ما أجمل الكلام عن رجل عظيم ، عن قدوة مربي ، في زمن قل فيه القدوات الصالحة . هذا الرجل نتخذ من حياته سمات حياة الطهر والكرامة ، في حين أن من بيننا من يقتفي أثر الأعداء حذو القدة بالقدة ..
هذا الرجل العظيم ، هو الذي أحيا أمة وأعلن دولة وأقام شرعة ، أذل الله به الكفر وأهله ، ونصر به الحق وجنده ، الحديث عن رجل نصر بالرعب مسيرة شهر وجعل رزقه تحت ظل رمحه وجعل الذل والصغار على من خالف أمره .
هذا الرجل صاحب لسان صادق وقلب سليم، هذا الرجل العظيم هو: محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أمة في الخلق والدعوة ومنهاج الحياة ..
أليس رينا تبارك وتعالى أثنى عليه فقال : { وإنك لعلى خلق عظيم } .
وإننا وإن تاقت أنفسنا لرؤية حبيبنا صلى الله عليه وسلم وتباعدت الأيام والسنين بيننا وبينه إلا أن رجائنا أن نكون فيمن قال فيهم صلى الله عليه وسلم وهو جالس عند أصحابه : " وددت أنا قد رأينا إخواننا " قال الصحابة مستفهمين : ألسنا إخوانك يا رسول الله ؟ فرد عليهم بأبي هو وأمي قائلاً : "أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد " فتساءلوا كيف يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يره في حياته فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟
فوضح رسولي صلى الله عليه وسلم مقصده بأعظم توضيح قائلا : " أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دُهم بُهم ألا يعرف خيله ؟"
ومعنى تساؤله : أنه لو كان واحد من الناس عنده خيل بيضاء بين خيول أخرى تفرق عنهم أوليس يعرف خيله من بينها ؟ قالوا : بلى يا رسول الله..
تأملي ماذا رد رسول الله عليه وسلم بعدها واستشعري عظم هذا الرد في حياتك وهل أنت ممن يداوم على ما سيقوله صلى الله عليه وسلم أم لا إذ قال صلى الله عليه وسلم : " فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض " رواه مسلم.
فلو جلسنا بعض أوقتنا لنلمس من هذا الحديث تجارة رابحة يوم القيامة ، لطال بنا الأوقات ..
فإن الوضوء يشتكي منا .. ويشتكي من عجلتنا ، ويفتقد من أهل الإسلام من يطبق السنة في وضوءه ..
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يقتفي أثره ويتبع سنته ، لننال الجزاء العظيم من العظيم تبارك وتعالى ..
فإننا بحاجة ماسة ضرورية لأن نعرف حياته ونعيش تفاصيلها صلى الله عليه وسلم ..
لأمور متعددة سنعرفها لتكون لنا طريقاً ممهدا منذ هذا اليوم لتلقف كل سنة واتباع كل أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أول هذه الأسباب التي تدعونا لاقتفاء أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1. أن الله أمرنا بالاقتداء به فقال سبحانه : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر }
فمعرفه سننه وإتباع أوامره وترك نواهيه دليل على محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي دليل على حبنا لمن أحبه الله تعالى ..
فبإتباع السنة نتيجة أوردتها الآية إن كنا قد تمعناها إذا أن من كان يرجو الله واليوم الآخر فليكون له من رسول الله أسوة حسنة ..
وبمعرفة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوك لطريق آمن ، ولنيل الفوز العظيم ..
الأمر الثاني الذي يدعونا لسلوك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
2. أن حياته صلى الله عليه وسلم حياة المعصوم عن الخطأ والضلال فهو القدوة وقد جعلها ربي تبارك وتعالى هي (الأسوة الحسنة) فهو الصورة التطبيقية العملية لهذا الدين وجميع الطرق الموصلة إلى الله تعالى ثم إلى الجنة موصودة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم .
ويمتنع أن يعرف دين الله ويصح الإسلام بدون معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف كان هديه وعمله وأمره ونهيه ومنهجه وسنته .
فهي غنيمة ما بعدها غنيمة أن يكون لنا رسول قدم لنا منهاج حياة عادل ويدعو إلى الفلاح في الدنيا والآخرة ليكون لنا نبراساً في التطبيق والعمل ..
