من الألفاظ المركزية في القرآن لفظ (الخير)، حيث ورد هذا اللفظ ما يقرب من مئة وثمانين مرة، جاء في معظمها (اسماً)، كقوله تعالى: { ذلكم خير لكم } (البقرة:45)، وجاء في سبعة مواضع فقط (فعلاً)، منها قوله تعالى: { وربك يخلق ما يشاء ويختار } (القصص:66) .
ولفظ
(الخير) في الأصل اللغوي يدل على العطف والميل، وعليه قالوا: (الخير) ضد
الشر؛ لأن كل أحد يميل إليه، ويعطف على صاحبه؛ وعليه أيضاً قالوا:
(الاستخارة) وهي الاستعطاف، لأن المستخير يسأل خير الأمرين، ويُقدِم عليه؛
و(الخِيَرة): الاختيار؛ لأن المختار لأمر إنما هو مائل إليه، ومنعطف عليه
دون غيره .
ثم
توسعوا في هذا الأصل اللغوي، فقالوا: رجل خيِّر، أي: فاضل؛ وقوم خيار
وأخيار، أي: من أفاضل الناس. و(الخير) من أسماء المال، والعرب تسمِّى
الخيل: الخير؛ لما فيها من الخير .
ثم إن (الخير) في التعريف الاصطلاحي: ما يرغب فيه كل الناس، كالعقل، والعدل، والفضل، والشيء النافع، وضده: الشر .
و(الخير)
يطلق على نوعين: أحدهما: خير مطلق، وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال، كطلب
الجنة. وثانيهما: خير نسبيٌّ، ويكون مقابلاً للشر، كالمال يكون خيراً
للبعض، ويكون شراً لآخرين .
ولفظ (الخير) في القرآن على وجهين: أحدهما: أن يكون (اسماً)، كقوله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } (آل عمران:104). ثانيهما: أن يكون (وصفاً)، على تقدير صيغة (أفعل)، كقوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم } (البقرة:184)، أي: الصيام للمسافر أفضل من الفطر، ونحو ذلك قوله تعالى: { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } (البقرة:197)، أي: أفضل ما يتزود به قاصد البيت الحرام تقوى الله .
وورد لفظ (الخير) مقابلاً لـ (الشر) مرة، وورد مقابلاً لـ (الضُرِّ) مرة أخرى، فمن أمثلة مقابلته لـ (الشر)، قوله سبحانه: { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } (الزلزلة:7-، ومن أمثلة مقابلته لـ (الضر) قوله تعالى: { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } (الأنعام:17) .
أما من حيث المعنى، فإن لفظ (الخير) في القرآن أطلق على معان، منها:
الأول: المال، كقوله تعالى: { إن ترك خيراً } (البقرة:180)، فـ (الخير) هنا - كما قال القرطبي - المال من غير خلاف. وعلى هذا المعنى جاء أكثر استعمال القرآن للفظ (الخير) .
الثاني: الطعام، كقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } (القصص:24)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سار موسى من
مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافياً، فما وصل إلى
مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه
للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى
شق تمرة .
الثالث: القوة، كقوله سبحانه في حق مشركي العرب: { أهم خير أم قوم تبع } (الدخان:37)، قال البغوي : يعني: أقوى، وأشد، وأكثر من قوم تُبَّع، وقال ابن عاشور : " المراد بالخيرية: التفضيل في القوة والمَنَعَة ". وعلى هذا المعنى قوله تعالى: { أكفاركم خير من أولئكم } (القمر:43) .
الرابع: العبادة والطاعة، كقوله سبحانه: { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } (الأنبياء:73)، قال القرطبي : " أي: أن يفعلوا الطاعات " .
الخامس: حُسْن الحالة، كقوله تعالى حاكياً قصة شعيب عليه السلام مع قومه: { إني أراكم بخير } (هود:48)، قال الطبري :
" يدخل في خير الدنيا: المال، وزينة الحياة الدنيا، ورخص السعر، ولا دلالة
على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات
الدنيا "، وقال ابن عاشور : " الخير: حسن الحالة " .
السادس: التفضيل، من ذلك قوله تعالى: { أولئك هم خير البرية } (البينة:7)، أي: المؤمنون بالله حق الإيمان أفضل الخلق أجمعين .
السابع: القرآن، وذلك في قوله تعالى: { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } (النحل:30)، قال القرطبي : " المراد: القرآن " .
وعلى ضوء هذه المعاني للفظ (الخير)، نسلط الضوء على بعض الآيات التي هي على صلة وثيقة بهذا اللفظ، لننظر ماذا تفيد من معنى .
فقوله تعالى: { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } (الأعراف:188)، المراد بـ (الخير) في هذه الآية الكريمة: المال - على ما رجحه الشنقيطي وغيره - ويدل على ذلك كثرة ورود الخير بمعنى (المال) في القران، كقوله تعالى: { وإنه لحب الخير لشديد } (العاديات:، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، في معنى الآية، قال: { لاستكثرت من الخير }، أي: من المال .
