تعدد الأقمار والشموس في الكون
قال الله عز وجل في سورة فصلت :﴿ وَمِنْ
آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا
لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾(فصلت: 37) . إذا كان علماء الفلك قد اكتشفوا في هذا الكون
العجيب الصنع مائة ألف ملبون شمس ، وبلايين الأقمار كما
يقول المهندس كحيل ، فهل في قوله تعالى :(
لَا تَسْجُدُوا
لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ
) ما يشير إلى ذلك ؟؟؟
لم
يذكر أحد من المفسرين أن في هذه الآية إشارة إلى تعدد الشموس والأقمار كما يزعم ذلك
المهندس كحيل ؛ لأنه ليس فيها ما يشير إلى ذلك ، لا من بعيد ولا من قريب . وواضح
من الآية أنها تتحدث عن شمس واحدة ، وقمر واحد . وأن
النهي فيها هو نهي عن السجود لشمس واحدة ، والسجود لقمر
واحد ، وليس لشموس وأقمار متعددة . وإذا كان كذلك ، فكيف
قال تعالى :( خَلَقَهُنَّ
) ، وظاهر الآية يوجب أن يقال :(
خلقهما ) ؟ وللمفسرين في الإجابة عن
ذلك ثلاثة أقوال :
القول الأول
: أن الضمير في :﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ يعود على الأربعة المتعاطفة ( الليل والنهار ، والشمس والقمر ) ، وعليه يكون المعنى : واسجدوا لله الذي خلق
الليل والنهار ، والشمس والقمر . فلما أعيد الضمير على هذه الأربعة المتعاطفة ، أتي به جمع مؤنث . ولم يؤت به جمع مذكر ؛ لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى ، أو الإناث . يقال :
الأقلام بريتها ، وبريتهن .
والقول الثاني
: أنه يعود على لفظ
الآيات ﴿ وَمِنْ
آَيَاتِهِ ﴾ . فلما كانت الآيات جمع مؤنث
، أو في معنى الإناث ، جاز أن يقال :﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ .
والقول الثالث
: أن الضمير للشمس والقمر ، وهما اثنان .
والاثنان جمع في مذهب بعضهم ، وجمع ما لا يعقل يؤنث ، وأنه من حيث يقال : شموس
وأقمار ؛ لاختلافهما بالأيام والليالي ، ساغ أن يعود الضمير إليهما جمعًا .
ثالثًا- وجوابنا عن ذلك : أن
ظاهر الآية يقتضي أن الضمير في ﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ للشمس والقمر ؛ لأن الآية الكريمة نهت عن
السجود لهما ، وأمرت بالسجود لله الذي خلقهما ، أو خلقهن ، وكلاهما جائز في اللغة
؛ ولكن الثاني أفصح من الأول . والعرب إنما تسند الفعل إلى ضمير الجمع ، إذا كان ذلك الضمير يعود على مفردين قد عطف أحدهما على
الآخر ، ولم يكن لكل واحد منهما ثانٍ في الوجود . فالشمس لفظ مفرد لا ثاني له في الوجود . والقمر لفظ مفرد لا ثاني له في الوجود
. تقول : خلق الله الشمس والقمر . فإن أتيت بضميرهما
مسندًا إلى الفعل ، قلت : الشمس والقمر خلقهما الله ، وخلقهن الله . والثاني هو
الأفصح والأشهر في لسان العرب ؛ لأنهما مفردين لا ثاني
لهما في الوجود ، فيعاملان معاملة الجمع ؛ لأنهما لا يثنَّيان .
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا ﴾( التحريم: 4) ، وهو خطاب لعائشة وحفصة- رضي الله عنهما- وكان
ظاهر الكلام يقتضي أن يقال :( قلباكما ) ؛ ولكنه أُتيَ به بصيغة الجمع . قال الفراء
:« وإنما اختير الجمع على التثنية ؛ لأن أكثر ما
يكون عليه الجوارح اثنان ، اثنان في الإنسان ؛ كاليدين والرجلين والعينين . فلما
جرى أكثره على ذلك ، ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين
، مذهب الاثنين » . وقال الزجاج
:« وحقيقة هذا الباب : أن ما كان في الشيء
منه واحد ، لم يثنَّ ولُفِظ به على الجمع ؛ لأن الإضافة تبيِّنه . فإذا قلت : أشبعت بطونهما ، علم أن للاثنين بطنين فقط » .
