حكام العرب ينفخ أحدهم في بالون ويمنع الناس
من الاقتراب منه لتفجيره، لكنهم يفاجئون بانفجاره من داخله في وجوههم
الكالحة، ويستغربون انفجار البالون وما دروا أن هواءهم هو الذي فجره من
داخله {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر :2] ولكل فعل رد فعل لكن الطواغيت لا يعتبرون، وقد قال أبو الغيط: مصر مش زي تونس.
في يوم عيد الشرطة (25 يناير) كان النظام الفرعوني المصري على موعد مع القدر الإلهي {فخرج على قومه في زينته}
لتكون فضيحته ونكسته كما فعل بفرعون موسى من قبل، وليهدم شباب مصر جدار
برلين العرب المكون من لبنات الخوف وليحل عقده النفسية الوهمية وليكتشف مدى
هشاشة نظام الظلم الأمني، حتى غدا الشعار: الشعب يريد إسقاط النظام.
وأصبحت كتابة يسقط مبارك على الدبابات أمرا معتادا.
تلك المظاهرة كانت نقطة التحول وقد سبقها الكثير من النقاط التي سجلتها
حركة كفاية، و6 إبريل والوقفات الاحتجاجية وغيرها من الجهود الصغيرة التي
جعلت الجذوة مشتعلة.
ثم كان انفجار البركان بثورة المساجد في جمعة الغضب.
إنها سنة الله في نهاية الظالمين {ولن تجد لسنة الله تبديلا}،
فكم من الناس قتلهم في محاكمه العسكرية وكم من عشرات الآلاف من الشباب
أذاقهم ألوان العذاب والهوان في سجونه وكان آخرهم الشاب خالد سعيد.
وأحكام القضاء لا تنفذ، والقنوات الدينية تمنع، وغزة تحاصر، وانتخاباته
تزور، وحقوق الشعب تنهب، والبطالة تتفاقم، والبلد يحول إلى وكر للدعارة تحت
راية السياحة، والفساد يضرب أطنابه، والرئيس يعمل على توريث ابنه ولسان
حاله: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي}؟ مستعينا بسحرة أجهزته القمعية فـ{سحروا أعين الناس و استرهبوهم وجاءوا بسحر عظيم } حتى يئس الناس وبلغت الانتحارات بحسب جريدة الأهرام 104 آلآف بعد ستين سنة من مظالم عبد الناصر والسادات ومبارك.
{إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين} [القصص :4] وقد ذكر الله فرعون في كتابه 74 مرة ليكشف لنا سياسة الفراعنة في كل زمن.
وقد بلغ من سخريته بشعبه أن قال عن البرلمان الشعبي الذي شكله المحرومون
من البرلمان المزور: "خليهم يتسلوا"، وقد فعلوا فهم يتسلون بمشهد طرده من
حكمه ذليلا.
وقد أتاه الله من حيث لم يحتسب، فقد احتسب من الإسلاميين وجماعاتهم
وعلمائهم ومساجدهم وخطبهم وقنواتهم وصحفهم ومجلاتهم والأزهر ودروس الدين في
المدارس فسجنهم ومنعهم وقتلهم {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}
[البروج10] لكنه لم يحتسب من شباب أفسدهم بالسينما والمسلسلات والأفلام
والتعصب الرياضي والمواقع الإباحية وإثارة الغرائز، ومن مأمنه يؤتى الحذر {ونريد
أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} [القصص 5-6].
ويقابل هذا العلو على شعبه ضعف وخور وعبودية لليهود والأمريكان، وطلب
العون منهم ضد شعبه، حتى قال مصطفى الفقي مسئول العلاقات الخارجية في
البرلمان المزور وأحد أعمدة النظام: (للأسف أن الرئيس القادم لمصر يحتاج
إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل {فترى
الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله
أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} [المائدة :52] فقد جاء الفتح وقد ندموا.
وخذله أسياده بدعوة أمريكا وفرنسا وبريطانيا له بالتخلي عن السلطة والبدء
بالمرحلة الانتقالية، -الآن وبدون تأخير- فسبحان الله العظيم!!