وقوله سبحانه: { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } (فصلت:49)، قال الطبري : " الخير في هذا الموضع: المال وصحة الجسم "، وقال القرطبي : " والخير هنا: المال، والصحة، والسلطان، والعز "، ويقوي هذا المعنى قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية: ( لا يسأم الإنسان من دعاء المال ) .
وقوله تعالى: { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير } (الحج:36)، قال الطبري : { لكم فيها خير }: الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها، وفي الدنيا: الركوب إذا احتاج إلى ركوبها. ونحو هذا قال البغوي .
وقوله سبحانه: { أشحة على الخير }
(الأحزاب:19)، قال بعض المفسرين: الخير هنا: الغنيمة التي يصيبها المسلمون
في المعركة. وقال آخرون: الخير هنا: المال المنفق في سبيل الله. وقال فريق
ثالث: الخير هنا: المودة بالمسلمين، والشفقة عليهم. ويكون معنى الآية
عموماً: أن المنافقين لا يروق لهم أن تكون الغنائم للمسلمين، بل يريدونها
خاصة لهم من دون المؤمنين. وأيضاً، فإن المنافقين يقبضون أيديهم عن الإنفاق
في سبيل الله، حرصاً على ما في أيديهم من المال. وهم فوق هذا وذاك لا
يوادون المسلمين، ولا يشفقون بهم حال اشتداد القتال .
وقريب من هذه الآية قوله تعالى: { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم } (البقرة:105)، فالمراد بـ (الخير) هنا: شرعة الإسلام، قال ابن كثير : "ينبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم" .
وقوله تعالى: { إني أحببت حب الخير } (ص:32)، قال ابن العربي : " يعني: الخيل، وسماها (خيراً)؛ لأنها من جملة المال الذي هو خير بتسمية الشارع له بذلك ". وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: ( إني أحببت حب الخيل ) .
وقوله تعالى: { فيهن خيرات حسان }
(الرحمن:70)، فـ (الخيرات) في الآية: حور العين، وصفن بذلك: إما لأنهن
خيِّرات الأخلاق. وإما لأنهن مختارات، اختارهن الله، فأبدع خلقهن باختياره .
ختاماً،
فإن لفظ (الخير) كغيره من ألفاظ القرآن، لا يُفهم المراد منه تماماً إلا
من خلال معرفة السياق الذي ورد فيه، فعلى الرغم من أنه قد ورد في كثير من
الآيات القرآنية بمعنى (المال)، إلا أنه قد ورد في آيات غير قليلة على غير
هذا المعنى، مما يحتم ضرورة معرفة السياق الذي ورد فيه هذا اللفظ أو ذاك .
ولفظ
(الخير) في الأصل اللغوي يدل على العطف والميل، وعليه قالوا: (الخير) ضد
الشر؛ لأن كل أحد يميل إليه، ويعطف على صاحبه؛ وعليه أيضاً قالوا:
(الاستخارة) وهي الاستعطاف، لأن المستخير يسأل خير الأمرين، ويُقدِم عليه؛
و(الخِيَرة): الاختيار؛ لأن المختار لأمر إنما هو مائل إليه، ومنعطف عليه
دون غيره .
ثم
توسعوا في هذا الأصل اللغوي، فقالوا: رجل خيِّر، أي: فاضل؛ وقوم خيار
وأخيار، أي: من أفاضل الناس. و(الخير) من أسماء المال، والعرب تسمِّى
الخيل: الخير؛ لما فيها من الخير .
ثم إن (الخير) في التعريف الاصطلاحي: ما يرغب فيه كل الناس، كالعقل، والعدل، والفضل، والشيء النافع، وضده: الشر .
و(الخير)
يطلق على نوعين: أحدهما: خير مطلق، وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال، كطلب
الجنة. وثانيهما: خير نسبيٌّ، ويكون مقابلاً للشر، كالمال يكون خيراً
للبعض، ويكون شراً لآخرين .
ولفظ (الخير) في القرآن على وجهين: أحدهما: أن يكون (اسماً)، كقوله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } (آل عمران:104). ثانيهما: أن يكون (وصفاً)، على تقدير صيغة (أفعل)، كقوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم } (البقرة:184)، أي: الصيام للمسافر أفضل من الفطر، ونحو ذلك قوله تعالى: { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } (البقرة:197)، أي: أفضل ما يتزود به قاصد البيت الحرام تقوى الله .
وورد لفظ (الخير) مقابلاً لـ (الشر) مرة، وورد مقابلاً لـ (الضُرِّ) مرة أخرى، فمن أمثلة مقابلته لـ (الشر)، قوله سبحانه: { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } (الزلزلة:7-، ومن أمثلة مقابلته لـ (الضر) قوله تعالى: { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } (الأنعام:17) .
