وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحانه الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها رواه مسلم .
الشرح
سبق لنا الكلام على الآيات التي ساقها المؤلف رحمه الله في الصبر وثوابه والحث عليه ثم شرع رحمه الله في بيان الأحاديث الواردة في ذلك . فذكر حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال سبحان الله والحمد لله الحديث إلى قوله والصبر ضياء فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الصبر ضياء يعني أنه يضيء للإنسان . يضيء له عندما تحتلك الظلمات وتشتد الكربات فإذا صبر فإن هذا الصبر يكون له ضياء يهديه إلى الحق ولهذا ذكر الله عز وجل أنه من جملة الأشياء التي يستعان بها فهو ضياء للإنسان في قلبه وضياء له في طريقه ومنهاجه وعمله لأنه كلما سار إلى الله عز وجل على طريق الصبر فإن الله تعالى يزيده هدى وضياء في قلبه ويبصره . أما بقية الحديث فقال عليه الصلاة والسلام الطهور شطر الإيمان الطهور : يعني بذلك طهارة الإنسان . شطر الإيمان نصف الإيمان وذلك لأن الإيمان تخلية وتحلية . يعني تبرؤا من الشرك والفسوق تبرؤا من المشركين والفساق بحسب ما معهم من الفسق فهو تخل . وهذا هو الطهور أن يتطهر الإنسان طهارة حسية ومعنوية من كل ما فيه أذى فلهذا جعله الرسول عليه الصلاة والسلام شطر الإيمان . قوله والحمد لله تملأ الميزان ذكر ابن علان ما مختصره أي هذه الجملة بخصوصها لأنها أفضل صيغ الحمد ولذا بدئ بها الكتاب العزيز . والحمد لله هو الثناء على الله بالجميل الاختياري والإذعان له والرضا بقضائه والميزان المراد منه حقيقته أي ما توزن به الأعمال إما بأن تجسم الأعمال أو توزن صحائفها فتطيش بالسيئة وتثقل بالحسنة . وهذه الكلمة كان لها هذا الثوب العظيم بحيث تملأ كفة الميزان مع سعتها لأن معاني الباقيات الصالحات في ضمنها لأن الثناء تارة يكون بإثبات الكمال وتارة بنفي النقص وتارة بالاعتراف # بالعجز وتارة بالتفرد بأعلى المراتب والألف واللام في الحمد لاستغراق جنس المدح والحمد مما علمناه وجهلناه وإنما يستحق الإلهية من اتصف بذلك ، فاندرج الجميع تحت الحمد لله . وقوله وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو قال تملأ - ما بين السماوات والأرض شك من الراوي والمعنى لا يختلف أي سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والأرض وذلك لأن هاتين الكلمتين مشتملتان على تنزيه الله من كل نقص في قوله سبحان الله وعلى وصف الله بكل كمال في قوله والحمد لله فقد جمعت هاتان الكلمتان بين التخلية والتحلية كما يقولون . فالتسبيح تنزيه الله عما لا يليق به في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه . فالله منزه عن كل عيب في أسماءه وصفاته وأفعاله وأحكامه لا تجد في أسمائه اسما يشتمل على نقص أو على عيب ولهذا قال تعالى ولله الأسماء الحسنى ولا تجد في صفاته صفة تشتمل على عيب أو نقص ولهذا قال الله ولله المثل الأعلى بعد قوله للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى فالله عز وجل له الوصف الأكمل الأعلى من جميع الوجوه وله الكمال المنزه عن كل عيب في أفعاله كما قال الله وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين فليس في خلق الله لعب ولهو وإنما هو خلق مبني على الحكمة . كذلك أحكامه لا تجد فيها عيبا ولا نقصا كما قال الله أليس الله بأحكم الحاكمين وقال عز وجل : أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون والله عز وجل يحمد على كل حال وكان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أصابه ما يسر به قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أصابه سوى ذلك قال الحمد لله على كل حال ثم إن ها هنا كلمة شاعت أخيراً عند كثير من الناس وهي قولهم الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه هذا حمد ناقص لأن قولك على مكروه سواه تعبير يدل على قلة الصبر أو على الأقل على عدم كمال الصبر وأنك كاره لهذا الشيء ولا ينبغي للإنسان أن يعبر هذا التعبير بل ينبغي له أن يعبر بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعبر به فيقول الحمد لله على كل حال أو يقول الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه . أما التعبير الأول فإنه تعبير واضح على مضادة ما أصابه من الله عز وجل وأنه كاره له وأنا لا أقول إن الإنسان لا يكره مما أصابه من البلاء بطبيعة الإنسان أن يكره ذلك لكن لا تعلن هذا بلسانك في مقام الثناء على الله بل عبر كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم والصلاة نور فالصلاة نور للعبد في قلبه وفي وجهه وفي قبره وفي حشره ولهذا تجد أكثر الناس نوراً في الوجوه أكثرهم صلاة وأخشعهم فيها لله عز وجل وكذلك تكون نورا للإنسان في قلبه تفتح عليه باب المعرفة لله عز وجل وباب المعرفة في أحكام الله وأفعاله وأسمائه وصفاته وهي نور في قبر الإنسان لأن الصلاة عمود الإسلام إذا قام العمود قام البناء وإذا لم يقم العمود فلا بناء . كذلك نور في حشره يوم القيامة كما أخبر بذلك الرسول أن من حافظ عليها كانت له نورا وبرهاناً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف فهي نور للإنسان في جميع أحواله وهذا يقتضي أن يحافظ الإنسان عليها وأن يحرص عليها وأن يكثر منها حتى يكثر نوره وعلمه وإيمانه . وأما الصبر فقال إنه ضياء أي فيه نور لكن نور مع حرارة كما قال الله تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً فالضوء لابد فيه من حرارة وهكذا الصبر لابد فيه من حرارة وتعب لأن فيه مشقة كبيرة ولهذا كان أجره بغير حساب . فالفرق بين النور في الصلاة والضياء في الصبر أن الضياء في الصبر مصحوب بحرارة لما في ذلك من التعب القلبي والبدني في بعض الأحيان . وقوله الصدقة برهان الصدقة بذل لمال تقربا لله عز وجل للأهل والفقراء والمصالح العامة مثل بناء المساجد وغيرها هذا برهان . برهان على إيمان العبد وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس والنفوس شحيحة به فإذا بذله الإنسان لله فإن الإنسان لا يبذل ما يحب إلا لما هو أحب إليه منه . ولهذا تجد أكثر الناس إيماناً بالله عز وجل وبالإخلاف تجدهم أكثرهم # صدقة ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن حجة لك أو عليك لأن القرآن هو حبل الله المتين وهو حجة الله على خلقه فإما أن يكون لك وذلك فيما إذا توصلت به إلى الله وقمت بواجب هذا القرآن العظيم من التصديق بالأخبار وامتثال الأوامر واجتناب النواهي وتعظيم هذا القرآن الكريم واحترامه ففي هذه الحال يكون حجة لك أما إن كان الأمر بالعكس أهنت القرآن وهجرته لفظاً ومعنى وعملاً ولم تقم بواجبه فإنه يكن عليك شاهداً يوم القيامة ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مرتبة بين هاتين المرتبتين . يعني لم يذكر أن القرآن لا لك ولا عليك لأنه لا بد أن يكون إما لك وإما عليك على كل حال فنسأل الله أن يجعله لنا ولكم حجة نهتدي به في الدنيا والآخرة إنه جواد كريم قوله كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها أي كل الناس يبدأ يومه من الغدوة بالعمل وهذا شيء مشاهد فإن الله تعالى جعل الليل سكنا وقال وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه فهذا النوم الذي يكون في الليل هو وفاة صغرى تهدأ فيه الأعصاب ويستريح فيه البدن ويستجد نشاطه للعمل المقبل ويستريح من العمل الماضي . فإذا كان الصباح وهو الغدوة سار الناس واتجهوا كل لعمله فمنهم من يتجه إلى الخير وهم المسلمون ومنهم من يتجه إلى الشر وهم الكفار والعياذ بالله . المسلم أول ما يغدو يتوضأ ويتطهر والطهور شطر الإيمان كما في هذا الحديث ثم يذهب فيصلي فيبدأ يومه بعبادة الله عز وجل بل يفتتحه بالتوحيد لأنه يشرع للإنسان إذا استيقظ من نومه أن يذكر الله عز وجل وأن يقرأ عشر آيات من سورة آل عمران وهي قوله إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب إلى آخر السورة هذا المسلم هذا الذي يغدو في الحقيقة بائع نفسه لكن هل باعها بيعاً يعتقها فيه ؟ نعم المسلم باعها بيعاً يعتقها فيه ولهذا قال فبائع نفسه فمعتقها هذا قسم أو موبقها أي بائع نفسه فموبقها . الكافر يغدو إلى العمل الذي فيه الهلاك لأن معنى أوبقها أي أهلكها وذلك أن الكافر يبدأ يومه بمعصية الله حتى لو بدأ بالأكل والشرب فإن أكله وشربه يعاقب عليه يوم القيامة كل لقمة يرفعها الكافر إلى فمه فإنه يعاقب عليها وكل وشربة يبتلعها من الماء فإنه يعاقب عليها وكل لباس يلبسه فإنه يعاقب عليه . والدليل على هذا قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا للذين آمنوا لا غيرهم خالصة يوم القيامة يعني ليس عليهم من شوائبها يوم القيامة فمفهوم الآية الكريمة أنها لغير المؤمنين حرام وأنها ليست خالصة لهم يوم القيامة وأنهم سيعاقبون عليها . وقال الله في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل والآية التي سقتها الآن في سورة الأعراف وهي مكية . قال في المائدة ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا فمفهوم الآية الكريمة أن على غير المؤمنين جناح فيما طعموه . فالكافر من حين ما يصبح والعياذ بالله وهو بائع نفسه فيما يهلكها أما المؤمن فبائع نفسه فيما يعتقها وينجيها من النار نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم . في آخر هذا الحديث بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الناس ينقسمون إلى قسمين قسم يكون القرآن حجة لهم كما قال والقرآن حجة لك . وقسم يكون القرآن حجة عليهم كما قال أو عليك وقسم يعتقون أنفسهم بأعمالهم الصالحة . وقسم يهلكونها بأعمالهم السيئة والله الموفق
الشرح
سبق لنا الكلام على الآيات التي ساقها المؤلف رحمه الله في الصبر وثوابه والحث عليه ثم شرع رحمه الله في بيان الأحاديث الواردة في ذلك . فذكر حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال سبحان الله والحمد لله الحديث إلى قوله والصبر ضياء فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الصبر ضياء يعني أنه يضيء للإنسان . يضيء له عندما تحتلك الظلمات وتشتد الكربات فإذا صبر فإن هذا الصبر يكون له ضياء يهديه إلى الحق ولهذا ذكر الله عز وجل أنه من جملة الأشياء التي يستعان بها فهو ضياء للإنسان في قلبه وضياء له في طريقه ومنهاجه وعمله لأنه كلما سار إلى الله عز وجل على طريق الصبر فإن الله تعالى يزيده هدى وضياء في قلبه ويبصره . أما بقية الحديث فقال عليه الصلاة والسلام الطهور شطر الإيمان الطهور : يعني بذلك طهارة الإنسان . شطر الإيمان نصف الإيمان وذلك لأن الإيمان تخلية وتحلية . يعني تبرؤا من الشرك والفسوق تبرؤا من المشركين والفساق بحسب ما معهم من الفسق فهو تخل . وهذا هو الطهور أن يتطهر الإنسان طهارة حسية ومعنوية من كل ما فيه أذى فلهذا جعله الرسول عليه الصلاة والسلام شطر الإيمان . قوله والحمد لله تملأ الميزان ذكر ابن علان ما مختصره أي هذه الجملة بخصوصها لأنها أفضل صيغ الحمد ولذا بدئ بها الكتاب العزيز . والحمد لله هو الثناء على الله بالجميل الاختياري والإذعان له والرضا بقضائه والميزان المراد منه حقيقته أي ما توزن به الأعمال إما بأن تجسم الأعمال أو توزن صحائفها فتطيش بالسيئة وتثقل بالحسنة . وهذه الكلمة كان لها هذا الثوب العظيم بحيث تملأ كفة الميزان مع سعتها لأن معاني الباقيات الصالحات في ضمنها لأن الثناء تارة يكون بإثبات الكمال وتارة بنفي النقص وتارة بالاعتراف # بالعجز وتارة بالتفرد بأعلى المراتب