قال القاسمي في محاسن التأويل ".
القول في تأويل قوله تعالى { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين }
{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } لما أنبأهم
بأسماء ، وعلمهم ما لا يعلموا أمرهم بالسجود له ، على وجه التحية والتكرمة
تعظيما له ، واعترافا بفضله ، واعتذارا عما قالوا فيه . وهذه كرامة عظيمة
من الله تعالى لآدم عليه السلام : { فسجدوا إلا إبليس أبى } أي : امتنع عن السجود : { واستكبر } أي : تكبر ، وقال : أنا خير منه ، فالسين للمبالغة : { وكان } في سابق علم الله ، أو صار : { من الكافرين } .
تنبيهات :
الأول : للناس في هذا السجود أقوال :
أحدها أنه تكريم لآدم ، وطاعة لله ، ولم يكن عبادة لآدم . وقيل : السجود
لله ، وآدم قبلة ، أو السجود لآدم تحية ، أو السجود لآدم عبادة بأمر الله ،
وفرضه عليهم . ذكر ابن الأنباري عن الفراء ، وجماعة من الأئمة : أن سجود
الملائكة لآدم ، كان تحية ، ولم يكن عبادة ، وكان سجود تعظيم وتسليم وتحيه ،
لا سجود صلاة وعبادة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال أهل العلم : السجود كان لآدم بأمر الله وفرضه وعلى هذا إجماع كل من يسمع قوله فإن الله تعالى قال : { اسجدوا لآدم } ولم يقل : إلى آدم
وكل حرف له معنى ، وفرق بين : سجدت له ، وبين : سجدت إليه قال تعالى : { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن } [ فصلت : 37 ] : { ولله يسجد من في السماوات والأرض } [ الرعد : 15 ]
أجمع المسلمون على أن السجود للأحجار ، والأشجار ، والدواب محرم ، وأما
الكعبة ، فيقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ، ثم
صلى إلى الكعبة ، ولا يقال صلى لبيت المقدس ، ولا للكعبة والصواب أن الخضوع
بالقلوب ، والاعتراف بالعبودية ، لا يصلى على الإطلاق إلا لله سبحانه .
وإما السجود فشريعة من الشرائع يتبع الأمر فلو أمرنا سبحانه أن نسجد لأحد
من خلقه ، لسجدنا طاعة واتباعا لأمره فسجود الملائكة لآدم عبادة لله ،
وطاعة ، وقربة يتقربون بها إليه وهو لآدم تشريف وتعظيم وتكريم وسجود إخوة
يوسف له تحية وسلام ولم يأت أن آدم سجد للملائكة بل لم يؤمر بالسجود إلا
لله رب العلمين وبالجملة ، أهل السنة قالوا : إنه سجود تعظيم وتكريم وتحية
له .
وقالت المعتزلة : كان آدم كالقبلة يسجد إليه ، ولم يسجدوا له قالوا ذلك
هربا من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم ؛ فإن أهل السنة قالوا : إبليس من
الملائكة ، وصالح البشر أفضل من الملائكة ، واحتجوا بسجود الملائكة لآدم
خالفت المعتزلة في ذلك وقالت : الملائكة أفضل من البشر ، وسجود الملائكة
لآدم كان كالقبلة ، ويبطله ما حكى الله سبحانه عن إبليس : { قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا } [ الإسراء : 62 ] .
الثاني : اختلفوا في الملائكة الذين أمروا بالسجود ، فقيل : هم الذين كانوا مع إبليس في الأرض
قال تقي الدين بن تيمية : هذا القول ليس من أقوال المسلمين واليهود
النصارى وقيل : هم جميع الملائكة ، حتى جبريل وميكائيل وهذا قول العامة من
أهل العلم بالكتاب والسنة
قال ابن تيمية : ومن قال خلافه فقد رد القرآن بالكذب والبهتان ، لأنه سبحانه قال : { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } [ الحجر : 30 ] ، وهذا تأكيد للعموم .
