أخبر
النبي - صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة بظهور رجل في آخر الزمان من
آل بيته يوافق اسمه اسم النبي - صلى الله عليه وسلم- واسم أبيه اسم أبيه ،
يتولى إمرة المسلمين ، يملك سبع سنين ، ويصلي عيسى بن مريم عليه السلام
خلفه ، ويؤيد الله به الدين ، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ،
ويكتب الله على يديه خيراً كثيراً ، وتنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط
، فتخرج الأرض نباتها وتمطر السماء قطرها ويعطى المال بغير عدد .
وهذه الأحاديث رواها الأئمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد ، وأفردها بعضهم بالتأليف كأبي نعيم ، و السيوطي ، و ابن كثير ، و الشوكاني وغيرهم ، وعدها بعضهم من المتواتر تواتراً معنوياً ، ومن هذه الأحاديث :
بعض الأحاديث الواردة في شأن المهدي
- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي ) رواه الترمذي و أبو داود ، وفي رواية لأبي داود ( يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ) .
- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين ) رواه أبو داود وغيره .
- حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( المهدي من عترتي من ولد فاطمة ) . رواه أبوداود .
- حديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ) رواه أحمد و ابن ماجه .
- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : (
يخرج في آخر أمتي المهدي ، يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطى
المال صحاحاً ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة ، يعيش سبعاً أو ثمانياً
(يعني حججا) أخرجه الحاكم ووافقه الذهبي .
- حديث جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ( ينزل عيسى بن مريم ، فيقول أميرهم المهدي : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة ) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بإسناد جيد كما قال ابن القيم في المنار المنيف .
[size=12]وقد
ردَّ بعض المعاصرين هذه الأحاديث ، وشككوا في نسبتها إلى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم- ، واعتبرها البعض خرافة لا تتفق والعقل الصحيح ، متعللين
ببعض الشبه التي سنناقش أهمها في هذه السطور .[/size]
[size=12] عدم إخراج صاحبي الصحيح أحاديث المهدي [/size]
[size=12]فمن
الشبه التي أثيرت حول أحاديث المهدي أن صاحبي الصحيح لم يعتدا بهذه
الروايات ، ولذلك لم يذكرا شيئاً منها في كتابيهما ، مع أنهما في المقابل
أخرجا حديث القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه ، والذي أخبر النبي - صلى الله
عليه وسلم - أن الساعة لا تقوم حتى يخرج ، مما يدل على ضعف هذه الأحاديث
عندهما ، ولو كان شيء منها صحيحاً لذكروه كما ذكروا غيره .[/size]
[size=12]والجواب
أن عدم إيراد الشيخين شيئاً من الأحاديث المتعلقة بالمهدي لا يدل على
ضعفها ، لأنه كما هو معلوم أن السنة لم تدون كلها في الصحيحين فقط ، بل ورد
في غيرهما أحاديث كثيرة صحيحة في السنن والمسانيد والمعاجم وغيرها من
دواوين الحديث .[/size]
[size=12]ولم
يقل أحد - حتى صاحبا الصحيح أنفسهما - أنهما قصدا اسـتيعاب الصحيح كله في
كتابيهما ، حتى يحكم بأن كل ما لم يخرجاه ضعيف عندهما ، بل جاء عنهما
التصريح بخلاف ذلك - كما نقل عنهما الأئمة - .[/size]
[size=12]قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله في كتابه " علوم الحديث " : "لم يستوعبا - يعني البخاري و مسلم - الصحيح في صحيحيهما ، ولا التزما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال : " ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح ، وتركت من الصحيح لحال الطول " ، وروينا عن مسلم أنه قال : " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا - يعنى في كتاب الصحيح - إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه " أهـ .[/size]
[size=12]وقال النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم (1/24)
- بعد أن ذكر إلزام جماعة لهما إخراج أحاديث على شرطهما ولم يخرجاها في
كتابيهما- : " وهذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة فإنهما لم يلتزما استيعاب
الصحيح ، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جُمَل
من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جُمَل من مسائله لا أنه يحصر جميع
مسائله " أهـ .[/size]
[size=12]ولذلك نجد أنهما قد يصححان أحاديث ليست في كتابيهما كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده بل في السنن وغيرها .[/size]
[size=12]ومن
المعلوم أيضاً أن المقبول عند المحدثين أعم من الصحيح فهو يشمل الصحيح
لذاته ، والصحيح لغيره ، والحسن لذاته ، والحسن لغيره ، والصحيح موجود في
الصحيحين وفي غيرهما ، أما الحسن فمظانه في غير الصحيح .[/size]
[size=12]والعلماء رحمهم الله قسموا الصحيح بحسب القوة إلى مراتب سبع : [/size]
1. صحيح اتفق الشيخان على إخراجه .
