توبة قبوري باكستاني وتوبة فتاة في رياض القرآن
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن أعظم مكائد الشيطان التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله فتنته؛ ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم واتخذتْ أوثاناً، وبُنيت عليها الهياكل والأنصاب...) إلى أن قال: (فلو رأيتَ غلاة المتخذين لها عيداً؛ وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد، فوضعوا لها الجباه، وقبّلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعتْ أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج، فاستغاثوا بمن لا يُبدي ولا يُعيد، ونادوا.. ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنه قد أحرزوا من الأجر فوق أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر رُكّعاً سُجّداً يبتغون فضلاً من الميت ورضواناً، وقد ملئوا أكفّهم خيبة وخسراناً، فلغير الله بل للشيطان ما يُراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويُطلب من الميت الحاجات، ويُسأل من تفريج الكُربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيهاً له بالبيت الحرام، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يُفعل به وفدُ بيت الله الحرام؟ ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تغفر مثل بين يديه في السجود، ثم قرّبوا لذلك الوثن القرابين، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين..).
إلى أن قال رحمه الله: (هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم؛ إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، وهذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح...)
أخي القارئ: بعد هذه المقدمة الرائعة والتي لا أجد مزيداً عليها؛ أتركك الآن مع صاحب القصة ليحدثنا عن رحلته، يقول:
نشأت في مجتمع قبوري وبيئة قبورية قي قرية من قرى باكستان كانت تسمى (مدينة الأولياء) لكثرة ما فيها من الأضرحة والقبور... منذ نعومة أظفاري كنت أرى والدي ووالدتي وإخوتي الكبار وسائر أقربائي، بل سائر مَنْ في قريتنا يذهبون إلى ما يسمى بالولي أو السيد، حتى بلغتْ بهم السفاهة إلى أن يذهبوا إلى غرفة خالية، فيها سرير ليس عليه أحد، ويزعمون أنه ضريح الولي الحي الذي لا يموت، وينسون قول الله عز وجل: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير).
كنت أشاركهم في شركهم وطقوسهم وخرافاتهم، حتى أصبحت تلك الخرافات عقيدة راسخة في قلبي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه..) الحديث.
فلو مِتُّ على هذه العقيدة لكنتُ من أهل النار: (إنه من يُشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنةَ ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
ظللتُ على هذه العقيدة الشركية حتى بعد أن أصبحتُ زوجاً وأباً، فكنتُ أربّي أولادي على هذه العقيدة.. أحملهم إلى ضريح الولي المزعوم فأحلق شعر أحدهم هناك تقرباً وتبركاً(!!!)، وأحمل معي الهدايا والقربات والذبائح والنذور، وأرش الماء على القبر...
ولئن كان غيري متعلماً، فقد كنتُ أمياً جاهلاً، حتى يسّر الله لي القدوم إلى هذه البلاد (مكة) مهبط الوحي ومنبع الرسالة، فلم أجد فيها ما كنتُ معتاداً عليه من الأضرحة والقبور ومظاهر الشرك، ومع ذلك لم أفكر في تغيير عقيدتي الباطلة، كنتُ متعلقاً بتلك الأضرحة وإن كانت بعيدة عني، وليس أعجب من ذلك أنني لم أكن أصلي الصلوات المفروضة، بل حتى الجمعة لا أحضرها، وأدخن بشراهة، وأرتكبُ كثيراً من المحرمات..! فليس بعد الكفر ذنباً.
ويشاء الله عزّ وجلّ أن ألتقيَ بأحد الدعاة الباكستانيين مَن الذين درسوا في هذه البلاد، وبعد محاورات لم تدم طويلاً استطاع أن ينتشلني من أوحال الشرك وغَوره السحيق، إلى رياض التوحيد في علو سامق، حيث استنشقت عبير الإيمان الصحيح، وهاأنذا اليوم أنظر إلى أهلي وقومي من هذا العلو، أمد لهم يدي، أحاول انتشالهم من مستنقعات الشرك الآسنة: (ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق).