وإن من الخسارة الفادحة أن نترك سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عصمه ربي من الزلل ، لنتجه إلى غيره من القدوات التي تعتريها النقص والزلل والخطأ ما يعتريها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه دستور الحياة الصحيح ..
الأمر الثالث الذي يدعونا لمعرفة هديه وحياته صلى الله عليه وسلم :
3. <أن حياته صلى الله عليه وسلم مدرسة كاملة خرجت الأجيال تلو الأجيال ، فنتأمل من سيرته المتكاملة أنه سالم وحارب ، وأقام وسافر ، وباع واشترى ، وأخذ وأعطى وما عاش صلى الله عليه وسلم وحده ولا غاب عن الناس يوماً واحداً . ولقد لاقى أصناف الأذى ، وقاسى أشد أنواع الظلم ، وكانت العاقبة والنصر والتمكين له .
فنرى أنه استطاع بعون الله له أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الضلال إلى الهدى ومن الشقاء إلى السعادة </B>، فأحبوه وفدوه بأنفسهم وأهليهم وأموالهم واقتدوا به في كل صغيرة وكبيرة ، فأصبحوا أئمة وقادة البشرية
هل تطلبون من المختار معجزة ** يكفيه شعب من الأجداث أحيا
من وحد العرب حتى كان واترهم ** إذا رأى ولد الموتور أخـاه
لكن اليوم لا نرى نصرا كما كنا نعرفه في أمجاد سبقت كل السبب يعود إلا أن ما أصيب به المسلمون اليوم هو بسبب الإخلال بجانب الاقتداء به والأخذ بهديه واتباع سنته .
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشرع من عندهم ولم تصل دعوته للآفاق بسبب تخطيطه هو صلى الله عليه وسلم ..
إنما هو من وحي الله تعالى ، الذي خلق العباد وهو أدرى بمصالحهم ، وبما ينفعهم ، فحري بنا أن نستشعر ذلك ونتأمل ، وتتبنى دواخلنا قناعة عظيمة:
أن ما في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من نجاحات هو بسبب طريقة حياته ونهجه التي كان ينهجها صلى الله عليه وسلم ..
فمن هنا تكون انطلاقتنا إلى تطبيق السنة لننال به فوز الدنيا بتحقيق مرادنا وفوز الآخر بالخلود في الفردوس الأعلى إن شاء الله من الفائزين .ستكون بداية الكلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. في الحديث عن العبادة في حياته :
فالخلق كلهم ما خلقوا إلا لعبادة الله تعالى كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ..
لذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان له شأن عظيم مع العبادة ومواصلة القلب بالله عز وجل . فهو لا يدع وقتاً يمر دون ذكر الله عز وجل وحمده وشكره . و قد كانت حياته كلها عبادة لله سبحانه .
فحري بنا أن نكون كذلك ، وأن نصحح نواياً ونسلم أمر الدنيا لخالقها ، ونجعل دواخلنا في تعلق كبير بالله تعالى في كل الأوقات ..
فتأملي حين خاطب الله تعالى رسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * } [ المزمل : 1 ـ 4 ] .
لما خاطبه تعالى بهذه الآيات العظيمة استجاب لربه فقام حتى تفطرت قدماه.
فانظري كيف كانت استجابته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، مع كل ما حفه ربي تعالى من البشارات العظيمة ..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يصلي حتى تنتفخ قدماه ، فيقال له : يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " .
فلك أن تتأملي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاته بالليل ويناجي ربه ويدعوه لأنه يستعين بهذا الورد الليلي في القيام بأعباء الدعوة وأمور الأمة . فقد حكوا عن صلاته العجيبة المطمئنة حكاها الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه إذ قال : (( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فافتتح البقرة فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى! فقلت : يصلي بها في ركعة ، فمضى ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلاً . إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول : سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحواً من قيامه ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى قريباً من قيامه )) رواه مسلم 1/536.
والله لو طبقنا هذا الهدي في قيامنا لنلنا فوق ما نتمنى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نال ما نتلمس أثره حتى نحن وإلى الآن ، ففي الجنان هو ، ودعوته تصدح حتى الآن ، ورسالة محفوظة إلى يوم القيامة .