ولقد شهد العالم أن أكبر نصير لمبارك حاليا هم الصهاينة الذين يطالبون
العالم بحماية نظام مبارك وينتقدون أوباما على خذلانه وهذه صحيفة معاريف
تنشر تعليقا لافياد بوهوريلس تحت عنوان (رصاصة في الظهر من العم سام)، وهذا
بن اليعازر يقول: "الأمريكيون تسببوا بكارثة في الشرق الأوسط بتخليهم عن
مبارك..." هذا صباح حزين، فقد رأيت خلال الخطاب بالأمس زعيما منكسر".
وللمقارنة بين حكام العرب في استعانتهم بالعدو ضد شعوبهم، واعتماد الملا
عمر بعد الله على شعبه وكيف استطاع بذلك مقارعة الغرب بحلفه الناتو
وهزيمتهم، وكيف يخذل الغرب عملاءه من زين الهاربين إلى حسني باراك {فاعتبروا يا أولي الأبصار}.
النظام المصري كسائر النظم العربية قد بلغت سن الشيخوخة وقد ولدت من رحم
الاستعمار وترعرعت ذنبا له والآن حانت وفاتها، ولقد حكم أمريكا خلال فترة
مبارك خمسة رؤساء وفي إسرائيل 9 وفي بريطانيا 12!! وهو لازال يتشبث بالسلطة
حتى بعد الموت بتوريث ولده، الناهب الهارب إلى لندن بعد انزواء والده في
مزبلة التاريخ ونادي الرؤساء المخلوعين غير معتبر بمصير السادات على يد
شعبه، و«إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِته)» (رواه مسلم في صحيحه عن أبي موسى)!!
وقد أخذ الله حكم هذا الطاغية على يد شباب شجعان تحرروا من الأوهام
والخوف، فحرروا بلدهم من الاستعمار المحلي والطاغوت الفرعوني، ولم يستجدوا
الحرية من حاكم ولا مستعمر بل انتزعوها انتزاعا {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين} [البقرة :251].
تميز هؤلاء الشباب بالسرعة في الحركة، مقابل ترهل نظام شائخ هرم فكان لهم
الفعل والمبادرة وللنظام الصدمة، وردود الأفعال وانتظار التعليمات من رئيس
هرم منعزل عن شعبه -خوفا من غضبتهم- في شعبة من شعب شرم الشيخ بجوار دولة
صهيون ووسط سياح اليهود والنصارى.
وكان هدفهم واضح بإسقاط النظام كله ووسائلهم سلمية متنوعة مابين مسيرات في المدن ومرابطة في الميادين.
قال صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» (رواه الحالم في المستدرك وقال صحيح الإسناد، والطبراني في المعجم الكبير وصححه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (رواه النسائي في الصغرى، وأحمد في مسنده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني).
ومن صور قول كلمة الحق المعاصرة:
1- المظاهرات السلمية البعيدة عن الفوضى، وقد أجاد المصريون ومن قبلهم
التوانسة استخدام هذا السلاح المؤثر رغم استفزازات النظام وضربه وقتله لهم.
2- كما استفاد الشباب من وسائل العولمة، بدءاً من النت والفيس بوك وتويتر وانتهاء بالقنوات.
وقد حاول النظام إجهاض هذه الثورة الشعبية بوسائل متعددة -بعد صمت طال من
هول الصدمة- من بينها تقديم عشرة تنازلات في أسبوع ليقول حسني بلسان الحال
أنا فهمتكم {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين}؟
لكن وعي المتظاهرين كان أذكى من صحوة موت النظام، وكانت محاولة النظام
الأولى للاحتواء بتركهم يتظاهرون بلا قمع على مذهب حسني "خليهم يتسلوا"
وعلى مذهب فرعون: {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين . إن هؤلاء لشرذمة قليلون . وإنهم لنا لغائظون . وإنا لجميع حاذرون} [الشعراء: 52-55] لكنه لم يطق صبرا على رؤية الآلاف يعارضون {فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى} [طه :60] فكان القمع الذي أشعل المظاهرات بدلا من إخمادها حتى شل المتظاهرون قوة القمع الأمنية {فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم، وأضل فرعون قومه وما هدى}[طه 78-79].
3- ثم كانت وسائل أخرى بقطع النت، ثم رسائل الجوال، ثم المكالمات، ثم منع وسائل الإعلام، ثم التشويش على قناة الجزيرة.
