في سورة التوبةحديث مفصل عن المنافقين ومواقفهم تجاه الدعوة الإسلامية، ومن بين تلك المواقف، ما أخبرنا عنه قوله تعالى: { يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين }(التوبة:62) .
وقد أثار بعض المشككين إشكالاً لغويًا حول الآية، من جهة أن الضمير في قوله تعالى: { يرضوه }
جاء بصيغة الإفراد، مع أن سياق الكلام يعود إلى الله ورسوله، فكان الذي
تقتضيه قواعد اللغة أن يأتي الضمير بصيغة التثنية، فيقول: ( والله ورسوله
أحق أن يرضوهما )؛ فهل صحيح أن هذا الأسلوب جاء مخالفًا لما تقتضيه القواعد
؟
لقد
توقف المفسرون عند هذه الآية، وأجابوا على هذا الإشكال بأجوبة عديدة، تبين
أن الآية جاءت على أسلوب العرب، ولا إشكال فيها ولا مخالفة .
ومن الأجوبة في توجيه الآية، أن قوله تعالى: { والله ورسوله أحق أن يرضوه }عبارة
عن جملتين؛ الأولى: ( والله أحق أن يرضوه ) والثانية: ( ورسوله أحق أن
يرضوه )، فحذف خبر الجملة الأولى ( أحق أن يرضوه ) لدلالة خبر الجملة
الثانية عليه، وتقدير الآية: ( والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه ).
وإلى هذا ذهب سيبويه في توجيه الآية. قالوا: وهذا كقول الشاعر الجاهلي أحيحية بن الجلاح :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
والتقدير:
نحن راضون بما عندنا، وأنت راض بما عندك، ورأينا ورأيك مختلفان، لكن حذف (
الرضا ) في الشطر الأول من البيت؛ لدلالة ( الرضا ) عليه في الشطر الثاني .
وذكر المفسرون توجيهًا ثانيًا للآية، يرى أن في الآية تقديمًا وتأخيرًا، والتقدير: والله أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك. وهذا مذهب المبرد في توجيه الآية. وكلا المذهبين له من كلام العرب ما يؤيده .
ثم إن المفسرين ذكروا هنا، أن الآية جاءت على هذا الأسلوب لاعتبارات معينة:
فإما
أن يكون مجيء الضمير بلفظ المفرد دون لفظ المثنى؛ لأنه لا تفاوت بين رضا
الله ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، فكانا في حكم مرضي واحد؛ فإرضاء
الرسول في الحقيقة هو إرضاء لله سبحانه، وهذا كقوله تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع الله } (النساء:80) .
وإما
أن يكون مجيء الضمير بلفظ المفرد دون لفظ المثنى؛ للتفرقة بين الإرضاءين،
رضا الله تعالى، ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كقول الشاعر ضابئ بن الحارث البرجمي :
من يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيَّار بها لغريب
و(
قيار ) اسم فرس الشاعر، والتقدير: فإني لغريب بالمدينة، و( قيار ) بها
غريب أيضًا؛ وكان الأصل أن يقول: لغريبان، لكن جاء به على صيغة الإفراد؛
لأن إحدى الغربتين مخالفة لأخراهما، فأتى باللفظ على صيغة الإفراد دون
التثنية مراعاة لذلك .
وإما
أن يكون مجيء الضمير بلفظ المفرد دون لفظ المثنى؛ لتعظيم الجناب الإلهي
بإفراده بالذكر تأدبًا؛ لئلا يجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير تثنية، وقد
نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: ( ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان ) رواه أبو داود .
وبأيٍّ من هذه الاعتبارات أخذنا، فإن الآية تبقى مستقيمة في تركيبها، وصحيحة في معناها .
على
أن أمرًا جدير بالذكر في هذا السياق، وهو أنه يشترط لصحة تثنية الضمائر
وجمعها توافق ما يراد تثنيته وجمعه من جميع الجهات، فإذا لم يتحقق هذا
التوافق من جميع الجهات، لم تجز التثنية ولا الجمع بحال؛ فأنت تقول في
تثنية رجل: رجلان، وفي الجمع تقول: رجال؛ لاتحاد أفراد هذا الجنس، لكن لا
يمكن أن تثني رجل وامرأة ولا أن تجمعهما مطلقًا؛ ولما كان الله سبحانه ليس
كمثله شيء، فقد اقتضى التركيب القرآني في الآية أن يأتي على الشكل الذي أتى
عليه .