والله لو استشعرنا هذه السنة العظيمة لما فرطنا فيها ليلة واحده !
فشأن قيام الليل شأن لا يمكن وصفه ، فهو كالزاد لمن تريد أن تحقق ما تريد من أمور دنيوية أو أخروية .. فمناجاة الله وحدها لذة لا يستشعرها إلا من علق قلبه بالله تعالى ..ومن قام الليل كان في وجهه نورا وفي روحه رضا واطمئنان غير الشرف الرفعة التي ينالها من يقوم الليل ..فلنعقد العزم من هذا الوقت أن يكون لنا نصيب من قيام الليل ، حتى ننال أكثر من نتمنى نواله ..
وبعد هذا الجانب من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ننظر إلى حاله مع الذكر فإن الإمام القدوة صلى الله عليه وسلم كان وقته عامراً بالطاعة والعبادة .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه )) رواه مسلم .
وهذا دليل أن على المسلم أن يكون لسانه رطباً بذكر الله ..
فلا ينبغي أن تشغلنا هذه الدنيا عن ذكر الله ، وهل هناك أخف من أن نذكر الله تعالى على كل حال فإن ابن عباس رضي الله عنهما يذكر وجها مشرقاً آخراً من حياة رسول الأمة صلى الله عليه وسلم فيقول :
.. (( كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم "
.. وأما أبو هريرة رضي الله عنه فإنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" .. وتقول أم سلمة رضي الله عنها عن أكثر دعاء الرسول إذا كان عندها :
" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " الترمذي .
فكل هذه الأحاديث التي رواها الصحابة الذين تعلقت قلوبهم بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتلمس منها أثراً عظيما ..
وهذا الأثر هو أن إمامنا وقائدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم يجعل من العبادة زاداً يقضي بها حاجته في الدنيا والآخرة .. ونحن نرى أثر هذا الزاد في نجاح دعوته المحفوظة إلى يوم القيامة وما منّ الله عليه من فتوحات عامره ، وانتشار منقطع النظير لهذا الدين العظيم .
فلا بد أن نشعر أنفسنا أننا بحاجة ماسة إلى عبادة الله .
وأننا لن نجد طريقاً مسدوداً يفتح إلا بالإستعانة بالله عن طريق عبادته .وأن نؤدي العبادة كما أمرنا الله أن نؤديها ، لأنها هي الزاد التي سنصل بها إلى مبتغانا من رضا الله والفوز بالجنة ..
فحفظ دين الله بالإستمرار على عبادته والمداومة على ذلك حفظ لأنفسنا ، لأن في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك بالوصية العظيمة إذ قال: " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ……… "
فما أعظم تلك الوصية لو أحاطت بحياتنا ..
حتى هنا فإن الوصية الأخيرة التي أتمنى من أعماق قلبي أن تجد لها قبولاً في قلوبكم الطيبة .. أتمنى أن نكون فعلا قد قررنا أن ننبذ كل قدوة لا تعين على الخير بل نتجه لأعظم قدوة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رسم لنا منهاج الحياة وقدمها لنا بنتائج مضمونة ، من فوز وفلاح ورفعة وشرف ..
فهل من مشمر قبل أن يقوم من هذا المجلس .. أتمنى فعلا أن نكون كلنا كذلك..
وسيكون حديثنا بإذن المولى عز وجل حديث يطوف بنا داخل بيت النبوة وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ، وننهل من معين السنن الرائعة ، والتي إن أحاطت حياتنا فستحيطها بحفظ ورضا وسعادة لا منتهى لها ..
سيكون هذا الحديث بتوفيق الله تعالى الأحد ما بعد الإجازة إن كتب الله لنا عمراً جديداً ..
اللهم تقبل هذا المجلس المبارك الذي ذكرنا فيه أحب الخلق إليك الذي اثنيت عليه في كتابك الكريم بخلقه العظيم ، اللهم وأجعل كل من جلست في هذا المجلس من المتبعين لسنة نبيك والداعين لها ، وجعل أقوى زاد نتزود به جميعاً لقضاء حوائج الدنيا والآخرة هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ..
