هذه العبادة المهجورة، والتي نسيها الكثير من الناس، لها فوائد تربوية عظيمة تعود بالنفع على الفرد في الدنيا قبل الآخرة، ومن ذلك:
1- ذكر النعم طريق للشكر:
فعندما يجلس المرء مع نفسه أو مع أهله أو مع إخوانه ويتذكر نعم ربه عليه
فإن هذا من شأنه أن يستثير مشاعر الحب والامتنان تجاه المولى عز وجل،
فالقلوب قد جبلت على حب من يحسن إليها.. وباستثارة تلك المشاعر تتولد داخل
الإنسان طاقة تدفعه للتعبير عن هذا الحب بانكسار في القلب، وحمد باللسان،
وطاعة بالجوارح.
وتشتد الحاجة لاستثارة تلك
المشاعر والقيام بواجب الشكر عند ورود النعم الكبيرة على العبد؛ لأنه في
مثل هذه الأوقات تحاول النفس أن تخلع رداء العبودية وترتدي رداء الشموخ
والفخر والمباهاة مما قد يؤدي إلى مقت الله وغضبه عليه، من هنا كان التوجيه
التربوي للصحابة – رضوان الله عليهم – بتذكر نعم الله عليهم بعد انتصارهم
على المشركين في بدر، "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن
يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون"
[الأنفال:26]
2- ومن فوائد ذكر النعم أنها
تعرفنا بحق ربنا علينا، فالله عز وجل أعطانا نعما لا تُعد ولا تُحصى...
هذه النعم لها مقابل ينبغي أن نُقدمه ألا وهو الشكر، "والله أخرجكم من بطون
أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون"
[النحل:78]، ومن أهم صور شكر النعم: العبادة "يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك
واصطفاك على نساء العالمين* يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع
الراكعين" [آل عمران: 42 ، 43] فإن كان الأمر كذلك، فلا بد للعبد أن يعرف
الحق والدين المستحق عليه لربه أولا ليدرك حجم الشكر المطلوب منه، ولا
يمكنه معرفة ذلك إلا من خلال عد وإحصاء نعم ربه عليه – قدر المستطاع – فإن
فعل ذلك ونظر إلى حجم هذه النعم، ثم تأمل حجم ما يقدمه من طاعات علم أنه
هالك لا محالة إن طالبه الله بحقه عليه، وهذا من شأنه أن يجعله دائما منكس
الرأس أمام ربه، مستصغرا ما يقدمه من أعمال مهما كان حجمها، خائفا من عذابه
سبحانه، سائلا إياه الجنة استجداءً لا استحقاقا.
تأمل حال موسى – عليه السلام
– وقد نظر إلى حق ربه أولا قبل أن ينظر إلى عمله، فقال: يا رب كيف لي أن
أشكرك، وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازى بها عملي كله، فأتاه
الوحي: يا موسى الآن شكرتني.
3- ذكر النعم يدفعنا
للاستغفار بعد القيام بالطاعة لا للإعجاب بها – كما يقع في ذلك البعض –
فعندما يدرك العبد حق ربه عليه فإنه يستصغر دوما ما يقدمه من طاعات، بل
يستغفر الله بعد القيام بها؛ فهي في نظره لا تليق بجلاله ولا توفي ولو جزءا
يسيرا من حقه عليه كما في دعاء (سيد الاستغفار) : أبوء لك بنعمتك علي
وأبوء بذنبي فاغفر لي.
فإن كنت في شك من هذا فتأمل
معي خطاب الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وقيامه بأداء
الرسالة خير قيام: "إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين
الله أفواجا" -ما المطلوب عمله؟- "فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا"
{النصر}
4- ومن فوائد ذكر النعم أنها
علاج للكبر والطغيان فعندما تتوالى النعم على العبد فإن نفسه تعمل على
دفعه للتكبر على الآخرين والشعور بالأفضلية عليهم بها.. من هنا كان ذكر
النعم والتذكير بفضل الله علاجا فعالا لمثل هذه الحالة كما فعل موسى عليه
السلام مع بني إسرائيل عندما بدأت أمارات الطغيان تظهر عليهم، "وإذ قال
موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء
العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم * وإذ
تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" {إبراهيم: 6، 7}.
5- ذكر النعم فعال لجحود
العبد وعدم رضاه عن حاله، فعندما ينظر المرء إلى ما عند الآخرين ويتعامى عن
خير الله عليه، فإن هذا من شأنه أن يجعله ساخطا على وضعه، غير راض عن
ربه.. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب أحدكم أن يعلم قدر نعمة الله عز
وجل عليه، فلينظر إلى ما هو تحته، ولا ينظر إلى ما هو فوقه".
6- ذكر النعم يورث حب الله
في القلب، فالإنسان عبد الإحسان، وكلما تذكرنا نعم الله عز وجل علينا
ازدادت مشاعر الحب تأججا في القلب ومن ثم الشوق إليه سبحانه.. فإذا ما
ترجمنا هذه المشاعر بكثرة حمده، والثناء عليه، ومناجاته بهذه النعم، وشكره
عليها؛ فإن مشاعر الحب في القلب تزداد وتزداد اتجاها له سبحانه وتعالى مما
يدفعنا إلى طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بسهولة ويسر وتلقائية دون
الحاجة إلى المجاهدة العظيمة للنفس في ذلك.
7- وأخيرا: ذكر النعم يورث
الشكر، وبالشكر كما نعلم تقيد النعم وتزيد، "لئن شكرتم لأزيدنكم"، قال بعض
السلف: حقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه.
وذكر الحسن البصري: أكثروا ذكر النعم فإن ذكرها شكرها.
فإن كانت هذه بعض ثمار القيام بهذه العبادة، فهل لنا بعد ذلك أن نزهد فيها؟!
فلنبدأ من الآن في ممارسة
عبادة "ذكر النعم"، ولنجلس مع أنفسنا ومع من حولنا كلما سنحت الفرصة،
فنتذاكر نعم ربنا علينا: في سبق فضله لنا، وعصمته إيانا من أن نكون في
أزمنة أو أماكن الفتن، أو أن نوجد في أمة غير أمة الإسلام، أو ننطق بلسان
غير اللسان العربي.
ونتذاكر كذلك نعمه علينا في أبداننا وعافيتنا.. في أمننا وسترنا.. في حفظنا وثباتنا.. في هدايتنا وعصمتنا من كثير من الذنوب.
وعلينا كذلك أن نمارس هذه
العبادة بعد كل عمل كبير يوفقنا الله للقيام به، ثم لم نلحق ذلك بكثرة حمد
الله والثناء عليه والسجود شكرا له سبحانه.