عن أبي ذر جندب بن جنادة ، و أبي عبد الرحمن معاذ بِن جبل رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) . رواه الترمذي وقال: حديث حسن .
الشرح
التقوى
هي سفينة النجاة ، ومفتاح كل خير ، كيف لا ؟ وهي الغاية العظمى ، والمقصد
الأسمى من العبادة ؟ ، إنها محاسبة دائمة للنفس ، وخشية مستمرة لله ، وحذر
من أمواج الشهوات والشبهات التي تعيق من أراد السير إلى ربه ، إنها الخوف
من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعدادُ ليوم الرحيل
.
من هنا كانت التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، قال تعالى : { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }
( النساء : 131 ) ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لجميع أمته ، ووصية
السلف بعضهم لبعضهم ، فلا عجب إذا أن يبتدأ بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم نصيحته ل معاذ بن جبل و أبي ذر رضي الله عنهما .
والتقوى
ليست كلمة تقال ، أو شعاراً يرفع ، بل هي منهج حياة ، يترفّع فيه المؤمن
عن لذائذ الدنيا الفانية ، ويجتهد فيه بالمسابقة في ميادين الطاعة ، ويبتعد
عن المعاصي والموبقات ، وقد جسد أبي بن كعب
رضي الله عنه هذا المعنى لما سئل عن التقوى ؟ فقال : " هل أخذت طريقا ذا
شوك ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو
جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى " وقد أخذ ابن المعتز رحمه الله هذا المعنى ، وصاغه بأبيات بديعة من الشعر فقال :
خل الذنوب صغيـــرها وكبيــرها ذاك التقـى
واصنع كمـــاش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقـــرن صغيــرة إن الجبـال من الحصى
ومن تمام التقوى ، أن يترك العبد ما لا بأس به ، خشية أن يقع في الحرام ، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ) رواه مسلم ، وفي هذا المعنى يقول أبو الدرداء
رضي الله عنه : "تمام التقوى ، أن يتقي الله العبد ، حتى يتقيه من مثقال
ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حراما ، فيكون حجابا
بينه وبين الحرام ، فإن الله قد بيّن للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة : 7 - 8 ) " ، فلا تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ، ولا شيئا من الشر أن تتقيه .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت )
تنبيه للمؤمن على ملازمة التقوى في كل أحواله ، انطلاقاً من استشعاره
لمراقبة الله له في كل حركاته وسكناته ، وسره وجهره ، وفي قوله صلى الله
عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت ) إشارة إلى
حقيقة التقوى ، وأنها خشية الله في السرّ والعلن ، وحيث كان الإنسان أو
صار ، فمن خشي الله أمام الناس فحسب فليس بتقي ، وقد قال تعالى في وصف
عباده المؤمنين : { من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ، ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود } ( ق : 33 - 34 ) .
وقد
يظن ظان أن المتقي معصوم من الزلل ، وهذا خطأ في التصور ؛ فإن المتقي قد
تعتريه الغفلة ، فتقع منه المعصية ، أو يحصل منه التفريط في الطاعة ، وهذه
هي طبيعة البشر المجبولة على الضعف ، ولكن المتقي يختلف عن غيره بأنه إذا
تعثّرت به قدمه ، بادر بالتوبة إلى ربه ، والاستغفار من ذنبه ، ولم يكتف
بذلك ، بل يتبع التوبة بارتياد ميادين الطاعة ، والإكثار من الأعمال
الصالحة ، كما أمره ربه في قوله : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } ( هود : 114 ) ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) .
ولئن
كانت التقوى صلة مع الله تبارك وتعالى ، وتقرّبا إليه ، فهي أيضا إحسان
إلى الخلق ، وطيبة في التعامل ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وهكذا يظهر لنا
التكامل والتناسق في القيم الإيمانية ، فإن الأخلاق الحميدة رافد من روافد
التقوى ، وشعبة من شعب الإيمان .
وللأخلاق الفاضلة مكانة عظيمة في
شريعتنا ، فإنها تثقل ميزان العبد يوم الحساب ، ويبلغ بها درجة الصائم
القائم ، وهو سبب رئيس في دخول الجنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما
سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ ، قال : ( تقوى الله ، وحسن الخلق ) رواه أحمد .
وإذا
عرفنا ذلك ، فإن هناك وسائل تعين العبد على التخلق بالأخلاق الحسنة ،
أعلاها : التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء ،
لاسيما وأنهم أعلى الناس خلقا ، وأوفرهم أدبا ، فإذا أراد المسلم التحلي
بالصبر ، قرأ قصة نبي الله يوسف عليه السلام
، وإذا أراد التخلّق بالحلم ، نظر إلى حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
مع قومه ، وهكذا ينهل من أخلاق الأنبياء ، ويتعلّم منهم شمائل الخير كلها .
وبعد
: فقد تبيّن لنا من خلال هذا الحديث معاني التقوى وأحوالها ، كما تبيّن
لنا أيضا أن الإسلام يقبل من العاصي توبته ، ولا يطرده من رحمة الله ،
وظهرت لنا معالم الخلق الحسن وأهميته ، فجدير بنا أن نعمل بهذه الوصايا
الثلاث ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المتقين، آمين.