اللهم أنت المعين وأنت الميسر فإن التيسير من عندك وأنت الموفق فإن التوفيق من عندك فيسر لنا واهدنا لما تحبه وترضى وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آل وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين وأتباعه إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ..
هذا الرجل العظيم ، هو الذي أحيا أمة وأعلن دولة وأقام شرعة ، أذل الله به الكفر وأهله ، ونصر به الحق وجنده ، الحديث عن رجل نصر بالرعب مسيرة شهر وجعل رزقه تحت ظل رمحه وجعل الذل والصغار على من خالف أمره .
هذا الرجل صاحب لسان صادق وقلب سليم، هذا الرجل العظيم هو: محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أمة في الخلق والدعوة ومنهاج الحياة ..
أليس رينا تبارك وتعالى أثنى عليه فقال : { وإنك لعلى خلق عظيم } .
وإننا وإن تاقت أنفسنا لرؤية حبيبنا صلى الله عليه وسلم وتباعدت الأيام والسنين بيننا وبينه إلا أن رجائنا أن نكون فيمن قال فيهم صلى الله عليه وسلم وهو جالس عند أصحابه : " وددت أنا قد رأينا إخواننا " قال الصحابة مستفهمين : ألسنا إخوانك يا رسول الله ؟ فرد عليهم بأبي هو وأمي قائلاً : "أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد " فتساءلوا كيف يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يره في حياته فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟
فوضح رسولي صلى الله عليه وسلم مقصده بأعظم توضيح قائلا : " أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دُهم بُهم ألا يعرف خيله ؟"
ومعنى تساؤله : أنه لو كان واحد من الناس عنده خيل بيضاء بين خيول أخرى تفرق عنهم أوليس يعرف خيله من بينها ؟ قالوا : بلى يا رسول الله..
تأملي ماذا رد رسول الله عليه وسلم بعدها واستشعري عظم هذا الرد في حياتك وهل أنت ممن يداوم على ما سيقوله صلى الله عليه وسلم أم لا إذ قال صلى الله عليه وسلم : " فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض " رواه مسلم.
فلو جلسنا بعض أوقتنا لنلمس من هذا الحديث تجارة رابحة يوم القيامة ، لطال بنا الأوقات ..
فإن الوضوء يشتكي منا .. ويشتكي من عجلتنا ، ويفتقد من أهل الإسلام من يطبق السنة في وضوءه ..
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يقتفي أثره ويتبع سنته ، لننال الجزاء العظيم من العظيم تبارك وتعالى ..
فإننا بحاجة ماسة ضرورية لأن نعرف حياته ونعيش تفاصيلها صلى الله عليه وسلم ..
لأمور متعددة سنعرفها لتكون لنا طريقاً ممهدا منذ هذا اليوم لتلقف كل سنة واتباع كل أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أول هذه الأسباب التي تدعونا لاقتفاء أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1. أن الله أمرنا بالاقتداء به فقال سبحانه : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر }
فمعرفه سننه وإتباع أوامره وترك نواهيه دليل على محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي دليل على حبنا لمن أحبه الله تعالى ..
فبإتباع السنة نتيجة أوردتها الآية إن كنا قد تمعناها إذا أن من كان يرجو الله واليوم الآخر فليكون له من رسول الله أسوة حسنة ..
وبمعرفة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوك لطريق آمن ، ولنيل الفوز العظيم ..
الأمر الثاني الذي يدعونا لسلوك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
2. أن حياته صلى الله عليه وسلم حياة المعصوم عن الخطأ والضلال فهو القدوة وقد جعلها ربي تبارك وتعالى هي (الأسوة الحسنة) فهو الصورة التطبيقية العملية لهذا الدين وجميع الطرق الموصلة إلى الله تعالى ثم إلى الجنة موصودة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم .
ويمتنع أن يعرف دين الله ويصح الإسلام بدون معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف كان هديه وعمله وأمره ونهيه ومنهجه وسنته .
فهي غنيمة ما بعدها غنيمة أن يكون لنا رسول قدم لنا منهاج حياة عادل ويدعو إلى الفلاح في الدنيا والآخرة ليكون لنا نبراساً في التطبيق والعمل ..
