(6)
اليأس من فرج الله ورحمته خلل كبير في إيمان الإنسان بربه وضلال عظيم؛ فهو علامة واضحة على جهله بعظمة الله عز وجل وقدرته على انتشاله من بلاياه مهما عظمت، وعلى تفريج كربه مهما بدا له أنه لن يفرج!
والواقع أن هذا اليأس المقيت يبتعد عن الإنسان بقدر قوة إيمانه بربه، ويملأ قلبه بقدر ما يكون هذا القلب فارغا من الإيمان، ولذلك تجد الصديقين موقنين برحمة الله مهما تعاظمت أمامهم التحديات، ومهما ساءت ظنون من حولهم بالله عز وجل، فها هو سيدنا إبراهيم الخليل يتحدى قومه ونارهم متوكلا على الله واثقًا فيه، ثم يأتي بسكين ويضعه على رقبة ابنه ليشرع في ذبحه امتثالاً لأمر الرحمن، فهو لا يرى في الأمر سوى رحمة من ربه حتى وإن بدا لغيره نقمة وبلاءً غير منطقي بالمرة، وعندما ذكرته الملائكة بعدم القنوط حين تعجب من أن امرأته العجوز ستلد بفضل الله ورحمته، {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [سورة الحجر: 56]، وها هو حفيده سيدنا يعقوب -عليه السلام- يدرك مدى رحمة ربه وبأنه سيعيد له ابنه الأحب إلى قلبه (سيدنا يوسف –عليه السلام) حتى وإن أكد له كل من حوله أنه قد مات ولن يعود أبدا، فيأمر أولاده بأن يبحثوا عن يوسف وأخيه ولا ييأسوا {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُّوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سورة يوسف 87]، بينما سيدنا موسى –عليه السلام- يرفض يأس بني إسرائيل من أن الله سينقذهم من فرعون حين كان خلفهم والبحر أمامهم، ويرد عليهم بحسم مبهر: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الشعراء: 62) بينما يفر سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- بدينه مع صاحبه من قومه الذين يريدون قتله لأنه يقول "ربي الله"، فيَعِد ملاحقه سراقة بصواع كسرى، حاكم الدولة الأقوى في العالم حينها!
والمسلم الواعي قد ييأس من أي شيء إلا رحمة الله عز وجل، ولذلك يواجه المصائب بثبات واطمئنان لائذًا بربه، واثقًا من فرجه، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، ومن ثم لا يعطي الأمر أكبر من حجمه، حتى لو كان هذا البلاء نابعًا من إسرافه على نفسه بالذنوب، فإنه لن يفكر بمعاقبتها بالإزهاق بل بالانعتاق، فيخر ساجدًا باكيًا إلى ربه متوسلاً، بدلا من أن يذهب مغاضبًا إلى البحر ويلقي بنفسه في أعماقه!
أنصت إلى قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سورة الزمر 53].
(7)
يقدر المسلم الواعي الله حق قدره، ويعلم أنه سبحانه إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، لا يستعصي عليه أمر، ولا يعجزه أحد، كلمته هي العليا، وقوله الفصل، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، غير أنه وضع سننًا لا تحابي أحدًا، وقضى على نفسه أن يؤجل الحساب إلى وقت معلوم حدده مسبقًا، وأخفاه عن خلقه، وإلى هذا الحين فهو يسمع ويرى، ينصر من ينصره ولو بعد حين، ويهلك الظالمين، بعد أن يمهلهم ويملي لهم استدراجًا لا غفلة، ليزدادوا إثمًا وضلالاً، حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، إن كيده متين.
فالمسلم الواعي يعرف الطريق ويصبر على ألامه ويغالب فتنه مستعينًا بالقادر صابرًا محتسبًا، مستمتعًا بطعم الرضا بقضاء الله، ساخرًا من الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فكيف سيأبه لابتلاءاتها، وينهي حياته بيده وكأنه يقول للناس أن ربه -عز وجل- ظالم أو عاجز أو غافل، لا يستطيع حمايته أو لا يريد!
