قال الله تعالى : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وقال تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقال تعالى : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وقال تعالى : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله - باب الحلم والأناة والرفق . هذه ثلاثة أمور متقاربة الحلم والأناة والرفق . أما الحلم : أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب إذا حصل غضب وهو قادر فإنه يحلم ولا يعاقب ولا يعجل بالعقوبة . وأما الأناة : فهو التأني في الأمور وعدم العجلة ، وألا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجل ويحكم على الشيء قبل أن يتأنى فيه وينظر . وأما الرفق : فهو معاملة الناس بالرفق والهون حتى وإن استحقوا ما يستحقون من العقوبة والنكال فإنه يرفق بهم . ولكن هذا فيما إذا كان الإنسان الذي يرفق به محلا للرفق أما إذا لم يكن محلا للرفق فإن الله سبحانه وتعالى قال : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ثم ساق المؤلف آيات الآية الأولى قول الله تعالى : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين هذه من جملة الأوصاف التي يتصف بها المتقون الذين أعدت لهم الجنة : أنهم إذا غضبوا كظموا الغيظ . وفي قوله : والكاظمين الغيظ دليل على أنهم يشق عليهم ذلك ، لكنهم يغلبون أنفسهم فيكظمون غيظهم ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ليس الشديد بالصرعة الصرعة : يعني الذي يصرع الناس إذا صارعوه : وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وأما قوله تعالى : العافين عن الناس فقد سبق الكلام عليه وبيان التفصيل فيمن يستحق العفو ومن لا يستحق فالإنسان الشرير الذي لا يزداد بالعفو عنه إلا سوءا وشراسة ومعاندة هذا لا يعفي عنه . والإنسان الذي هو أهل للعفو ينبغي للإنسان أن يعفو عنه ، لأن الله يقول : فمن عفا وأصلح فأجره على الله وأما الآية الثانية فقوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال خذ العفو ولم يقل اعف ولا افعل العفو بل قال : خذ العفو والمراد بالعفو هنا ما عفا وسهل من الناس ، لأن الناس يعامل بعضهم بعضا ، فمن أراد من الناس أن يعاملوه على الوجه الذي يحب وعلى الوجه الأكمل فهذا شيء يصعب عليه ويشق عليه ويتعب وراء الناس . وأما من استرشد بهذه الآية وأخذ ما عفا من الناس وما سهل فما جاء منهم قبله وما أضاعوه من حقه تركه إلا إذا انتهكت محارم الله فإن هذا هو الذي أرشد الله إليه أن نأخذ العفو فخذ ما تيسر من أخلاق الناس ومعاملتهم لك ، والباقي أنت صاحب الفضل فيه إذا تركته وأمر بالعرف يعني اؤمر بما يتعارفه الناس ويعرفه الشرع من أمور الخير ، ولا تسكت عن الأمر بالخير إذا كان الناس أخلوا به فيما بينك وبينهم حقك افعل به ما تشاء لكن الشيء المعروف ينبغي أن تأمر به . وأعرض عن الجاهلين المراد بالجاهل هنا : ليس هو الذي لا يعلم الحكم بل الجاهل السفيه في التصرف كما قال تعالى : إنما التوبة على الله للذين يعلمون السوء بجهالة أي بسفاهة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم فالجاهلون هنا هم السفهاء الذين يجهلون حقوق الغير ويفرطون فيها ، فأعرض عنهم ولا تبال بهم وأنت إذا أعرضت عنهم ولم تبال بهم فإنهم سوف يملون ويتعبون ثم بعد ذلك يرجعون إلى صوابهم ولكنك إذا عاندتهم أو خاصمتهم أو أردت منهم أن يعطوك حقك كاملا فإنهم ربما بسفههم يعاندونك ولا يأتون بالذي تريد . فهذه ثلاثة أوامر من الله عز وجل فيها الخير لو أننا سرنا عليها : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قوله تعالى : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور صبر يعني على الأذى وغفر يعني تجاوز عنه إذا وقع به إن ذلك لمن عزم الأمور أي لمن معزومات الأمور أي من الأمور التي تدل على عزم الرجل وعلى حزمه وعلى أنه قادر على نفسه مسيطر عليها ، وذلك لأن الناس ينقسمون إلى أقسام بالنسبة لسيطرتهم على أنفسهم . فمن الناس من لا يستطيع أن يسيطر على نفسه أبدا ، ومن الناس من يستطيع لكن بمشقة شديدة ومن الناس من يستطيع لكن بسهولة يكون قد جبله الله عز وجل على مكارم الأخلاق فيسهل عليه الصبر والغفران . فالذي يصبر على أذى الناس ويتحمل ويحتسب الأجر من الله ويغفر لهم هذا هو الذي صنع هذا المعزوم من الأمور أي من الشئون وهذا حث واضح على أنه ينبغي للإنسان أن يصبر ويغفر وقد سبق لنا التفصيل في مسألة العفو عن الجناة والمعتدين وأنه لا يمدح مطلقا ولا يذم مطلقا بل ينظر إلى الإصلاح .
