حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة
حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة
حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأول من الطائرة
التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية ، كان المقعد المجاور لي من جهة
اليمين ما يزال فارغاً ، بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما
يزال فرغاً ، قلت في نفسي : أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً ، أو أن ييسّر
الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد ، نعم أن
الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح
إليه نفسك ، ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما
تريد!
وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد
الفارغ … فتاةُ في مَيْعة الصِّبا ، لم تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء
ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال
.. كان العطر فوَّاحاً ، بل إن أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى
مصدر الرائحة الزكيَّة ، لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا
كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الرُّكاب ، حينما وجهت نظري إلى
أحدهم … رأيتُه يحاصر المكان بعينيه ، ووجهه يكاد يقول لي : ليتني في مقعدك
؛ كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي
هريرة ( رضي الله عنه ) (( ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه ، ولم يظهر
لونه ، ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه )).
ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف ، لقد تساءلت حينها (( لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ))؟
كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل :
إن المرأة لزوجها ، ليست لغيره من الناس ، وما دامت له فإن طيبَها ورائحة
عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره ، كان هذا الجواب واضحاً ، ولكن ما
رأيته من نظرات ركاب الطائرة
التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاه ، قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي :
يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة
الأولى من الطائرة ، أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟
عندما جاءت ((خادمة الطائرة
)) بالعصير ، أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال ، وقدَّمته إليَّ ،
تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف ، وشربت العصير وأنا ساكتٌ ،ونظرات
ذلك الشخص ما تزال تحاصرني ، وجَّهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره
حياءً - كما أظن - ، ثم اكتفى بعد ذالك باختلاس النظرات إلى الفتاة
المجاورة ، ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه ، كتبت قصاصة صغيرة (( ألم تتعب من
الالتفات ؟ ))، فلم يلتفت بعدها .
عندما غاصتْ الطائرة
في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذالك المنظر
البديع سبحان الله العظيم ، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال
الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع ، قالت
الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة : إي والله سبحان الله العظيم ،
ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذَّة ، ومن
حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة لهذا المنظر …
لم تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة
، كلا..لقد لملمت تلك العباءة الحريرية ، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان
مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة ، لقد بدا وجهها
ملوَّناً بألوان الطيف ، أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّـفته بطريقة خاصة
تعجب الناظرين …
قلت لها :
سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم ، فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز
هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة ..
قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى ..
قلت:
نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون و خالقه ،الذي أودع فيه أسراراً عظيمة ،
وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّـغهم رضى ربهم ،وتنجيهم من عذابه
يوم يقوم الأشهاد.
قالت : إلا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليَّ ، ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة ..
لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها .
وسكتُّ قليلاً كنت أحاور نفسي
حواراً داخلياً مُرْبكاً ، ماذا أفعل ، هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان
حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة ، أم أترك ذلك إلى آخر المطاف ؟
وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها.
وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها
قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها ، أنا أعلم أنها ليست على
المستوى الذي يناسب ذوقك ، ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي …
وقرأت القصاصات بعناية كبيرة ، إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة ..
إنها خواطر حالمة ، هي فتاة
رقيقة المشاعر جداً ، أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح ، لفت نظري أنها
تستشهد بأبيات من شعري ، قلت في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في
أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول ، بعد أن قرأت القصاصات عزمت على تأخير
النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ شامل مع الفتاة ..
قلت لها : عباراتك جميلة منتقاة ، ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي ، لم أفهم منها شيئاً ، فماذا أردتِ أن تقولي …؟
بعد صمتٍ قالت :
لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد ، خاصة عندما يخيَّم
عليَّ الليل ، أقرأ المجلات النسائية المختلفة ، أتأمَّل فيها صور
الفنانات والفنانين ، يعجبني وجه فلانة ، وقامة فلانة ، وفستان علاَّنة ،
بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه ،
فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام ، أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ
بالرغبة في النوم ، بل إني أغفو وأنا في مكاني ، فأترك كل شيء وأتجه إلى
فراشي …، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره ، هناك يرتحل النوم ، فلا أعرف له
مكاناً .
عجباً ، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة ، وتبدأ رحلتي مع الأرق ، وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها …
(( إنها مريضة )) قلتها في نفسي ، نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ القلق الخطير ، إنها بحاجة إلى علاج .