الثالث : للعلماء في إبليس ، هل كان من الملائكة أم لا ؟
قولان :
أحدهما أنه كان من الملائكة قاله ابن عباس ،
وابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، واختاره الشيخ موفق الدين ، والشيخ أبو
الحسن الأشعري ، وأئمة المالكية ، وابن جرير الطبري قال البغوي : هذا قول
أكثر المفسرين ، لأنه سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم قال تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس }
فلولا أنه من الملائكة ، لما توجه الأمر إليه بالسجود ، ولو لم يتوجه
الأمر إليه بالسجود لم سكن عاصيا ، ولما استحق الخزي والنكال .
والقول الثاني : أنه كان من الجن ، ولم يكن من
الملائكة قاله ابن عباس ، في رواية ، والحسن وقتادة ، واختاره الزمخشري ،
وأبو البقاء العكبري ، والكواشي في تفسيره . لقوله تعالى : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه
} [ الكهف : 50 ] ، فهو أصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس ، ولأنه خلق من
نار ، والملائكة خلقوا من نور ، ولأن له ذرية ، ولا ذرية للملائكة .
قال في الكشاف : إنما تناوله الأمر ، وهو للملائكة خاصة ، لأن إبليس
كان في صحبتهم ، وكان يعبد الله عبادتهم ، فلما أمروا بالسجود لآدم
والتواضع له كرامة له كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع .
والقول الأول هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء ، وصححه البغوي وأجابوا عن قوله تعالى : { إلا إبليس كان من الجن } أي : من الملائكة الذين هم خزنة الجنة .
قال ابن القيم : الصواب التفصيل في هذه المسألة ، وأن القولين في
الحقيقة قول وحد فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته ، وليس منهم بمادته
وأصله ؛ كان أصله من نار ، وأصل الملائكة من نور فالنافي كونه من الملائكة ،
والمثبت ، لم يتواردا على محل واحد
وكذلك قال الشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في الفتاوي المصرية : وقيل إن
فرقة من الملائكة خلقوا من النار ، سموا : جنا ؛ لاستتارهم عن الأعين ،
فإبليس كان منهم . والدليل على ذلك قوله تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } [ الصافات : 158 ] ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله ، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية .
سئل الشعبي : هل لإبليس زوجة ؟ قال : ذلك عرس لم أشهده ! قال : ثم قرأت هذه
الآية ، فعلمت أنه لا يكون له ذرية إلا من زوجة . فقلت : نعم . وقال قوم :
ليس له ذرية ولا أولاد ، وذريته أعوانه من الشياطين .
الرابع : في قوله تعالى : { وكان من الكافرين }
قولان : أحدهما أنه وقت العبادة كان منافقا
والثاني أنه كان مؤمنا ثم كفر ، وهذا قول الأكثرين . فقيل في معنى الآية : { وكان من الكافرين } في علم الله ، أي : كان عالما في الأزل أنه سيكفر .
والذي عليه الأكثرون أن إبليس أول كافر بالله أو يقال : معنى الآية أنه صار من الذين وافقوه في الكفر بعد ذلك .
واختلف الناس بأي سبب كفر إبليس ، لعنه لله .
فقالت الخوارج : إنما كفر بمعصية الله ، وكل معصية كفر وهذا قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .
وقال آخرون : كفر بترك السجود لآدم ومخالفته أمر الله . وقال آخرون : كفر
لأنه خالف الأمر الشفاهي من الله ، فإن الله خاطب الملائكة وأمرهم بالسجود .
ومخالفة الأمر الشفاهي أشد قبحا .
