية التي لم تعرف من حقوق وكرامة
المرأة سوى الشعارات البراقة، فلم تعد للمرأة الغربية قيمة سوى أنها مجرد
متعة جسدية وسلعة جنسية، ولم تحصل على ما أرادت من حقوق، بل خسرت بيتها
وكرامتها وعفافها وصار لسان حالها يصرخ في أوجه من غرروا بها قائلا «يا
دعاة الحرية إن ثماركم مرة»،
أين
تقع المرأة الغربية على المدرجة الإنسانية؟ ومن يمثل هذه المرأة ؟ نساء
البهرج والزيف المصقول على شاشات هوليود أم أولئك المسحوقات تحت وطأة العمل
المنهك، وسوط الرجل الذي لا يرحم..!
في حوار الحضارات، هل يمكن لدراسة حقيقية أن تقرن واقعًا بواقع، لنصير إلى الجواب العملي لا الإعلامي، أيهما أكرم وأرقى؟!
في
إعلام يسيطر عليه المفسدون، اعتبر حجاب المرأة الدليل الأوضح على امتهانها
وتخلفها وانحطاطها وجهلها و... ولكن المتاجرة بجسد المرأة لم تعتبر قط
كذلك! وفي ظل شعار التحرير سُحقت إنسانية المرأة في الغرب، وعُطّل أو عرقل
دورها الإنساني الطبيعي ورسالتها المقدسة في تشييد دعائم الأسرة متكاملة
ومتضامنة مع الرجل، وحرمت من التمتع بحقها في كفالة الرجل لها وإنفاقه
عليها حينما أجبرت - باسم التحرر والمساواة مع الرجل - على الخروج من
المنزل، ودفع بها إلى المصانع والمكاتب لتكدح يومها كله من أجل الحصول على
لقمة العيش، واستدرجت ــ باسم الفن والمدنية الحديثة ــ إلى مواطن الرذيلة
والفساد الخلقي، واتخذت أسواق الرأسمالية الجديدة التي لا تعرف معنى للعفة
والشرف من جسدها فتنة جنسية تروّج بها سلعها وبضائعها التجارية.
وفي
سياق رؤيتنا الحضارية لواقع المرأة الغربية من الداخل، سنترك دائمًا أصحاب
الشأن يتكلمون، وسنترك الأرقام تفصح عن الحقيقة، فربما ننشئ حوار حضارات
حقيقياً، ليس فقط بين فكرين أو منهجين، وإنما أيضًا بين واقعين.
أصحاب الشأن يتكلمون
وإذا
كان دعاة التحررية في بلادنا لا يغريهم أو يقنعهم إلا الاستماع إلى أحاديث
أسيادهم الغربيين، فلندع المجال أولا لقول المنصفين من أهل الغرب، فأهل
مكة أدرى بشعابها، يقول د. هنري ماكوو، وهو أستاذ جامعي ومؤلف وباحث أميركي
متخصص في الشؤون النسائية والحركات التحررية: «تحرير المرأة خدعة من خدع
النظام العالمي الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأميركيات وخربت الحضارة
الغربية».
وتقول المحامية الأميركية ماري آن ميزن المتخصصة في قوانين الأحوال الشخصية في كتابها مصيدة المساواة:
«إنَّ
حملة الدعوة للمساواة تجاهلت الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، ومتطلبات
الأمومة، وإنَّ المرأة التي تكون أمًا وتعتني بالبيت والأطفال لا يمكن أن
تنافس الرجل في أعماله التي وضعت ورسمت هياكلها أساسًا للرجل المتفرغ
تمامًا للكد والعمل، وكان هذا على حساب البيت والأسرة، لذلك كانت هذه
المساواة خسارة للمرأة لا كسبًا لها، لأنَّ هذه المساواة المزعومة التي
طالبت بها الحركات النسائية في الستينيات من القرن الماضي، إنَّما تضع على
كاهل المرأة أعباءً كثيرة، وتحملها مسؤوليات ضخمة، دون أن تحظى بأي مقابل،
ودون أن تخفف من المسؤوليات الأسرية»
[size=12]الأرقام تفصح عن الحقيقة
وترى
المؤلفة أن تدفق النساء في سوق العمل كان كسبًا لأصحاب الأعمال الذين
وجدوا عمالة نسائية كثيرة ورخيصة لا تكلفهم، بل يكلفهم الرجل حيث إنَّ
التفاوت لا يزال كبيرًا في الأجور بين الرجال والنساء، فكل امرأة في أميركا
تحصل على سبعين سنتًا مقابل دولار واحد يتقاضاه الرجل، إضافة إلى أنَّ
هناك نساءً يتاجرن بأعراضهن وبأجسادهن، ومنهن من تعرضن إلى الابتزاز الجنسي
من رؤسائهن، وهناك من الأزواج من يقامر على زوجته، إضافة إلى إقصائهن عن
الأعمال القيادية، ونسبة المتقلدات هذه المناصب لا تعادل 1 في المائة
بالنسبة للعاملات[/size].