قلت لها :
ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة ، يبدو
أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق …
قالت :
عجباً لك ، أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة ،كل صديقاتي يتحدثن عن
روعة ما أكتب ، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا ، وبعثَ إلىَّ
المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع ، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح ،
ولكنها جميلة .
وهنا سألتها مباشرة :
هل لك هدفٌُ في هذه الحياة ؟!
بدا على وجهها الارتباك ، لم تكن تتوقع السؤال ، وقبل أن تجيب قلت لها :
هل لك عقل تفكرين به ، وهل لديك
استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي
أشرت إليها ، وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين
بالملل .
هل أنتِ مسلمة ؟!..
هنا تغيَّر كل شيء ، أسلوبها في الحديث تغيَّر ، جلستها على المقعد تغيَّرت ، قالت :
هل تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني -
بحمد الله - مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام ، لماذا تسألني هذا
السؤال ، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد ، إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة
….. وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم …
لم أعلق على كلامها بشيء ، بل
إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها ، ورحلت مع مقال في
الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب (( كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات
والأباطيل ، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد
انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار
بيني وبين مجاورتي في المقعد ، ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها
إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها - كما أخبرتني فيما
بعد ، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني :
أتشك في إسلامي ؟!
قلت لها : ما معنى الإسلام ؟! قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال ! قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة
ناضجة تمتم النضج ، تُلوِّن وجهها بالأصباغ ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة ،
وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها ، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان
لها شيئاً ، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان ..فمن قال إنك طفلة … ؟!
قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟
قلت لها : ما الإسلام ؟ … قالت : الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار (( الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، و الخلوص من الشرك )) ، قالت : إي والله ذكرتني ، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !
قلت لها : ما معنى (( الانقياد له بالطاعة )) ؟
سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة ، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟
قلت لها : عجباً لك ، لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟
قالت : أنا ذكية وأفهم ما تعني ، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني ، ولكن بطريقة غير مباشرة ..
قلت لها : ألست مسلمة ؟
قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك ، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى .
قلت لها : أنا متأسف جداً ، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا …
ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي
أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام ، ويقول :
إنه دين الإرهاب ، وإن أهله يدعون إلى الإرهاب ، وقلت في نفسي : سبحان
الله ، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه ، ويقال عنهم أهل
الإرهاب …
وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير ، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً ، وعبارة تحت صورتها تقول : إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك ، ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة ، وفوجئت بها تقول :
ماذا تقرأ ؟ .. ولم أتحدث إليها ، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها …
ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير ، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام … واستمر الصمت …
وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي ، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً :
ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !..
قلت لها :
لا أدري ما معنى القسوة عندكِ ،
أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها ، إ
لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟
قالت : أشعر أنك تحتقرني ..
قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟
قالت : لا أدري .
قلت لها :
ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك ، إنه الشعور بالذنب
والوقوع في الخطأ ،أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية ، أنت تعيشين
التأرجح بين حالتين …
وقاطعتني بحدّة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟!
قلت لها :
أرجو ألاَّ تغضبي ، دعيني أكمل ، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية ، أنتِ
مهزومة من الداخل ، لاشك عندي في ذلك ، وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها .
قالت مذعورة ً : ما هي ؟
قلت :
تقولين إنك مسلمة ، والإسلام قول وعمل ، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من
أهم أسس الإسلام (( الانقياد لله بالطاعة )) ، فهل أنت منقادة لله بالطاعة ؟
وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي ، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ - كما يقولون - وفهمت أنها تريد أن تسمع ، قلت لها :
هذه العباءة ، وهذا الحجاب اللذان حُشرا - مظلومَيْن - في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول ….
قالت بغضب واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل ، المهم الجوهر .
قلت لها:
أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (( الإسلام )) الذي
تؤمنين به ، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر ، إن أحدهما يدلُّ على الآخر ،
وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر ، اضطربت حياة الإنسان …
قالت : هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟
قلت لها :
كلا ، لم أقصد هذا أبداً ، ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق مطلباً
شرعياً ، فإن انسجم باطنها مع ظاهرها ، كانت مسلمة حقّة ، وإن حصل العكس
وقع الاضطراب في شخصيتها ، فكان نزعُ هذا الحجاب - عندما تحين لها الفرصة
هيِّناً ميسوراً ، إن الجوهر هو المهم ، وأذكِّرك الآن بتلك العبارة التي
نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة ، ألم تقل : إن الموت أهون
عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟
لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها
تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها
،وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة
السلام : (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به
)) .
