السؤال :
لم أطلب أن يتم خلقي فكيف من العدل أني لا أستطيع أن أُنهي حياتي ؟ خلقنا الله ، وأعطانا مهلة للعيش ، ويقول القرآن بأنه : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ولكن إذا قررت أنا أن أنهي حياتي فسوف أذهب إلى النار ، بالنسبة لي يبدو هذا وكأنه إكراه على العيش في الوقت الذي لا أريد أنا فيه العيش ! وبناء عليه فيكون هذا أيضاً إكراهاً في الدين .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
إذا كنتَ تعتقد أن الله تعالى خلقك ، وأنه أمرك ونهاك ، وكنتَ تعلم أنك إذا انتحرت فستكون قد ختمت حياتك بخاتمة سوء تستحق عليها العقاب من الله تعالى فلماذا تريد فعله ؟! ولماذا يصدر منك هذا الكلام بذاك الاعتراض على أمر الله وفعله ؟ واعتراضك على الله تعالى في خلقه لك وإيجادك أعظم إثماً من الانتحار ، فارفق بنفسك – أخي السائل – واستيقظ من غفلتك ، ولا نريد لك إلا الخير ، فكل خلق الله تعالى عبيد له لا إرادة لأحد منهم في خلقه وإيجاده ، قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص/ 68 ، فاعمل لما خُلقتَ له من العبادة والطاعة قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذريات/ 56 ، واحذر من اتباع الشيطان في فعله فإنه اعترض على خلق الله وفعله فلم يرض بخلق آدم عليه السلام ، ولم يرض أن يسجد له ، فاعترض على أمر الله الكوني وخالف أمره الشرعي ، قال تعالى عن إبليس : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) الأعراف/ 12 ، وانظر إلى الملائكة الذين استعلموا عن الحكمة من خلق آدم ، بعد أن قاموا بما أمرهم الله تعالى به من السجود لآدم ، فقُبل منهم الاستعلام ، لأنهم فعلوا ما أُمروا به ، لكنهم خفي عليهم الحكمة من خلق آدم وذريته الذين يحصل منهم سفك للدماء وإفساد في الأرض ، حتى أخبرهم الله تعالى بعظيم حكمته في هذا الخلق .
قال ابن كثير – رحمه الله – في قوله تعالى ( أَتَجْعَلُ فِيهَا ) الآية - : " وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك ، يقولون : يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟ فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، أي : نصلي لك ، أي : ولا يصدر منا شيء من ذلك ، وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال : ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) أي : إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم ؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل ، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء والصالحون والعبَّاد والزهَّاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 1 / 216 ، 217 ) .
فلو أنك قمتَ بما أمرك الله تعالى به ثم سألتَ عن حكمته عز وجل في خلق البشر ، لكان مقبولاً منه ، وأما اعتراضك على الله تعالى في إرادته الكونية ، ورغبتك في مخالفة أوامره الشرعية ، فأنت بذلك تقتحم مورداً صعباً ويودي بك فعلك هذا إلى ما تعلم من الإثم واستحقاق العذاب .
ومهما اعترض المعترض على وجوده في الدنيا فلن ينفعه اعتراضه ؛ فهو مقهور على الوجود ، وإذا أراد التخلص من حياته اعتراضاً على وجوده فقد وقع في مصيبتين الأولى الاعتراض على فعل الله وقدره ، والثانية مخالفة شرعه في عدم الحفاظ على نفسه وإهلاكها ، وسينتظره عذاب الله تعالى في الآخرة ، وقد حكم الله تعالى حكماً أنه تعالى : ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/ 23 .
ثانياً:
وأما قوله تعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ في الدِّين ) فلا تعلق له بمسألة القهر على وجود الخلق ؛ لأن وجود الخلق له تعلق بالإرادة الكونية ، وأما الآية ففي الأحكام الشرعية ، ثم إنها ليست في قهر الناس للدخول في الإسلام كما بينَّاه في أجوبة الأسئلة ( 20227 ) و ( 165408 ) و ( 178756 ) وبه يتبين لك أنه لا تعلق للآية بمسألتك من كل وجه .
ونسأل الله أن يهديك لما فيه رضاه وأن يشرح صدرك للحق .
