عن أنس رضي الله عنه قال : كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق ، أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه رواه البخاري .
الشرح
هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي - رحمه الله تعالى - في باب التواضع فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الأكل لعق أصابعه الثلاث ، لعقها : أي لحسها حتى يكون ما بقى من الطعام فيها داخلا في طعامه الذي أكله من قبل وفيه فائدة ذكرها بعض الأطباء أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئا يعين على هضم الطعام . فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان : فائدة شرعية : وهي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وفائدة صحية طبية : وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم . والمؤمن لا يجعل همه فيما يتعلق بالصحة البدنية ، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به ، لأن فيه صحة القلب وكلما كان الإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم أتبع كان إيمانه أقوى . وكذلك قال عليه الصلاة والسلام : إذا سقطت لقمة أحدكم يعني على الأرض أو على السفرة فليمط عنها الأذى وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان فإذا سقطت اللقمة ، أو التمرة ، أو ما أشبه ذلك على السفرة ، فخذها وأزل ما فيها من الأذى إن كان فيها أذى من تراب ، أو عيدان وكلها ، تواضعا لله عز وجل ، وامتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وحرمانا للشيطان من الأكل معك ، لأنك إذا تركتها أكلها الشيطان ، والشيطان ربما يشارك الإنسان في أكله في مثل هذه المسألة ، وفيما إذا أكل ولم يسم ، فإن الشيطان يشاركه في أكله . والثالث : أمره بإسلات الصحن أو القصعة ، وهو الإناء الذي فيه الطعام ، فإذا انتهيت فأسلته ، بمعنى أن تتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقها . فهذا أيضا من السنة التي غفل عنها كثير مع الأسف حتى من طلبة العلم أيضا ، إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقيا فيها ، لا يلعقون الصحفة ، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم بين الرسول عليه الصلاة والسلام الحكمة من ذلك فقال : فإنكم لا تدرون في أي طعام البركة قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته من القصعة . وفي هذا الحديث : حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة منه ، لأن ذكر الحكمة مقرونا بالحكم يفيد فائدتين عظيمتين . الفائدة الأولى : بيان سمو الشريعة ، وأنها شريعة مبنية على المصالح ، فما من شيء أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في وجوده ، وما من شيء نهى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في عدمه . الفائدة الثانية : زيادة اطمئنان النفس ، لأن الإنسان بشر قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم الله به ورسوله لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيمانا وازداد يقينا ، ونشط على فعل المأمور ، أو ترك المحظور . ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم في قصة الأعرابي الذي جاء بقعود له ، ناقة ليست كبيرة ، أو جمل ليس بكبير ، وكانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء وهي غير القصواء التي حج عليها هذه ناقة أخرى ، وكان من هدى الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يسمي دوابه ، وسلاحه ، وما أشبه ذلك . فالعضباء هذه كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أنها لا تسبق أو لا تكاد تسبق ، فجاء هذا الأعرابي بعقوده فسبق العضباء ، فكأن ذلك شق على الصحابة رضي الله عنهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف ما في نفوسهم : حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه فكل ارتفاع يكون في الدنيا فإنه لابد أن يؤول إلى انخفاض ، فإن صحب هذا الارتفاع ارتفاع في النفوس وعلم في النفوس فإن الوضع إليه أسرع ، لأن الوضع يكون عقوبة ، أما إذا لم يصحبه شيء فإنه لابد أن يرجع ويوضع ، كما قال الله تبارك وتعالى : إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ أي ظهر فيه من كل نوع . حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ ذهبت كلها ، كل هذه الزينة ، وكل هذا النبات الذي اختلط من كل صنف كله يزول كأن لم يكن وهكذا الدنيا كلها تزول كأن لم تكن ، حتى الإنسان نفسه يبدو صغيرا ضعيفا ثم يقوى فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم ، ثم إلى الفناء والعدم فما من شيء ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل . وفي قوله عليه الصلاة والسلام : من الدنيا دليل على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله ، فقوله : يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ فهؤلاء لا يعضهم الله عز وجل ما داموا على وصف العلم والإيمان ، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله . بل يرفع لهم الذكر ، ويرفع درجاتهم في الآخرة .