والنموذج
الغربي في التحرر الجنسي لم يؤد بالنسبة لقضايا الأخلاق إلى استقلالية
أكبر للمرأة فحسب، وإنما إلى طرق جديدة للاستغلال الجنسي أيضا، وهكذا تصبح
التجارة بالخدمات الجنسية أكبر قطاعات صناعة وسائل التسلية في هذا المجتمع،
وصار في الإمكان كسب أموال عن طريق التجارة بالنساء والسياحة الجنسية،
أكثر من المتاجرة بالأسلحة والمخدرات معا، فكشفت إحصائية أميركية أن 80 في
المائة من الأميركيات يعتقدن أن من أبرز النتائج التي نتجت عن التغير الذي
حدث في دورهن في المجتمع وحصولهن على الحرية، انحدار القيم الأخلاقية لدى
الشباب هذه الأيام
وقالت
75 في المائة من اللواتي شاركن في الاستفتاء: إنهن يشعرن بالقلق لانهيار
القيم التقليدية والتفسخ العائلي، وقالت 66 في المائة منهن: إنهن يشعرن
بالكآبة والوحدة. وبالنسبة للنساء العاملات، قالت 80 في المائة منهن: إنهن
يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه
المنزل والزوج والأولاد، وقالت 74 في المائة: إن التوتر الذي يعانين منه في
العمل ينعكس على حياتهن داخل المنزل، ولذلك فإنهن يواجهن مشاكل الأولاد
والزوج بعصبية، وأية مشكلة مهما كانت صغيرة تكون مرشحة للتضخم.
وفي
أحدث التقارير الأميركية وجد أن هناك 350 ألف حالة حمل لفتيات دون السادسة
عشرة، وذلك لأن جريمة الزنا أصبحت أمرا طبيعيا لكل فتاة، وبحماية من
قانونهم ودستورهم المسمى بحرية التعبير، كما يؤكد تقرير صادر من مركز
«ارنوت اوجدون» بأن هناك مليون حالة لمرضى السيلان وهذا نتاج الإباحية
الجنسية، وهناك ما يربو على الأربعة ملايين حالة مرضية لأمراض تصنف أنها
جنسية لها نتائج وخيمة، نتج عنها في أحد الأعوام ما يفوق 150 ألف حالة عقم،
أما تقارير وزارة العدل فتؤكد بأن هناك 150 ألف حالة تم القبض فيها على
نساء يعملن بما يسمى بالرقيق الأبيض، وهناك ما يفوق المليون امرأة يعملن
بنفس المجال تحت مسمى عاملات جنس.
وعن
فشل حالات الزواج وبتقرير من وزارة العدل يؤكد أنها بلغت ما نسبته 50 في
المائة من حالات الزواج، وهذا يعود إلى الإباحية الجنسية، وأن 50 في المائة
من عدد الأطفال يعيشون مع أزواج أمهاتهم أو زوجات آبائهم، مما يؤدي بالطبع
إلى انهيار الأطفال نفسيا نتيجة التقصير في التربية، وهذا ما يؤكده تقرير
مركز المخابرات الفيدرالي الأميركي الذي يوضح بأن من كل أربعة شباب تتراوح
أعمارهم بين 12-17 قد قام واحد منهم بجريمة، كما أن القانون الوضعي الذي
يكفل لمن دون الثامنة عشرة حمل السلاح قد تسبب في مقتل 25 طفل يوميا، هذا
ويقتل بالسلاح ما عدده 4173 شاب سنويا.
هذا
فيض من غيض مما جناه المجتمع الأميركي من جراء سوء فهم دور المرأة ومحاربة
الأمومة، وإذا كان هؤلاء الأطفال هم مستقبل الشعب الأميركي، فهل يقبل عقل
أو منطق أو علم أو أية ملة تنتمي إلى التحضر والتقدم أن يصبح المجرمون
المشردون هم قادة العالم ؟
لقد
كانت دعوة تحرير المرأة ومساواتها بالرجل في كل النواحي اعتداءً على أنوثة
المرأة وذكورة الرجل معًا، فرعاية الفوارق بين الجنسين في الوظائف
والنشاطات والنواحي السيكولوجية والبيولوجية- وليس في القيمة الإنسانية-
واجبةٌ مواءمةً للفطرة السوية والسنن الإلهية، ولعل ذلك الخلط هو سبب
الشذوذ الجنسي الذي أصبح شرعيا في كثير من الدول الغربية!.