إنَّ لبس العباءة والحجاب - عندك -
لا يتجاوز حدود العادة والتقليد ، ولهذا كان هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك
دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة
عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد ، أما لو كان لبسك
للحجاب منطلقاً من إيمانك بالله ، واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين
مجتمع ومجتمع ، ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة .
الازدواجية في الشخصية - يا عزيزتي - هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟
فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً ، وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال..
قلت:
سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد ، وعدم مراعاة أوامر
الشرع ونواهيه ، إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان ،ولهذا فإن من
أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل ،فإذا انهزم تمكن منه
هوى النفس ، وتلاعب به الشيطان ، وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين …
لم تقل شيئاً ، بل لاذت بصمت عميق ، ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة
… وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت ، وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها ؟
لم أكن - في حقيقة الأمر - أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً ،
ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بما حينما
توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة ، ودعوت لها بالهداية ، ولنفسي بالمغفرة
والثبات على الحق .
وعادت إلى مقعدها .. وكانت المفاجأة ، عادت وعليها عباءَتُها وحجابها … ولا تسل عن فرحتي بما رأيت !
قالت :
إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد ، صدقت - حينما
وصفتني - بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية ، إن الازدواجية التي أشرت إليها
هي السمة الغالبة على كثير من نبات المسلمين وأبنائهم ، يا ويلنا من
غفلتنا ! أنَّ مجتمعاتنا النسائية قد استسلمتْ للأوهام ، لا أكتمك أيها
الأخ الكريم ، أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء
والمجوهرات والعطورات ، والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة ،
لماذا نحن هكذا ؟
هل نحن مسلمون حقاًً ؟
هل أنا مسلمة ؟
كان سؤالك جارحاً ، ولكني أعذرك ، لقد رأيتني على حقيقة أمري ، ركبت الطائرة
بحجابي ، وعندما أقلعت خلعت عني الحجاب ، كنت مقتنعة بما صنعت ، أو هكذا
خُيِّل إليَّ أني مقتنعة ، بينما هذا الذي صنعته يدلُّ حقاً على الانهزامية
والازدواجية ، إني أشكرك بالرغم من أنك قد ضايقتني كثيراً ، ولكنك أرشدتني
، إني أتوب إلى الله وأستغفره .
ولكن أريد أن أستشيرك .
قلت وأنا في روضةٍ من السرور بما أسمع من حديثها : (( نعم … تفضلي إني مصغ ٍ إليك )) .
قالت : زوجي ، أخاف من زوجي .
قلت : لماذا تخافين منه ، وأين زوجك ؟
قالت : سوف يستقبلني في المطار ، وسوف يراني بعباءتي وحجابي ..
قلت لها : وهذا شيء سيسعده …
قالت :
كلا ، لقد كانت آخر وصية له في مكالمته الهاتفية بالأمس : إياك أن تنزلي
إلى المطار بعباءتك لا تحرجيني أمام الناس ، إنه سيغضب بلا شك .
قلت لها :
إذا أرضيت الله فلا عليك أن يغضب زوجُك ، و بإمكانك أن تناقشيه هادئة
فلعلَّه يستجيب ، إني أوصيك أن تعتني به عناية الذي يحب له النجاة والسعادة
في الدنيا والآخرة .
وساد الصمت …. وشردت بذهني في صورة خيالية إلى ذلك الزوج يوصي زوجته بخلع حجابها … أهذا صحيح ؟!
أيوجد رجل مسلم غيور كريم يفعل
هذا ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله ، إن مدنية هذا العصر تختلس أبناء
المسلمين واحداً تلو الآخر ، ونحن عنهم غافلون ، بل ، نحن عن أنفسنا غافلون
.
وصلت الطائرة
إلى ذلك المطار البعيد ، وانتهت مراسم هذه الرحلة الحافلة بالحوار الساخن
بيني وبين جارة المقعد ، ولم أرها حين استقبلها زوجها ، بل إن صورتها
وصوتها قد غاصا بعد ذلك في عالم النسيان ، كما يغوص سواها من آلاف الأشخاص
والمواقف التي تمر بنا كلَّ يوم …
كنت جالساً على مكتبي أقرأ كتاباً
بعنوان (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) لكاتبته المسمَّاة ((منى
غصوب )) وأعجبُ لهذا الخلط ، والسفسطة ، والعبث الفكري واللغوي الذي
يتضمَّنه هذا الكتاب الصغير ، وأصابني - ساعتها - شعور عميق بالحزن والأسى
على واقع هذه الأمة المؤلم ، وفي تلك اللحظة الكالحة جاءني أحدهم برسالة
وتسلَّمتها منه بشغف ، لعلَّي كنت أودُّ - في تلك اللحظة - أن أهرب من
الألم الذي أشعله في قلبي ذلك الكتاب المشؤوم الذي تريد صاحبته أن تجرد
المرأة من أنوثتها تماماً ، وعندما فتحت الرسالة نظرت إلى اسم المرسل ،
فقرأت : (( المرسلة أختك في الله أم محمد الداعية لك بالخير )) .
