قال الله تعالى : إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وقال تعالى : وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ، الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً . وقال تعالى : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ . وقال تعالى : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ . وقال تعالى : أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ، كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ، ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ، كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ . وقال تعالى : وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر . الدنيا : هي حياتنا التي نعيش فيها ، وسميت دنيا لسببين : السبب الأول : أنها أدنى الآخرة ، لأنها قبلها كما قال تعالى : وَلَلآَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى . والثاني : أنها ليست بشيء بالنسبة للآخرة ، كما روى الإمام أحمد - رحمه الله - من حديث المستورد بن شداد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها موضع السوط ، موضع العصى القصيرة الصغيرة في الجنة خير من الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ، فهذه هي الدنيا . وذكر المؤلف - رحمه الله - آيات عديدة كلها تفيد أنه لا ينبغي للعاقل أن يركن إلى الدنيا أو يغتر بها ، أو يلهو بها عن الآخرة ، أو تكون مانعا من ذكر الله عز وجل ، منها قوله تعالى إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ يعني المطر فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ يعني أنبتت الأرض منه نباتا بأنواع الأعشاب من كل زوج بهيج حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ أي كملت وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كأن لم تكن . وهذه هي الحياة الدنيا ، واعتبر ذلك أنت في واقعك فكم من أناس عشت معهم عاشوا في هذه الدنيا عيشة راضية وفي رفاهية وأنس وأولاد وزوجات وقصور وسيارات ثم انتقلوا عنها كأن لم يكونوا بالأمس ، انتقلوا هم عنها أو يأتي دنياهم شيء يتلفها ، فكم من إنسان غني عنده أموال عظيمة أصبح فقيرا يسأل الناس . فهذه هي الدنيا وإنما ضرب الله هذا المثل لئلا نغتر بها فقال : كذلك يعني مثل هذا التفصيل والتبيين نفصل الآيات لقوم يتفكرون لمن عندهم تفكير في الأمور ونظر في العواقب . ثم قال : والله يدعو إلى دار السلام أي فرق بين هذه وهذه ، دار السلام : هي الجنة وسميت كذلك لأنها سالمة من كل كدر ، ومن كل تنغيص ، ومن كل أذى فإلى أيهما تركن أيها الغافل ؟ لا شك أن العاقل يركن إلى دار السلام ، ولا تهمه دار الفناء والنكد والتنغيص ، فهو سبحانه وتعالى يدعو كل الخلق إلى دار السلام ويهدي من يشاء على صراط مستقيم . والهداية مقيدة فإنه لم يقل كل أحد ، ولكن قال : وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ فالحقيق والجدير بهداية الله هو من أناب إلى الله عز وجل ، كما قال تعالى وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ وقال تعالى : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ كل من كان عنده نية طيبة وخالصة لابتغاء وجه الله والدار الآخرة فهذا هو الذي يهديه الله عز وجل ، وهو داخل في قوله : وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ثم ذكر المؤلف آيات أخرى مثل قوله : وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ معناه : أن الحياة الدنيا كماء نزل على أرض فأنبتت ، فأصبح هشيما تذوره الرياح ، يبس وصارت الرياح تطير به ، هكذا أيضا الدنيا ، وقال تعالى : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ هذه خمسة أشياء كلها ليس بشيء لعب ، ولهو وزينة ، وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد مثالها : كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ أعجب الكفار ، لأن الكفار هم الذين يتعلقون بالدنيا وتسبى عقولهم ، فهذا نبات نبت من الغيث فصار الكفار يتعجبون من حسنه ونضارته : أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا يزول وينتهي وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ فأيهما تريد ؟ هناك عذاب شديد لمن آثر الحياة الدنيا على الآخرة وهناك وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ لمن آثر الآخرة على الدنيا ، والعاقل إذا قرأ القرآن وتبصر عرف قيمة الدنيا ، وأنها ليست بشيء ، وأنها مزرعة للآخرة ، فانظر ماذا زرعت فيها لآخرتك ؟ أنت كنت زرعت خيرا فأبشر بالحصاد الذي يرضيك وإن كان الأمر بالعكس فقد خسرت الدنيا والآخرة ، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية . وأما الأحاديث فأكثر من أن تحصر فننبه بطرف منها على ما سواه