توبة فتاة في رياض القرآن
تقول صاحبة القصة :
أنا طالبة فى المرحلة الثانوية ، كنت مغرمة بمشاهدة التلفزيون .. كنت لا أفارقه لحظة .. لا أترك مسلسلاً ولا برنامج أطفال ولا أغنية ولا تمثيلية إلا وأشاهدها ، فإذا ما جاء برنامج ثقافي أو ديني فسرعان ما أغلق الجهاز ، فتسألني أختي : لم فعلت ذلك ؟! فأجيبها محتجة بكثرة الواجبات المدرسية و المنزلية ، فتقول لى : الآن تذكرت الواجبات !! أين كنت عند مشاهدتك تلك المسلسلات والأغاني والبرامج التافهة ؟! فلا أرد عليها ..
أختي هذه كانت بعكسي تماماً .. منذ أن علمتها أمي الصلاة لم تتركها إلا لعذر ، أما أنا فلا أحافظ عليها ، بل لا أكاد أصليها إلا في الأسبوع مرة أو مرتين ..
لقد كانت أختي تتجنب التلفاز بقدر الإمكان ، وقد أحاطت نفسها بصديقات صالحات يساعدنها على فعل الخير ، وقد بلغ من صلاحها أن خالتى لما أسقطت طفلها و هي في المستشفى و كانت فى غيبوبة ، رأت أختي وهي تلبس ملابس بيضاء جميلة وهي تطمئنها ، فاستيقظت خالتي وهي سعيدة مطمئنة القلب ..
كانت دائماً تذكرني بالله وتعظني ، فلا أزداد إلا استكباراً وعناداً ، بل كانت ساعات جلوسي أمام التلفاز تزداد يوماً بعد يوم ، والتلفاز يتفنن في عرض أنواع المسلسلات التافهة والأفلام الهابطة ، والأغاني الماجنة التي لم أدرك خطورتها إلا بعد أن هداني الله عزوجل ، فله الحمد والشكر ..
كنت دائماً أفعل ذلك كله وأنا في قرارة نفسي على يقين تام من أن ذلك حرام ، وأن طريق الهداية واضح لمن أراد أن يسلكه ، فكانت كثيراً ما تلومني ، وضميري يعذبني بشدة ، لاسيما وأن الأمر لم يكن مقتصراً على ارتكاب المعاصي بل تعداه إلى ترك الفرائض .. لذا كنت دائما أتجنب الجلوس بمفردي حتى عندما أخلد إلى النوم والراحة فإني أحاول أن أشغل نفسي بكتاب أو مجلة حتى لاأدع مجالاً لتوبيخ النفس أو تأنيب الضمير.
وظللت على هذه الحال مدة خمس سنوات حتى كان ذلك اليوم الذي اختار الله لي فيه طريق الهداية ..
كنا في إجازة نصف السنة ، وأرادت أختي أن تلتحق بدورة في تحفيظ القرآن الكريم بإحدى الجمعيات الإسلامية ، فعرضت علي أن أذهب معها ، فوافقت أمي و لكني رفضت .. بل رفضت بشدة ، وأقمت الدنيا وأقعدتها ، وقلت بأعلى صوتي : لا أريد الذهاب .. و كنت في قرارة نفسي عازمة على العكوف أمام ذلك الجهاز الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتي العابثة .. فما لي ولحلقات تحفيظ القرآن ..
حب القرآن و حب ألحان الغنا *** في قلب عبد ليس يجتمعان!!
حضر أبي فشكوت له ما حدث فقال : دعوها ، ولا تجبروها على الذهاب واتركوها على راحتها .. وكانت لي عند أبي معزة خاصة لأني ابنته الوسطى فليس لي سوى أختي الكبرى ، وأخي الذى يصغرني بكثير ، وقد قال ذلك و هو يظن أني محافظة على صلاتي ، و لم يكن يعلم بأن الأمر مختلف جداً .. صحيح أنني لم أكن أكذب عليه حينما يسألني (أصليت ؟) فأقول : نعم .. فقد استطاعت أختي أن تخلصني من داء الكذب ، ولكن كنت أقوم فأصلي أمامه عندما يكون موجوداً ، فإذا ذهب إلى عمله تركت الصلاة ، وكان أبي يمكث في عمله من ثلاث إلى اربعة أيام ..
ذات يوم ، طلب مني أبي بلطف أن أرافق أختي ولو مرة واحدة ، فإن أعجبني الحال داومت على الحضور معها وإلا فلتكن المرة الأولى و الأخيرة ، فوافقت لأني أحب أبي ولا أرد له طلباً ..
انطلقت إلى روضة القرآن .. وهناك رأيت وجوهاً متوضئة مشرقة بنور الإيمان ، وأعيناً باكية لا تدمن النظر إلى الحرام مثل ما كنت أفعل ؛ فتملكني شعور فياض لا أستطيع له وصفاً .. شعور بالسعادة والرهبة ، يخالطه إحساس بالندم والتوبة ، وأحسست بأني قريبة من الله عزوجل ، فرق قلبي ، وانهمرت دموعي ندماً على الأوقات التي ضيعتها في غير مرضاة الله أمام شاشة التلفاز ، أو في مجالس اللغو مع رفيقات السوء اللاتي لا هم لهن إلا القيل والقال ..
كم كنت غافلة عن مثل هذه المجالس التي تحفها ملائكة الرحمن ، وتتنزل على أهلها السكينة والرحمة والإيمان .. لقد من الله علي بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمن ، ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي .. عشت في ظلال القرآن هادئة النفس ، مطمئنة السريرة قريرة الضمير ، وانتهيت إلى يقين جازم حاسم أنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة .. إلا بالرجوع إلى الله ..
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن أعظم مكائد الشيطان التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله فتنته؛ ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم واتخذتْ أوثاناً، وبُنيت عليها الهياكل والأنصاب...) إلى أن قال: (فلو رأيتَ غلاة المتخذين لها عيداً؛ وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد، فوضعوا لها الجباه، وقبّلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعتْ أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج، فاستغاثوا بمن لا يُبدي ولا يُعيد، ونادوا.. ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنه قد أحرزوا من الأجر فوق أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر رُكّعاً سُجّداً يبتغون فضلاً من الميت ورضواناً، وقد ملئوا أكفّهم خيبة وخسراناً، فلغير الله بل للشيطان ما يُراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويُطلب من الميت الحاجات، ويُسأل من تفريج الكُربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيهاً له بالبيت الحرام، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يُفعل به وفدُ بيت الله الحرام؟ ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تغفر مثل بين يديه في السجود، ثم قرّبوا لذلك الوثن القرابين، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين..).
إلى أن قال رحمه الله: (هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم؛ إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، وهذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح...)
أخي القارئ: بعد هذه المقدمة الرائعة والتي لا أجد مزيداً عليها؛ أتركك الآن مع صاحب القصة ليحدثنا عن رحلته، يقول:
نشأت في مجتمع قبوري وبيئة قبورية قي قرية من قرى باكستان كانت تسمى (مدينة الأولياء) لكثرة ما فيها من الأضرحة والقبور... منذ نعومة أظفاري كنت أرى والدي ووالدتي وإخوتي الكبار وسائر أقربائي، بل سائر مَنْ في قريتنا يذهبون إلى ما يسمى بالولي أو السيد، حتى بلغتْ بهم السفاهة إلى أن يذهبوا إلى غرفة خالية، فيها سرير ليس عليه أحد، ويزعمون أنه ضريح الولي الحي الذي لا يموت، وينسون قول الله عز وجل: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير).