2. [size=12]صحيح انفرد بإخراجه البخاري عن مسلم . [/size]
3. صحيح انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري .
4. صحيح على شرطهما معاً ولم يخرجاه .
5. صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه .
6. صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه .
7. [size=12]صحيح لم يخرجاه وليس على شرطهما معاً ، ولا على شرط واحد منهما .[/size]
[size=12]وليس في الصحيحين من هذه المراتب إلا الثلاث الأولى ، أما الأربع الباقية فلا وجود لها إلا خارج الصحيحين .[/size]
ولم
يزل دأب العلماء في جميع العصور الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة بل والحسنة
الموجودة خارج الصحيحين ، والعمل بها مطلقاً ، واعتبار ما دلت عليه ، من
غير حط من شأنها أو تقليل من قيمتها ، سواء أكان ذلك في أمور الاعتقاد أو
في أمور الأحكام.
[size=12]على
أننا نقول إن أحاديث الصحيح وإن لم يرد فيها التصريح بذكر المهدي على جهة
التفصيل ، إلا أنه قد وردت أحاديث في الصحيح تدل إجمالاً على ظهور رجل صالح
يؤم المسلمين عند نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، يصلي عيسى ابن
مريم خلفه .[/size]
ومن ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري رحمه الله في باب نزول عيسى بن مريم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ) ، [size=12]والحديث أخرجه مسلم عن جابر رضي اللّه عنه أنه سمع النبي - صلى اللّه عليه وسلم - يقول: (
لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل
عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول لا
إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ) .[/size]
وجاء
ما يفسر هذه الأحاديث في السنن والمسانيد وغيرها ، ويبين اسم هذا الأمير-
الذي يصلى عيسى عليه الصلاة والسلام خلفه - وصفته وأنه هو المهدي ، والسنة
يفسر بعضها بعضاً .
ومنها حديث جابر الذي رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم- : ( ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي : تعال صل بنا ، فيقول : لا إن بعضهم أمير بعض ، تكرمة الله لهذه الأمة ) قال ابن القيم في كتابه " المنار المنيف " : وهذا إسناد جيد ، وصححه الألباني في السلسلة ، مما يدل على أن أصل هذه الأحاديث موجود في الصحيح .
[size=12] تعارض الأحاديث واختلافها [/size]
[size=12]ومن
الشبه المثارة أن الروايات الواردة في شأن المهدي فيها من التعارض
والتناقض والاختلاف ، ووقوع الإشكالات في معانيها ، ما يتعذر معه الجمع
بينها ، ويجعلنا نجزم أنها ليست من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - .[/size]
[size=12]ومن
ذلك الروايات التي تفيد بأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ،
وهي تدل على خلو الأرض تماماً قبل زمنه من أهل الحق والخير ، وانتهاء الشر
والفساد بظهوره . [/size]
[size=12]مما
يعارض الأحاديث الثابتة التي تفيد بقاء طائفة من الأمة في كل زمان على
الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه ، ويعارض كذلك وجود
الشر والصراع بين الحق والباطل في زمنه .[/size]
[size=12]أضف إلى ذلك أنه قد ورد ما يعارض ظهور أي مهدي غير عيسى عليه السلام وذلك في حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) .[/size]
[size=12]والجواب
أن التعارض إنما نشأ عن الروايات غير الصحيحة ، ودعاوى المهدية التي
ادعتها طوائف عبر التاريخ فحاولت كل طائفة أن تؤيد دعواها بهذه الأحاديث
الباطلة ، والمثبتون لأحاديث المهدي من أهل السنة لم يقولوا بأن كل ما ورد
في شأنه هو من قبيل الصحيح المحتج به ، بل إنهم متفقون على أن فيها الصحيح
وفيها الحسن وفيها الضعيف ، وفيها الموضوع أيضاً ، فما كان منها موضوعاً
أو ضعيفاً فلا حجة فيه ولا يلتفت إليه ولا يعارض به غيره .[/size]
[size=12]وأما
ما صح منها فهو مؤتلف غير مختلف ، ومتفق غير مفترق ، وهو يتعلق بشخص واحد
يأتي في آخر الزمان قبيل خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ، وهو محمد بن عبد اللّه الموصوف بالمهدي .[/size]
وأما
ما دلت عليه أحاديث المهدي من امتلاء الأرض ظلماً وجوراً قبل خروجه ،
وامتلائها عدلاً في زمانه ، فليس فيها أي دلالة على خلو الأرض تماماً من
أهل الحق ، واضمحلال الخير وتلاشيه قبل ظهوره ، وإنما المقصود منها كثرة
الشر وظهور الغلبة لأهله ، ولا يعني ذلك بالضرورة عدم وجود طائفة على الحق
قائمة بأمر الله .
