السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوتي في الله
حياكم الله جيمعا
يقول الله تعالى:
(( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَي
طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا اْلمَاءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا اْلَأْرضَ
شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وِقَضْبًا* وَزَيْتُونًا
وَنَخْلًا* وَحَدَائِقَ غُلْبًا* وَفَاكِهَةً وَأَبًّا* مَتَاعًا لَّكُمْ
وَلِأَنْعَامِكُمْ* )) (عبس:24 ـ31)
* ذكر
الطبري( رحمه الله) ما نصه:( فلينظر الإنسان) يعني: الكافر( إلي
طعامه) كيف دبره الله؟ وقيل إلي مدخله فيه ومخرجه.( أنا صببنا الماء)
الغيث( صبا),( ثم شققنا الأرض) بالنبات( شقا. فأنبتنا فيها حبا): حب
الزرع( وعنبا): كروما( وقضبا) يعني بها: الرطبة, وأهل مكة يسمون
القت: القضب,( وحدائق غلبا) بساتين محوطا عليها( غلبا): غلاظا يستظل
بها( وفاكهة) من ثمار الأشجار( وأبا): ما تأكله البهائم من العشب
والنبات( متاعا لكم ولأنعامكم) تتمتعون بها وتنتفعون.
* وذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: وقوله تعالي:(
فلينظر الإنسان إلي طعامه) فيه امتنان, وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض
الهامدة, علي إحياء الأجسام بعدما كانت عظاما بالية وترابا متمزقا,( أنا صببنا
الماء صبا) أي أنزلناه من السماء علي الأرض,( ثم شققنا الأرض شقا) أي أسكناه
فيها فيدخل في تخومها, فنبت وارتفع وظهر علي وجه الأرض,( فأنبتنا فيها حبا
وعنبا وقضبا), فالحب كل ما يذكر من الحبوب, والعنب معروف, والقضب هو الفصفصة
التي تأكلها الدواب رطبة, ويقال لها القت أيضا. قال ذلك ابن عباس وقتادة,
وقال الحسن البصري: القضب العلف( وزيتونا) وهو معروف, وهو أدم وعصيره
أدم, ويستصبح به ويدهن به( ونخلا) يؤكل بلحا وبسرا, ورطبا وتمرا, ونيئا
ومطبوخا, ويعتصر منه رب وخل.( وحدائق غلبا) أي بساتين, قال الحسن وقتادة:
غلبا نخل غلاظ كرام, وقال ابن عباس ومجاهد: كل ما التف واجتمع, وقال ابن عباس
أيضا( غلبا) الشجر الذي يستظل به, وقال عكرمة( غلبا) أي غلاظ الأوساط,
وقوله تعالي( وفاكهة وأبا) أما الفاكهة فكل ما يتفكه به من الثمار, قال ابن
عباس: الفاكهة كل ما أكل رطبا, والأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا
يأكله الناس, وفي رواية عنه: هو الحشيش للبهائم, وقال مجاهد: الأب الكلأ,
وعن مجاهد والحسن: الأب للبهائم كالفاكهة لبني آدم, وعن عطاء كل شيء نبت علي
وجه الأرض فهو أب, وقال الضحاك: كل شيء أنبتته الأرض سوي الفاكهة فهو الأب.
وقال العوفي, عن ابن عباس: الأب: الكلأ والمرعي....
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) ما نصه:(
فلينظر الإنسان) نظر اعتبار( إلي طعامه) كيف قدر ودبر له.( أنا صببنا
الماء) من السحاب علي الأرض( صبا) أي بغزارة.( ثم شققنا الأرض)
بالنبات( شقا).( فأنبتنا فيها حبا) كالحنطة والشعير.( وعنبا وقضبا) هو:
القت الرطب علفا للدواب.( وزيتونا ونخلا) أي: شجرتا الزيتون والنخيل.(
وحدائق غلبا) بساتين كثيرة الأشجار.( وفاكهة وأبا) ما ترعاه البهائم, وقيل
التبن.( متاعا) متعة أو تمتيعا...( لكم ولأنعامكم) جمع نعم وهي الإبل
والبقر والغنم.
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة
واسعة) ما نصه: وينتقل السياق إلي لمسة أخري في مقطع جديد... فتلك هي
نشأة هذا الإنسان.. فهلا نظر إلي طعامه وطعام أنعامه في هذه الرحلة؟ وهي شيء واحد
من أشياء يسرها له خالقه؟
هذه قصة طعامه مفصلة مرحلة مرحلة, هذه هي فلينظر
إليها, فهل له من يد فيها؟ هل له من تدبير في أمرها؟ إن اليد التي أخرجته إلي
الحياة وأبدعت قصته, هي ذاتها اليد التي أخرجت طعامه, وأبدعت قصته...( فلينظر
الإنسان إلي طعامه), ألصق شيء به, وأقرب شيء إليه, وألزم شيء له.. لينظر
إلي هذا الأمر الميسر الضروري الحاضر المكرر. لينظر إلي قصته العجيبة اليسيرة,
فإن يسرها ينسيه ما فيها من العجب, وهي معجزة كمعجزة خلقه ونشأته, وكل خطوة من
خطواتها بين القدرة التي أبدعته:( أنا صببنا الماء صبا).. وصب الماء في صورة
المطر حقيقة يعرفها كل إنسان في كل بيئة, في أية درجة كان من درجات المعرفة
والتجربة. فهي حقيقة يخاطب بها كل إنسان, فأما حين تقدم الإنسان في المعرفة فقد
عرف من مدلول هذا النص ما هو أبعد مدي وأقدم عهدا من هذا المطر الذي يتكرر اليوم
ويراه كل أحد.