وإن من الخسارة الفادحة أن نترك سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عصمه ربي من الزلل ، لنتجه إلى غيره من القدوات التي تعتريها النقص والزلل والخطأ ما يعتريها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه دستور الحياة الصحيح ..
الأمر الثالث الذي يدعونا لمعرفة هديه وحياته صلى الله عليه وسلم :
3. <أن حياته صلى الله عليه وسلم مدرسة كاملة خرجت الأجيال تلو الأجيال ، فنتأمل من سيرته المتكاملة أنه سالم وحارب ، وأقام وسافر ، وباع واشترى ، وأخذ وأعطى وما عاش صلى الله عليه وسلم وحده ولا غاب عن الناس يوماً واحداً . ولقد لاقى أصناف الأذى ، وقاسى أشد أنواع الظلم ، وكانت العاقبة والنصر والتمكين له .
فنرى أنه استطاع بعون الله له أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الضلال إلى الهدى ومن الشقاء إلى السعادة </B>، فأحبوه وفدوه بأنفسهم وأهليهم وأموالهم واقتدوا به في كل صغيرة وكبيرة ، فأصبحوا أئمة وقادة البشرية
هل تطلبون من المختار معجزة ** يكفيه شعب من الأجداث أحيا
من وحد العرب حتى كان واترهم ** إذا رأى ولد الموتور أخـاه
لكن اليوم لا نرى نصرا كما كنا نعرفه في أمجاد سبقت كل السبب يعود إلا أن ما أصيب به المسلمون اليوم هو بسبب الإخلال بجانب الاقتداء به والأخذ بهديه واتباع سنته .
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشرع من عندهم ولم تصل دعوته للآفاق بسبب تخطيطه هو صلى الله عليه وسلم ..
إنما هو من وحي الله تعالى ، الذي خلق العباد وهو أدرى بمصالحهم ، وبما ينفعهم ، فحري بنا أن نستشعر ذلك ونتأمل ، وتتبنى دواخلنا قناعة عظيمة:
أن ما في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من نجاحات هو بسبب طريقة حياته ونهجه التي كان ينهجها صلى الله عليه وسلم ..
فمن هنا تكون انطلاقتنا إلى تطبيق السنة لننال به فوز الدنيا بتحقيق مرادنا وفوز الآخر بالخلود في الفردوس الأعلى إن شاء الله من الفائزين .ستكون بداية الكلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. في الحديث عن العبادة في حياته :
فالخلق كلهم ما خلقوا إلا لعبادة الله تعالى كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ..
لذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان له شأن عظيم مع العبادة ومواصلة القلب بالله عز وجل . فهو لا يدع وقتاً يمر دون ذكر الله عز وجل وحمده وشكره . و قد كانت حياته كلها عبادة لله سبحانه .
فحري بنا أن نكون كذلك ، وأن نصحح نواياً ونسلم أمر الدنيا لخالقها ، ونجعل دواخلنا في تعلق كبير بالله تعالى في كل الأوقات ..
فتأملي حين خاطب الله تعالى رسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * } [ المزمل : 1 ـ 4 ] .
لما خاطبه تعالى بهذه الآيات العظيمة استجاب لربه فقام حتى تفطرت قدماه.
فانظري كيف كانت استجابته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، مع كل ما حفه ربي تعالى من البشارات العظيمة ..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يصلي حتى تنتفخ قدماه ، فيقال له : يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " .
فلك أن تتأملي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاته بالليل ويناجي ربه ويدعوه لأنه يستعين بهذا الورد الليلي في القيام بأعباء الدعوة وأمور الأمة . فقد حكوا عن صلاته العجيبة المطمئنة حكاها الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه إذ قال : (( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فافتتح البقرة فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى! فقلت : يصلي بها في ركعة ، فمضى ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلاً . إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول : سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحواً من قيامه ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى قريباً من قيامه )) رواه مسلم 1/536.
والله لو طبقنا هذا الهدي في قيامنا لنلنا فوق ما نتمنى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نال ما نتلمس أثره حتى نحن وإلى الآن ، ففي الجنان هو ، ودعوته تصدح حتى الآن ، ورسالة محفوظة إلى يوم القيامة .
والله لو استشعرنا هذه السنة العظيمة لما فرطنا فيها ليلة واحده !