كما
لا يعني انتشار العدل في زمن المهدي ألا يكون للشر والباطل أي وجود ، لأن
المقصود كثرة الخير ، وقوة أهل الإسلام ، وحصول الغلبة والعاقبة هم ،
وقهرهم لعدوهم ، وهذا لا ينفي وجود أشرار مغمورين في ذلك الزمان .
وسنة
اللّه في خلقه أن يستمر الصراع بين الحق والباطل ، وأن يقوى في بعض
الأزمان جانب الخير على جانب الشر ، وفي أزمان أخرى يقوى جانب الشر على
جانب الخير ، ولا تخلو الأرض من الأخيار إلا قبيل الساعة حين تقوم على شرار
الخلق ، ولا يبقى فيها من يقول الله الله .
وأحاديث
المهدي نفسها تدل على أن الحق مستمر لا ينقطع فكيف يعارض بها غيرها ! فإن
من الأحاديث التي أصلها في الصحيحين ووردت مفسرة في غيرهما – كما سبق –
الحديث الذي رواه مسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي
يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم
فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة
اللّه هذه الامة ) .
وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره : (
لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدنيا إلا إدباراً ، ولا الناس إلا شحاً
ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم ) .
[size=12]فهو حديث ضعيف جداً لأن مداره على محمد بن خالد الجندي ، قال فيه الذهبي ( ميزان الاعتدال 3/535) : " قال الأزدي : منكر الحديث ، وقال أبو عبد الله الحاكم : مجهول ، قلت – القائل الذهبي – : حديثه ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) وهو خبر منكر ، أخرجه ابن ماجه " أهـ . [/size]
[size=12]وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (منهاج السنة النبوية 4/211) : " وهذه الأحاديث - يعني أحاديث المهدي - غلط فيها طوائف ، فطائفة أنكرتها واحتجوا بحديث ابن ماجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) ، وهذا الحديث ضعيف ، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه ، وليس مما يعتمد عليه ، ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشافعي و الشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد ابن خالد الجندي وهو ممن لا يحتج به ، وليس هذا في مسند الشافعي ، وقد قيل إن الشافعي لم يسمعه ، وأن يونس لم يسمعه من الشافعي " أهـ .[/size]
[size=12]وعلى فرض ثبوته فإنه لا يعارض الأحاديث الثابتة في المهدي ، لأنه يمكن الجمع بينها بأن المراد هو أنه لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى عليه السلام ، وذلك لا ينفي إثبات خروج مهدي غير معصوم كما قال بذلك بعض أهل العلم كالقرطبي و ابن القيم و ابن كثير وغيرهم ، وبهذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض .[/size]
[size=12] تضعيف ابن خلدون لأحاديث المهدي [/size]
[size=12]ومن الشبه التي تعلق بها المنكرون لأحاديث المهدي ما اشتهر عن ابن خلدون
من تضعيفه لهذه الأحاديث حيث قال في المقدمة (1/322) - بعد أن استعرض
كثيراً من أحاديث المهدي وطعن في كثير من أسانيدها- : " فهذه جملة الأحاديث
التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان . وهي كما رأيت لم
يخلص منها من النقد إلا القليل أو الأقل منه " .[/size]
ولو رجعنا لكلام ابن خلدون
لوجدنا أنه صدَّر الفصل الذي عقده عن المهدي في مقدمته بقوله : " اعلم أن
في المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الأعصار أنه لابد في آخر
الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ، ويظهر العدل ، ويتبعه
المسلمون ، ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج
الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره ، وأن عيسى
ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي
في صلاته ، ويحتجون في هذا الشأن بأحاديث خرّجها الائمة ، وتكلم فيها
المنكرون لذلك ، وربما عارضوها ببعض الاخبار ....إلخ .
