وسام المغفرة
نحتفل في هذا اليوم بخير منسك خصنا به الله هذا المنسك العظيم لو علمنا ما فيه من الخير والتكريم من المولى الكريم لباع كل واحد منا ما ملكت يداه وسارع متجرداً لزيارة الله في بيت الله فإن الذي يذهب إلى هذه الأماكن لا يذهب من قبل نفسه وإنما بدعوة من ربه فإن الخليل لما أمره الجليل أن يبني هذا البيت فأعانه وبناه قال يا إبراهيم{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}قال: يا ربَّ وما يبلغ صوتي؟ قال: يا إبراهيم عليك الآذان وعلينا البلاغ. فأمر الله الجبال أن تهبط والسهول والوديان أن ترتفع والأرواح التي لم يئن ميعاد خروجها إلى الدنيا أن تخرج وأسمع الجميع نداء الخليل فوقف الخليل على جبل أبي قبيس المواجه للكعبة واتجه مرة جهة المشرق ومرة جهة المغرب ومرة جهة الشمال ومرة جهة الجنوب وفي كل مرة يقول{أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وأمركم بالحج فحجوا}
فقال الناس فى أصلاب أبائهم وأرحام أمهاتهم وقلنا نحن مع الناس: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك منا من قالها مرة فقيد له الملائكة أن يزور البيت مرة ومنا من وفقه الموفق فرددها مرتين فكتب له حجتين ومنا من زاد على ذلك فقد ورد فى الأثر{ فَمَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ حَجَّ مَرَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَحُجُّونَ بِعَدَدِ مَا أَجَابُوا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ لَمْ يَحُجَّ }[1]فلا يذهب إلى هناك إلا من لبى نداء الخليل ووفقه الجليل فذهب لزيارته لأنه لا يزار إلا بإذنه ولا يذهب إليه ذاهب إلا بتوفيقه ولا يبلغ هذا المراد إلا من أراد الله سعادته في الدنيا والآخرة هؤلاء الذاهبون ماذا يطلبون وماذا يبغون؟ وما لهم عند الله ؟ لم يسافروا رغبة في دنيا يريدونها أو في رياسة يتنافسون في الحصول عليها أو لأي متعة من متع الدنيا الفانية وإنما ذهبوا يحدوهم داعي المغفرة يطلبون غفران الذنوب ويطلبون ستر العيوب ويطلبون استجابة الدعاء ويطلبون الأمان من النار ويطلبون ضمان دخول الجنة مع الأبرار ويطلبون أن يكتبوا في كشوف الشفاعة عند النبي المختار
ويطلبون أن يكونوا من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ما أعظم ما يطلبون إن كل مطلب من هذه المطالب لو تدبرناه لو أنفق الإنسان فيه كل ما ملكت يداه كان قليلاً جداً جداً في جانب ما يحصل عليه من الله وبالله ربكم خبروني الذي يأخذ وسام المغفرة من الغفار ويغفر الله له كل ما في صحيفته من الذنوب والأوزار الصغار منها والكبار ماذا يساوي ذلك في عالم اليوم؟ لو كان يملك الدنيا بأجمعها ما استطاع أن يدفعها في ثمن هذه المغفرة لأن الله أنبأ عن قوم ملكهم الدنيا ليغرهم ويضرهم بها أنهم إذا كانوا يوم القيامة يود الواحد منهم{لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ}ولكن الله لا ينجيه لأنه خرج كافراً بالله أما هؤلاء القوم فيتفضل عليهم الغفار بالمغفرة قال النبي{مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}[2]
وقد ورد{أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَعَا لاٌّمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأُجِيبَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلاَ الْمَظَالِمَ فَإنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ قَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ وَغَفَرْتُ لِلْظَّالِمِ فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ.قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ تَبَسَّمَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّ هذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ. قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لاٌّمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رِأْسِهِ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ} [3]فرسولكم الكريم عندما أصبح بالمزدلفة بشرنا جميعاً وقال{قال الله تعالى أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}[4]هذا فى المغفرة أما في الأمان من النار فقد وعد بذلك العزيز الغفار فقال في محكم القرآن{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}من دخل هذا المكان وهذه الساحة من ساحات الفضل والرضوان كان آمناً من النيران وكان آمناً من سوء الخاتمة لحظة لقاءه بالديان إذا قبل الله حجه
[1] حاشية الجمل مراح لبيد للنووي الحاوي ، كنز الدقائق لعبد الله أحمد النسفى عن مجاهد.
[2] رواه الدارقطنى في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحة عن أبي هريرة.
[3] رواه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه الترغيب والترهيب وغيره
[4] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ
منول من كتاب الخطب الالهامية الحج والعمرة http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%CE%D8%C8%20%C7%E1%C5%E1%E5%C7%E3%ED%C9_%E3%E4%C7%D3%C8%C7%CA_%CC6_%C7%E1%CD%%20%E6%DA%ED%CF%20%C7%E1%C3%D6%CD%EC&id=75&cat=3