صاحبة القلادة
زينب بنت النبي
رجع أبو العاص بن
الربيع من إحدى رحلاته إلى الشام، فوجد أخبار الدين الجديد تملأ جنبات مكة،
فأسرع إلى بيته، فبادرتْه زوجته يحدوها الأمل قائلة: الإسلام يا أبا
العاص. وهنا يلف الصمت أبا العاص ويشرد ذهنه بعيدًا. فقد خاف أن يقول عنه
القوم: فارق دين آبائه إرضاءً لزوجه، ورغم أنه يحب النبي (، ويحب زوجه
إلا أنه كره أن يخذل قومه، ويكفر بآلهة آبائه، وظل متمسكا بوثنيته، وهنا
اغرورقت عينا الزوجة المخلصة بالدموع، لكن الأمل ظل حيَّا في نفسها عسى
الله أن يهدى زوجها.
إنها السيدة زينب بنت رسول الله (، وأمها السيدة
خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها- ولدت قبل بعثة والدها ( بعشر سنوات.
وكانت أول أولاده من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها-، وتزوجت
من ابن خالتها أبى العاص بن الربيع فأنجبت له عليَّا وأمامة، فمات على وهو
صغير، وبقيت أمامة فتزوجها الإمام على بن أبى طالب -رضى الله عنه-.
وفى
ذلك الحين بدأت ملحمة الصراع بين المسلمين وكفار قريش، وهاجر النبي (
وأصحابه إلى المدينة، وهاجرت معه رقيَّة وفاطمة وأم كلثوم، وبقيتْ زينب
وحيدة في مكة بجوار زوجها الذي ظل متمسكًا بوثنيته، ثم تطورت الأحداث فخرج
المسلمون لاسترداد حقهم الذي تركوه بمكة فتعرَّضوا لقافلة أبى سفيان، فخرجت
قريش برجالها، وبدأت الحرب بين الفريقين، وكانت غزوة بدر الكبرى.
وانتصر
المسلمون وانهزم الكفار والمشركون. فوقع أبو العاص أسيرًا عند المسلمين،
فبعثت قريش لتفديه، وأرسلت "زينب" بأخى زوجها "عمرو بن الربيع" وأعطته
قلادتها التي أهدتها لها أمها "خديجة" يوم زفافها، فلما وصل عمرو ومعه تلك
القلادة التي أرسلتها لفداء زوجها الأسير، ورأى الصحابة القلادة أطرقوا
مأخوذين بجلال الموقف، وساد الصمت الحزين برهة، فقطعه النبي ( والدموع
حبيسة عينيه، وقال لهم في رقة رقّت لها أفئدة المسلمين: "إن رأيتم أن
تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا". قالوا: نعم يارسول اللّه.
فأطلقوه، وردّوا عليها الذي لها. [أبو داود وأحمد والحاكم].
وأمر النبي ( أبا العاص أن يترك زينب، وأن يرسلها إليه في المدينة، ففعل رغم حبه الشديد لها.
رجع
أبو العاص وأرسل أخاه كنانة؛ ليقود بعير زينب وهى في طريقها إلى المدينة.
لكن قريشًا تصدَّت لهما فأصاب هبار بن الأسود الأسدى بعيرها برمحه، فوقعت
"زينب" على صخرة جعلتها تنزف دمًا وأسقطت على إثرها جنينها. فهدَّد كنانة
بن الربيع قريشًا بالقتل بسهامه، إن لم يرجعوا ويتركوا زينب فرجع الكفار
عنهما.
ورأى كنانة ألم زينب فحملها إلى بيت أخيه. وظلت هناك حتى بدأت
تستعيد قواها بجانب أبى العاص زوجها الذي لا يكاد يفارقها لحظة... فخرج بها
كنانة مرة أخري، حتى سلمها إلى زيد ابن حارثة، الذي صحبها حتى أتت بيت
أبيها ( بالمدينة، فاستقبلها المسلمون استقبالا طيبًا حافلا.
ومرت
الأيام، ووقع "أبو العاص" مرة أخرى في الأسر، حين هاجم المسلمون قافلته
العائدة من الشام، وبعد صلاة الفجر دخلت زينب إلى أبيها، تطلب منه أن تجير
"أبا العاص"، فخرج النبي ( على المسلمين قائلا: "أيها الناس هل سمعتم ما
سمعتُ؟" قالوا: نعم. قال: "فوالذى نفسى بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت
الذي سمعتم، المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليُّهم أدناهم، وقد أجرنا من
أجارت" [الحاكم وابن سعد وابن هشام].
وأمر رسول اللّه ( زينب أن لا يقربها زوجها أبو العاص، لأنها لا تحل له مادام مشركًا.
ورحل
أبو العاص بتجارته عائدًا إلى مكة وأعاد لكل ذى حق حقه، ثم أعلن إسلامه
على الملأ ورجع مهاجرًا في سبيل اللّه إلى المدينة، وكان ذلك في السنة
السابعة للهجرة. فالتأم شمل زينب بزوجها مرة أخري.
لكن سرعان مانزلت
مصيبة الموت بزينب فماتت متأثرة بالألم الذي أصابها بالنزف عند هجرتها إلى
المدينة، وكانت وفاتها -رضى الله عنها- في السنة الثامنة للهجرة، فبكاها
زوجها أبوالعاص بكاءً مرّا. وحزن عليها الرسول ( حزنًا كبيرًا، ثم ودعها
إلى مثواها الأخير.
وعاد زوجها أبو العاص إلى ولديها: على وأمامة دامع العين يقبل رأسيهما وفاءًا لزوجته الحبيبة "زينب" -رضى الله عنها-.