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر . الدنيا : هي حياتنا التي نعيش فيها ، وسميت دنيا لسببين : السبب الأول : أنها أدنى الآخرة ، لأنها قبلها كما قال تعالى : وَلَلآَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى . والثاني : أنها ليست بشيء بالنسبة للآخرة ، كما روى الإمام أحمد - رحمه الله - من حديث المستورد بن شداد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها موضع السوط ، موضع العصى القصيرة الصغيرة في الجنة خير من الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ، فهذه هي الدنيا . وذكر المؤلف - رحمه الله - آيات عديدة كلها تفيد أنه لا ينبغي للعاقل أن يركن إلى الدنيا أو يغتر بها ، أو يلهو بها عن الآخرة ، أو تكون مانعا من ذكر الله عز وجل ، منها قوله تعالى إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ يعني المطر فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ يعني أنبتت الأرض منه نباتا بأنواع الأعشاب من كل زوج بهيج حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ أي كملت وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كأن لم تكن . وهذه هي الحياة الدنيا ، واعتبر ذلك أنت في واقعك فكم من أناس عشت معهم عاشوا في هذه الدنيا عيشة راضية وفي رفاهية وأنس وأولاد وزوجات وقصور وسيارات ثم انتقلوا عنها كأن لم يكونوا بالأمس ، انتقلوا هم عنها أو يأتي دنياهم شيء يتلفها ، فكم من إنسان غني عنده أموال عظيمة أصبح فقيرا يسأل الناس . فهذه هي الدنيا وإنما ضرب الله هذا المثل لئلا نغتر بها فقال : كذلك يعني مثل هذا التفصيل والتبيين نفصل الآيات لقوم يتفكرون لمن عندهم تفكير في الأمور ونظر في العواقب . ثم قال : والله يدعو إلى دار السلام أي فرق بين هذه وهذه ، دار السلام : هي الجنة وسميت كذلك لأنها سالمة من كل كدر ، ومن كل تنغيص ، ومن كل أذى فإلى أيهما تركن أيها الغافل ؟ لا شك أن العاقل يركن إلى دار السلام ، ولا تهمه دار الفناء والنكد والتنغيص ، فهو سبحانه وتعالى يدعو كل الخلق إلى دار السلام ويهدي من يشاء على صراط مستقيم . والهداية مقيدة فإنه لم يقل كل أحد ، ولكن قال : وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ فالحقيق والجدير بهداية الله هو من أناب إلى الله عز وجل ، كما قال تعالى وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ وقال تعالى : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ كل من كان عنده نية طيبة وخالصة لابتغاء وجه الله والدار الآخرة فهذا هو الذي يهديه الله عز وجل ، وهو داخل في قوله : وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ثم ذكر المؤلف آيات أخرى مثل قوله : وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ معناه : أن الحياة الدنيا كماء نزل على أرض فأنبتت ، فأصبح هشيما تذوره الرياح ، يبس وصارت الرياح تطير به ، هكذا أيضا الدنيا ، وقال تعالى : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ هذه خمسة أشياء كلها ليس بشيء لعب ، ولهو وزينة ، وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد مثالها : كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ أعجب الكفار ، لأن الكفار هم الذين يتعلقون بالدنيا وتسبى عقولهم ، فهذا نبات نبت من الغيث فصار الكفار يتعجبون من حسنه ونضارته : أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا يزول وينتهي وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ فأيهما تريد ؟ هناك عذاب شديد لمن آثر الحياة الدنيا على الآخرة وهناك وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ لمن آثر الآخرة على الدنيا ، والعاقل إذا قرأ القرآن وتبصر عرف قيمة الدنيا ، وأنها ليست بشيء ، وأنها مزرعة للآخرة ، فانظر ماذا زرعت فيها لآخرتك ؟ أنت كنت زرعت خيرا فأبشر بالحصاد الذي يرضيك وإن كان الأمر بالعكس فقد خسرت الدنيا والآخرة ، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية . وأما الأحاديث فأكثر من أن تحصر فننبه بطرف منها على ما سواه