بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فإن الموت يبقى حقيقة لا سبيل إلى إنكارها، كيف لا وكلٌّ قد مات قريب له، وباشر دفنه؟
وهذه نقاط تتعلق بموضوع الموت، أسأل الله أن ينفع بها، ويجعلها تذكرةً لمن قرأها..
من أسماء الموت
المنون، الحتف، الحِمام، السام، الوفاة، الردى، الهلاك.
معاني الموت
قال ابن الجوزي رحمه الله: "ذكر بعض المفسرين أنّ الموت في القرآن على أوجه:
أحدها: الموت نفسه، ومنه قوله تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ{ (آل عمران/ 185).
الثاني: الضلال، ومنه قوله تعالى: }أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ{ (الأنعام/ 122).
الثّالث: الجدب، ومنه قوله تعالى: }فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ{ (فاطر/ 9).
الرّابع: الجماد، ومنه قوله تعالى: }أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ{ (النحل/ 21) يعني الأوثان.
الخامس: الكفر، ومنه قوله تعالى: }وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ{ (آل عمران/ 27) وهو الكافر"([1]).
ويطلق الموت على عادم الحياة سواء سبقت له حياة أو لم تسبق، قال تعالى: }كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{(البقرة/28). وقال: }قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ{(غافر/11)، وهذه مقولة الكفار، قالوا: ربنا أمتَّنا مرتين؛ حين كنا في بطون أمهاتنا نُطَفًا قبل نفخ الروح، وحين انقضى أجلُنا في الحياة الدنيا، وأحييتنا مرتين: في دار الدنيا، يوم وُلِدْنا، ويوم بُعِثنا من قبورنا، فنحن الآن نُقِرُّ بأخطائنا السابقة، فهل لنا من طريق نخرج به من النار، وتعيدنا به إلى الدنيا؛ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا الاعتراف.
والنوم موت. قال تعالى: }الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها{(الزمر/42)، وقال: }وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ{(الأنعام/60). وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : «النوم أخو الموت، ولا يموت أهل الجنة» رواه البيهقي في الشعب. ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور» رواه أبو داود.
ويطلق الموت على شدة العذاب، قال تعالى: }ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت{(إبراهيم/17).
أفي الموت شك؟
قال الحسن البصري رحمه الله: "ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت"([2]).
فالموت هو الحقيقة التي لا يمكن لأحدٍ أن ينكرها، أنكر فئام من الناس وجود الله تعالى، وأنكر المشركون البعث، وأُنكرت غير هذه الحقائق القطعية التي لا شك فيها، أما الموت فلا يمكن إنكاره.. قال تعالى –عن المشركين-: }وقالوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ{(الأنعام/29). ومعنى قولهم: نموت ونحيا: يموت الآباء ويأتي الأبناء. وقال تعالى عنهم: }وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ{(الجاثية/24). وفلسفة هؤلاء للحياة أنها بطون تدفع، وأرض تبلع، فلا بعث ولا مرجع.
وقال: }وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ{(البقرة/36).
وقال: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ{ (آل عمران: 185)
وقال: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{ (الأنبياء/35).
وقال: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{(العنكبوت/57).
وقال: }أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ{(النساء/78).
ولو كان أحدٌ يبقى لما كان أولى بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن كتب الله الفناء على جميع عباده فلا يبقى إلا وجهه..
قال تعالى: }وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ{(آل عمران/144). وقال: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{(الزمر/30). وقال: }وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ{(الأنبياء/34). ونزلت سورة }إذا جاء نصر الله{ تعلم الأمةَ بدنوِّ أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال: }وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ{ (ق: 19). أي: وجاءت شدة الموت وغَمْرته بالحق الذي لا مردَّ له ولا مناص، ذلك ما كنت منه - أيها الإنسان - تهرب وتروغ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزَّه استغناؤه عن الناس» رواه الطبراني في الأوسط.
وسيموت كل شيء حتى الموت:
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ: فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ». ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: }وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{(مريم/39). وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا. أخرجه البخاري ومسلم.
وفي موضع آخر من القرآن إخبار بهذا الفرح الذي يلحق المؤمنين في الجنة بعد الأمن من الموت، قال تعالى عن بعضهم يحكي فرحه: }أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ* إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{(الصافات/58-60).
فالموت باب لابد لكل أحدٍ أن يدخل منه..
هـو الموتُ مـا منه مَلاذٌ ومهربُ --- متى حُطَّ ذا عن نَعْشِهِ ذاك يركبُ
الحكمة من الموت
بينها ربنا بقوله: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{(الملك/2)، وبقوله: }أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ{(المؤمنون/115)، وبقوله: }أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى{(القيامة/36).
ولله در القائل:
ولو أنا إذا متنا تركنا --- لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثـنا --- ونسأل بعده عن كل شيء
الموت
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فإن الموت يبقى حقيقة لا سبيل إلى إنكارها، كيف لا وكلٌّ قد مات قريب له، وباشر دفنه؟
وهذه نقاط تتعلق بموضوع الموت، أسأل الله أن ينفع بها، ويجعلها تذكرةً لمن قرأها..
من أسماء الموت
المنون، الحتف، الحِمام، السام، الوفاة، الردى، الهلاك.
معاني الموت
قال ابن الجوزي رحمه الله: "ذكر بعض المفسرين أنّ الموت في القرآن على أوجه:
أحدها: الموت نفسه، ومنه قوله تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ{ (آل عمران/ 185).
الثاني: الضلال، ومنه قوله تعالى: }أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ{ (الأنعام/ 122).
الثّالث: الجدب، ومنه قوله تعالى: }فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ{ (فاطر/ 9).
الرّابع: الجماد، ومنه قوله تعالى: }أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ{ (النحل/ 21) يعني الأوثان.
الخامس: الكفر، ومنه قوله تعالى: }وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ{ (آل عمران/ 27) وهو الكافر"([1]).
ويطلق الموت على عادم الحياة سواء سبقت له حياة أو لم تسبق، قال تعالى: }كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{(البقرة/28). وقال: }قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ{(غافر/11)، وهذه مقولة الكفار، قالوا: ربنا أمتَّنا مرتين؛ حين كنا في بطون أمهاتنا نُطَفًا قبل نفخ الروح، وحين انقضى أجلُنا في الحياة الدنيا، وأحييتنا مرتين: في دار الدنيا، يوم وُلِدْنا، ويوم بُعِثنا من قبورنا، فنحن الآن نُقِرُّ بأخطائنا السابقة، فهل لنا من طريق نخرج به من النار، وتعيدنا به إلى الدنيا؛ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا الاعتراف.
والنوم موت. قال تعالى: }الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها{(الزمر/42)، وقال: }وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ{(الأنعام/60). وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : «النوم أخو الموت، ولا يموت أهل الجنة» رواه البيهقي في الشعب. ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور» رواه أبو داود.
ويطلق الموت على شدة العذاب، قال تعالى: }ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت{(إبراهيم/17).
أفي الموت شك؟
قال الحسن البصري رحمه الله: "ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت"([2]).
فالموت هو الحقيقة التي لا يمكن لأحدٍ أن ينكرها، أنكر فئام من الناس وجود الله تعالى، وأنكر المشركون البعث، وأُنكرت غير هذه الحقائق القطعية التي لا شك فيها، أما الموت فلا يمكن إنكاره.. قال تعالى –عن المشركين-: }وقالوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ{(الأنعام/29). ومعنى قولهم: نموت ونحيا: يموت الآباء ويأتي الأبناء. وقال تعالى عنهم: }وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ{(الجاثية/24). وفلسفة هؤلاء للحياة أنها بطون تدفع، وأرض تبلع، فلا بعث ولا مرجع.
وقال: }وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ{(البقرة/36).
وقال: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ{ (آل عمران: 185)
وقال: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{ (الأنبياء/35).
وقال: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{(العنكبوت/57).
وقال: }أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ{(النساء/78).
ولو كان أحدٌ يبقى لما كان أولى بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن كتب الله الفناء على جميع عباده فلا يبقى إلا وجهه..
قال تعالى: }وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ{(آل عمران/144). وقال: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{(الزمر/30). وقال: }وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ{(الأنبياء/34). ونزلت سورة }إذا جاء نصر الله{ تعلم الأمةَ بدنوِّ أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال: }وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ{ (ق: 19). أي: وجاءت شدة الموت وغَمْرته بالحق الذي لا مردَّ له ولا مناص، ذلك ما كنت منه - أيها الإنسان - تهرب وتروغ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزَّه استغناؤه عن الناس» رواه الطبراني في الأوسط.
وسيموت كل شيء حتى الموت:
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ: فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ». ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: }وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{(مريم/39). وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا. أخرجه البخاري ومسلم.
وفي موضع آخر من القرآن إخبار بهذا الفرح الذي يلحق المؤمنين في الجنة بعد الأمن من الموت، قال تعالى عن بعضهم يحكي فرحه: }أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ* إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{(الصافات/58-60).
فالموت باب لابد لكل أحدٍ أن يدخل منه..
هـو الموتُ مـا منه مَلاذٌ ومهربُ --- متى حُطَّ ذا عن نَعْشِهِ ذاك يركبُ
الحكمة من الموت
بينها ربنا بقوله: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{(الملك/2)، وبقوله: }أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ{(المؤمنون/115)، وبقوله: }أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى{(القيامة/36).
ولله در القائل:
ولو أنا إذا متنا تركنا --- لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثـنا --- ونسأل بعده عن كل شيء