والله أعلم
لم أطلب أن يتم خلقي فكيف من العدل أني لا أستطيع أن أُنهي حياتي ؟ خلقنا الله ، وأعطانا مهلة للعيش ، ويقول القرآن بأنه : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ولكن إذا قررت أنا أن أنهي حياتي فسوف أذهب إلى النار ، بالنسبة لي يبدو هذا وكأنه إكراه على العيش في الوقت الذي لا أريد أنا فيه العيش ! وبناء عليه فيكون هذا أيضاً إكراهاً في الدين .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
إذا كنتَ تعتقد أن الله تعالى خلقك ، وأنه أمرك ونهاك ، وكنتَ تعلم أنك إذا انتحرت فستكون قد ختمت حياتك بخاتمة سوء تستحق عليها العقاب من الله تعالى فلماذا تريد فعله ؟! ولماذا يصدر منك هذا الكلام بذاك الاعتراض على أمر الله وفعله ؟ واعتراضك على الله تعالى في خلقه لك وإيجادك أعظم إثماً من الانتحار ، فارفق بنفسك – أخي السائل – واستيقظ من غفلتك ، ولا نريد لك إلا الخير ، فكل خلق الله تعالى عبيد له لا إرادة لأحد منهم في خلقه وإيجاده ، قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص/ 68 ، فاعمل لما خُلقتَ له من العبادة والطاعة قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذريات/ 56 ، واحذر من اتباع الشيطان في فعله فإنه اعترض على خلق الله وفعله فلم يرض بخلق آدم عليه السلام ، ولم يرض أن يسجد له ، فاعترض على أمر الله الكوني وخالف أمره الشرعي ، قال تعالى عن إبليس : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) الأعراف/ 12 ، وانظر إلى الملائكة الذين استعلموا عن الحكمة من خلق آدم ، بعد أن قاموا بما أمرهم الله تعالى به من السجود لآدم ، فقُبل منهم الاستعلام ، لأنهم فعلوا ما أُمروا به ، لكنهم خفي عليهم الحكمة من خلق آدم وذريته الذين يحصل منهم سفك للدماء وإفساد في الأرض ، حتى أخبرهم الله تعالى بعظيم حكمته في هذا الخلق .
قال ابن كثير – رحمه الله – في قوله تعالى ( أَتَجْعَلُ فِيهَا ) الآية - : " وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك ، يقولون : يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟ فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، أي : نصلي لك ، أي : ولا يصدر منا شيء من ذلك ، وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال : ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) أي : إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم ؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل ، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء والصالحون والعبَّاد والزهَّاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 1 / 216 ، 217 ) .
فلو أنك قمتَ بما أمرك الله تعالى به ثم سألتَ عن حكمته عز وجل في خلق البشر ، لكان مقبولاً منه ، وأما اعتراضك على الله تعالى في إرادته الكونية ، ورغبتك في مخالفة أوامره الشرعية ، فأنت بذلك تقتحم مورداً صعباً ويودي بك فعلك هذا إلى ما تعلم من الإثم واستحقاق العذاب .
ومهما اعترض المعترض على وجوده في الدنيا فلن ينفعه اعتراضه ؛ فهو مقهور على الوجود ، وإذا أراد التخلص من حياته اعتراضاً على وجوده فقد وقع في مصيبتين الأولى الاعتراض على فعل الله وقدره ، والثانية مخالفة شرعه في عدم الحفاظ على نفسه وإهلاكها ، وسينتظره عذاب الله تعالى في الآخرة ، وقد حكم الله تعالى حكماً أنه تعالى : ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/ 23 .
ثانياً:
وأما قوله تعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ في الدِّين ) فلا تعلق له بمسألة القهر على وجود الخلق ؛ لأن وجود الخلق له تعلق بالإرادة الكونية ، وأما الآية ففي الأحكام الشرعية ، ثم إنها ليست في قهر الناس للدخول في الإسلام كما بينَّاه في أجوبة الأسئلة ( 20227 ) و ( 165408 ) و ( 178756 ) وبه يتبين لك أنه لا تعلق للآية بمسألتك من كل وجه .
ونسأل الله أن يهديك لما فيه رضاه وأن يشرح صدرك للحق .
والله أعلم