أم محمد ؟ من تكون هذه ؟!
وقرأت الرسالة ، وكانت المفاجأة بالنسبة إليَّ ، إنها تلك الفتاة التي دار الحوار بيني وبينها في الطائرة ، والتي غاصت قصتها في عالم النسيان !
إن أهم عبارة قرأتها في الرسالة هي قولها : ((
لعلَّك تذكر تلك الفتاة التي جاورتك في مقعد الطائرة
ذات يوم ، إِني أبشِّرك ؛ لقد عرفت طريقي إلى الخير ، وأبشرك أن زوجي قد
تأثر بموقفي فهداه الله ، وتاب من كثير من المعاصي التي كان يقع فيها ،
وأقول لك ، ما أروع الالتزام الواعي القائم على الفهم الصحيح لديننا العظيم
، لقد قرأت قصيدتك )) ضدان يا أختاه (( وفهمت ما تريد )) !
لا أستطيع
أن أصور الآن مدى الفرحة التي حملتني على جناحيها الخافقين حينما قرأت هذه
الرسالة …. ما أعظمها من بشرى ….. حينما ، ألقيت بذلك الكتاب المتهافت الذي
كنت أقرؤه (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) ، ألقيت به وأنا أردد قول
الله تعالى : { يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بَأَفْوَاهِهِمْ
وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ }
ثم
أمسكت بالقلم … وكتَبْتُ رسالةََ ً إلى (( أم محمد )) عبَّرْتُ فيها عن
فرحتي برسالتها ، وبما حملته من البشرى ، وضمَّنتها أبياتاً من القصيدة
التي أشارت إليها في رسالتها ، منها :
ضدان يا أختاه ما اجتمعا *** دين الهدى والفسق والصَّدُّ
والله مـــــا أزرى بأمـــتنا *** إلا ازدواج مــــا لــه حَــدُّ
وعندما هممت بإرسال رسالتي ، تبيَّن لي أنها لم تكتب عنوانها البريديَّ ، فطويتها بين أوراقي لعلّها تصل إليها ذات يوم .
ضدَّان يا أختاه ..
[b]هذي العيونُ ، وذلك القَدُّ *** والشيحُ والريحان والنَّدُّ[/b]
[b]هذي المفاتنُ في تناسُقها *** ذكرى تلوح ، وعِبْرَةٌ تبدو
سبحانَ من أعطَى ، أرى جسداً *** إغراؤه للنفس يحتدُّ
عينانِ مارَنَتا إلى رجل *** إلا رأيتَ قُواه تَنْهَدُّ
من أين أنتِ ، أأنجبتْك رُبا *** خُضرٌ ، فأنتِ الزَّهر والوردُ ؟
من أينَ أنتِ ، فإنَّ بي شغفاً *** وإليك نفسي - لهفةً - تعدو
قالتْ ، وفي أجفانها كَحَلٌ *** يُغْري ، وفي كلماتها جِدُّ :
عربيةٌ ، حرِّيَّتي جعلتْ *** مني فتاةً مالها نِـدُّ
أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ ، بالنفس أعتـدُّ
عربيّةٌ ، فسألتُ : مسلمةٌ *** قالتْ : نعم ، ولخالقي الحمدُ
فسألْتُها ، والنفسُ حائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْدُ :
من أينَ هذا الزِّيُّ ؟ ما عرفَتْ *** أرضُ الحجاز ، ولا رأتْ نجدُ
هذا التبذُّلُ ، يا محدِّثتي *** سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ
فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً *** ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ
قالت : أنا بالنَّفسِ واثقةٌ *** حرِّيتي دون الهوى سَـدُّ
فأجبتُها _ والحزن يعصفُ بي - : *** أخشى بأنْ يتناثر العقدُ
ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا *** دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ
والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ[/b]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب:الدكتور عبدالرحمن ين صالح العشماوي حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة
حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأول من الطائرة
التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية ، كان المقعد المجاور لي من جهة
اليمين ما يزال فارغاً ، بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما
يزال فرغاً ، قلت في نفسي : أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً ، أو أن ييسّر
الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد ، نعم أن
الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح
إليه نفسك ، ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما
تريد!
وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد
الفارغ … فتاةُ في مَيْعة الصِّبا ، لم تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء
ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال
.. كان العطر فوَّاحاً ، بل إن أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى
مصدر الرائحة الزكيَّة ، لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا
كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الرُّكاب ، حينما وجهت نظري إلى
أحدهم … رأيتُه يحاصر المكان بعينيه ، ووجهه يكاد يقول لي : ليتني في مقعدك
؛ كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي
هريرة ( رضي الله عنه ) (( ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه ، ولم يظهر
لونه ، ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه )).
ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف ، لقد تساءلت حينها (( لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ))؟
كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل :
إن المرأة لزوجها ، ليست لغيره من الناس ، وما دامت له فإن طيبَها ورائحة
عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره ، كان هذا الجواب واضحاً ، ولكن ما
رأيته من نظرات ركاب الطائرة
التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاه ، قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي :
يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة
الأولى من الطائرة ، أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟
عندما جاءت ((خادمة الطائرة
)) بالعصير ، أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال ، وقدَّمته إليَّ ،
تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف ، وشربت العصير وأنا ساكتٌ ،ونظرات
ذلك الشخص ما تزال تحاصرني ، وجَّهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره
حياءً - كما أظن - ، ثم اكتفى بعد ذالك باختلاس النظرات إلى الفتاة
المجاورة ، ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه ، كتبت قصاصة صغيرة (( ألم تتعب من
الالتفات ؟ ))، فلم يلتفت بعدها .
عندما غاصتْ الطائرة
في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذالك المنظر
البديع سبحان الله العظيم ، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال
الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع ، قالت
الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة : إي والله سبحان الله العظيم ،
ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذَّة ، ومن
حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة لهذا المنظر …
لم تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة
، كلا..لقد لملمت تلك العباءة الحريرية ، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان
مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة ، لقد بدا وجهها
ملوَّناً بألوان الطيف ، أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّـفته بطريقة خاصة
تعجب الناظرين …
قلت لها :
سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم ، فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز
هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة ..
قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى ..
قلت:
نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون و خالقه ،الذي أودع فيه أسراراً عظيمة ،
وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّـغهم رضى ربهم ،وتنجيهم من عذابه
يوم يقوم الأشهاد.
قالت : إلا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليَّ ، ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة ..
لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها .
وسكتُّ قليلاً كنت أحاور نفسي
حواراً داخلياً مُرْبكاً ، ماذا أفعل ، هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان
حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة ، أم أترك ذلك إلى آخر المطاف ؟
وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها.
وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها
قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها ، أنا أعلم أنها ليست على
المستوى الذي يناسب ذوقك ، ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي …
وقرأت القصاصات بعناية كبيرة ، إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة ..
إنها خواطر حالمة ، هي فتاة
رقيقة المشاعر جداً ، أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح ، لفت نظري أنها
تستشهد بأبيات من شعري ، قلت في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في
أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول ، بعد أن قرأت القصاصات عزمت على تأخير
النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ شامل مع الفتاة ..
قلت لها : عباراتك جميلة منتقاة ، ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي ، لم أفهم منها شيئاً ، فماذا أردتِ أن تقولي …؟
بعد صمتٍ قالت :
لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد ، خاصة عندما يخيَّم
عليَّ الليل ، أقرأ المجلات النسائية المختلفة ، أتأمَّل فيها صور
الفنانات والفنانين ، يعجبني وجه فلانة ، وقامة فلانة ، وفستان علاَّنة ،
بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه ،
فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام ، أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ
بالرغبة في النوم ، بل إني أغفو وأنا في مكاني ، فأترك كل شيء وأتجه إلى
فراشي …، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره ، هناك يرتحل النوم ، فلا أعرف له
مكاناً .
عجباً ، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة ، وتبدأ رحلتي مع الأرق ، وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها …
(( إنها مريضة )) قلتها في نفسي ، نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ القلق الخطير ، إنها بحاجة إلى علاج .