لكن الحلول عند المتظاهرين في التواصل جاهزة، فعندما منع النت تحول الشباب
من مقابلة أجهزة الحاسوب في العالم الافتراضي إلى مواجهة النظام في
الميدان الواقعي، وانقلب السحر على الساحر.
ومع تصاعد المواجهات استخدم النظام سلاح الإخلال بالأمن عبر سحب رجال
الشرطة من الميادين، وحث بلطجية النظام على بث الرعب وإطلاق سراح المجرمين
المعتقلين ليخير الناس بين الأمن والحرية كما فعل من قبله حاكم فاطمي حاصره
الشعب المصري فأمر جنوده بإشعال حرائق في بيوت الناس لينشغلوا بها عن
حصاره، لكن الشعب سارع بالحل غير المتوقع وشكل لجانه الشعبية لحفظ الأمن
فاضطر النظام لإعادة الشرطة لئلا يستقل الناس بحفظ الأمن.
ولا أستبعد أن يستخدم النظام سلاح الجوع بقطع التموين عن الشعب ليكسر ثورته.
وكان من محاولات النظام لاستعادة هيبته الاستعراض بالطائرات وحضر التجول لكن الشعب كسره باستمرار الاعتصامات والمرابطة في الميادين.
فأوقف القطارات، وقطع الطرق على المتظاهرين القادمين من المدن الأخرى إلى القاهرة فاجتمع بدلا من المليون مليونان.
ثم حاول إخراج مظاهرة مضادة للمليون فكانت مئة شخص أو يزيدون لتكون فضيحة
بجلاجل، ثم حشد البلطجية على الخيول والجمال لاقتحام ميدان التحرير، فأتت
النتيجة خسارته لكل أصدقاءه وزيادة الغضب عليه.
وعقب ذلك أقال الحكومة، وألغى توريث ولده، وعين نائبا له يعتبره اليهود
رجلهم الأول في مصر، ودعا المتظاهرين إلى الحوار، ووعد بتنفيذ أحكام القضاء
المعطلة في شأن تزوير البرلمان، وتعديل مادتي الدستور المفصلة على مقاسه،
ولما أدركه الغرق قال: يكفي ما قضيت في الحكم ولن أترشح ثانية، آلآن وقد
بُحَتْ أصوات المصريين منذ سنين عددا كفاية كفاية؟
فكيف ستكون النهاية؟
يرى معهد الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أن نظام مبارك انتهى.
وتقول صحيفة الصن البريطانية أنه يستعد للهرب إلى بريطانيا.
لكن مبارك يكابر ويصر على إكمال فترة ولايته الباقي منها 8 أشهر ولسان حاله {ما علمت لكم من إله غيري}.
فالأقرب والله أعلم أن يكمل ولايته وتحدث انتخابات حرة تأتي برئيس حقيقي
منتخب، وقد يحل البرلمان أو تعدل تركيبته عبر الطعون القضائية، كما قد تشكل
حكومة من المعارضة وحزب مبارك.
ولا يستبعد أن تكون نهايته كسلفه على يد أحد حرسه، أو بيد مظاهرة تجتاح شرمه.
عوائق وآمال:
أكبر عوائق الثورة الشعبية:
عدم وجود قيادة، وعدم اجتماع أقطاب المعارضة والتحزب، وقطع النت والاتصالات ومحاولات البعض قطف الثمرة.
والحل هو العمل على إقامة حلف فضول مصري، وتشكيل تحالف من زعماء
المتظاهرين والأحزاب قادة الرأي العام، وتشكيل مجلس شورى شعبي لإدارة
المظاهرات وثمارها.
كما أنَّ على الإسلاميين خاصة العمل على التوحد، والعمل على تشكيل مجلس شورى خاص بهم من سلفيين وإخوان ومشايخ الأزهر وغيرهم.
وما أحوج الإسلاميين إلى سياسة شرعية رشيدة تحسن قراءة الواقع وقطف
الثمرة، والتمييز بين الرجال وبين الأهداف والوسائل وبين التكتيك
والإستراتيجية، فالمتنافسون على الرئاسة على درجات وليسوا سواء، فليس
البرادعي العميل للغرب، المحارب للشرع المبرر لغزو العراق، ليس كالأشعل أو
عمرو موسى وهكذا مع حسن نافعة وأحمد زويل.
كما أن المطالب تحتاج لفقه سياسي مابين الإصرار على التغيير الفوري الكامل كتونس ومابين القبول بالمرحلية لئلا يكون الحال كالجزائر.