الشرح
التقوى
هي سفينة النجاة ، ومفتاح كل خير ، كيف لا ؟ وهي الغاية العظمى ، والمقصد
الأسمى من العبادة ؟ ، إنها محاسبة دائمة للنفس ، وخشية مستمرة لله ، وحذر
من أمواج الشهوات والشبهات التي تعيق من أراد السير إلى ربه ، إنها الخوف
من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعدادُ ليوم الرحيل
.
من هنا كانت التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، قال تعالى : { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }
( النساء : 131 ) ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لجميع أمته ، ووصية
السلف بعضهم لبعضهم ، فلا عجب إذا أن يبتدأ بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم نصيحته ل معاذ بن جبل و أبي ذر رضي الله عنهما .
والتقوى
ليست كلمة تقال ، أو شعاراً يرفع ، بل هي منهج حياة ، يترفّع فيه المؤمن
عن لذائذ الدنيا الفانية ، ويجتهد فيه بالمسابقة في ميادين الطاعة ، ويبتعد
عن المعاصي والموبقات ، وقد جسد أبي بن كعب
رضي الله عنه هذا المعنى لما سئل عن التقوى ؟ فقال : " هل أخذت طريقا ذا
شوك ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو
جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى " وقد أخذ ابن المعتز رحمه الله هذا المعنى ، وصاغه بأبيات بديعة من الشعر فقال :
خل الذنوب صغيـــرها وكبيــرها ذاك التقـى
واصنع كمـــاش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقـــرن صغيــرة إن الجبـال من الحصى
ومن تمام التقوى ، أن يترك العبد ما لا بأس به ، خشية أن يقع في الحرام ، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ) رواه مسلم ، وفي هذا المعنى يقول أبو الدرداء
رضي الله عنه : "تمام التقوى ، أن يتقي الله العبد ، حتى يتقيه من مثقال
ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حراما ، فيكون حجابا
بينه وبين الحرام ، فإن الله قد بيّن للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة : 7 - 8 ) " ، فلا تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ، ولا شيئا من الشر أن تتقيه .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت )
تنبيه للمؤمن على ملازمة التقوى في كل أحواله ، انطلاقاً من استشعاره
لمراقبة الله له في كل حركاته وسكناته ، وسره وجهره ، وفي قوله صلى الله
عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت ) إشارة إلى
حقيقة التقوى ، وأنها خشية الله في السرّ والعلن ، وحيث كان الإنسان أو
صار ، فمن خشي الله أمام الناس فحسب فليس بتقي ، وقد قال تعالى في وصف
عباده المؤمنين : { من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ، ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود } ( ق : 33 - 34 ) .
وقد
يظن ظان أن المتقي معصوم من الزلل ، وهذا خطأ في التصور ؛ فإن المتقي قد
تعتريه الغفلة ، فتقع منه المعصية ، أو يحصل منه التفريط في الطاعة ، وهذه
هي طبيعة البشر المجبولة على الضعف ، ولكن المتقي يختلف عن غيره بأنه إذا
تعثّرت به قدمه ، بادر بالتوبة إلى ربه ، والاستغفار من ذنبه ، ولم يكتف
بذلك ، بل يتبع التوبة بارتياد ميادين الطاعة ، والإكثار من الأعمال
الصالحة ، كما أمره ربه في قوله : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } ( هود : 114 ) ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) .
ولئن
كانت التقوى صلة مع الله تبارك وتعالى ، وتقرّبا إليه ، فهي أيضا إحسان
إلى الخلق ، وطيبة في التعامل ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وهكذا يظهر لنا
التكامل والتناسق في القيم الإيمانية ، فإن الأخلاق الحميدة رافد من روافد
التقوى ، وشعبة من شعب الإيمان .
وللأخلاق الفاضلة مكانة عظيمة في
شريعتنا ، فإنها تثقل ميزان العبد يوم الحساب ، ويبلغ بها درجة الصائم
القائم ، وهو سبب رئيس في دخول الجنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما
سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ ، قال : ( تقوى الله ، وحسن الخلق ) رواه أحمد .
وإذا
عرفنا ذلك ، فإن هناك وسائل تعين العبد على التخلق بالأخلاق الحسنة ،
أعلاها : التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء ،
لاسيما وأنهم أعلى الناس خلقا ، وأوفرهم أدبا ، فإذا أراد المسلم التحلي
بالصبر ، قرأ قصة نبي الله يوسف عليه السلام
، وإذا أراد التخلّق بالحلم ، نظر إلى حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
مع قومه ، وهكذا ينهل من أخلاق الأنبياء ، ويتعلّم منهم شمائل الخير كلها .
وبعد
: فقد تبيّن لنا من خلال هذا الحديث معاني التقوى وأحوالها ، كما تبيّن
لنا أيضا أن الإسلام يقبل من العاصي توبته ، ولا يطرده من رحمة الله ،
وظهرت لنا معالم الخلق الحسن وأهميته ، فجدير بنا أن نعمل بهذه الوصايا
الثلاث ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المتقين، آمين.