قال : إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت رواه البخاري .
الشرح
هذه الأحاديث ذكرها المؤلف - رحمه الله - في كتاب رياض الصالحين في باب التواضع فمنها حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أوحى إلي أن تواضعوا يعني أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفع عليه ، بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر ، وكان من عادة السلف رحمهم الله ، أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه ومن هو أكبر مثل أبيه ومن هو مثله مثل أخيه ، فينظر إلى ما هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة ، وإلى من هو مثله نظرة مساواة ، فلا يبغي أحد على أحد وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتصف بها ، أي بالتواضع لله عز وجل ولإخوانه من المسلمين . وأما الكافر فقد أمر الله تعالى بمجاهدته والغلظة عليه وإغاظته وإهانته بقدر المستطاع ، لكن من كان له عهد وذمة فإنه يجب على المسلمين أن يفوا له بعهده وذمته ، وألا يقفروا ذمته ، وألا يؤذوه ما دام له عهد . ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما نقصت صدقة من مال يعني أن الصدقات لا تنقص الأموال كما يتوهمه الإنسان ، وكما يعد به الشيطان ، فإن الشيطان كما قال الله عز وجل : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ . الفحشاء : كل ما يستفحش من بخل أو غيره فهو يعد الإنسان الفقر ، إذا أراد الإنسان أن يتصدق قال : لا تتصدق هذا ينقص مالك ، هذا يجعلك فقيرا ، لا تتصدق ، أمسك ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن الصدقة لا تنقص المال ، فإن قال قائل : كيف لا تنقص المال ، والإنسان إذا كان عنده مائة فتصدق بعشرة صار عنده تسعون ، فيقال : هذا نقص كم ، ولكنها تزيد في الكيف ، ثم يفتح الله للإنسان أبوابا من الرزق ترد عليه ما أنفق ، كما قال الله تعالى : وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي يجعل بدله خلفا . فلا تظن أنك إذا تصدقت بعشرة من مائة فصارت تسعين أن ذلك ينقص المال ، بل يزيده ، بركة ونماء ، وترزق من حيث لا تحتسب . وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا يعني أن الإنسان إذا عفا عمن ظلمه فقد تقول له نفسه : إن هذا ذل وخضوع وخذلان فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله ما يزيد أحدا إلا عزا فيعزه الله ويرفع من شأنه ، وفي هذا حث على العفو ولكن العفو مقيد بما إذا كان إصلاحا لقول الله تعالى : فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ أما إذا لم يكن إصلاحا بل كان إفسادا فإنه لا يؤمر به مثال ذلك اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر ، فهل نقول للآخر الذي اعتدى عليه : اعف عن هذا الشرير ؟ لا نقول : اعف عنه لأنه شرير إذا عفوت عنه تعدى على غيرك من الغد ، أو عليك أنت أيضا فمثل هذا نقول : الحزم والأفضل أن تأخذه بجريرته ، يعني أن تأخذ حقك منه ، وألا تعفو عنه ، لأن العفو عن أهل الشر والفساد ليس بإصلاح بل لا يزيدهم إلا فسادا وشرا . فأما إذا كان في العفو خير وإحسان وربما يخجل الذي عفوت عنه ولا يتعدى عليك ولا على غيرك فهذا خير . وما تواضع أحد لله إلا رفعه هذا الشاهد من الحديث : ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله والتواضع لله له معنيان : المعنى الأول : أن تتواضع لدين الله ، فلا تترفع عن الدين ولا تستكبر عنه وعن أداء أحكامه . والثاني : أن تتواضع لعباد الله من أجل الله ، لا خوفا منهم ، ولا رجاء لما عندهم ولكن لله عز وجل . والمعنيان صحيحان فمن تواضع لله ، رفعه الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة وهذا أمر مشاهد أن الإنسان المتواضع يكون محل رفعة عند الناس وذكر حسن ، ويحبه الناس ، وانظر إلى تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق ، حيث كانت الأمة من إماء المدينة تأتي إليه ، وتأخذ بيده ، وتذهب به حيث شاءت ليعينها في حاجتها ، هذا وهو أشرف الخلق ، أمة من الإماء تأتي وتأخذ بيده تذهب به حيث شاءت ليقضي حاجتها ، ولا يقول أين تذهبين بي ، أو يقول : اذهبي إلى غيري ، بل كان يذهب معها ويقضي حاجتها ، لكن مع هذا ما زاده الله عز وجل بذلك إلا عزا ورفعة صلوات الله وسلامه عليه .