أما من حيث المعنى، فإن لفظ (الخير) في القرآن أطلق على معان، منها:
الأول: المال، كقوله تعالى: { إن ترك خيراً } (البقرة:180)، فـ (الخير) هنا - كما قال القرطبي - المال من غير خلاف. وعلى هذا المعنى جاء أكثر استعمال القرآن للفظ (الخير) .
الثاني: الطعام، كقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } (القصص:24)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سار موسى من
مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافياً، فما وصل إلى
مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه
للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى
شق تمرة .
الثالث: القوة، كقوله سبحانه في حق مشركي العرب: { أهم خير أم قوم تبع } (الدخان:37)، قال البغوي : يعني: أقوى، وأشد، وأكثر من قوم تُبَّع، وقال ابن عاشور : " المراد بالخيرية: التفضيل في القوة والمَنَعَة ". وعلى هذا المعنى قوله تعالى: { أكفاركم خير من أولئكم } (القمر:43) .
الرابع: العبادة والطاعة، كقوله سبحانه: { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } (الأنبياء:73)، قال القرطبي : " أي: أن يفعلوا الطاعات " .
الخامس: حُسْن الحالة، كقوله تعالى حاكياً قصة شعيب عليه السلام مع قومه: { إني أراكم بخير } (هود:48)، قال الطبري :
" يدخل في خير الدنيا: المال، وزينة الحياة الدنيا، ورخص السعر، ولا دلالة
على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات
الدنيا "، وقال ابن عاشور : " الخير: حسن الحالة " .
السادس: التفضيل، من ذلك قوله تعالى: { أولئك هم خير البرية } (البينة:7)، أي: المؤمنون بالله حق الإيمان أفضل الخلق أجمعين .
السابع: القرآن، وذلك في قوله تعالى: { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } (النحل:30)، قال القرطبي : " المراد: القرآن " .
وعلى ضوء هذه المعاني للفظ (الخير)، نسلط الضوء على بعض الآيات التي هي على صلة وثيقة بهذا اللفظ، لننظر ماذا تفيد من معنى .
فقوله تعالى: { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } (الأعراف:188)، المراد بـ (الخير) في هذه الآية الكريمة: المال - على ما رجحه الشنقيطي وغيره - ويدل على ذلك كثرة ورود الخير بمعنى (المال) في القران، كقوله تعالى: { وإنه لحب الخير لشديد } (العاديات:، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، في معنى الآية، قال: { لاستكثرت من الخير }، أي: من المال .
وقوله سبحانه: { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } (فصلت:49)، قال الطبري : " الخير في هذا الموضع: المال وصحة الجسم "، وقال القرطبي : " والخير هنا: المال، والصحة، والسلطان، والعز "، ويقوي هذا المعنى قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية: ( لا يسأم الإنسان من دعاء المال ) .
وقوله تعالى: { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير } (الحج:36)، قال الطبري : { لكم فيها خير }: الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها، وفي الدنيا: الركوب إذا احتاج إلى ركوبها. ونحو هذا قال البغوي .
وقوله سبحانه: { أشحة على الخير }
(الأحزاب:19)، قال بعض المفسرين: الخير هنا: الغنيمة التي يصيبها المسلمون
في المعركة. وقال آخرون: الخير هنا: المال المنفق في سبيل الله. وقال فريق
ثالث: الخير هنا: المودة بالمسلمين، والشفقة عليهم. ويكون معنى الآية
عموماً: أن المنافقين لا يروق لهم أن تكون الغنائم للمسلمين، بل يريدونها
خاصة لهم من دون المؤمنين. وأيضاً، فإن المنافقين يقبضون أيديهم عن الإنفاق
في سبيل الله، حرصاً على ما في أيديهم من المال. وهم فوق هذا وذاك لا
يوادون المسلمين، ولا يشفقون بهم حال اشتداد القتال .
وقريب من هذه الآية قوله تعالى: { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم } (البقرة:105)، فالمراد بـ (الخير) هنا: شرعة الإسلام، قال ابن كثير : "ينبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم" .
وقوله تعالى: { إني أحببت حب الخير } (ص:32)، قال ابن العربي : " يعني: الخيل، وسماها (خيراً)؛ لأنها من جملة المال الذي هو خير بتسمية الشارع له بذلك ". وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: ( إني أحببت حب الخيل ) .
وقوله تعالى: { فيهن خيرات حسان }
(الرحمن:70)، فـ (الخيرات) في الآية: حور العين، وصفن بذلك: إما لأنهن
خيِّرات الأخلاق. وإما لأنهن مختارات، اختارهن الله، فأبدع خلقهن باختياره .
ختاماً،
فإن لفظ (الخير) كغيره من ألفاظ القرآن، لا يُفهم المراد منه تماماً إلا
من خلال معرفة السياق الذي ورد فيه، فعلى الرغم من أنه قد ورد في كثير من
الآيات القرآنية بمعنى (المال)، إلا أنه قد ورد في آيات غير قليلة على غير
هذا المعنى، مما يحتم ضرورة معرفة السياق الذي ورد فيه هذا اللفظ أو ذاك .