أما المسلم غير الواعي الذي يقتل نفسه فإنه لو كان قد عرف الله وأدرك قوته وجبروته لكان قد أيقن أنه إذا لجأ إليه صادقًا ساجدًا واستغاث به فلن يخذله قط، ولكن سيسعفه وينجيه في الوقت الذي يحدده هو سبحانه وبالكيفية التي يريد، لا كما يريد المستغيث وكأنه هو الرب لا العبد!
ألم ينصت المنتحر إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} [سورة الانفطار 6 – 8].
ألم يمس قلبه قوله سبحانه:
{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة الزمر 67].
وقوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [سورة الروم 36].
(
وضع الله في الوالدين غريزة حب أبنائهم حبًا لا يضاهيه أي حب آخر، وذلك لضمان رعايتهما الدائمة للأبناء واحتضانهما لهم، وإلا فما مصلحة الأبوين في بذل كل هذا الجهد المعنوي والمادي في تربية أشخاص قد يكون نفعهم أكبر من ضررهم؟!
وفي مقابل ذلك، ولأنه سبحانه لا يظلم مثقال ذرة، وجه أمرًا حاسمًا للأبناء بالإحسان إلى والديهما وشكرهما، وفرض الإحسان إليهما وبرهما كما هو معلوم لكل مسلم، ولكن المسلم الواعي تحديدا يدرك أنه ليس من الإحسان أبدًا للوالدين أن يُقدم على حرمانهما من نفسه، وهو فلذة كبديهما وثمرة فؤاديهما، فيزهق روحه بيده ليُدخل عليهما -بجريمته تلك- أشد أنواع الحزن والانكسار، فإذا بهما لا يفقدانه فقط، بل يشعران بالخزي والألم نتيجة نظرات الناس إليهما على أنهما قصرا في تربيتهما له حتى دفعاه إلى اتخاذ هذا القرار الشنيع، أو أنهما لم يكونا على قدر المسؤولية وعاقَّا ابنهما أو فشلا في احتوائه حتى إنه فضل الموت على العيش معهما وفي خدمتهما، وضيع على نفسه فرصة دخول الجنة ببرهما، فاختار أن يموت كافرا بحسب اعتقاد كثير من الناس.
إن المسلم الواعي يعلم أنه مأمور ببر والديه مهما كان عقوقهما له، حتى لو جاهداه على أن يشرك بالله عز وجل -وتلك أعظم الخطايا- فإنه سبحانه قد تنازل عن حقه وأمر بمصاحبتهما بالمعروف، ومن ثم فلا مسوغ قط لأن يجني عليهما وينتحر مهما ساءت الأحوال وتكالبت عليه الأهوال، فيكفي أن يعيش لأجلهما عسى أن يتغمده الله برحمته فينتشله مما هو فيه ببركة طاعته لهما والإحسان إليهما وإدخال السرور على قلبيهما.
أنصت إلى قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا} [سورة الإسراء 23 - 25].
وقوله:
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [سورة لقمان 14].