الشرح
هذه الأحاديث ذكرها المؤلف - رحمه الله - في كتاب رياض الصالحين في باب التواضع فمنها حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أوحى إلي أن تواضعوا يعني أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفع عليه ، بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر ، وكان من عادة السلف رحمهم الله ، أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه ومن هو أكبر مثل أبيه ومن هو مثله مثل أخيه ، فينظر إلى ما هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة ، وإلى من هو مثله نظرة مساواة ، فلا يبغي أحد على أحد وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتصف بها ، أي بالتواضع لله عز وجل ولإخوانه من المسلمين . وأما الكافر فقد أمر الله تعالى بمجاهدته والغلظة عليه وإغاظته وإهانته بقدر المستطاع ، لكن من كان له عهد وذمة فإنه يجب على المسلمين أن يفوا له بعهده وذمته ، وألا يقفروا ذمته ، وألا يؤذوه ما دام له عهد . ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما نقصت صدقة من مال يعني أن الصدقات لا تنقص الأموال كما يتوهمه الإنسان ، وكما يعد به الشيطان ، فإن الشيطان كما قال الله عز وجل : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ . الفحشاء : كل ما يستفحش من بخل أو غيره فهو يعد الإنسان الفقر ، إذا أراد الإنسان أن يتصدق قال : لا تتصدق هذا ينقص مالك ، هذا يجعلك فقيرا ، لا تتصدق ، أمسك ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن الصدقة لا تنقص المال ، فإن قال قائل : كيف لا تنقص المال ، والإنسان إذا كان عنده مائة فتصدق بعشرة صار عنده تسعون ، فيقال : هذا نقص كم ، ولكنها تزيد في الكيف ، ثم يفتح الله للإنسان أبوابا من الرزق ترد عليه ما أنفق ، كما قال الله تعالى : وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي يجعل بدله خلفا . فلا تظن أنك إذا تصدقت بعشرة من مائة فصارت تسعين أن ذلك ينقص المال ، بل يزيده ، بركة ونماء ، وترزق من حيث لا تحتسب . وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا يعني أن الإنسان إذا عفا عمن ظلمه فقد تقول له نفسه : إن هذا ذل وخضوع وخذلان فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله ما يزيد أحدا إلا عزا فيعزه الله ويرفع من شأنه ، وفي هذا حث على العفو ولكن العفو مقيد بما إذا كان إصلاحا لقول الله تعالى : فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ أما إذا لم يكن إصلاحا بل كان إفسادا فإنه لا يؤمر به مثال ذلك اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر ، فهل نقول للآخر الذي اعتدى عليه : اعف عن هذا الشرير ؟ لا نقول : اعف عنه لأنه شرير إذا عفوت عنه تعدى على غيرك من الغد ، أو عليك أنت أيضا فمثل هذا نقول : الحزم والأفضل أن تأخذه بجريرته ، يعني أن تأخذ حقك منه ، وألا تعفو عنه ، لأن العفو عن أهل الشر والفساد ليس بإصلاح بل لا يزيدهم إلا فسادا وشرا . فأما إذا كان في العفو خير وإحسان وربما يخجل الذي عفوت عنه ولا يتعدى عليك ولا على غيرك فهذا خير . وما تواضع أحد لله إلا رفعه هذا الشاهد من الحديث : ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله والتواضع لله له معنيان : المعنى الأول : أن تتواضع لدين الله ، فلا تترفع عن الدين ولا تستكبر عنه وعن أداء أحكامه . والثاني : أن تتواضع لعباد الله من أجل الله ، لا خوفا منهم ، ولا رجاء لما عندهم ولكن لله عز وجل . والمعنيان صحيحان فمن تواضع لله ، رفعه الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة وهذا أمر مشاهد أن الإنسان المتواضع يكون محل رفعة عند الناس وذكر حسن ، ويحبه الناس ، وانظر إلى تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق ، حيث كانت الأمة من إماء المدينة تأتي إليه ، وتأخذ بيده ، وتذهب به حيث شاءت ليعينها في حاجتها ، هذا وهو أشرف الخلق ، أمة من الإماء تأتي وتأخذ بيده تذهب به حيث شاءت ليقضي حاجتها ، ولا يقول أين تذهبين بي ، أو يقول : اذهبي إلى غيري ، بل كان يذهب معها ويقضي حاجتها ، لكن مع هذا ما زاده الله عز وجل بذلك إلا عزا ورفعة صلوات الله وسلامه عليه .