قلت لها :
ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة ، يبدو
أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق …
قالت :
عجباً لك ، أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة ،كل صديقاتي يتحدثن عن
روعة ما أكتب ، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا ، وبعثَ إلىَّ
المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع ، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح ،
ولكنها جميلة .
وهنا سألتها مباشرة :
هل لك هدفٌُ في هذه الحياة ؟!
بدا على وجهها الارتباك ، لم تكن تتوقع السؤال ، وقبل أن تجيب قلت لها :
هل لك عقل تفكرين به ، وهل لديك
استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي
أشرت إليها ، وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين
بالملل .
هل أنتِ مسلمة ؟!..
هنا تغيَّر كل شيء ، أسلوبها في الحديث تغيَّر ، جلستها على المقعد تغيَّرت ، قالت :
هل تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني -
بحمد الله - مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام ، لماذا تسألني هذا
السؤال ، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد ، إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة
….. وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم …
لم أعلق على كلامها بشيء ، بل
إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها ، ورحلت مع مقال في
الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب (( كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات
والأباطيل ، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد
انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار
بيني وبين مجاورتي في المقعد ، ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها
إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها - كما أخبرتني فيما
بعد ، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني :
أتشك في إسلامي ؟!
قلت لها : ما معنى الإسلام ؟! قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال ! قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة
ناضجة تمتم النضج ، تُلوِّن وجهها بالأصباغ ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة ،
وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها ، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان
لها شيئاً ، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان ..فمن قال إنك طفلة … ؟!
قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟
قلت لها : ما الإسلام ؟ … قالت : الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار (( الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، و الخلوص من الشرك )) ، قالت : إي والله ذكرتني ، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !
قلت لها : ما معنى (( الانقياد له بالطاعة )) ؟
سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة ، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟
قلت لها : عجباً لك ، لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟
قالت : أنا ذكية وأفهم ما تعني ، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني ، ولكن بطريقة غير مباشرة ..
قلت لها : ألست مسلمة ؟
قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك ، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى .
قلت لها : أنا متأسف جداً ، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا …
ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي
أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام ، ويقول :
إنه دين الإرهاب ، وإن أهله يدعون إلى الإرهاب ، وقلت في نفسي : سبحان
الله ، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه ، ويقال عنهم أهل
الإرهاب …
وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير ، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً ، وعبارة تحت صورتها تقول : إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك ، ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة ، وفوجئت بها تقول :
ماذا تقرأ ؟ .. ولم أتحدث إليها ، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها …
ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير ، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام … واستمر الصمت …
وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي ، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً :
ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !..
قلت لها :
لا أدري ما معنى القسوة عندكِ ،
أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها ، إ
لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟
قالت : أشعر أنك تحتقرني ..
قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟
قالت : لا أدري .
قلت لها :
ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك ، إنه الشعور بالذنب
والوقوع في الخطأ ،أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية ، أنت تعيشين
التأرجح بين حالتين …
وقاطعتني بحدّة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟!
قلت لها :
أرجو ألاَّ تغضبي ، دعيني أكمل ، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية ، أنتِ
مهزومة من الداخل ، لاشك عندي في ذلك ، وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها .
قالت مذعورة ً : ما هي ؟
قلت :
تقولين إنك مسلمة ، والإسلام قول وعمل ، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من
أهم أسس الإسلام (( الانقياد لله بالطاعة )) ، فهل أنت منقادة لله بالطاعة ؟
وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي ، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ - كما يقولون - وفهمت أنها تريد أن تسمع ، قلت لها :
هذه العباءة ، وهذا الحجاب اللذان حُشرا - مظلومَيْن - في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول ….
قالت بغضب واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل ، المهم الجوهر .
قلت لها:
أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (( الإسلام )) الذي
تؤمنين به ، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر ، إن أحدهما يدلُّ على الآخر ،
وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر ، اضطربت حياة الإنسان …
قالت : هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟
قلت لها :
كلا ، لم أقصد هذا أبداً ، ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق مطلباً
شرعياً ، فإن انسجم باطنها مع ظاهرها ، كانت مسلمة حقّة ، وإن حصل العكس
وقع الاضطراب في شخصيتها ، فكان نزعُ هذا الحجاب - عندما تحين لها الفرصة
هيِّناً ميسوراً ، إن الجوهر هو المهم ، وأذكِّرك الآن بتلك العبارة التي
نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة ، ألم تقل : إن الموت أهون
عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟
لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها
تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها
،وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة
السلام : (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به
)) .