(9)
يعصم الوعي الصحيح بالإسلام المسلمَ من الوقوع في هاوية الانتحار، إذ يرسم له الإسلام خريطة طريق إلى الاستقامة والثبات تتضمن تفاصيل كثيرة تعينه على مقاومة ابتلاءات الحياة فيتحملها ويصبر عليها رغم قسوتها، تنطلق جميعها تقريبًا من الارتباط اللازم بين الإيمان والعمل الصالح، فهو يؤمن بالله ويعمل بما أرشده إليه سبحانه، من إقامة الصلاة حيث يستثمر المسلم صلاته في التواصل العملي معه سبحانه خمس مرات يوميًا على الأقل (قد تزيد عبر النوافل)، تجعله يستحي منه فينتهي عن الفحشاء والمنكر ومن ثم لا يفعل ما يجعله مداومًا على جلد الذات المتسبب بدوره في الإحباط والاكتئاب، ثم هو يطهر ماله عبر أدائه زكاته والتصدق مما أفاض الله عليه من مال، فيبارك الله له فيه ويقيه الفقر المدقع، وإذا استطاع الحج فإنه يذهب إليه مشتاقا وكله لوعة ثم يعود منه مطهرًا من الذنوب كما ولدته أمه، فإذا لم يستطع الحج فتكفيه ركعتان خاشعتان باكيتان للتوبة والاستعانة بالله على نوائب الدهر، كما يستعين بأصدقائه الصالحين الذين يعينونه كذلك على الصبر والصلاح، أما الجاهلون فيتجاهلهم قدر استطاعته ويقول لهم "سلامًا"، لا يبدأ بمحاربتهم ولا يعاملهم بالمثل بل يعفو عن كثير، ويخالق الناس جميعا بخلق حسن، حتى إذا تجرأ عليه الخلق وهان عليهم فر إلى ربه وطلب منه العزة والكرامة فيعينه على المقاومة قدر استطاعته، راضيًا بالقضاء، مستسلما لأقدار الله متوكلا عليه في سعيه إلى الصلاح والانصلاح، لا يضره من ضل إذا اهتدى، فإن استيأس وظن أن الله لن ينصره وجاءه الشيطان ليقنعه بالتخلص من تلك الحياة الشاقة التي تذل أعناق الرجال، إذا بالنور يقذف في قلبه وينشرح صدره بعد أن يعاود الاستغاثة بربه، فيبدأ من جديد وينهض، ويهجر الباب المغلق إلى أبواب الله المفتوحة فيداوم على الطرق حتى يفتح له، لينضم بذلك إلى قوافل الأنبياء والمصلحين الذين لم يتمكنوا إلا بعد أن يمتحنوا فيصبروا.
وأحسب أن من هؤلاء المصلحين كان المفكر الجزائري المتمكن مالك بن نبي الذي أقر -في الجزء الثاني من مذكراته- بأنه كان وزوجته المخلصة قاب قوسين أو أدنى من الانتحار بعد أن ضيق عليه الاستدمار وأعوانه ومنعوه من العمل في تخصصه كمهندس ليهلك أو ينحط، ولكنه سرعان ما نهض وقاوم واستمر في مجاهدة واقعه حتى وصل إلى مكانة رفيعة جعلت منه من أهم المفكرين المسلمين في العصر الحديث، حيث قدم مشروعًا حضاريًا من شأنه إذا ما جرى تبنيه بعقل وحكمة أن ينهض بأمة المسلمين كاملة لا بفرد واحد منها فقط!
والخلاصة أن المسلم لديه بدائل كثيرة عن قتل النفس التي حرم الله قتلها، لعلمه أن من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا بتقديمه نصيحة عملية إليهم مؤداها أن كل من تقابله أزمة في حياته فعليه أن يكف عن مقاومتها ويقتل نفسه عوضا عن ذلك، ومن ثم يختار الصبر والمقاومة مستعينا بالله ليقدم نصيحة عكسية مؤداها أن البقاء للأصلح!
أنصت إلى قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32].
وقوله:
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [سورة يوسف: 110].
لكل الأسباب السابقة -وغيرها- فإن المسلم الواعي والمتزن نفسيًا لن يرتكب جريمة الانتحار، بل سيظل يجاهد نفسه ويقاوم شياطين الإنس والجن، حتى يصل إلى شاطئ النجاة حيث لا حزن ولا هم ولا غم ولا سئم، حيث النعيم الدائم مع الصادقين الذين لا يغدرون ولا يعتدون ولا يتخابثون ولا يتسلطون، فهم في شغل فاكهون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار (اليائسون من رحمة ربهم) ما كانوا يفعلون؟!
غير أنه لكي يحتفظ المسلم الواعي بتوازنه النفسي الذي يعصمه من الوقوع في الزلل ينبغي أن يتعاون معه مجتمع واع يدرك أن للشباب -بالذات- احتياجات أساسية حتى يستطيع أن يكونوا ذخرًا للأوطان بأن يستثمروا كل طاقاتهم فيما يصلح لا فيما يفسد، ومنها أنهم في حاجة للفهم والاستيعاب والاحتواء، بالإضافة إلى أنهم في حاجة لأن يتحقق لهم (المعنى) في معيشتهم بعد أن تحقق لهم في دينهم، إذ إن معظم حالات الانتحار تنتج من فقدان المعنى، أي فقدان الدافع للحياة وغموض الهدف منها، أو معرفة هذا الهدف والعجز عن تحقيقه قهرًا وهدرًا!