ومن ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة من قوله :
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال
:« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ » . قالا : الجوع يا رسول الله ! قال :« وأنا ، والذي نفسي بيده ، لأخرجني الذي أخرجكما
.. » . فلما قال :« من بيوتكما » ، علم أن لكل واحد منهما بيت واحد ، لا أكثر . وعلى هذا ورد قوله تعالى :﴿ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا
لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ﴾ .
وأما قولهم
: القمران ، للشمس والقمر ، فمن باب تغليب المذكر على المؤنث لشرف التذكير ؛
كما قال تعالى :﴿ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾(القيامة:
9) . أي
: جمع القمران ؛ فإن التثنية أخت العطف ، وكأنه قيل : جمع
القمر والقمر .. وهذا من الأسرار الدقيقة في البيان الأعلى .
وأما التعبير عنهما بضمير من يعقل ﴿ هُنَّ ﴾ فلتغليب الشمس على القمر لأهميتها ؛ ولأن ﴿ هُنَّ ﴾ لفظ مشترك بين من يعقل ، وما لا يعقل من المؤنث
المجموع ، ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾(الزخرف: 9) ، وقوله تعالى :﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي
فَطَرَهُنَّ ﴾(الأنبياء : 56 ) . ومما يدلك على أن ﴿ هُنَّ ﴾ مشترك بين من يعقل ، وما لا يعقل من المؤنث المجموع قوله تعالى :﴿ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ
تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾(التوبة: 36) ، فأتى بضمير من يعقل ﴿ فِيهِنَّ ﴾ ، وهو عائد على الأربعة الحرم ..
ويتضح مما تقدم أن القول بأن في قوله تعالى :( وَاسْجُدُوا
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) إشارة قرآنية رائعة لتعدد الشموس والأقمار قول ظاهر التكلف ، وتحميل
للآية الكريمة ما لا تحتمله . ولو كان هذا القول صحيحًا
، لوجب أن يقال مثله في قوله تعالى لعائشة وحفصة رضي الله عنهما :﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾( التحريم: 4) ، وقوله عليه الصلاة والسلام
لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما :« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ » ، وهذا ما لم يقل به أحد ، وما ينبغي له أن يقول .. والله تعالى أعلم
!
قال الله عز وجل في سورة فصلت :﴿ وَمِنْ
آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا
لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾(فصلت: 37) . إذا كان علماء الفلك قد اكتشفوا في هذا الكون
العجيب الصنع مائة ألف ملبون شمس ، وبلايين الأقمار كما
يقول المهندس كحيل ، فهل في قوله تعالى :(
لَا تَسْجُدُوا
لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ
) ما يشير إلى ذلك ؟؟؟
لم
يذكر أحد من المفسرين أن في هذه الآية إشارة إلى تعدد الشموس والأقمار كما يزعم ذلك
المهندس كحيل ؛ لأنه ليس فيها ما يشير إلى ذلك ، لا من بعيد ولا من قريب . وواضح
من الآية أنها تتحدث عن شمس واحدة ، وقمر واحد . وأن
النهي فيها هو نهي عن السجود لشمس واحدة ، والسجود لقمر
واحد ، وليس لشموس وأقمار متعددة . وإذا كان كذلك ، فكيف
قال تعالى :( خَلَقَهُنَّ
) ، وظاهر الآية يوجب أن يقال :(
خلقهما ) ؟ وللمفسرين في الإجابة عن
ذلك ثلاثة أقوال :
القول الأول
: أن الضمير في :﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ يعود على الأربعة المتعاطفة ( الليل والنهار ، والشمس والقمر ) ، وعليه يكون المعنى : واسجدوا لله الذي خلق
الليل والنهار ، والشمس والقمر . فلما أعيد الضمير على هذه الأربعة المتعاطفة ، أتي به جمع مؤنث . ولم يؤت به جمع مذكر ؛ لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى ، أو الإناث . يقال :
الأقلام بريتها ، وبريتهن .
والقول الثاني
: أنه يعود على لفظ
الآيات ﴿ وَمِنْ
آَيَاتِهِ ﴾ . فلما كانت الآيات جمع مؤنث
، أو في معنى الإناث ، جاز أن يقال :﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ .
والقول الثالث
: أن الضمير للشمس والقمر ، وهما اثنان .