والألف واللام في الحمد لاستغراق جنس المدح والحمد مما علمناه وجهلناه وإنما يستحق الإلهية من اتصف بذلك ، فاندرج الجميع تحت الحمد لله . وقوله وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو قال تملأ - ما بين السماوات والأرض شك من الراوي والمعنى لا يختلف أي سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والأرض وذلك لأن هاتين الكلمتين مشتملتان على تنزيه الله من كل نقص في قوله سبحان الله وعلى وصف الله بكل كمال في قوله والحمد لله فقد جمعت هاتان الكلمتان بين التخلية والتحلية كما يقولون . فالتسبيح تنزيه الله عما لا يليق به في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه . فالله منزه عن كل عيب في أسماءه وصفاته وأفعاله وأحكامه لا تجد في أسمائه اسما يشتمل على نقص أو على عيب ولهذا قال تعالى ولله الأسماء الحسنى ولا تجد في صفاته صفة تشتمل على عيب أو نقص ولهذا قال الله ولله المثل الأعلى بعد قوله للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى فالله عز وجل له الوصف الأكمل الأعلى من جميع الوجوه وله الكمال المنزه عن كل عيب في أفعاله كما قال الله وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين فليس في خلق الله لعب ولهو وإنما هو خلق مبني على الحكمة . كذلك أحكامه لا تجد فيها عيبا ولا نقصا كما قال الله أليس الله بأحكم الحاكمين وقال عز وجل : أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون والله عز وجل يحمد على كل حال وكان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أصابه ما يسر به قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أصابه سوى ذلك قال الحمد لله على كل حال ثم إن ها هنا كلمة شاعت أخيراً عند كثير من الناس وهي قولهم الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه هذا حمد ناقص لأن قولك على مكروه سواه تعبير يدل على قلة الصبر أو على الأقل على عدم كمال الصبر وأنك كاره لهذا الشيء ولا ينبغي للإنسان أن يعبر هذا التعبير بل ينبغي له أن يعبر بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعبر به فيقول الحمد لله على كل حال أو يقول الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه . أما التعبير الأول فإنه تعبير واضح على مضادة ما أصابه من الله عز وجل وأنه كاره له وأنا لا أقول إن الإنسان لا يكره مما أصابه من البلاء بطبيعة الإنسان أن يكره ذلك لكن لا تعلن هذا بلسانك في مقام الثناء على الله بل عبر كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم والصلاة نور فالصلاة نور للعبد في قلبه وفي وجهه وفي قبره وفي حشره ولهذا تجد أكثر الناس نوراً في الوجوه أكثرهم صلاة وأخشعهم فيها لله عز وجل وكذلك تكون نورا للإنسان في قلبه تفتح عليه باب المعرفة لله عز وجل وباب المعرفة في أحكام الله وأفعاله وأسمائه وصفاته وهي نور في قبر الإنسان لأن الصلاة عمود الإسلام إذا قام العمود قام البناء وإذا لم يقم العمود فلا بناء . كذلك نور في حشره يوم القيامة كما أخبر بذلك الرسول أن من حافظ عليها كانت له نورا وبرهاناً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف فهي نور للإنسان في جميع أحواله وهذا يقتضي أن يحافظ الإنسان عليها وأن يحرص عليها وأن يكثر منها حتى يكثر نوره وعلمه وإيمانه . وأما الصبر فقال إنه ضياء أي فيه نور لكن نور مع حرارة كما قال الله تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً فالضوء لابد فيه من حرارة وهكذا الصبر لابد فيه من حرارة وتعب لأن فيه مشقة كبيرة ولهذا كان أجره بغير حساب . فالفرق بين النور في الصلاة والضياء في الصبر أن الضياء في الصبر مصحوب بحرارة لما في ذلك من التعب القلبي والبدني في بعض الأحيان . وقوله الصدقة برهان الصدقة بذل لمال تقربا لله