[size=12]وهي
شهادة منه على أن اعتقاد خروج المهدي في آخر الزمان هو المشهور بين الكافة
من أهل الاسلام على ممر الاعصار ، فهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ ؟ مع
أن الأمر يتعلق بأمر غيبي لا مجال للاجتهاد فيه ، ولا يسوغ لأحد إثباته
إلاّ بدليل من كتاب اللّه أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم – ، هذا أمر .[/size]
[size=12]الأمر الثاني كيف يسوغ لنا أن نعتمد على كلام ابن خلدون في التصحيح والتضعيف مع أنه ليس من فرسان هذا الميدان ، ونطرح كلام أئمة الحديث قبل ابن خلدون
وبعده الذين تكلموا على أحاديث المهدي ونقدوها وبينوا صحيحها من سقيمها ،
واحتجوا بكثير منها ، بل حكى بعضهم تواترها تواتراً معنوياً .[/size]
[size=12]ومنهم على سبيل المثال : الحافظ أبو جعفر العقيلي تـ322هـ فقد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن نفيل النهدي : " قلت ذكره العقيلي في كتابه وقال : لا يتابع على حديثه في المهدي ، ولا يعرف إلا به ، ثم قال : وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه " أهـ .[/size]
[size=12]والإمام ابن حبان تـ354 هـ ، قال الحافظ في الفتح (13/21) عند كلامه على حديث ( لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) : " واسـتدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا " .[/size]
[size=12]والإمام البيهقي تـ 438 هـ فقد قال في كتاب " البعث والنشور" بعد كلامه على تضعيف حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) : " والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا " .[/size]
[size=12]والحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري صاحب كتاب " مناقب الشافعي " تـ363، نقل عنه الإمام ابن القيم في (المنار المنيف 1/142) ، والحافظ ابن حجر
في " تهذيب التهذيب " ، و" فتح الباري " قوله : " وقد تواترت الأخبار
واستفاضت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بذكر المهدي وأنه من أهل بيته
، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، وأن عيسى عليه السلام يخرج
فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه " .[/size]
[size=12]وممن صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي الإمام الترمذي في جامعه ، و الحاكم في مستدركه ووافقه الإمام الذهبي في تصحيح جملة منها ، ومنهم القرطبي صاحب التفسير فقال في كتابه " التذكرة " - بعد ذكر حديث : ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم )
وبيان ضعفه - : " والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التنصيص
على خروج المهدى من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها
دونه" .[/size]
[size=12]ومنهم الإمام ابن تيمية رحمه الله فقد صحـح بعض الأحاديث الواردة في المهدي في كتابه " منهاج السنة " والإمام ابن القيم في كتابه " المنار المنيف " والإمام ابن كثير في تفسيره وفي كتابه " النهاية في الفتن والملاحم " وغيرهم كثير .[/size]
[size=12]بل حكى بعضهم تواتر هذه الأحاديث تواتراً معنوياً كما سبق عن الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري ، والإمام السخاوي حين مثل في كتابه " فتح المغيث " للأحاديث المتواترة اعتبر أحاديث المهدي من هذا القبيل ، و للشوكاني
- رحمه الله - رسالة أسماها " التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر
والدجال والمسيح " ومما جاء فيها قوله : " فالأحاديث الواردة في المهدي
التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف
المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو
دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة
المصرحة بالمهدي ، فهي كثيرة جداً ، لها حكم الرفع ; إذ لا مجال للاجتهاد
في مثل ذلك " .[/size]
[size=12]وقال الشيخ الكتاني في
كتابه : " نظم المتناثر في الحديث المتواتر " : " والحاصل أن الأحاديث
الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول
سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام " .[/size]
[size=12]فهل نطرح كلام كل هؤلاء ونقبل كلام ابن خلدون على عواهنه .[/size]
الأمر الثالث أن ابن خلدون
لم يقل إن أحاديث المهدي كلها ضعيفة فضلا عن القول بأنها موضوعة ، فعبارته
تدل على أن هناك عدداً قليلاً من هذه الروايات قد سلم من النقد ، ونحن
نقول لو سلَّمْنا بكلام ابن خلدون فهذا القدر القليل كاف في الاحتجاج بهذه الأحاديث واعتقاد موجبها.