كنت أشاركهم في شركهم وطقوسهم وخرافاتهم، حتى أصبحت تلك الخرافات عقيدة راسخة في قلبي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه..) الحديث.
فلو مِتُّ على هذه العقيدة لكنتُ من أهل النار: (إنه من يُشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنةَ ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
ظللتُ على هذه العقيدة الشركية حتى بعد أن أصبحتُ زوجاً وأباً، فكنتُ أربّي أولادي على هذه العقيدة.. أحملهم إلى ضريح الولي المزعوم فأحلق شعر أحدهم هناك تقرباً وتبركاً(!!!)، وأحمل معي الهدايا والقربات والذبائح والنذور، وأرش الماء على القبر...
ولئن كان غيري متعلماً، فقد كنتُ أمياً جاهلاً، حتى يسّر الله لي القدوم إلى هذه البلاد (مكة) مهبط الوحي ومنبع الرسالة، فلم أجد فيها ما كنتُ معتاداً عليه من الأضرحة والقبور ومظاهر الشرك، ومع ذلك لم أفكر في تغيير عقيدتي الباطلة، كنتُ متعلقاً بتلك الأضرحة وإن كانت بعيدة عني، وليس أعجب من ذلك أنني لم أكن أصلي الصلوات المفروضة، بل حتى الجمعة لا أحضرها، وأدخن بشراهة، وأرتكبُ كثيراً من المحرمات..! فليس بعد الكفر ذنباً.
ويشاء الله عزّ وجلّ أن ألتقيَ بأحد الدعاة الباكستانيين مَن الذين درسوا في هذه البلاد، وبعد محاورات لم تدم طويلاً استطاع أن ينتشلني من أوحال الشرك وغَوره السحيق، إلى رياض التوحيد في علو سامق، حيث استنشقت عبير الإيمان الصحيح، وهاأنذا اليوم أنظر إلى أهلي وقومي من هذا العلو، أمد لهم يدي، أحاول انتشالهم من مستنقعات الشرك الآسنة: (ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق).
توبة فتاة في رياض القرآن
تقول صاحبة القصة :
أنا طالبة فى المرحلة الثانوية ، كنت مغرمة بمشاهدة التلفزيون .. كنت لا أفارقه لحظة .. لا أترك مسلسلاً ولا برنامج أطفال ولا أغنية ولا تمثيلية إلا وأشاهدها ، فإذا ما جاء برنامج ثقافي أو ديني فسرعان ما أغلق الجهاز ، فتسألني أختي : لم فعلت ذلك ؟! فأجيبها محتجة بكثرة الواجبات المدرسية و المنزلية ، فتقول لى : الآن تذكرت الواجبات !! أين كنت عند مشاهدتك تلك المسلسلات والأغاني والبرامج التافهة ؟! فلا أرد عليها ..
أختي هذه كانت بعكسي تماماً .. منذ أن علمتها أمي الصلاة لم تتركها إلا لعذر ، أما أنا فلا أحافظ عليها ، بل لا أكاد أصليها إلا في الأسبوع مرة أو مرتين ..
لقد كانت أختي تتجنب التلفاز بقدر الإمكان ، وقد أحاطت نفسها بصديقات صالحات يساعدنها على فعل الخير ، وقد بلغ من صلاحها أن خالتى لما أسقطت طفلها و هي في المستشفى و كانت فى غيبوبة ، رأت أختي وهي تلبس ملابس بيضاء جميلة وهي تطمئنها ، فاستيقظت خالتي وهي سعيدة مطمئنة القلب ..
كانت دائماً تذكرني بالله وتعظني ، فلا أزداد إلا استكباراً وعناداً ، بل كانت ساعات جلوسي أمام التلفاز تزداد يوماً بعد يوم ، والتلفاز يتفنن في عرض أنواع المسلسلات التافهة والأفلام الهابطة ، والأغاني الماجنة التي لم أدرك خطورتها إلا بعد أن هداني الله عزوجل ، فله الحمد والشكر ..
كنت دائماً أفعل ذلك كله وأنا في قرارة نفسي على يقين تام من أن ذلك حرام ، وأن طريق الهداية واضح لمن أراد أن يسلكه ، فكانت كثيراً ما تلومني ، وضميري يعذبني بشدة ، لاسيما وأن الأمر لم يكن مقتصراً على ارتكاب المعاصي بل تعداه إلى ترك الفرائض .. لذا كنت دائما أتجنب الجلوس بمفردي حتى عندما أخلد إلى النوم والراحة فإني أحاول أن أشغل نفسي بكتاب أو مجلة حتى لاأدع مجالاً لتوبيخ النفس أو تأنيب الضمير.
وظللت على هذه الحال مدة خمس سنوات حتى كان ذلك اليوم الذي اختار الله لي فيه طريق الهداية ..
كنا في إجازة نصف السنة ، وأرادت أختي أن تلتحق بدورة في تحفيظ القرآن الكريم بإحدى الجمعيات الإسلامية ، فعرضت علي أن أذهب معها ، فوافقت أمي و لكني رفضت .. بل رفضت بشدة ، وأقمت الدنيا وأقعدتها ، وقلت بأعلى صوتي : لا أريد الذهاب .. و كنت في قرارة نفسي عازمة على العكوف أمام ذلك الجهاز الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتي العابثة .. فما لي ولحلقات تحفيظ القرآن ..
حب القرآن و حب ألحان الغنا *** في قلب عبد ليس يجتمعان!!
حضر أبي فشكوت له ما حدث فقال : دعوها ، ولا تجبروها على الذهاب واتركوها على راحتها .. وكانت لي عند أبي معزة خاصة لأني ابنته الوسطى فليس لي سوى أختي الكبرى ، وأخي الذى يصغرني بكثير ، وقد قال ذلك و هو يظن أني محافظة على صلاتي ، و لم يكن يعلم بأن الأمر مختلف جداً .. صحيح أنني لم أكن أكذب عليه حينما يسألني (أصليت ؟) فأقول : نعم .. فقد استطاعت أختي أن تخلصني من داء الكذب ، ولكن كنت أقوم فأصلي أمامه عندما يكون موجوداً ، فإذا ذهب إلى عمله تركت الصلاة ، وكان أبي يمكث في عمله من ثلاث إلى اربعة أيام ..
ذات يوم ، طلب مني أبي بلطف أن أرافق أختي ولو مرة واحدة ، فإن أعجبني الحال داومت على الحضور معها وإلا فلتكن المرة الأولى و الأخيرة ، فوافقت لأني أحب أبي ولا أرد له طلباً ..
انطلقت إلى روضة القرآن .. وهناك رأيت وجوهاً متوضئة مشرقة بنور الإيمان ، وأعيناً باكية لا تدمن النظر إلى الحرام مثل ما كنت أفعل ؛ فتملكني شعور فياض لا أستطيع له وصفاً .. شعور بالسعادة والرهبة ، يخالطه إحساس بالندم والتوبة ، وأحسست بأني قريبة من الله عزوجل ، فرق قلبي ، وانهمرت دموعي ندماً على الأوقات التي ضيعتها في غير مرضاة الله أمام شاشة التلفاز ، أو في مجالس اللغو مع رفيقات السوء اللاتي لا هم لهن إلا القيل والقال ..
كم كنت غافلة عن مثل هذه المجالس التي تحفها ملائكة الرحمن ، وتتنزل على أهلها السكينة والرحمة والإيمان .. لقد من الله علي بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمن ، ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي .. عشت في ظلال القرآن هادئة النفس ، مطمئنة السريرة قريرة الضمير ، وانتهيت إلى يقين جازم حاسم أنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة .. إلا بالرجوع إلى الله ..