عز وجل للأهل والفقراء والمصالح العامة مثل بناء المساجد وغيرها هذا برهان . برهان على إيمان العبد وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس والنفوس شحيحة به فإذا بذله الإنسان لله فإن الإنسان لا يبذل ما يحب إلا لما هو أحب إليه منه . ولهذا تجد أكثر الناس إيماناً بالله عز وجل وبالإخلاف تجدهم أكثرهم # صدقة ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن حجة لك أو عليك لأن القرآن هو حبل الله المتين وهو حجة الله على خلقه فإما أن يكون لك وذلك فيما إذا توصلت به إلى الله وقمت بواجب هذا القرآن العظيم من التصديق بالأخبار وامتثال الأوامر واجتناب النواهي وتعظيم هذا القرآن الكريم واحترامه ففي هذه الحال يكون حجة لك أما إن كان الأمر بالعكس أهنت القرآن وهجرته لفظاً ومعنى وعملاً ولم تقم بواجبه فإنه يكن عليك شاهداً يوم القيامة ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مرتبة بين هاتين المرتبتين . يعني لم يذكر أن القرآن لا لك ولا عليك لأنه لا بد أن يكون إما لك وإما عليك على كل حال فنسأل الله أن يجعله لنا ولكم حجة نهتدي به في الدنيا والآخرة إنه جواد كريم قوله كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها أي كل الناس يبدأ يومه من الغدوة بالعمل وهذا شيء مشاهد فإن الله تعالى جعل الليل سكنا وقال وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه فهذا النوم الذي يكون في الليل هو وفاة صغرى تهدأ فيه الأعصاب ويستريح فيه البدن ويستجد نشاطه للعمل المقبل ويستريح من العمل الماضي . فإذا كان الصباح وهو الغدوة سار الناس واتجهوا كل لعمله فمنهم من يتجه إلى الخير وهم المسلمون ومنهم من يتجه إلى الشر وهم الكفار والعياذ بالله . المسلم أول ما يغدو يتوضأ ويتطهر والطهور شطر الإيمان كما في هذا الحديث ثم يذهب فيصلي فيبدأ يومه بعبادة الله عز وجل بل يفتتحه بالتوحيد لأنه يشرع للإنسان إذا استيقظ من نومه أن يذكر الله عز وجل وأن يقرأ عشر آيات من سورة آل عمران وهي قوله إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب إلى آخر السورة هذا المسلم هذا الذي يغدو في الحقيقة بائع نفسه لكن هل باعها بيعاً يعتقها فيه ؟ نعم المسلم باعها بيعاً يعتقها فيه ولهذا قال فبائع نفسه فمعتقها هذا قسم أو موبقها أي بائع نفسه فموبقها . الكافر يغدو إلى العمل الذي فيه الهلاك لأن معنى أوبقها أي أهلكها وذلك أن الكافر يبدأ يومه بمعصية الله حتى لو بدأ بالأكل والشرب فإن أكله وشربه يعاقب عليه يوم القيامة كل لقمة يرفعها الكافر إلى فمه فإنه يعاقب عليها وكل وشربة يبتلعها من الماء فإنه يعاقب عليها وكل لباس يلبسه فإنه يعاقب عليه . والدليل على هذا قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا للذين آمنوا لا غيرهم خالصة يوم القيامة يعني ليس عليهم من شوائبها يوم القيامة فمفهوم الآية الكريمة أنها لغير المؤمنين حرام وأنها ليست خالصة لهم يوم القيامة وأنهم سيعاقبون عليها . وقال الله في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل والآية التي سقتها الآن في سورة الأعراف وهي مكية . قال في المائدة ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا فمفهوم الآية الكريمة أن على غير المؤمنين جناح فيما طعموه . فالكافر من حين ما يصبح والعياذ بالله وهو بائع نفسه فيما يهلكها أما المؤمن فبائع نفسه فيما يعتقها وينجيها من النار نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم . في آخر هذا الحديث بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الناس ينقسمون إلى قسمين قسم يكون القرآن حجة لهم كما قال والقرآن حجة لك . وقسم يكون القرآن حجة عليهم كما قال أو عليك وقسم يعتقون أنفسهم بأعمالهم الصالحة . وقسم يهلكونها بأعمالهم السيئة والله الموفق