صاحبة الخيمة
(أم معبد)
جَزَى اللَّـهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَى أمِّ مَعْبَـدِ
هُمَـا نَزَلا بِالهُدَي، فَاهْـَتَدَتْ بِهِ فَأفْلَحَ مَنْ أمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
لِيهْنِ بنى كَـعْـبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ وَمَقْعَدُهَـا لِلْمُـؤْمِنِينَ بِمَـرْصَدِ
أبيات من الشعر ترددت فى سماء مكة، وسمعها كل الناس، وهم لا يرون قائلها، كما روت كتب التراجم والسير.
وأم معبد هي عاتكة بنت خالد الخزاعية، من بنى كعب، صحابية جليلة.
وقد نصبت أم معبد وزوجها خيمتهما فى قلب الصحراء؛ لاستضافة الضيوف، وكسب أعطياتهم.
واشتهر
عن السيدة الفاضلة أم معبد وصفها للنبى ( فعندما خرج النبي ( مهاجرًا من
مكة إلى المدينة ومعه "أبو بكر"، و"عامر بن فهيرة" مولى أبى بكر، ودليلهم
"عبد اللَّه بن أريقط" اشتد بهم العطش، وبلغ الجوع بهم منتهاه، فجاءوا إلى
"أم معبد" ونزلوا بخيمتها، وطلبوا منها أن يشتروا لحمًا وتمرًا، فلم يجدوا
عندها شيئًا، فنظر النبي ( فى جانب الخيمة فوجد شاة، فسألها: "يا أم معبد!
هل بها من لبن؟" قالت: لا. هي أجهد من ذلك (أى أنها أضعف من أن تُحلب)،
فقال: "أتأذنين لى أن أحلبها؟" قالت: نعم، إن رأيت بها حلبًا، فمسح ضرعها
بيده الشريفة، وسمَّى اللَّه، ودعا لأم معبد فى شاتها، فدرّت واجترّت،
فدعاها وطلب منها إناءً، ثم حلب فيه حتى امتلأ عن آخره، وقدَّمه إليها
فشربت، حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رَوُوا، وشرب ( آخرهم. ثم حلب ثانيًا،
وتركه عندها، وارتحلوا عنها. فما لبثت إلا قليلاً حتى جاء زوجها أبو معبد
(أكثم بن أبى الجون) يسوق أَعْنُزًا عجافًا هزالاً، تسير سيرًا ضعيفًا لشدة
ضعفها، فلمّا رأى اللبن عجب، وقال: من أين هذا يا أم معبد، والشاة عازب
بعيدة عن المرعي، حيال غير حامل، ولا حَلُوبةَ فى البيت؟ قالت: مرّ بنا رجل
كريم مبارك، كان من حديثه كذا وكذا ! قال: صِفِيهِ لى يا أم معبد.
فقالت:
إنه رجلٌ ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أى أبيض واضح ما بين الحاجبين كأنه
يضيء)، حسن الخِلقة، لم تُزْرِ به صِعلة (أى لم يعيِّبه صغر فى رأس، ولا
خفة ولا نحول فى بدن)، ولم تَعِبْه ثجلة (الثجلة: ضخامة البطن)، وسيمًا
قسيمًا، فى عينيه دَعَج (شدة سواد العين)، وفى أشفاره عطف (طول أهداب
العين)، وفى عنقه سَطَع (السطع: الطول)، وفى صوته صَحَل (بحَّة)، وفى لحيته
كثافة، أحور أكحل...أزَجُّ أقرن (الزجج: هو تقوس فى الحواجب مع طول
وامتداد، والأقرن: المتصل الحواجب)، إن صمتَ فعليه الوقار، وإن تكلم سَمَا
وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو
المنطق، فَصْلٌ، لا نزر ولا هَدْر، وكأن منطقه خرزات نظم تَنحدر، رَبْعَة
لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه العين من قِصِر، غصن بين غصنين، فهو أنضر
الثلاثة منظرًا، (تقصد أبا بكر، وابن أريقط؛ لأن عامر بن فهيرة كان بعيدًا
عنهم يعفى آثارهم) أحسنهم قدرًا، له رُفَقَاء يحفُّون به، إن قال أنصتوا
لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود (أى يحفه الناس ويخدمونه).
لا عابس ولا مُفنّد (المُفنّد: الضعيف الرأي). فقال أبو معبد: هو واللَّه
صاحب قريش، الذي ذُكر لنا من أمره ما ذُكر بمكة، ولو كنت وافقتُه لالتمستُ
صحبته، ولأفعلن إن وجدتُ إلى ذلك سبيلاً، فأعدت أم معبد وزوجها العدة؛ كى
يلحقا برسول الله ( فى المدينة، وهناك أسلما، ودخلا فى حمى الإسلام.
وعاشت
أم معبد -رضى الله عنها- بعد وفاة رسول الله ( إلى خلافة عثمان بن عفان
-رضى اللَّه عنه- وكان الصحابة يقدِّرونها ويعرفون لها فضلها. فعن هشام بن
حرام، عن أبيه: أن أمّ معبد كانت تُجْرَى عليها كِسْوَة، وشيء من غلة
اليمن، وقَطَران لإبلها، فمرّ عثمان، فقالت: أين كسوتي؟ وأين غلة اليمن
التي كانت تأتيني؟ قال: هي لك يا أم معبد عندنا، واتبعتْه حتى أعطاها
إياها. [الطبراني].
(أم معبد)
جَزَى اللَّـهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَى أمِّ مَعْبَـدِ
هُمَـا نَزَلا بِالهُدَي، فَاهْـَتَدَتْ بِهِ فَأفْلَحَ مَنْ أمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
لِيهْنِ بنى كَـعْـبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ وَمَقْعَدُهَـا لِلْمُـؤْمِنِينَ بِمَـرْصَدِ
أبيات من الشعر ترددت فى سماء مكة، وسمعها كل الناس، وهم لا يرون قائلها، كما روت كتب التراجم والسير.
وأم معبد هي عاتكة بنت خالد الخزاعية، من بنى كعب، صحابية جليلة.
وقد نصبت أم معبد وزوجها خيمتهما فى قلب الصحراء؛ لاستضافة الضيوف، وكسب أعطياتهم.
واشتهر
عن السيدة الفاضلة أم معبد وصفها للنبى ( فعندما خرج النبي ( مهاجرًا من
مكة إلى المدينة ومعه "أبو بكر"، و"عامر بن فهيرة" مولى أبى بكر، ودليلهم
"عبد اللَّه بن أريقط" اشتد بهم العطش، وبلغ الجوع بهم منتهاه، فجاءوا إلى
"أم معبد" ونزلوا بخيمتها، وطلبوا منها أن يشتروا لحمًا وتمرًا، فلم يجدوا
عندها شيئًا، فنظر النبي ( فى جانب الخيمة فوجد شاة، فسألها: "يا أم معبد!
هل بها من لبن؟" قالت: لا. هي أجهد من ذلك (أى أنها أضعف من أن تُحلب)،
فقال: "أتأذنين لى أن أحلبها؟" قالت: نعم، إن رأيت بها حلبًا، فمسح ضرعها
بيده الشريفة، وسمَّى اللَّه، ودعا لأم معبد فى شاتها، فدرّت واجترّت،
فدعاها وطلب منها إناءً، ثم حلب فيه حتى امتلأ عن آخره، وقدَّمه إليها
فشربت، حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رَوُوا، وشرب ( آخرهم. ثم حلب ثانيًا،
وتركه عندها، وارتحلوا عنها. فما لبثت إلا قليلاً حتى جاء زوجها أبو معبد
(أكثم بن أبى الجون) يسوق أَعْنُزًا عجافًا هزالاً، تسير سيرًا ضعيفًا لشدة
ضعفها، فلمّا رأى اللبن عجب، وقال: من أين هذا يا أم معبد، والشاة عازب
بعيدة عن المرعي، حيال غير حامل، ولا حَلُوبةَ فى البيت؟ قالت: مرّ بنا رجل
كريم مبارك، كان من حديثه كذا وكذا ! قال: صِفِيهِ لى يا أم معبد.
فقالت:
إنه رجلٌ ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أى أبيض واضح ما بين الحاجبين كأنه
يضيء)، حسن الخِلقة، لم تُزْرِ به صِعلة (أى لم يعيِّبه صغر فى رأس، ولا
خفة ولا نحول فى بدن)، ولم تَعِبْه ثجلة (الثجلة: ضخامة البطن)، وسيمًا
قسيمًا، فى عينيه دَعَج (شدة سواد العين)، وفى أشفاره عطف (طول أهداب
العين)، وفى عنقه سَطَع (السطع: الطول)، وفى صوته صَحَل (بحَّة)، وفى لحيته
كثافة، أحور أكحل...أزَجُّ أقرن (الزجج: هو تقوس فى الحواجب مع طول
وامتداد، والأقرن: المتصل الحواجب)، إن صمتَ فعليه الوقار، وإن تكلم سَمَا
وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو
المنطق، فَصْلٌ، لا نزر ولا هَدْر، وكأن منطقه خرزات نظم تَنحدر، رَبْعَة
لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه العين من قِصِر، غصن بين غصنين، فهو أنضر
الثلاثة منظرًا، (تقصد أبا بكر، وابن أريقط؛ لأن عامر بن فهيرة كان بعيدًا
عنهم يعفى آثارهم) أحسنهم قدرًا، له رُفَقَاء يحفُّون به، إن قال أنصتوا
لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود (أى يحفه الناس ويخدمونه).
لا عابس ولا مُفنّد (المُفنّد: الضعيف الرأي). فقال أبو معبد: هو واللَّه
صاحب قريش، الذي ذُكر لنا من أمره ما ذُكر بمكة، ولو كنت وافقتُه لالتمستُ
صحبته، ولأفعلن إن وجدتُ إلى ذلك سبيلاً، فأعدت أم معبد وزوجها العدة؛ كى
يلحقا برسول الله ( فى المدينة، وهناك أسلما، ودخلا فى حمى الإسلام.
وعاشت
أم معبد -رضى الله عنها- بعد وفاة رسول الله ( إلى خلافة عثمان بن عفان
-رضى اللَّه عنه- وكان الصحابة يقدِّرونها ويعرفون لها فضلها. فعن هشام بن
حرام، عن أبيه: أن أمّ معبد كانت تُجْرَى عليها كِسْوَة، وشيء من غلة
اليمن، وقَطَران لإبلها، فمرّ عثمان، فقالت: أين كسوتي؟ وأين غلة اليمن
التي كانت تأتيني؟ قال: هي لك يا أم معبد عندنا، واتبعتْه حتى أعطاها
إياها. [الطبراني].