وكذلك الموقف من حسني وصنوه في الإجرام ورجل الصهاينة الأول في مصر عمر
سليمان مابين المحاكمة والقصاص وحد الحرابة كزين الهاربين ومابين الترك
لتقليل شره أثناء التغيير أو المرحلية بين الحالتين.
إن هذه الثورة انطلق زخمها من المساجد يوم الجمعة وهي تبين ما لصلاة
الجمعة من الأثر العظيم في التحرر من العبودية لغير رب العالمين، وكان هذا
الزخم عظيما رغم صمت الخطباء وانعدام أثرهم فكيف لو نطقوا؟
لاشك أن يوم جمعة الرحيل القادم سنسمع من الخطباء كلاما جديدا، وسيظهر
خطباء يذكرونك بالشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله فترقبوا ما يقول خطباء مصر
لاسيما خطبة ميدان التحرير.
إن الله قد خلق الخلق لعبادته وأمرهم بالحكم بشرعه ويجب أن يكون هذا هو
الهدف الأسمى لهذه الثورة مع مراعاة المرحلية والتدرج في التطبيق مراعاة
لحال الناس ولتفريق الأعداء.
{ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} [الأعراف :96].
من التالي؟
بوادر الثورات تلوح في سوريا والجزائر واليمن وليبيا والأردن، ليتحول حال
العرب من الصوملة والعرقنة واللبننة إلى حال التونسة والمصرنة، وذلك إثر
فشل الحكومات العربية في التنمية الاقتصادية والسياسية واعتمادهم على
المسكنات لنهب الثروات واستعباد عباد الله، فعربة بوعزيزي أصبحت دبابة
الشعوب لقلب أنظمة الرعب والذل العربية وإحالة المزيد من الحكام إلى
التقاعد المتأخر، وهاهي تشرد بن علي ومبارك ومن خلفهم من حكام العرب،
فحكومة الأردن تقال بعدما تراجعت عن رفع الأسعار، وزعيم اليمن يتعهد بعدم
تصفير العداد، وطاغوت سوريا يعلن عن انتخابات بلدية وهكذا.
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف:21].
من الاقتراب منه لتفجيره، لكنهم يفاجئون بانفجاره من داخله في وجوههم
الكالحة، ويستغربون انفجار البالون وما دروا أن هواءهم هو الذي فجره من
داخله {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر :2] ولكل فعل رد فعل لكن الطواغيت لا يعتبرون، وقد قال أبو الغيط: مصر مش زي تونس.
في يوم عيد الشرطة (25 يناير) كان النظام الفرعوني المصري على موعد مع القدر الإلهي {فخرج على قومه في زينته}
لتكون فضيحته ونكسته كما فعل بفرعون موسى من قبل، وليهدم شباب مصر جدار
برلين العرب المكون من لبنات الخوف وليحل عقده النفسية الوهمية وليكتشف مدى
هشاشة نظام الظلم الأمني، حتى غدا الشعار: الشعب يريد إسقاط النظام.
وأصبحت كتابة يسقط مبارك على الدبابات أمرا معتادا.
تلك المظاهرة كانت نقطة التحول وقد سبقها الكثير من النقاط التي سجلتها
حركة كفاية، و6 إبريل والوقفات الاحتجاجية وغيرها من الجهود الصغيرة التي
جعلت الجذوة مشتعلة.
ثم كان انفجار البركان بثورة المساجد في جمعة الغضب.
إنها سنة الله في نهاية الظالمين {ولن تجد لسنة الله تبديلا}،
فكم من الناس قتلهم في محاكمه العسكرية وكم من عشرات الآلاف من الشباب
أذاقهم ألوان العذاب والهوان في سجونه وكان آخرهم الشاب خالد سعيد.
وأحكام القضاء لا تنفذ، والقنوات الدينية تمنع، وغزة تحاصر، وانتخاباته
تزور، وحقوق الشعب تنهب، والبطالة تتفاقم، والبلد يحول إلى وكر للدعارة تحت
راية السياحة، والفساد يضرب أطنابه، والرئيس يعمل على توريث ابنه ولسان
حاله: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي}؟ مستعينا بسحرة أجهزته القمعية فـ{سحروا أعين الناس و استرهبوهم وجاءوا بسحر عظيم } حتى يئس الناس وبلغت الانتحارات بحسب جريدة الأهرام 104 آلآف بعد ستين سنة من مظالم عبد الناصر والسادات ومبارك.
{إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين} [القصص :4] وقد ذكر الله فرعون في كتابه 74 مرة ليكشف لنا سياسة الفراعنة في كل زمن.
وقد بلغ من سخريته بشعبه أن قال عن البرلمان الشعبي الذي شكله المحرومون
من البرلمان المزور: "خليهم يتسلوا"، وقد فعلوا فهم يتسلون بمشهد طرده من
حكمه ذليلا.
وقد أتاه الله من حيث لم يحتسب، فقد احتسب من الإسلاميين وجماعاتهم
وعلمائهم ومساجدهم وخطبهم وقنواتهم وصحفهم ومجلاتهم والأزهر ودروس الدين في
المدارس فسجنهم ومنعهم وقتلهم {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}
[البروج10] لكنه لم يحتسب من شباب أفسدهم بالسينما والمسلسلات والأفلام
والتعصب الرياضي والمواقع الإباحية وإثارة الغرائز، ومن مأمنه يؤتى الحذر {ونريد
أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} [القصص 5-6].
ويقابل هذا العلو على شعبه ضعف وخور وعبودية لليهود والأمريكان، وطلب
العون منهم ضد شعبه، حتى قال مصطفى الفقي مسئول العلاقات الخارجية في
البرلمان المزور وأحد أعمدة النظام: (للأسف أن الرئيس القادم لمصر يحتاج
إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل {فترى
الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله
أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} [المائدة :52] فقد جاء الفتح وقد ندموا.
وخذله أسياده بدعوة أمريكا وفرنسا وبريطانيا له بالتخلي عن السلطة والبدء
بالمرحلة الانتقالية، -الآن وبدون تأخير- فسبحان الله العظيم!!
ولقد شهد العالم أن أكبر نصير لمبارك حاليا هم الصهاينة الذين يطالبون
العالم بحماية نظام مبارك وينتقدون أوباما على خذلانه وهذه صحيفة معاريف
تنشر تعليقا لافياد بوهوريلس تحت عنوان (رصاصة في الظهر من العم سام)، وهذا
بن اليعازر يقول: "الأمريكيون تسببوا بكارثة في الشرق الأوسط بتخليهم عن
مبارك..." هذا صباح حزين، فقد رأيت خلال الخطاب بالأمس زعيما منكسر".
وللمقارنة بين حكام العرب في استعانتهم بالعدو ضد شعوبهم، واعتماد الملا
عمر بعد الله على شعبه وكيف استطاع بذلك مقارعة الغرب بحلفه الناتو
وهزيمتهم، وكيف يخذل الغرب عملاءه من زين الهاربين إلى حسني باراك {فاعتبروا يا أولي الأبصار}.
النظام المصري كسائر النظم العربية قد بلغت سن الشيخوخة وقد ولدت من رحم
الاستعمار وترعرعت ذنبا له والآن حانت وفاتها، ولقد حكم أمريكا خلال فترة
مبارك خمسة رؤساء وفي إسرائيل 9 وفي بريطانيا 12!! وهو لازال يتشبث بالسلطة
حتى بعد الموت بتوريث ولده، الناهب الهارب إلى لندن بعد انزواء والده في
مزبلة التاريخ ونادي الرؤساء المخلوعين غير معتبر بمصير السادات على يد
شعبه، و«إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِته)» (رواه مسلم في صحيحه عن أبي موسى)!!
وقد أخذ الله حكم هذا الطاغية على يد شباب شجعان تحرروا من الأوهام
والخوف، فحرروا بلدهم من الاستعمار المحلي والطاغوت الفرعوني، ولم يستجدوا
الحرية من حاكم ولا مستعمر بل انتزعوها انتزاعا {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين} [البقرة :251].
تميز هؤلاء الشباب بالسرعة في الحركة، مقابل ترهل نظام شائخ هرم فكان لهم
الفعل والمبادرة وللنظام الصدمة، وردود الأفعال وانتظار التعليمات من رئيس
هرم منعزل عن شعبه -خوفا من غضبتهم- في شعبة من شعب شرم الشيخ بجوار دولة
صهيون ووسط سياح اليهود والنصارى.