إنَّ لبس العباءة والحجاب - عندك -
لا يتجاوز حدود العادة والتقليد ، ولهذا كان هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك
دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة
عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد ، أما لو كان لبسك
للحجاب منطلقاً من إيمانك بالله ، واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين
مجتمع ومجتمع ، ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة .
الازدواجية في الشخصية - يا عزيزتي - هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟
فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً ، وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال..
قلت:
سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد ، وعدم مراعاة أوامر
الشرع ونواهيه ، إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان ،ولهذا فإن من
أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل ،فإذا انهزم تمكن منه
هوى النفس ، وتلاعب به الشيطان ، وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين …
لم تقل شيئاً ، بل لاذت بصمت عميق ، ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة
… وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت ، وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها ؟
لم أكن - في حقيقة الأمر - أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً ،
ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بما حينما
توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة ، ودعوت لها بالهداية ، ولنفسي بالمغفرة
والثبات على الحق .
وعادت إلى مقعدها .. وكانت المفاجأة ، عادت وعليها عباءَتُها وحجابها … ولا تسل عن فرحتي بما رأيت !
قالت :
إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد ، صدقت - حينما
وصفتني - بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية ، إن الازدواجية التي أشرت إليها
هي السمة الغالبة على كثير من نبات المسلمين وأبنائهم ، يا ويلنا من
غفلتنا ! أنَّ مجتمعاتنا النسائية قد استسلمتْ للأوهام ، لا أكتمك أيها
الأخ الكريم ، أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء
والمجوهرات والعطورات ، والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة ،
لماذا نحن هكذا ؟
هل نحن مسلمون حقاًً ؟
هل أنا مسلمة ؟
كان سؤالك جارحاً ، ولكني أعذرك ، لقد رأيتني على حقيقة أمري ، ركبت الطائرة
بحجابي ، وعندما أقلعت خلعت عني الحجاب ، كنت مقتنعة بما صنعت ، أو هكذا
خُيِّل إليَّ أني مقتنعة ، بينما هذا الذي صنعته يدلُّ حقاً على الانهزامية
والازدواجية ، إني أشكرك بالرغم من أنك قد ضايقتني كثيراً ، ولكنك أرشدتني
، إني أتوب إلى الله وأستغفره .
ولكن أريد أن أستشيرك .
قلت وأنا في روضةٍ من السرور بما أسمع من حديثها : (( نعم … تفضلي إني مصغ ٍ إليك )) .
قالت : زوجي ، أخاف من زوجي .
قلت : لماذا تخافين منه ، وأين زوجك ؟
قالت : سوف يستقبلني في المطار ، وسوف يراني بعباءتي وحجابي ..
قلت لها : وهذا شيء سيسعده …
قالت :
كلا ، لقد كانت آخر وصية له في مكالمته الهاتفية بالأمس : إياك أن تنزلي
إلى المطار بعباءتك لا تحرجيني أمام الناس ، إنه سيغضب بلا شك .
قلت لها :
إذا أرضيت الله فلا عليك أن يغضب زوجُك ، و بإمكانك أن تناقشيه هادئة
فلعلَّه يستجيب ، إني أوصيك أن تعتني به عناية الذي يحب له النجاة والسعادة
في الدنيا والآخرة .
وساد الصمت …. وشردت بذهني في صورة خيالية إلى ذلك الزوج يوصي زوجته بخلع حجابها … أهذا صحيح ؟!
أيوجد رجل مسلم غيور كريم يفعل
هذا ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله ، إن مدنية هذا العصر تختلس أبناء
المسلمين واحداً تلو الآخر ، ونحن عنهم غافلون ، بل ، نحن عن أنفسنا غافلون
.
وصلت الطائرة
إلى ذلك المطار البعيد ، وانتهت مراسم هذه الرحلة الحافلة بالحوار الساخن
بيني وبين جارة المقعد ، ولم أرها حين استقبلها زوجها ، بل إن صورتها
وصوتها قد غاصا بعد ذلك في عالم النسيان ، كما يغوص سواها من آلاف الأشخاص
والمواقف التي تمر بنا كلَّ يوم …
كنت جالساً على مكتبي أقرأ كتاباً
بعنوان (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) لكاتبته المسمَّاة ((منى
غصوب )) وأعجبُ لهذا الخلط ، والسفسطة ، والعبث الفكري واللغوي الذي
يتضمَّنه هذا الكتاب الصغير ، وأصابني - ساعتها - شعور عميق بالحزن والأسى
على واقع هذه الأمة المؤلم ، وفي تلك اللحظة الكالحة جاءني أحدهم برسالة
وتسلَّمتها منه بشغف ، لعلَّي كنت أودُّ - في تلك اللحظة - أن أهرب من
الألم الذي أشعله في قلبي ذلك الكتاب المشؤوم الذي تريد صاحبته أن تجرد
المرأة من أنوثتها تماماً ، وعندما فتحت الرسالة نظرت إلى اسم المرسل ،
فقرأت : (( المرسلة أختك في الله أم محمد الداعية لك بالخير )) .
