إن أهل السنة والجماعة:
لا يقنطون ولا ييأسون من رحمة الله عند المحن؛ لأن الله تعالى قد
حرم ذلك، ولكن يعيشون أيام البلاء على أمل الفرج القريب والنصر المؤكد لأنّهم يثقون
بوعْدِ الله، ويعلمون أنّ مع العسرِ يسراً .تنبيهاً على أن الله لطيف بعباده ، فقدر
أن لا يخلو عسر من مخالطة يسر وأنه لولا ذلك لهلك الناس قال تعالى { [وَلَوْ
يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ]
{النحل:61} } [وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى
ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ] {فاطر:45}
,
اليسر : الفرج والسهل
,
العسر : الضيق والمشقة
قاعدة أهل النحو : إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى فتحمل مدلولاً آخراً ،
وفي هذا الموضع هي : لفظ ( يُسْراً )
وعليه ؛ فإن العسر المذكور أولاً هو نفسه في الثانية ؛ لأنه معرف بالألف واللام
فيرجع إلى العهد المذكور ، واليسر الثاني غير الأول ؛ لأنه منكور ، ولو أراد الأول
لعرفه بالألف واللام .
والإمام سفيان بن عيينة : ذهب إلى أن المراد بأحد اليسرين الظفر أي النصر وبالآخر
الثواب فلا بد للمؤمن من أحدهما.
قال ابن أبي جمرة : كان علي رضي الله عنه إذا كان في شدة استبشر
وفرح أو في رخاء قلق فقيل له فقال : ما من ترحة إلا وتبعتها فرحة وما من فرحة إلا
وتبعتها ترحة فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا.
نقل
الحافظ ابن حجر عن ابن مسعود بإسناد جيد من طريق قتادة قال " ذكر لنا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال : لن يغلب عسر يسرين إن شاء الله "([1])
، وإن ضعفه بعض أهل العلم لكن ثبت عن بعض أصحاب النبي ، فعن زيد بن
أسلم عن أبيه " عن عمر أنه كتب إلى أبي عبيدة يقول : مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل
الله له بعدها فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين "
والتأكيد اللفظي([2])
في هذه الآية استنبط أهل العلم منه
، أن
تكرار اللفظ الأول بكامل الجملة كما يظهر من التوكيد في الآية الثانية .
يستلزم قوة الشيء المكرر
وقوة لانفراج اليسر بعد العسر .
وهو تأكيد الحكم الذي تضمنه الخبر . ولا شك أن الحكم المستفاد من
هذه الجملة هو ثبوت التحاق اليسر بالعسر عند حصوله ، فكان التأكيد مفيداً لترجيح
أثر اليسر على أثر العسر ، وقالوا: إن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية : جاء بلفظة
"مع" ولم يقل: "فإن بعد العسر يسرا"، ولكن قال: "مع"، قالوا : يفيد سرعة اليسر
إليهم بعد حصول العسر.
وقد
يكون اليسر الآتي بعد العسر معنوياً ، كبث روح الصبر في قبول حكم القدر والمشيئة
الإلهية قال تعالى : [رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا
مُسْلِمِينَ] {الأعراف:126} ، فلا يُشترط أن يكون اليسر من جنس العسر الواقع على
المؤمن.