[size=12]وقد رد الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على ابن خلدون في تعليقه على المسند فقال : " أما ابن خلدون فقد
قفا ما ليس له به علم ، واقتحم قحما لم يكن من رجالها.. " ، وقال : "إنه
تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتا عجيبا ، وغلط أغلاطا
واضحة.." ، وقال : "إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين الجرح مقدم على التعديل.. ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال.." أهـ .[/size]
[size=12] ليست من عقائد أهل السنة [/size]
[size=12]ومن
الشبه التي يرددها المنكرون أن فكرة المهدية ليست في أصلها من عقائد أهل
السنة وإنما هي دخيلة علينا من عقائد الفرق الأخرى ، التي تؤمن بظهور إمام
غائب منتظر يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .[/size]
[size=12]ونحن
نقول إن الأحاديث ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في خروج
المهدي في آخر الزمان ، وقد رواها أئمة أهل السنة في كتبهم المعتمدة
بأسانيد تنتهي إلى رسول الله - صلى اللّه عليه وسلم- من طريق صحابته الكرام
رضي اللّه عنهم ، والثقات من الرواة ، واعتمد أهل الحديث في تصحيحها على
قواعد دقيقة في الحكم على الرجال والأسانيد ، حتى لم يبق صاحب بدعة أو كذب
إلا وكشفوا أمره .[/size]
[size=12]فما
صح من هذه الأحاديث الواردة لا علاقة له بعقيدة أي فرقة أو طائفة ، لأنه
لم ينقل من طريقهم ، وإذا كان هناك روايات موضوعة في المهدي تعصباً ، فإن
ذلك لا يجعلنا نترك ما صح من الروايات فيه .[/size]
[size=12]فإذا
عينت طائفة شخصاً وزعمت أنه هو المهدي دون أن تؤيد زعمه بما ثبت من أحاديث
صحيحة ، فإن ذلك لا يؤدي إلى إنكار المهدي على ما جاء في أحاديث أخرى ،
فالحكم العدل هو الكتاب والسنة الصحيحة ، وأما عقائد الفرق الأخرى فلا يجوز
أن تكون عمدة يرد بها ما ثبت من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .[/size]
وقد
نص أهل العلم الذي صنفوا في عقائد أهل السنة أنه متى ما صح النقل عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم- سواء كان في أمور ماضية أو مستقبلة ، وجب
التصديق به واعتقاد موجبه ، وهو مقتضى الشهادة بأن محمدا رسوله الله ، ومن
أولئك الإمام ابن قدامة المقدسي في كتابه "
لمعة الاعتقاد " حيث قال : "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله - صلى
الله عليه وسلم- وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا ، نعلم أنه حق
وصدق ، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ، ولم نطلع على حقيقة معناه ، مثل
حديث الإسراء والمعراج ، ومن ذلك أشراط الساعة ، مثل خروج الدجال ، ونزول
عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج الدابة ،
وطلوع الشمس من مغربها ، وأشباه ذلك مما صح به النقل " أهـ . فكلام ابن
قدامة هذا يدخل فيه التصديق بخروج المهدي لأنه مما صح به النقل .
[size=12]وقال السفارينى
رحمه الله في عقيدته المسماة " لوامع الأنوار البهية " بعد أن ذكر طائفة
من الأحاديث والآثار : " وقد روي عمن ذكر من الصحابة ، وغير من ذكر منهم
رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين ومن بعدهم ما يفيد مجموعه العلم
القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون
في عقائد أهل السنة والجماعة " ا.هـ . وقال في موضع آخر : " وقد كثرت
الأقوال في المهدي ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي
... " .[/size]
[size=12]وذكر ذلك الشيخ الحسن بن علي البربهاري الحنبلي المتوفى سنة 329 هـ في عقيدته ، المثبتة ضمن ترجمته في كتاب " طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى الحنبلي .[/size]
[size=12]ثم
إن هناك فرقاً كبيراً بين عقيدة أهل السنة وعقيدة الفرق الأخرى في هذا
الباب ، فالمهدي عند أهل السنة لا يعدو كونه إماما من أئمة المسلمين ، يخرج
في آخر الزمان خروجاً طبيعياً ، يولد كما يولد غيره ، ويعيش كما يعيش غيره
، وهو غير معصوم ، فقد يقع منه الخطأ ، ويحتاج إلى إصلاحٍ مثل غيره من