وقال جمهور الناس : كفر إبليس لأنه أبى السجود واستكبر وعاند وطعن ، واعتقد أنه محق في تمرده ، واستدل بـ : { أنا خير منه }
[ الأعراف : 12 ] كما يأتي فكأنه ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته
وهذا الكبر عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " كذا في " كتاب الاستعاذة " للإمام ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى
القول في تأويل قوله تعالى { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين }
{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } لما أنبأهم
بأسماء ، وعلمهم ما لا يعلموا أمرهم بالسجود له ، على وجه التحية والتكرمة
تعظيما له ، واعترافا بفضله ، واعتذارا عما قالوا فيه . وهذه كرامة عظيمة
من الله تعالى لآدم عليه السلام : { فسجدوا إلا إبليس أبى } أي : امتنع عن السجود : { واستكبر } أي : تكبر ، وقال : أنا خير منه ، فالسين للمبالغة : { وكان } في سابق علم الله ، أو صار : { من الكافرين } .
تنبيهات :
الأول : للناس في هذا السجود أقوال :
أحدها أنه تكريم لآدم ، وطاعة لله ، ولم يكن عبادة لآدم . وقيل : السجود
لله ، وآدم قبلة ، أو السجود لآدم تحية ، أو السجود لآدم عبادة بأمر الله ،
وفرضه عليهم . ذكر ابن الأنباري عن الفراء ، وجماعة من الأئمة : أن سجود
الملائكة لآدم ، كان تحية ، ولم يكن عبادة ، وكان سجود تعظيم وتسليم وتحيه ،
لا سجود صلاة وعبادة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال أهل العلم : السجود كان لآدم بأمر الله وفرضه وعلى هذا إجماع كل من يسمع قوله فإن الله تعالى قال : { اسجدوا لآدم } ولم يقل : إلى آدم
وكل حرف له معنى ، وفرق بين : سجدت له ، وبين : سجدت إليه قال تعالى : { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن } [ فصلت : 37 ] : { ولله يسجد من في السماوات والأرض } [ الرعد : 15 ]
أجمع المسلمون على أن السجود للأحجار ، والأشجار ، والدواب محرم ، وأما
الكعبة ، فيقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ، ثم
صلى إلى الكعبة ، ولا يقال صلى لبيت المقدس ، ولا للكعبة والصواب أن الخضوع
بالقلوب ، والاعتراف بالعبودية ، لا يصلى على الإطلاق إلا لله سبحانه .
وإما السجود فشريعة من الشرائع يتبع الأمر فلو أمرنا سبحانه أن نسجد لأحد
من خلقه ، لسجدنا طاعة واتباعا لأمره فسجود الملائكة لآدم عبادة لله ،
وطاعة ، وقربة يتقربون بها إليه وهو لآدم تشريف وتعظيم وتكريم وسجود إخوة
يوسف له تحية وسلام ولم يأت أن آدم سجد للملائكة بل لم يؤمر بالسجود إلا
لله رب العلمين وبالجملة ، أهل السنة قالوا : إنه سجود تعظيم وتكريم وتحية
له .
وقالت المعتزلة : كان آدم كالقبلة يسجد إليه ، ولم يسجدوا له قالوا ذلك
هربا من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم ؛ فإن أهل السنة قالوا : إبليس من
الملائكة ، وصالح البشر أفضل من الملائكة ، واحتجوا بسجود الملائكة لآدم
خالفت المعتزلة في ذلك وقالت : الملائكة أفضل من البشر ، وسجود الملائكة
لآدم كان كالقبلة ، ويبطله ما حكى الله سبحانه عن إبليس : { قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا } [ الإسراء : 62 ] .
الثاني : اختلفوا في الملائكة الذين أمروا بالسجود ، فقيل : هم الذين كانوا مع إبليس في الأرض
قال تقي الدين بن تيمية : هذا القول ليس من أقوال المسلمين واليهود
النصارى وقيل : هم جميع الملائكة ، حتى جبريل وميكائيل وهذا قول العامة من
أهل العلم بالكتاب والسنة
قال ابن تيمية : ومن قال خلافه فقد رد القرآن بالكذب والبهتان ، لأنه سبحانه قال : { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } [ الحجر : 30 ] ، وهذا تأكيد للعموم .