الشرح
هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي - رحمه الله تعالى - في باب التواضع فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الأكل لعق أصابعه الثلاث ، لعقها : أي لحسها حتى يكون ما بقى من الطعام فيها داخلا في طعامه الذي أكله من قبل وفيه فائدة ذكرها بعض الأطباء أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئا يعين على هضم الطعام . فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان : فائدة شرعية : وهي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وفائدة صحية طبية : وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم . والمؤمن لا يجعل همه فيما يتعلق بالصحة البدنية ، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به ، لأن فيه صحة القلب وكلما كان الإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم أتبع كان إيمانه أقوى . وكذلك قال عليه الصلاة والسلام : إذا سقطت لقمة أحدكم يعني على الأرض أو على السفرة فليمط عنها الأذى وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان فإذا سقطت اللقمة ، أو التمرة ، أو ما أشبه ذلك على السفرة ، فخذها وأزل ما فيها من الأذى إن كان فيها أذى من تراب ، أو عيدان وكلها ، تواضعا لله عز وجل ، وامتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وحرمانا للشيطان من الأكل معك ، لأنك إذا تركتها أكلها الشيطان ، والشيطان ربما يشارك الإنسان في أكله في مثل هذه المسألة ، وفيما إذا أكل ولم يسم ، فإن الشيطان يشاركه في أكله . والثالث : أمره بإسلات الصحن أو القصعة ، وهو الإناء الذي فيه الطعام ، فإذا انتهيت فأسلته ، بمعنى أن تتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقها . فهذا أيضا من السنة التي غفل عنها كثير مع الأسف حتى من طلبة العلم أيضا ، إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقيا فيها ، لا يلعقون الصحفة ، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم بين الرسول عليه الصلاة والسلام الحكمة من ذلك فقال : فإنكم لا تدرون في أي طعام البركة قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته من القصعة . وفي هذا الحديث : حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة منه ، لأن ذكر الحكمة مقرونا بالحكم يفيد فائدتين عظيمتين . الفائدة الأولى : بيان سمو الشريعة ، وأنها شريعة مبنية على المصالح ، فما من شيء أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في وجوده ، وما من شيء نهى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في عدمه . الفائدة الثانية : زيادة اطمئنان النفس ، لأن الإنسان بشر قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم الله به ورسوله لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيمانا وازداد يقينا ، ونشط على فعل المأمور ، أو ترك المحظور . ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم في قصة الأعرابي الذي جاء بقعود له ، ناقة ليست كبيرة ، أو جمل ليس بكبير ، وكانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء وهي غير القصواء التي حج عليها هذه ناقة أخرى ، وكان من هدى الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يسمي دوابه ، وسلاحه ، وما أشبه ذلك . فالعضباء هذه كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أنها لا تسبق أو لا تكاد تسبق ، فجاء هذا الأعرابي بعقوده فسبق العضباء ، فكأن ذلك شق على الصحابة رضي الله عنهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف ما في نفوسهم : حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه فكل ارتفاع يكون في الدنيا فإنه لابد أن يؤول إلى انخفاض ، فإن صحب هذا الارتفاع ارتفاع في النفوس وعلم في النفوس فإن الوضع إليه أسرع ، لأن الوضع يكون عقوبة ، أما إذا لم يصحبه شيء فإنه لابد أن يرجع ويوضع ، كما قال الله تبارك وتعالى : إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ أي ظهر فيه من كل نوع . حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ ذهبت كلها ، كل هذه الزينة ، وكل هذا النبات الذي اختلط من كل صنف كله يزول كأن لم يكن وهكذا الدنيا كلها تزول كأن لم تكن ، حتى الإنسان نفسه يبدو صغيرا ضعيفا ثم يقوى فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم ، ثم إلى الفناء والعدم فما من شيء ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل . وفي قوله عليه الصلاة والسلام : من الدنيا دليل على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله ، فقوله : يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ فهؤلاء لا يعضهم الله عز وجل ما داموا على وصف العلم والإيمان ، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله . بل يرفع لهم الذكر ، ويرفع درجاتهم في الآخرة .