الناس ، ثم يكتب الله على يديه خيراً كثيراً وبرًّا وصلاحاً للأمة ، وينشر
العدل ، ويطبق شريعة الإسلام ، ويجمع الله به شمل المسلمين .[/size]
[size=12]وأما
عند غيرهم فهو محمد بن الحسن العسكري الذي ولد في منتصف القرن الثالث
تقريباً ، ودخل سرداباً في سامراء وعمره تسع سنين ، وهم ينتظرون خروجه ،
وهو الإمام الثاني عشر من أئمتهم الذين يعتقدون فيهم العصمة ، فعقيدة أهل
السنة مغايرة تماماً لعقيدة غيرهم في هذا الباب .[/size]
[size=12] أكبر مثارات الفساد والفتن عبر التاريخ [/size]
[size=12]ومما
أثير حول أحاديث المهدي أن دعوى المهدية كانت سبباً في إثارة الكثير من
الفتن والمفاسد عبر التاريخ ، كما أن هذه الأحاديث قد أسهمت بشكل أو بآخر
في تخدير المسلمين وهروبهم من واقعهم إلى التعلق بالأوهام والخيالات
وانتظار المخلص الذي يظهر فجأة ليخلصهم من الظلم والطغيان ، وينشر العدل في
العالمين .[/size]
[size=12]والجواب
أنه قد سبق أن خروج المهدي في آخر الزمان هو أمرٌ غيبي يتوقف التصديق به
على ثبوت النص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وقد ثبتت بذلك النصوص ،
وحكم بثبوتها العلماء المحققون ، والجهابذة النقاد من أهل الحديث .[/size]
[size=12]ووجود
مدعين للمهدية عبر التاريخ حصل بسببهم العديد من الفتن والفساد ، لا يؤثر
في التصديق بمن عناه الرسول - صلى اللّه عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة
وهو المهدي الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه .[/size]
[size=12]والواجب قبول الحق ورد الباطل لا أن يُرَد الحق ، ويُكَذَّب بالنصوص الثابتة من أجل أن هذه الدعوى تدثر بها بعض الجهلة والمبطلين .[/size]
[size=12]والمتتبع
لنصوص القرآن والسنة يجدها تأمر بالاجتهاد في العمل والأخذ بالأسباب في
أمور الدنيا والآخرة ، وقيمة العمل من أعظم القيم التي جاء الإسلام
لتقريرها وترسيخها في النفوس ، حتى مع يقين الإنسان بانتهاء الدنيا وقيام
الساعة كما هو واضح من قوله - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه
الإمام أحمد عن أنس : ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل ) .[/size]
[size=12]وفي بعض الروايات :( إذا سمعت بالدجال وأنت على ودية تغرسها فلا تعجل أن تصلحها ، فإن للناس بعد ذلك عيشا ) .[/size]
[size=12]ولا
يوجد نص في القرآن والسنة يدل على أننا متعبدون بانتظار المهدي أو ترقبه ،
أو توقف شيء من شعائر الإسلام على خروجه ، غاية ما في هذه الأحاديث أن
النبي - صلى الله عليه وسلم- بشَّر برجل من أهل بيته ، ووصفه بعدد من
الصفات من أهمها أنه يحكم بالإسلام ، وينشر العدل بين الناس وليس أكثر من
ذلك ، فليس في هذه الأحاديث أبداً ما يعفينا من تبعة التكاليف الشرعية
والصبر والجهاد ، والعلم والعمل ، والسعي في الإصلاح والتغيير ، وعلى هذا
درج الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وتتابع عليه أئمة العلم على تعاقب
العصور ، ومر الدهور ، ولم يفهم أحد منهم هذا الفهم السلبي ، فإذا فهم
البعض هذه الأحاديث فهماً خاطئاً يدعو إلى القعود والكسل وترك العمل ،
فلماذا نحمل هذه النصوص مسؤولية هذا الفهم المنحرف ؟! .[/size]
[size=12]ثم إن أحاديث نزول عيسى نفسها قد يفهم منها البعض ما يدعوه إلى القعود والكسل، فهل نقول ببطلانها لأجل هذه الفئة أو تلك !![/size]
[size=12]فالخلاصة
أنه من المجازفة أن يقال إن كل هذه الأحاديث التي رواها الأئمة ، وصنف
فيها المصنفون ، وحكى تواترها جماعة ، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة ،
لا أساس لها من الصحة ، أو أنها خرافة لا يقبلها العقل الصحيح ، وهل العقل
إلا تابع للشرع في قضايا الغيب والاعتقاد ؟! وما قيمة الإيمان بالغيب إذا
كنا كلما جاءنا نص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عرضناه على عقولنا
؟!. ، ورحم الله الإمام الزهري إذ يقول : " من الله الرسالة ، ومن الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم " .[/size]