أم محمد ؟ من تكون هذه ؟!
وقرأت الرسالة ، وكانت المفاجأة بالنسبة إليَّ ، إنها تلك الفتاة التي دار الحوار بيني وبينها في الطائرة ، والتي غاصت قصتها في عالم النسيان !
إن أهم عبارة قرأتها في الرسالة هي قولها : ((
لعلَّك تذكر تلك الفتاة التي جاورتك في مقعد الطائرة
ذات يوم ، إِني أبشِّرك ؛ لقد عرفت طريقي إلى الخير ، وأبشرك أن زوجي قد
تأثر بموقفي فهداه الله ، وتاب من كثير من المعاصي التي كان يقع فيها ،
وأقول لك ، ما أروع الالتزام الواعي القائم على الفهم الصحيح لديننا العظيم
، لقد قرأت قصيدتك )) ضدان يا أختاه (( وفهمت ما تريد )) !
لا أستطيع
أن أصور الآن مدى الفرحة التي حملتني على جناحيها الخافقين حينما قرأت هذه
الرسالة …. ما أعظمها من بشرى ….. حينما ، ألقيت بذلك الكتاب المتهافت الذي
كنت أقرؤه (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) ، ألقيت به وأنا أردد قول
الله تعالى : { يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بَأَفْوَاهِهِمْ
وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ }
ثم
أمسكت بالقلم … وكتَبْتُ رسالةََ ً إلى (( أم محمد )) عبَّرْتُ فيها عن
فرحتي برسالتها ، وبما حملته من البشرى ، وضمَّنتها أبياتاً من القصيدة
التي أشارت إليها في رسالتها ، منها :
ضدان يا أختاه ما اجتمعا *** دين الهدى والفسق والصَّدُّ
والله مـــــا أزرى بأمـــتنا *** إلا ازدواج مــــا لــه حَــدُّ
وعندما هممت بإرسال رسالتي ، تبيَّن لي أنها لم تكتب عنوانها البريديَّ ، فطويتها بين أوراقي لعلّها تصل إليها ذات يوم .
ضدَّان يا أختاه ..
[b]هذي العيونُ ، وذلك القَدُّ *** والشيحُ والريحان والنَّدُّ[/b]
[b]هذي المفاتنُ في تناسُقها *** ذكرى تلوح ، وعِبْرَةٌ تبدو
سبحانَ من أعطَى ، أرى جسداً *** إغراؤه للنفس يحتدُّ
عينانِ مارَنَتا إلى رجل *** إلا رأيتَ قُواه تَنْهَدُّ
من أين أنتِ ، أأنجبتْك رُبا *** خُضرٌ ، فأنتِ الزَّهر والوردُ ؟
من أينَ أنتِ ، فإنَّ بي شغفاً *** وإليك نفسي - لهفةً - تعدو
قالتْ ، وفي أجفانها كَحَلٌ *** يُغْري ، وفي كلماتها جِدُّ :
عربيةٌ ، حرِّيَّتي جعلتْ *** مني فتاةً مالها نِـدُّ
أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ ، بالنفس أعتـدُّ
عربيّةٌ ، فسألتُ : مسلمةٌ *** قالتْ : نعم ، ولخالقي الحمدُ
فسألْتُها ، والنفسُ حائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْدُ :
من أينَ هذا الزِّيُّ ؟ ما عرفَتْ *** أرضُ الحجاز ، ولا رأتْ نجدُ
هذا التبذُّلُ ، يا محدِّثتي *** سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ
فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً *** ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ
قالت : أنا بالنَّفسِ واثقةٌ *** حرِّيتي دون الهوى سَـدُّ
فأجبتُها _ والحزن يعصفُ بي - : *** أخشى بأنْ يتناثر العقدُ
ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا *** دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ
والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ[/b]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول للفائدة
ولكم خالص تحياتي
المصدر: شبكة اللمة العربية
ولكم خالص تحياتي
المصدر: شبكة اللمة العربية