وغالبًا ما يكون وعي المجتمع المحيط بالإنسان عاصمًا له من التفكير في تدمير الذات عبر منحه الأمل وفرص العمل، وتوفير العدالة والحرية، ومن خلال وقف هذا الإفساد الذي ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، والذي يحيط بالإنسان ويخنقه ويهدر طاقاته فيحبطه ويصيبه بالاكتئاب الذي قد يصل به لمرحلة الانهيار النفسي فيفقد صوابه ووعيه ويعجز عن التحكم في أفكاره وفي إرادته، فإذا به يقدم على التخلص من حياته التي جعلها مَن حوله جحيمًا لا يطاق، ثم تراهم يحكمون بكفره وهم غافلون عن أنهم هم من كفروه بالحياة حتى أفقدوه السيطرة على عقله!
فهل من أمل في أن يفيق المجتمع ويتنبه إلى هذا الخطر المحدق بكل أسرة، بعد أن أصبح الانتحار ظاهرة قد تبتلع أفضل من فينا؟
وهل سيدرك الآباء أن الاستبداد والتسلط على الأبناء ليس حلا بل تعقيدًا لنفسيتهم ودفعًا لهم إلى الانحراف عن الطريق المستقيم؟
وهل سيفيق الناس ويعلمون أن استسلامهم للاستخفاف من قبل المفسدين المتسلطين عليهم قد يفقدهم أعز ما يملكون، وهم الشباب، أملهم في المستقبل الواعد البناء؟ أم أنه على القلوب أقفالها، وأن "عقلية الوهن" هيمنت على الجميع؟!
أنصت إلى قوله تعالى:
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الروم: 41]. {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الأنفال: 25].
اليأس من فرج الله ورحمته خلل كبير في إيمان الإنسان بربه وضلال عظيم؛ فهو علامة واضحة على جهله بعظمة الله عز وجل وقدرته على انتشاله من بلاياه مهما عظمت، وعلى تفريج كربه مهما بدا له أنه لن يفرج!
والواقع أن هذا اليأس المقيت يبتعد عن الإنسان بقدر قوة إيمانه بربه، ويملأ قلبه بقدر ما يكون هذا القلب فارغا من الإيمان، ولذلك تجد الصديقين موقنين برحمة الله مهما تعاظمت أمامهم التحديات، ومهما ساءت ظنون من حولهم بالله عز وجل، فها هو سيدنا إبراهيم الخليل يتحدى قومه ونارهم متوكلا على الله واثقًا فيه، ثم يأتي بسكين ويضعه على رقبة ابنه ليشرع في ذبحه امتثالاً لأمر الرحمن، فهو لا يرى في الأمر سوى رحمة من ربه حتى وإن بدا لغيره نقمة وبلاءً غير منطقي بالمرة، وعندما ذكرته الملائكة بعدم القنوط حين تعجب من أن امرأته العجوز ستلد بفضل الله ورحمته، {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [سورة الحجر: 56]، وها هو حفيده سيدنا يعقوب -عليه السلام- يدرك مدى رحمة ربه وبأنه سيعيد له ابنه الأحب إلى قلبه (سيدنا يوسف –عليه السلام) حتى وإن أكد له كل من حوله أنه قد مات ولن يعود أبدا، فيأمر أولاده بأن يبحثوا عن يوسف وأخيه ولا ييأسوا {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُّوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سورة يوسف 87]، بينما سيدنا موسى –عليه السلام- يرفض يأس بني إسرائيل من أن الله سينقذهم من فرعون حين كان خلفهم والبحر أمامهم، ويرد عليهم بحسم مبهر: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الشعراء: 62) بينما يفر سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- بدينه مع صاحبه من قومه الذين يريدون قتله لأنه يقول "ربي الله"، فيَعِد ملاحقه سراقة بصواع كسرى، حاكم الدولة الأقوى في العالم حينها!
والمسلم الواعي قد ييأس من أي شيء إلا رحمة الله عز وجل، ولذلك يواجه المصائب بثبات واطمئنان لائذًا بربه، واثقًا من فرجه، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، ومن ثم لا يعطي الأمر أكبر من حجمه، حتى لو كان هذا البلاء نابعًا من إسرافه على نفسه بالذنوب، فإنه لن يفكر بمعاقبتها بالإزهاق بل بالانعتاق، فيخر ساجدًا باكيًا إلى ربه متوسلاً، بدلا من أن يذهب مغاضبًا إلى البحر ويلقي بنفسه في أعماقه!
أنصت إلى قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سورة الزمر 53].
(7)
يقدر المسلم الواعي الله حق قدره، ويعلم أنه سبحانه إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، لا يستعصي عليه أمر، ولا يعجزه أحد، كلمته هي العليا، وقوله الفصل، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، غير أنه وضع سننًا لا تحابي أحدًا، وقضى على نفسه أن يؤجل الحساب إلى وقت معلوم حدده مسبقًا، وأخفاه عن خلقه، وإلى هذا الحين فهو يسمع ويرى، ينصر من ينصره ولو بعد حين، ويهلك الظالمين، بعد أن يمهلهم ويملي لهم استدراجًا لا غفلة، ليزدادوا إثمًا وضلالاً، حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، إن كيده متين.
فالمسلم الواعي يعرف الطريق ويصبر على ألامه ويغالب فتنه مستعينًا بالقادر صابرًا محتسبًا، مستمتعًا بطعم الرضا بقضاء الله، ساخرًا من الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فكيف سيأبه لابتلاءاتها، وينهي حياته بيده وكأنه يقول للناس أن ربه -عز وجل- ظالم أو عاجز أو غافل، لا يستطيع حمايته أو لا يريد!
أما المسلم غير الواعي الذي يقتل نفسه فإنه لو كان قد عرف الله وأدرك قوته وجبروته لكان قد أيقن أنه إذا لجأ إليه صادقًا ساجدًا واستغاث به فلن يخذله قط، ولكن سيسعفه وينجيه في الوقت الذي يحدده هو سبحانه وبالكيفية التي يريد، لا كما يريد المستغيث وكأنه هو الرب لا العبد!
ألم ينصت المنتحر إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} [سورة الانفطار 6 – 8].
ألم يمس قلبه قوله سبحانه:
{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة الزمر 67].
وقوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [سورة الروم 36].
(
وضع الله في الوالدين غريزة حب أبنائهم حبًا لا يضاهيه أي حب آخر، وذلك لضمان رعايتهما الدائمة للأبناء واحتضانهما لهم، وإلا فما مصلحة الأبوين في بذل كل هذا الجهد المعنوي والمادي في تربية أشخاص قد يكون نفعهم أكبر من ضررهم؟!
وفي مقابل ذلك، ولأنه سبحانه لا يظلم مثقال ذرة، وجه أمرًا حاسمًا للأبناء بالإحسان إلى والديهما وشكرهما، وفرض الإحسان إليهما وبرهما كما هو معلوم لكل مسلم، ولكن المسلم الواعي تحديدا يدرك أنه ليس من الإحسان أبدًا للوالدين أن يُقدم على حرمانهما من نفسه، وهو فلذة كبديهما وثمرة فؤاديهما، فيزهق روحه بيده ليُدخل عليهما -بجريمته تلك- أشد أنواع الحزن والانكسار، فإذا بهما لا يفقدانه فقط، بل يشعران بالخزي والألم نتيجة نظرات الناس إليهما على أنهما قصرا في تربيتهما له حتى دفعاه إلى اتخاذ هذا القرار الشنيع، أو أنهما لم يكونا على قدر المسؤولية وعاقَّا ابنهما أو فشلا في احتوائه حتى إنه فضل الموت على العيش معهما وفي خدمتهما، وضيع على نفسه فرصة دخول الجنة ببرهما، فاختار أن يموت كافرا بحسب اعتقاد كثير من الناس.
إن المسلم الواعي يعلم أنه مأمور ببر والديه مهما كان عقوقهما له، حتى لو جاهداه على أن يشرك بالله عز وجل -وتلك أعظم الخطايا- فإنه سبحانه قد تنازل عن حقه وأمر بمصاحبتهما بالمعروف، ومن ثم فلا مسوغ قط لأن يجني عليهما وينتحر مهما ساءت الأحوال وتكالبت عليه الأهوال، فيكفي أن يعيش لأجلهما عسى أن يتغمده الله برحمته فينتشله مما هو فيه ببركة طاعته لهما والإحسان إليهما وإدخال السرور على قلبيهما.
أنصت إلى قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا} [سورة الإسراء 23 - 25].
وقوله:
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [سورة لقمان 14].
(9)
يعصم الوعي الصحيح بالإسلام المسلمَ من الوقوع في هاوية الانتحار، إذ يرسم له الإسلام خريطة طريق إلى الاستقامة والثبات تتضمن تفاصيل كثيرة تعينه على مقاومة ابتلاءات الحياة فيتحملها ويصبر عليها رغم قسوتها، تنطلق جميعها تقريبًا من الارتباط اللازم بين الإيمان والعمل الصالح، فهو يؤمن بالله ويعمل بما أرشده إليه سبحانه، من إقامة الصلاة حيث يستثمر المسلم صلاته في التواصل العملي معه سبحانه خمس مرات يوميًا على الأقل (قد تزيد عبر النوافل)، تجعله يستحي منه فينتهي عن الفحشاء والمنكر ومن ثم لا يفعل ما يجعله مداومًا على جلد الذات المتسبب بدوره في الإحباط والاكتئاب، ثم هو يطهر ماله عبر أدائه زكاته والتصدق مما أفاض الله عليه من مال، فيبارك الله له فيه ويقيه الفقر المدقع، وإذا استطاع الحج فإنه يذهب إليه مشتاقا وكله لوعة ثم يعود منه مطهرًا من الذنوب كما ولدته أمه، فإذا لم يستطع الحج فتكفيه ركعتان خاشعتان باكيتان للتوبة والاستعانة بالله على نوائب الدهر، كما يستعين بأصدقائه الصالحين الذين يعينونه كذلك على الصبر والصلاح، أما الجاهلون فيتجاهلهم قدر استطاعته ويقول لهم "سلامًا"، لا يبدأ بمحاربتهم ولا يعاملهم بالمثل بل يعفو عن كثير، ويخالق الناس جميعا بخلق حسن، حتى إذا تجرأ عليه الخلق وهان عليهم فر إلى ربه وطلب منه العزة والكرامة فيعينه على المقاومة قدر استطاعته، راضيًا بالقضاء، مستسلما لأقدار الله متوكلا عليه في سعيه إلى الصلاح والانصلاح، لا يضره من ضل إذا اهتدى، فإن استيأس وظن أن الله لن ينصره وجاءه الشيطان ليقنعه بالتخلص من تلك الحياة الشاقة التي تذل أعناق الرجال، إذا بالنور يقذف في قلبه وينشرح صدره بعد أن يعاود الاستغاثة بربه، فيبدأ من جديد وينهض، ويهجر الباب المغلق إلى أبواب الله المفتوحة فيداوم على الطرق حتى يفتح له، لينضم بذلك إلى قوافل الأنبياء والمصلحين الذين لم يتمكنوا إلا بعد أن يمتحنوا فيصبروا.
وأحسب أن من هؤلاء المصلحين كان المفكر الجزائري المتمكن مالك بن نبي الذي أقر -في الجزء الثاني من مذكراته- بأنه كان وزوجته المخلصة قاب قوسين أو أدنى من الانتحار بعد أن ضيق عليه الاستدمار وأعوانه ومنعوه من العمل في تخصصه كمهندس ليهلك أو ينحط، ولكنه سرعان ما نهض وقاوم واستمر في مجاهدة واقعه حتى وصل إلى مكانة رفيعة جعلت منه من أهم المفكرين المسلمين في العصر الحديث، حيث قدم مشروعًا حضاريًا من شأنه إذا ما جرى تبنيه بعقل وحكمة أن ينهض بأمة المسلمين كاملة لا بفرد واحد منها فقط!