وكان هدفهم واضح بإسقاط النظام كله ووسائلهم سلمية متنوعة مابين مسيرات في المدن ومرابطة في الميادين.
قال صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» (رواه الحالم في المستدرك وقال صحيح الإسناد، والطبراني في المعجم الكبير وصححه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (رواه النسائي في الصغرى، وأحمد في مسنده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني).
ومن صور قول كلمة الحق المعاصرة:
1- المظاهرات السلمية البعيدة عن الفوضى، وقد أجاد المصريون ومن قبلهم
التوانسة استخدام هذا السلاح المؤثر رغم استفزازات النظام وضربه وقتله لهم.
2- كما استفاد الشباب من وسائل العولمة، بدءاً من النت والفيس بوك وتويتر وانتهاء بالقنوات.
وقد حاول النظام إجهاض هذه الثورة الشعبية بوسائل متعددة -بعد صمت طال من
هول الصدمة- من بينها تقديم عشرة تنازلات في أسبوع ليقول حسني بلسان الحال
أنا فهمتكم {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين}؟
لكن وعي المتظاهرين كان أذكى من صحوة موت النظام، وكانت محاولة النظام
الأولى للاحتواء بتركهم يتظاهرون بلا قمع على مذهب حسني "خليهم يتسلوا"
وعلى مذهب فرعون: {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين . إن هؤلاء لشرذمة قليلون . وإنهم لنا لغائظون . وإنا لجميع حاذرون} [الشعراء: 52-55] لكنه لم يطق صبرا على رؤية الآلاف يعارضون {فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى} [طه :60] فكان القمع الذي أشعل المظاهرات بدلا من إخمادها حتى شل المتظاهرون قوة القمع الأمنية {فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم، وأضل فرعون قومه وما هدى}[طه 78-79].
3- ثم كانت وسائل أخرى بقطع النت، ثم رسائل الجوال، ثم المكالمات، ثم منع وسائل الإعلام، ثم التشويش على قناة الجزيرة.
لكن الحلول عند المتظاهرين في التواصل جاهزة، فعندما منع النت تحول الشباب
من مقابلة أجهزة الحاسوب في العالم الافتراضي إلى مواجهة النظام في
الميدان الواقعي، وانقلب السحر على الساحر.
ومع تصاعد المواجهات استخدم النظام سلاح الإخلال بالأمن عبر سحب رجال
الشرطة من الميادين، وحث بلطجية النظام على بث الرعب وإطلاق سراح المجرمين
المعتقلين ليخير الناس بين الأمن والحرية كما فعل من قبله حاكم فاطمي حاصره
الشعب المصري فأمر جنوده بإشعال حرائق في بيوت الناس لينشغلوا بها عن
حصاره، لكن الشعب سارع بالحل غير المتوقع وشكل لجانه الشعبية لحفظ الأمن
فاضطر النظام لإعادة الشرطة لئلا يستقل الناس بحفظ الأمن.
ولا أستبعد أن يستخدم النظام سلاح الجوع بقطع التموين عن الشعب ليكسر ثورته.
وكان من محاولات النظام لاستعادة هيبته الاستعراض بالطائرات وحضر التجول لكن الشعب كسره باستمرار الاعتصامات والمرابطة في الميادين.
فأوقف القطارات، وقطع الطرق على المتظاهرين القادمين من المدن الأخرى إلى القاهرة فاجتمع بدلا من المليون مليونان.
ثم حاول إخراج مظاهرة مضادة للمليون فكانت مئة شخص أو يزيدون لتكون فضيحة
بجلاجل، ثم حشد البلطجية على الخيول والجمال لاقتحام ميدان التحرير، فأتت
النتيجة خسارته لكل أصدقاءه وزيادة الغضب عليه.
وعقب ذلك أقال الحكومة، وألغى توريث ولده، وعين نائبا له يعتبره اليهود
رجلهم الأول في مصر، ودعا المتظاهرين إلى الحوار، ووعد بتنفيذ أحكام القضاء
المعطلة في شأن تزوير البرلمان، وتعديل مادتي الدستور المفصلة على مقاسه،
ولما أدركه الغرق قال: يكفي ما قضيت في الحكم ولن أترشح ثانية، آلآن وقد
بُحَتْ أصوات المصريين منذ سنين عددا كفاية كفاية؟
فكيف ستكون النهاية؟
يرى معهد الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أن نظام مبارك انتهى.