فشأن قيام الليل شأن لا يمكن وصفه ، فهو كالزاد لمن تريد أن تحقق ما تريد من أمور دنيوية أو أخروية .. فمناجاة الله وحدها لذة لا يستشعرها إلا من علق قلبه بالله تعالى ..ومن قام الليل كان في وجهه نورا وفي روحه رضا واطمئنان غير الشرف الرفعة التي ينالها من يقوم الليل ..فلنعقد العزم من هذا الوقت أن يكون لنا نصيب من قيام الليل ، حتى ننال أكثر من نتمنى نواله ..
وبعد هذا الجانب من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ننظر إلى حاله مع الذكر فإن الإمام القدوة صلى الله عليه وسلم كان وقته عامراً بالطاعة والعبادة .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه )) رواه مسلم .
وهذا دليل أن على المسلم أن يكون لسانه رطباً بذكر الله ..
فلا ينبغي أن تشغلنا هذه الدنيا عن ذكر الله ، وهل هناك أخف من أن نذكر الله تعالى على كل حال فإن ابن عباس رضي الله عنهما يذكر وجها مشرقاً آخراً من حياة رسول الأمة صلى الله عليه وسلم فيقول :
.. (( كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم "
.. وأما أبو هريرة رضي الله عنه فإنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" .. وتقول أم سلمة رضي الله عنها عن أكثر دعاء الرسول إذا كان عندها :
" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " الترمذي .
فكل هذه الأحاديث التي رواها الصحابة الذين تعلقت قلوبهم بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتلمس منها أثراً عظيما ..
وهذا الأثر هو أن إمامنا وقائدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم يجعل من العبادة زاداً يقضي بها حاجته في الدنيا والآخرة .. ونحن نرى أثر هذا الزاد في نجاح دعوته المحفوظة إلى يوم القيامة وما منّ الله عليه من فتوحات عامره ، وانتشار منقطع النظير لهذا الدين العظيم .
فلا بد أن نشعر أنفسنا أننا بحاجة ماسة إلى عبادة الله .
وأننا لن نجد طريقاً مسدوداً يفتح إلا بالإستعانة بالله عن طريق عبادته .وأن نؤدي العبادة كما أمرنا الله أن نؤديها ، لأنها هي الزاد التي سنصل بها إلى مبتغانا من رضا الله والفوز بالجنة ..
فحفظ دين الله بالإستمرار على عبادته والمداومة على ذلك حفظ لأنفسنا ، لأن في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك بالوصية العظيمة إذ قال: " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ……… "
فما أعظم تلك الوصية لو أحاطت بحياتنا ..
حتى هنا فإن الوصية الأخيرة التي أتمنى من أعماق قلبي أن تجد لها قبولاً في قلوبكم الطيبة .. أتمنى أن نكون فعلا قد قررنا أن ننبذ كل قدوة لا تعين على الخير بل نتجه لأعظم قدوة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رسم لنا منهاج الحياة وقدمها لنا بنتائج مضمونة ، من فوز وفلاح ورفعة وشرف ..
فهل من مشمر قبل أن يقوم من هذا المجلس .. أتمنى فعلا أن نكون كلنا كذلك..
وسيكون حديثنا بإذن المولى عز وجل حديث يطوف بنا داخل بيت النبوة وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ، وننهل من معين السنن الرائعة ، والتي إن أحاطت حياتنا فستحيطها بحفظ ورضا وسعادة لا منتهى لها ..
سيكون هذا الحديث بتوفيق الله تعالى الأحد ما بعد الإجازة إن كتب الله لنا عمراً جديداً ..
اللهم تقبل هذا المجلس المبارك الذي ذكرنا فيه أحب الخلق إليك الذي اثنيت عليه في كتابك الكريم بخلقه العظيم ، اللهم وأجعل كل من جلست في هذا المجلس من المتبعين لسنة نبيك والداعين لها ، وجعل أقوى زاد نتزود به جميعاً لقضاء حوائج الدنيا والآخرة هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ..
اللهم أنت المعين وأنت الميسر فإن التيسير من عندك وأنت الموفق فإن التوفيق من عندك فيسر لنا واهدنا لما تحبه وترضى وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آل وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين وأتباعه إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ..