إن المتدبر لآيات الكتاب الحكيم وتوجيهاته للإنسان عامة وللمسلمين خاصة، سيجد أن حياة المسلم يغلب عليها الجدية سواء في القول أو العمل؛ فأيامه ما بين علمٍ أو عبادة أو عمل، وقضية الترويح عن النفس بعد التعب والنصب لها نصيبٌ طبعًا، ولكن الأصل هو الحياة الجادة بالأعمال الصالحة، وهذا ليس تشددًا، فهذا هو واجب الإنسان.
يُكثر القرآن الكريم من ذكر يوم الحساب الذي يجب أن تكون صورته دائمًا أمام الأعين على نحو يؤدي بالإنسان إلى البعد عن الغفلة والطيش وتضييع الأوقات دون فائدة، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، قال ابن عطية في تفسيره: "الضمير في نجواهم عائد على الناس أجمع، وجاءت هذه الآيات عامة التناول". وعندما يذم القرآن الحياة الدنيا مقابل الآخرة فإنما يذم ما فيها من اللهو واللعب والاستغراق في زينتها: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]، وعندما يذم القرآن الكافرين والمشركين لغفلتهم ولهوهم، فهي إشارة إلى المسلمين أيضًا ألا يكونوا من الغافلين، بل متيقظين دائمًا لفعل الخيرات وعمل الطاعات والبعد عن المعاصي، قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 1، 2] وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 16، 17].
إن الدين الذي يقول للمسلم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، والذي يقول: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} [الأنعام: 70]، والذي يقول: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109]، هذا الدين لا بد أن يطلب من المسلم أن يحيا حياة جادة حافلة بالأعمال الجليلة، ولا يضيع عمره بالقيل والقال كما جاء في الحديث، ولا بالأشياء التافهة التي يقطع بها الأوقات أو يقتل بها الأوقات كما يعبر أحدهم، وهناك أناس كثر شبابًا وشيبانًا يقضون ساعات الفراغ في لعب النرد والورق، وهذا الذي يجعل زمن هؤلاء هباء منثورًا لأنهم لا يعرفون قيمة الوقت ولا قيمة أنفسهم، قال صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، أي أن المستفيدين من هاتين النعمتين قلة، والكثير مفرط مغبون. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".
تعجب أحد عقلاء الغرب من أناس عندهم القدرة على البقاء جالسين طوال ساعات على اللعب بـ (الورق) ويعقب: ومن ثم ندرك أن البشر لا يتوقفون بمنتهى السهولة عن أن يكونوا أطفالًا [تأملات للفيلسوف الألماني كانط] ويعلق المؤرخ الأمريكي "ول ديورانت" على طبيعة حياة المسلم: "وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح الإسلام" [قصة الحضارة].
هذه الحياة الجدية لا تعني ألا يكون هناك أوقات للترويح عن النفس، لأن النفوس إذا كلَّت عميت، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم تعقيبًا على السماح للسيدة عائشة رضي الله عنها بالنظر إلى ألعاب الحبشة، قال: "ليعلم يهود أن في ديننا فسحة". وكان العلماء من السلف يذكرون المُلح والطرائف أثناء دروس العلم حتى لا يمل طالب العلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقًا، وكان إذا أعجبه شيء تبسم.
قد يستغرب بعض الناس وخاصة من غير المسلمين هذه الجدية في حياة المسلم، عبادات وطاعات وترك المحرمات، يقولون: ما هذا التزمت والضيق، ويرون كل ذلك قيودًا وهم يريدون التفلت من الالتزامات الدينية والأخلاقية، ولا يدركون أن التوازن الذي جاء به الإسلام هو خير للبشرية، حتى لا يطغى شيء على شيء، توازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح، ومن أسماء القرآن أنه: روح وأنه حياة فالإنسان بدون هذه الروح يكون ميّتًا معنويًّا، ويقال لهؤلاء: هذا هو الإسلام وهذه حياة المسلم في ليله ونهاره وفي عمله وراحته وهذا هو مقتضى العبودية.
يُكثر القرآن الكريم من ذكر يوم الحساب الذي يجب أن تكون صورته دائمًا أمام الأعين على نحو يؤدي بالإنسان إلى البعد عن الغفلة والطيش وتضييع الأوقات دون فائدة، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، قال ابن عطية في تفسيره: "الضمير في نجواهم عائد على الناس أجمع، وجاءت هذه الآيات عامة التناول". وعندما يذم القرآن الحياة الدنيا مقابل الآخرة فإنما يذم ما فيها من اللهو واللعب والاستغراق في زينتها: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]، وعندما يذم القرآن الكافرين والمشركين لغفلتهم ولهوهم، فهي إشارة إلى المسلمين أيضًا ألا يكونوا من الغافلين، بل متيقظين دائمًا لفعل الخيرات وعمل الطاعات والبعد عن المعاصي، قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 1، 2] وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 16، 17].
إن الدين الذي يقول للمسلم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، والذي يقول: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} [الأنعام: 70]، والذي يقول: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109]، هذا الدين لا بد أن يطلب من المسلم أن يحيا حياة جادة حافلة بالأعمال الجليلة، ولا يضيع عمره بالقيل والقال كما جاء في الحديث، ولا بالأشياء التافهة التي يقطع بها الأوقات أو يقتل بها الأوقات كما يعبر أحدهم، وهناك أناس كثر شبابًا وشيبانًا يقضون ساعات الفراغ في لعب النرد والورق، وهذا الذي يجعل زمن هؤلاء هباء منثورًا لأنهم لا يعرفون قيمة الوقت ولا قيمة أنفسهم، قال صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، أي أن المستفيدين من هاتين النعمتين قلة، والكثير مفرط مغبون. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".
تعجب أحد عقلاء الغرب من أناس عندهم القدرة على البقاء جالسين طوال ساعات على اللعب بـ (الورق) ويعقب: ومن ثم ندرك أن البشر لا يتوقفون بمنتهى السهولة عن أن يكونوا أطفالًا [تأملات للفيلسوف الألماني كانط] ويعلق المؤرخ الأمريكي "ول ديورانت" على طبيعة حياة المسلم: "وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح الإسلام" [قصة الحضارة].
هذه الحياة الجدية لا تعني ألا يكون هناك أوقات للترويح عن النفس، لأن النفوس إذا كلَّت عميت، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم تعقيبًا على السماح للسيدة عائشة رضي الله عنها بالنظر إلى ألعاب الحبشة، قال: "ليعلم يهود أن في ديننا فسحة". وكان العلماء من السلف يذكرون المُلح والطرائف أثناء دروس العلم حتى لا يمل طالب العلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقًا، وكان إذا أعجبه شيء تبسم.
قد يستغرب بعض الناس وخاصة من غير المسلمين هذه الجدية في حياة المسلم، عبادات وطاعات وترك المحرمات، يقولون: ما هذا التزمت والضيق، ويرون كل ذلك قيودًا وهم يريدون التفلت من الالتزامات الدينية والأخلاقية، ولا يدركون أن التوازن الذي جاء به الإسلام هو خير للبشرية، حتى لا يطغى شيء على شيء، توازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح، ومن أسماء القرآن أنه: روح وأنه حياة فالإنسان بدون هذه الروح يكون ميّتًا معنويًّا، ويقال لهؤلاء: هذا هو الإسلام وهذه حياة المسلم في ليله ونهاره وفي عمله وراحته وهذا هو مقتضى العبودية.