والاثنان جمع في مذهب بعضهم ، وجمع ما لا يعقل يؤنث ، وأنه من حيث يقال : شموس
وأقمار ؛ لاختلافهما بالأيام والليالي ، ساغ أن يعود الضمير إليهما جمعًا .
ثالثًا- وجوابنا عن ذلك : أن
ظاهر الآية يقتضي أن الضمير في ﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ للشمس والقمر ؛ لأن الآية الكريمة نهت عن
السجود لهما ، وأمرت بالسجود لله الذي خلقهما ، أو خلقهن ، وكلاهما جائز في اللغة
؛ ولكن الثاني أفصح من الأول . والعرب إنما تسند الفعل إلى ضمير الجمع ، إذا كان ذلك الضمير يعود على مفردين قد عطف أحدهما على
الآخر ، ولم يكن لكل واحد منهما ثانٍ في الوجود . فالشمس لفظ مفرد لا ثاني له في الوجود . والقمر لفظ مفرد لا ثاني له في الوجود
. تقول : خلق الله الشمس والقمر . فإن أتيت بضميرهما
مسندًا إلى الفعل ، قلت : الشمس والقمر خلقهما الله ، وخلقهن الله . والثاني هو
الأفصح والأشهر في لسان العرب ؛ لأنهما مفردين لا ثاني
لهما في الوجود ، فيعاملان معاملة الجمع ؛ لأنهما لا يثنَّيان .
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا ﴾( التحريم: 4) ، وهو خطاب لعائشة وحفصة- رضي الله عنهما- وكان
ظاهر الكلام يقتضي أن يقال :( قلباكما ) ؛ ولكنه أُتيَ به بصيغة الجمع . قال الفراء
:« وإنما اختير الجمع على التثنية ؛ لأن أكثر ما
يكون عليه الجوارح اثنان ، اثنان في الإنسان ؛ كاليدين والرجلين والعينين . فلما
جرى أكثره على ذلك ، ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين
، مذهب الاثنين » . وقال الزجاج
:« وحقيقة هذا الباب : أن ما كان في الشيء
منه واحد ، لم يثنَّ ولُفِظ به على الجمع ؛ لأن الإضافة تبيِّنه . فإذا قلت : أشبعت بطونهما ، علم أن للاثنين بطنين فقط » .
ومن ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة من قوله :
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال
:« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ » . قالا : الجوع يا رسول الله ! قال :« وأنا ، والذي نفسي بيده ، لأخرجني الذي أخرجكما
.. » . فلما قال :« من بيوتكما » ، علم أن لكل واحد منهما بيت واحد ، لا أكثر . وعلى هذا ورد قوله تعالى :﴿ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا
لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ﴾ .
وأما قولهم
: القمران ، للشمس والقمر ، فمن باب تغليب المذكر على المؤنث لشرف التذكير ؛
كما قال تعالى :﴿ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾(القيامة:
9) . أي
: جمع القمران ؛ فإن التثنية أخت العطف ، وكأنه قيل : جمع
القمر والقمر .. وهذا من الأسرار الدقيقة في البيان الأعلى .
وأما التعبير عنهما بضمير من يعقل ﴿ هُنَّ ﴾ فلتغليب الشمس على القمر لأهميتها ؛ ولأن ﴿ هُنَّ ﴾ لفظ مشترك بين من يعقل ، وما لا يعقل من المؤنث
المجموع ، ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾(الزخرف: 9) ، وقوله تعالى :﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي
فَطَرَهُنَّ ﴾(الأنبياء : 56 ) . ومما يدلك على أن ﴿ هُنَّ ﴾ مشترك بين من يعقل ، وما لا يعقل من المؤنث المجموع قوله تعالى :﴿ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ
تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾(التوبة: 36) ، فأتى بضمير من يعقل ﴿ فِيهِنَّ ﴾ ، وهو عائد على الأربعة الحرم ..
ويتضح مما تقدم أن القول بأن في قوله تعالى :( وَاسْجُدُوا
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) إشارة قرآنية رائعة لتعدد الشموس والأقمار قول ظاهر التكلف ، وتحميل
للآية الكريمة ما لا تحتمله . ولو كان هذا القول صحيحًا
، لوجب أن يقال مثله في قوله تعالى لعائشة وحفصة رضي الله عنهما :﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾( التحريم: 4) ، وقوله عليه الصلاة والسلام
لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما :« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ » ، وهذا ما لم يقل به أحد ، وما ينبغي له أن يقول .. والله تعالى أعلم
!