وتقول صحيفة الصن البريطانية أنه يستعد للهرب إلى بريطانيا.
لكن مبارك يكابر ويصر على إكمال فترة ولايته الباقي منها 8 أشهر ولسان حاله {ما علمت لكم من إله غيري}.
فالأقرب والله أعلم أن يكمل ولايته وتحدث انتخابات حرة تأتي برئيس حقيقي
منتخب، وقد يحل البرلمان أو تعدل تركيبته عبر الطعون القضائية، كما قد تشكل
حكومة من المعارضة وحزب مبارك.
ولا يستبعد أن تكون نهايته كسلفه على يد أحد حرسه، أو بيد مظاهرة تجتاح شرمه.
عوائق وآمال:
أكبر عوائق الثورة الشعبية:
عدم وجود قيادة، وعدم اجتماع أقطاب المعارضة والتحزب، وقطع النت والاتصالات ومحاولات البعض قطف الثمرة.
والحل هو العمل على إقامة حلف فضول مصري، وتشكيل تحالف من زعماء
المتظاهرين والأحزاب قادة الرأي العام، وتشكيل مجلس شورى شعبي لإدارة
المظاهرات وثمارها.
كما أنَّ على الإسلاميين خاصة العمل على التوحد، والعمل على تشكيل مجلس شورى خاص بهم من سلفيين وإخوان ومشايخ الأزهر وغيرهم.
وما أحوج الإسلاميين إلى سياسة شرعية رشيدة تحسن قراءة الواقع وقطف
الثمرة، والتمييز بين الرجال وبين الأهداف والوسائل وبين التكتيك
والإستراتيجية، فالمتنافسون على الرئاسة على درجات وليسوا سواء، فليس
البرادعي العميل للغرب، المحارب للشرع المبرر لغزو العراق، ليس كالأشعل أو
عمرو موسى وهكذا مع حسن نافعة وأحمد زويل.
كما أن المطالب تحتاج لفقه سياسي مابين الإصرار على التغيير الفوري الكامل كتونس ومابين القبول بالمرحلية لئلا يكون الحال كالجزائر.
وكذلك الموقف من حسني وصنوه في الإجرام ورجل الصهاينة الأول في مصر عمر
سليمان مابين المحاكمة والقصاص وحد الحرابة كزين الهاربين ومابين الترك
لتقليل شره أثناء التغيير أو المرحلية بين الحالتين.
إن هذه الثورة انطلق زخمها من المساجد يوم الجمعة وهي تبين ما لصلاة
الجمعة من الأثر العظيم في التحرر من العبودية لغير رب العالمين، وكان هذا
الزخم عظيما رغم صمت الخطباء وانعدام أثرهم فكيف لو نطقوا؟
لاشك أن يوم جمعة الرحيل القادم سنسمع من الخطباء كلاما جديدا، وسيظهر
خطباء يذكرونك بالشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله فترقبوا ما يقول خطباء مصر
لاسيما خطبة ميدان التحرير.
إن الله قد خلق الخلق لعبادته وأمرهم بالحكم بشرعه ويجب أن يكون هذا هو
الهدف الأسمى لهذه الثورة مع مراعاة المرحلية والتدرج في التطبيق مراعاة
لحال الناس ولتفريق الأعداء.
{ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} [الأعراف :96].
من التالي؟
بوادر الثورات تلوح في سوريا والجزائر واليمن وليبيا والأردن، ليتحول حال
العرب من الصوملة والعرقنة واللبننة إلى حال التونسة والمصرنة، وذلك إثر
فشل الحكومات العربية في التنمية الاقتصادية والسياسية واعتمادهم على
المسكنات لنهب الثروات واستعباد عباد الله، فعربة بوعزيزي أصبحت دبابة
الشعوب لقلب أنظمة الرعب والذل العربية وإحالة المزيد من الحكام إلى
التقاعد المتأخر، وهاهي تشرد بن علي ومبارك ومن خلفهم من حكام العرب،
فحكومة الأردن تقال بعدما تراجعت عن رفع الأسعار، وزعيم اليمن يتعهد بعدم
تصفير العداد، وطاغوت سوريا يعلن عن انتخابات بلدية وهكذا.
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف:21].