الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ
الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) «لقمان»
تلك : اسم اشارة
قال ابن عاشور : في الإشارة تنبيه على تعظيم قدر تلك الآيات بما دل عليه اسم
الإشارة من البعد المستعمل في رفعة القدر ، وبما دلت عليه إضافة الآيات إلى الكتاب
الموصوف بأنه الحكيم وأنه هدى ورحمة وسبب فلاح .
وصف الكتاب بالحكمة مجاز لأن الوصف بذلك للتملك لأنه يشتمل عليها ويتضمنها فلأجل
ذلك وصف بالحكيم بمعنى ذي الحكمة ، وهناك تفسير يرتكز على اللغة
: فعيل بمعنى المحكم ، وهذا يقل أن يكون فعيل بمعنى مفعل ، وهذا
اختيار العلامة ابن السعدي في تفسيره : « أي: آياته محكمة، صدرت من حكيم خبير. »
صفة الحكمة في
الآيات (1) :
من إحكامها، أنها
جاءت بأجل الألفاظ وأفصحها، وأبينها، الدالة على أجل المعاني وأحسنها.
ومن إحكامها، أنها محفوظة من التغيير والتبديل، والزيادة والنقص، والتحريف.
ومن إحكامها: أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة، والأمور الغيبية
كلها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، ولم
يخبر بخلافها، نبي من الأنبياء،« ولم يأت ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح، يناقض
ما دلت عليه »
ومن إحكامها: أنها ما أمرت بشيء، إلا وهو خالص المصلحة، أو راجحها، ولا نهت عن شيء،
إلا وهو خالص المفسدة أو راجحها، وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر [حكمته]
(3) فائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته.
ومن إحكامها: أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ، الذي تعتدل به النفوس
الخيرة، وتحتكم، فتعمل بالحزم.
ومن إحكامها: أنك تجد آياته المتكررة، كالقصص، والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها
وتواطأت، فليس فيها تناقض، ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا، وأعمل فيها
العقل تفكرا، انبهر عقله، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ، وجزم جزما لا يمترى فيه،
أنه تنزيل من حكيم حميد.
ولكن - مع أنه حكيم - يدعو إلى كل خلق كريم، وينهى عن كل خلق لئيم، أكثر الناس
محرومون الاهتداء به، معرضون عن الإيمان والعمل به، إلا من وفقه اللّه تعالى وعصمه،
وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق.
قرأ حمزة: "ورحمةٌ"
بالرفع على الابتداء، أي: هو هدى ورحمة، وقرأ الآخرون بالنصب على الحال { للمحسنين
}
قال الطبري :
( فإنه قرأ ذلك رفعا على وجه الاستئناف، إذ كان منقطعا عن الآية التي قبلها بأنه
ابتداء آية وأنه مدح، والعرب تفعل ذلك مما كان من نعوت المعارف، وقع موقع الحال إذا
كان فيه معنى مدح أو ذمّ. وكلتا القراءتين صواب عندي، وإن كنت إلى النصب أميل،
لكثرة القراء به.) .
وقد اختلف المفسرون في تأويل كلمة «المحسنين» ، وهذا بلا شك من باب اختلاف التنوع ،
فكلها تدور في دائرة الاحسان :
وهي صيغة مطلقة إلا انها قيدت وخصت بأفعال ذكرت فيما يلي هذه
الآية : الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
قال الطبري : المحسنون : هم الذين أحسنوا في العمل بما أنزل الله في هذا القرآن
وقال الحافظ ابن كثير :
وهم الذين أحسنوا العمل في اتباع الشريعة، فأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها
وأوقاتها، وما يتبعها من نوافل راتبة وغير راتبة، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم إلى
مستحقيها، ووصلوا قراباتهم وأرحامهم، وأيقنوا بالجزاء في الدار الآخرة، فرغبوا إلى
الله في ثواب ذلك، لم يراؤوا به ولا أرادوا جزاءً من الناس ولا شكورا، فَمَنْ فعل
ذلك كذلك فهو من الذين قال الله تعالى: { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ }
أي: على بصيرة وبينة ومنهج واضح وجلي، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } أي: في
الدنيا والآخرة.
قال الألوسي :
أي العاملين الحسنات
وقال أبو حيان في البحر المحيط :الذين يعملون الحسنات ، وهي التي ذكرها ، كإقامة
الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإيقان بالآخرة
لماذا خص المحسنين في الآية :
الذين يعملون بالحسن من الأعمال ، وخص منهم القائمون بهذه الطاعات الثلاثة ، لفضل
الاعتداد بها . ومن صفة الإحسان ما جاء في الحديث من أن الإحسان : « أن تعبد الله
كأنك تراه »(2)