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله - باب الحلم والأناة والرفق . هذه ثلاثة أمور متقاربة الحلم والأناة والرفق . أما الحلم : أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب إذا حصل غضب وهو قادر فإنه يحلم ولا يعاقب ولا يعجل بالعقوبة . وأما الأناة : فهو التأني في الأمور وعدم العجلة ، وألا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجل ويحكم على الشيء قبل أن يتأنى فيه وينظر . وأما الرفق : فهو معاملة الناس بالرفق والهون حتى وإن استحقوا ما يستحقون من العقوبة والنكال فإنه يرفق بهم . ولكن هذا فيما إذا كان الإنسان الذي يرفق به محلا للرفق أما إذا لم يكن محلا للرفق فإن الله سبحانه وتعالى قال : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ثم ساق المؤلف آيات الآية الأولى قول الله تعالى : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين هذه من جملة الأوصاف التي يتصف بها المتقون الذين أعدت لهم الجنة : أنهم إذا غضبوا كظموا الغيظ . وفي قوله : والكاظمين الغيظ دليل على أنهم يشق عليهم ذلك ، لكنهم يغلبون أنفسهم فيكظمون غيظهم ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ليس الشديد بالصرعة الصرعة : يعني الذي يصرع الناس إذا صارعوه : وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وأما قوله تعالى : العافين عن الناس فقد سبق الكلام عليه وبيان التفصيل فيمن يستحق العفو ومن لا يستحق فالإنسان الشرير الذي لا يزداد بالعفو عنه إلا سوءا وشراسة ومعاندة هذا لا يعفي عنه . والإنسان الذي هو أهل للعفو ينبغي للإنسان أن يعفو عنه ، لأن الله يقول : فمن عفا وأصلح فأجره على الله وأما الآية الثانية فقوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال خذ العفو ولم يقل اعف ولا افعل العفو بل قال : خذ العفو والمراد بالعفو هنا ما عفا وسهل من الناس ، لأن الناس يعامل بعضهم بعضا ، فمن أراد من الناس أن يعاملوه على الوجه الذي يحب وعلى الوجه الأكمل فهذا شيء يصعب عليه ويشق عليه ويتعب وراء الناس . وأما من استرشد بهذه الآية وأخذ ما عفا من الناس وما سهل فما جاء منهم قبله وما أضاعوه من حقه تركه إلا إذا انتهكت محارم الله فإن هذا هو الذي أرشد الله إليه أن نأخذ العفو فخذ ما تيسر من أخلاق الناس ومعاملتهم لك ، والباقي أنت صاحب الفضل فيه إذا تركته وأمر بالعرف يعني اؤمر بما يتعارفه الناس ويعرفه الشرع من أمور الخير ، ولا تسكت عن الأمر بالخير إذا كان الناس أخلوا به فيما بينك وبينهم حقك افعل به ما تشاء لكن الشيء المعروف ينبغي أن تأمر به . وأعرض عن الجاهلين المراد بالجاهل هنا : ليس هو الذي لا يعلم الحكم بل الجاهل السفيه في التصرف كما قال تعالى : إنما التوبة على الله للذين يعلمون السوء بجهالة أي بسفاهة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم فالجاهلون هنا هم السفهاء الذين يجهلون حقوق الغير ويفرطون فيها ، فأعرض عنهم ولا تبال بهم وأنت إذا أعرضت عنهم ولم تبال بهم فإنهم سوف يملون ويتعبون ثم بعد ذلك يرجعون إلى صوابهم ولكنك إذا عاندتهم أو خاصمتهم أو أردت منهم أن يعطوك حقك كاملا فإنهم ربما بسفههم يعاندونك ولا يأتون بالذي تريد . فهذه ثلاثة أوامر من الله عز وجل فيها الخير لو أننا سرنا عليها : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قوله تعالى : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور صبر يعني على الأذى وغفر يعني تجاوز عنه إذا وقع به إن ذلك لمن عزم الأمور أي لمن معزومات الأمور أي من الأمور التي تدل على عزم الرجل وعلى حزمه وعلى أنه قادر على نفسه مسيطر عليها ، وذلك لأن الناس ينقسمون إلى أقسام بالنسبة لسيطرتهم على أنفسهم . فمن الناس من لا يستطيع أن يسيطر على نفسه أبدا ، ومن الناس من يستطيع لكن بمشقة شديدة ومن الناس من يستطيع لكن بسهولة يكون قد جبله الله عز وجل على مكارم الأخلاق فيسهل عليه الصبر والغفران . فالذي يصبر على أذى الناس ويتحمل ويحتسب الأجر من الله ويغفر لهم هذا هو الذي صنع هذا المعزوم من الأمور أي من الشئون وهذا حث واضح على أنه ينبغي للإنسان أن يصبر ويغفر وقد سبق لنا التفصيل في مسألة العفو عن الجناة والمعتدين وأنه لا يمدح مطلقا ولا يذم مطلقا بل ينظر إلى الإصلاح .