واستعار صاحب الظلال( رحمه الله) فرضا عن أصل ماء الأرض
نقله عن كتاب الإنسان لا يقوم وحده( تأليف أ. كريس موريسون وترجمه محمود صالح
الفلكي بعنوان:( العلم يدعو للإيمان) ثم أضاف: ذلك كان أول قصة الطعام:(
أنا صببنا الماء صبا).. ولا يزعم أحد أنه أنشأ هذا الماء في أي صورة من صوره,
وفي أي تاريخ لحدوثه, ولا أنه صبه علي الأرض صبا لتسير قصة الطعام في هذا
الطريق!.
(ثم شققنا الأرض شقا).. وهذه هي المرحلة التالية لصب
الماء. وهي صالحة لأن يخاطب بها الإنسان البدائي الذي يري الماء ينصب من السماء
بقدرة غير قدرته, وتدبير غير تدبيره. ثم يراه يشق الأرض ويتخلل تربتها. أو
يري النبت يشق تربة الأرض شقا بقدرة الخالق( سبحانه) وينمو علي وجهها, ويمتد
في الهواء فوقها.. وهو نحيل نحيل, والأرض فوقه ثقيلة ثقيلة. ولكن اليد
المدبرة تشق له الأرض شقا, وتعينه علي النفاذ فيها وهو ناحل لين لطيف. وهي
معجزة يراها كل من يتأمل انبثاق النبتة من التربة, ويحس من ورائه انطلاق القوة
الخفية الكامنة في النبتة الرخية.
فأما حين تتقدم معارف الإنسان فقد يعن له
مدي آخر من التصور في هذا النص, وقد يكون شق الأرض لتصبح صالحة للنبات أقدم بكثير
مما نتصور. إنه قد يكون ذلك التفتت في صخور القشرة الأرضية بسبب الفيضانات
الهائلة..., وبسبب العوامل الجوية الكثيرة التي يفترض علماء اليوم أنها تعاونت
لتفتيت الصخور الصلبة التي كانت تكسو وجه الأرض وتكون قشرتها, حتي وجدت طبقة
الطمي الصالحة للزرع. وكان هذا أثرا من آثار الماء تاليا في تاريخه لصب الماء
صبا, مما يتسق أكثر من هذا التتابع الذي تشير إليه النصوص.
وسواء كان
هذا أم ذاك أم سواهما هو الذي حدث, وهو الذي تشير إليه الآيتان السابقتان فقد
كانت المرحلة الثالثة في القصة هي النبات بكل صنوفه وأنواعه التي يذكر منها هنا
أقربها للمخاطبين, وأعمها في طعام الناس والحيوان:( فأنبتنا فيها حبا).. وهو
يشمل جميع ما يأكله الناس في أية صورة من صوره, وما يتغذي به الحيوان في كل حالة
من حالاته.( وعنبا وقضبا).. والعنب معروف, والقضب هو كل ما يؤكل رطبا غضا من
الخضر التي تقطع مرة بعد أخري( وزيتونا ونخلا. وحدائق غلبا وفاكهة وأبا)...
والزيتون والنخل معروفان لكل عربي, والحدائق جمع حديقة, وهي البساتين ذات
الأشجار المثمرة المسورة بحوائط تحميها. و(غلبا) جمع غلباء أي ضخمة عظيمة
ملتفة الأشجار. والفاكهة من ثمار الحدائق و(الأب) أغلب الظن أنه الذي ترعاه
الأنعام....
* وجاء في صفوة البيان لمعاني
القرآن( رحم الله كاتبها برحمته الواسعة) ما نصه:( فلينظر الإنسان إلي
طعامه) كيف دبر:( أنا صببنا الماء صبا) أنزلنا له الغيث من السماء إنزالا.(
ثم شققنا الأرض شقا) شققناها بالنبات شقا بديعا, لائقا بما يشقها منه صغرا
وكبرا, وشكلا وهيئة.( حبا) ما يقتات به الإنسان ويدخره, من نحو الحنطة
والشعير والذرة.( وعنبا) يتفكه به.( وقضبا) علفا رطبا للدواب ويسمي
الفصفصة, وإذا يبس يسمي القت, وسمي قضبا لأنه يقضب أي يقطع بعد ظهوره مرة بعد
أخري كالكلأ والبرسيم. وقيل: القضب ما يقضب من النبات ليأكله الإنسان غضا
طريا, كالبقول التي تقطع فينبت أصلها.( وحدائق) بساتين محوطة, جمع حديقة,
وهي ما أحيط من النخل والشجر, فإذا لم يحط فليس بحديقة, بل هو بستان, ومنه
أحدقوا به أي أحاطوا به.( غلبا) عظاما, جمع أغلب وغلباء. والغلباء هي
الحديقة الغليظة الأشجار الملتفة. وأصلها من الغلب ـبفتحتينـ بمعني الغلظ,
يقال: غلب ـكفرحـ أي غلظ عنقه, ومنه: الأغلب للغليظ الرقبة, وهضبة غلباء:
أي عظيمة مشرفة.( وأبا) الأب: الكلأ والمرعي, وهو ما تأكله الب
هائم من
العشب, من أبه: إذا أمه وقصده, لأنه يؤم ويقصد. أو من أب لكذا: إذا تهيأ
له, لأنه متهيء للرعي. أو ما تأكله البهائم من العشب والنبات, رطبا كان أو
يابسا. فهو أعم من القضب, أو هو التبن خاصة.
مقتبس من مقالات الدكتور زغلول النجار
أتمنى ان تعم الفائدة الجميع
في امان الله