زينب بنت النبي
رجع أبو العاص بن
الربيع من إحدى رحلاته إلى الشام، فوجد أخبار الدين الجديد تملأ جنبات مكة،
فأسرع إلى بيته، فبادرتْه زوجته يحدوها الأمل قائلة: الإسلام يا أبا
العاص. وهنا يلف الصمت أبا العاص ويشرد ذهنه بعيدًا. فقد خاف أن يقول عنه
القوم: فارق دين آبائه إرضاءً لزوجه، ورغم أنه يحب النبي (، ويحب زوجه
إلا أنه كره أن يخذل قومه، ويكفر بآلهة آبائه، وظل متمسكا بوثنيته، وهنا
اغرورقت عينا الزوجة المخلصة بالدموع، لكن الأمل ظل حيَّا في نفسها عسى
الله أن يهدى زوجها.
إنها السيدة زينب بنت رسول الله (، وأمها السيدة
خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها- ولدت قبل بعثة والدها ( بعشر سنوات.
وكانت أول أولاده من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها-، وتزوجت
من ابن خالتها أبى العاص بن الربيع فأنجبت له عليَّا وأمامة، فمات على وهو
صغير، وبقيت أمامة فتزوجها الإمام على بن أبى طالب -رضى الله عنه-.
وفى
ذلك الحين بدأت ملحمة الصراع بين المسلمين وكفار قريش، وهاجر النبي (
وأصحابه إلى المدينة، وهاجرت معه رقيَّة وفاطمة وأم كلثوم، وبقيتْ زينب
وحيدة في مكة بجوار زوجها الذي ظل متمسكًا بوثنيته، ثم تطورت الأحداث فخرج
المسلمون لاسترداد حقهم الذي تركوه بمكة فتعرَّضوا لقافلة أبى سفيان، فخرجت
قريش برجالها، وبدأت الحرب بين الفريقين، وكانت غزوة بدر الكبرى.
وانتصر
المسلمون وانهزم الكفار والمشركون. فوقع أبو العاص أسيرًا عند المسلمين،
فبعثت قريش لتفديه، وأرسلت "زينب" بأخى زوجها "عمرو بن الربيع" وأعطته
قلادتها التي أهدتها لها أمها "خديجة" يوم زفافها، فلما وصل عمرو ومعه تلك
القلادة التي أرسلتها لفداء زوجها الأسير، ورأى الصحابة القلادة أطرقوا
مأخوذين بجلال الموقف، وساد الصمت الحزين برهة، فقطعه النبي ( والدموع
حبيسة عينيه، وقال لهم في رقة رقّت لها أفئدة المسلمين: "إن رأيتم أن
تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا". قالوا: نعم يارسول اللّه.
فأطلقوه، وردّوا عليها الذي لها. [أبو داود وأحمد والحاكم].
وأمر النبي ( أبا العاص أن يترك زينب، وأن يرسلها إليه في المدينة، ففعل رغم حبه الشديد لها.
رجع
أبو العاص وأرسل أخاه كنانة؛ ليقود بعير زينب وهى في طريقها إلى المدينة.
لكن قريشًا تصدَّت لهما فأصاب هبار بن الأسود الأسدى بعيرها برمحه، فوقعت
"زينب" على صخرة جعلتها تنزف دمًا وأسقطت على إثرها جنينها. فهدَّد كنانة
بن الربيع قريشًا بالقتل بسهامه، إن لم يرجعوا ويتركوا زينب فرجع الكفار
عنهما.
ورأى كنانة ألم زينب فحملها إلى بيت أخيه. وظلت هناك حتى بدأت
تستعيد قواها بجانب أبى العاص زوجها الذي لا يكاد يفارقها لحظة... فخرج بها
كنانة مرة أخري، حتى سلمها إلى زيد ابن حارثة، الذي صحبها حتى أتت بيت
أبيها ( بالمدينة، فاستقبلها المسلمون استقبالا طيبًا حافلا.
ومرت
الأيام، ووقع "أبو العاص" مرة أخرى في الأسر، حين هاجم المسلمون قافلته
العائدة من الشام، وبعد صلاة الفجر دخلت زينب إلى أبيها، تطلب منه أن تجير
"أبا العاص"، فخرج النبي ( على المسلمين قائلا: "أيها الناس هل سمعتم ما
سمعتُ؟" قالوا: نعم. قال: "فوالذى نفسى بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت
الذي سمعتم، المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليُّهم أدناهم، وقد أجرنا من
أجارت" [الحاكم وابن سعد وابن هشام].
وأمر رسول اللّه ( زينب أن لا يقربها زوجها أبو العاص، لأنها لا تحل له مادام مشركًا.
ورحل
أبو العاص بتجارته عائدًا إلى مكة وأعاد لكل ذى حق حقه، ثم أعلن إسلامه
على الملأ ورجع مهاجرًا في سبيل اللّه إلى المدينة، وكان ذلك في السنة
السابعة للهجرة. فالتأم شمل زينب بزوجها مرة أخري.
لكن سرعان مانزلت
مصيبة الموت بزينب فماتت متأثرة بالألم الذي أصابها بالنزف عند هجرتها إلى
المدينة، وكانت وفاتها -رضى الله عنها- في السنة الثامنة للهجرة، فبكاها
زوجها أبوالعاص بكاءً مرّا. وحزن عليها الرسول ( حزنًا كبيرًا، ثم ودعها
إلى مثواها الأخير.
وعاد زوجها أبو العاص إلى ولديها: على وأمامة دامع العين يقبل رأسيهما وفاءًا لزوجته الحبيبة "زينب" -رضى الله عنها-.