والخلاصة أن المسلم لديه بدائل كثيرة عن قتل النفس التي حرم الله قتلها، لعلمه أن من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا بتقديمه نصيحة عملية إليهم مؤداها أن كل من تقابله أزمة في حياته فعليه أن يكف عن مقاومتها ويقتل نفسه عوضا عن ذلك، ومن ثم يختار الصبر والمقاومة مستعينا بالله ليقدم نصيحة عكسية مؤداها أن البقاء للأصلح!
أنصت إلى قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32].
وقوله:
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [سورة يوسف: 110].
لكل الأسباب السابقة -وغيرها- فإن المسلم الواعي والمتزن نفسيًا لن يرتكب جريمة الانتحار، بل سيظل يجاهد نفسه ويقاوم شياطين الإنس والجن، حتى يصل إلى شاطئ النجاة حيث لا حزن ولا هم ولا غم ولا سئم، حيث النعيم الدائم مع الصادقين الذين لا يغدرون ولا يعتدون ولا يتخابثون ولا يتسلطون، فهم في شغل فاكهون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار (اليائسون من رحمة ربهم) ما كانوا يفعلون؟!
غير أنه لكي يحتفظ المسلم الواعي بتوازنه النفسي الذي يعصمه من الوقوع في الزلل ينبغي أن يتعاون معه مجتمع واع يدرك أن للشباب -بالذات- احتياجات أساسية حتى يستطيع أن يكونوا ذخرًا للأوطان بأن يستثمروا كل طاقاتهم فيما يصلح لا فيما يفسد، ومنها أنهم في حاجة للفهم والاستيعاب والاحتواء، بالإضافة إلى أنهم في حاجة لأن يتحقق لهم (المعنى) في معيشتهم بعد أن تحقق لهم في دينهم، إذ إن معظم حالات الانتحار تنتج من فقدان المعنى، أي فقدان الدافع للحياة وغموض الهدف منها، أو معرفة هذا الهدف والعجز عن تحقيقه قهرًا وهدرًا!
وغالبًا ما يكون وعي المجتمع المحيط بالإنسان عاصمًا له من التفكير في تدمير الذات عبر منحه الأمل وفرص العمل، وتوفير العدالة والحرية، ومن خلال وقف هذا الإفساد الذي ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، والذي يحيط بالإنسان ويخنقه ويهدر طاقاته فيحبطه ويصيبه بالاكتئاب الذي قد يصل به لمرحلة الانهيار النفسي فيفقد صوابه ووعيه ويعجز عن التحكم في أفكاره وفي إرادته، فإذا به يقدم على التخلص من حياته التي جعلها مَن حوله جحيمًا لا يطاق، ثم تراهم يحكمون بكفره وهم غافلون عن أنهم هم من كفروه بالحياة حتى أفقدوه السيطرة على عقله!
فهل من أمل في أن يفيق المجتمع ويتنبه إلى هذا الخطر المحدق بكل أسرة، بعد أن أصبح الانتحار ظاهرة قد تبتلع أفضل من فينا؟
وهل سيدرك الآباء أن الاستبداد والتسلط على الأبناء ليس حلا بل تعقيدًا لنفسيتهم ودفعًا لهم إلى الانحراف عن الطريق المستقيم؟
وهل سيفيق الناس ويعلمون أن استسلامهم للاستخفاف من قبل المفسدين المتسلطين عليهم قد يفقدهم أعز ما يملكون، وهم الشباب، أملهم في المستقبل الواعد البناء؟ أم أنه على القلوب أقفالها، وأن "عقلية الوهن" هيمنت على الجميع؟!
أنصت إلى قوله تعالى:
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الروم: 41]. {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الأنفال: 25].