الثالث : للعلماء في إبليس ، هل كان من الملائكة أم لا ؟
قولان :
أحدهما أنه كان من الملائكة قاله ابن عباس ،
وابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، واختاره الشيخ موفق الدين ، والشيخ أبو
الحسن الأشعري ، وأئمة المالكية ، وابن جرير الطبري قال البغوي : هذا قول
أكثر المفسرين ، لأنه سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم قال تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس }
فلولا أنه من الملائكة ، لما توجه الأمر إليه بالسجود ، ولو لم يتوجه
الأمر إليه بالسجود لم سكن عاصيا ، ولما استحق الخزي والنكال .
والقول الثاني : أنه كان من الجن ، ولم يكن من
الملائكة قاله ابن عباس ، في رواية ، والحسن وقتادة ، واختاره الزمخشري ،
وأبو البقاء العكبري ، والكواشي في تفسيره . لقوله تعالى : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه
} [ الكهف : 50 ] ، فهو أصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس ، ولأنه خلق من
نار ، والملائكة خلقوا من نور ، ولأن له ذرية ، ولا ذرية للملائكة .
قال في الكشاف : إنما تناوله الأمر ، وهو للملائكة خاصة ، لأن إبليس
كان في صحبتهم ، وكان يعبد الله عبادتهم ، فلما أمروا بالسجود لآدم
والتواضع له كرامة له كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع .
والقول الأول هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء ، وصححه البغوي وأجابوا عن قوله تعالى : { إلا إبليس كان من الجن } أي : من الملائكة الذين هم خزنة الجنة .
قال ابن القيم : الصواب التفصيل في هذه المسألة ، وأن القولين في
الحقيقة قول وحد فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته ، وليس منهم بمادته
وأصله ؛ كان أصله من نار ، وأصل الملائكة من نور فالنافي كونه من الملائكة ،
والمثبت ، لم يتواردا على محل واحد
وكذلك قال الشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في الفتاوي المصرية : وقيل إن
فرقة من الملائكة خلقوا من النار ، سموا : جنا ؛ لاستتارهم عن الأعين ،
فإبليس كان منهم . والدليل على ذلك قوله تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } [ الصافات : 158 ] ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله ، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية .
سئل الشعبي : هل لإبليس زوجة ؟ قال : ذلك عرس لم أشهده ! قال : ثم قرأت هذه
الآية ، فعلمت أنه لا يكون له ذرية إلا من زوجة . فقلت : نعم . وقال قوم :
ليس له ذرية ولا أولاد ، وذريته أعوانه من الشياطين .
الرابع : في قوله تعالى : { وكان من الكافرين }
قولان : أحدهما أنه وقت العبادة كان منافقا
والثاني أنه كان مؤمنا ثم كفر ، وهذا قول الأكثرين . فقيل في معنى الآية : { وكان من الكافرين } في علم الله ، أي : كان عالما في الأزل أنه سيكفر .
والذي عليه الأكثرون أن إبليس أول كافر بالله أو يقال : معنى الآية أنه صار من الذين وافقوه في الكفر بعد ذلك .
واختلف الناس بأي سبب كفر إبليس ، لعنه لله .
فقالت الخوارج : إنما كفر بمعصية الله ، وكل معصية كفر وهذا قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .
وقال آخرون : كفر بترك السجود لآدم ومخالفته أمر الله . وقال آخرون : كفر
لأنه خالف الأمر الشفاهي من الله ، فإن الله خاطب الملائكة وأمرهم بالسجود .
ومخالفة الأمر الشفاهي أشد قبحا .
وقال جمهور الناس : كفر إبليس لأنه أبى السجود واستكبر وعاند وطعن ، واعتقد أنه محق في تمرده ، واستدل بـ : { أنا خير منه }
[ الأعراف : 12 ] كما يأتي فكأنه ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته
وهذا الكبر عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " كذا في " كتاب الاستعاذة " للإمام ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى