السخرية من الإسلاميين ظاهرة قديمة، لكنها تعاظمت وتكاثفت بعد الثورات
العربية، وقد أصبح من المعتاد أن تتزايد حدتها قبل المواسم الانتخابية، لكن
منذ تولى الإسلاميون السلطة في أكثر بلاد الربيع العربي، واشتدت ضراوة
المعركة في مصر خاصة منذ تولي الرئيس محمد مرسي منصب الرئاسة، فبلغت
الظاهرة مستوى غير مسبوق في كثافتها وحدتها؛ فقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء
وقفزت فوق الأشخاص لتبلغ مستوى السخرية من الشعائر والعبادات والعقائد..
القضية ليست هجوماً تقليدياً - قديماً متجدداً - على الإسلاميين والإسلام،
الأمر أكبر من ذلك، فهو يتعلق باقتراب الإسلاميين للمرة الأولى في التاريخ
المعاصر من بناء دولة متكاملة بجميع مؤسساتها عن طريق الانتخاب، واعتماداً
على إرادة حرة للشعب..
فالدولة تقوم على أربعة أركان تتشكل عن طريق الانتخاب، وهي: الدستور، الرئاسة، البرلمان، والحكومة..
واكتمال هذا البناء – بأركانه الأربعة - على أيدي الإسلاميين، يعني أن
الدولة ستأخذ طابعاً خاصاً يصعب إزالته حتى لو تنحى الإسلاميون مؤقتاً عن
الحكم، فـ «تأسيس» السلطة يختلف عن «تداولها»، إذ لا شك أن المؤسس يترك
بصمته على النظام الذي يبنيه، وهي بصمة غير قابلة للمحو إلا بجهد جهيد وبعد
زمن طويل..
واكتماله يعني أيضاً أن تتولد رغبة متزايدة في محاكاة البناء الجديد لدى
الشعوب العربية المجاورة، وهذه هي عتبة الخطر التي يبذل الغرب كل جهد من
أجل الحيلولة دون بلوغها؛ لأنها تعني تغييراً استراتيجياً في الخريطة
السياسية للمنطقة، وتبدلاً جوهرياً في معادلات التوازن التي صنعوها بأيديهم
وحافظوا عليها عقوداً متتالية.
كن ما دخل السخرية من الإسلاميين في هذه القضية المعقدة؟
إنها المرة الأولى التي يكون فيها العالم الغربي مضطراً للمكوث
أمام شاشات الفضائيات مترقباً - تماماً مثل أي مواطن عادي - النتائج التي
يأتي بها صندوق الانتخابات، وهي حال ذليلة لم يتعودوا عليها من قبل، وإذا
كانوا عاجزين عن التحكم في الصندوق كما كان يحدث في أزمنة ما قبل الثورات،
فإن الخيار المتاح الآن هو محاولة التحكم في إرادة الناخبين ودفعهم دفعاً
وقسرهم قسراً إلى التحول بعيداً عن الأحزاب الإسلامية..
هذه المرحلة من الصراع السياسي يكون موضوعها وهدفها هو: إنتاج صورة سلبية
للخصم - الإسلامي - وبذل الجهد في إهانته، وذلك لتحقيق أهداف عدة، أبرزها:
1 - تدمير الروابط الدينية التي تعمق التواصل بين الإسلاميين والجماهير؛
(الهجوم على الخطباء، تحطيم هيبة المساجد، والسخرية من الشيوخ والدعاة).
2 - تشويه سمعة الإسلاميين من أجل حصارهم وإضعاف قدرتهم على التمدد والانتشار.
3 - إشغال الإسلاميين بالدفاع عن أنفسهم، وإرباكهم بالاستغراق في البحث عن الثغرات والأخطاء، وإرهابهم لتخفيف جرأتهم وشدتهم في الحق.
هذه الحالة تذكرنا بحال جميع الأنبياء السابقين وحال أممهم في السخرية منهم
والاستهزاء بهم.. وتذكرنا بصورة خاصة بنبي الله نوح - عليه السلام - عندما
كان قومه يسخرون منه بينما يبني سفينته..
الآن يسخر العلمانيون وأعداء الدين وأعداء المشروع الإسلامي من الإسلاميين بينما هم يبنون دولتهم.
وهنا يتجلى لنا المنطق القرآني صادعاً واضحاً واصفاً حالهم وحال كل فئة
مسلمة تواجه سخرية الملأ الذين يغفلون عن عاقبة فعلهم وسخريتهم، فيقول
تعالى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ
عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إن تـَسْخَرُوا مِنَّا
فَإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}[هود:38].
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم سخر المنافقون من المتصدقين من المؤمنين،
فإذا جاء الرجل بمال كثير اتهموه بالرياء، وإذا جاء آخر بصاع من تمر
قالوا: ما أغنى الله عن هذا، فنزل قوله تعالى: الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْـمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ
اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة:79].
فما أشبه اليوم بالأمس وما أشبه الليلة بالبارحة.. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
منقول
العربية، وقد أصبح من المعتاد أن تتزايد حدتها قبل المواسم الانتخابية، لكن
منذ تولى الإسلاميون السلطة في أكثر بلاد الربيع العربي، واشتدت ضراوة
المعركة في مصر خاصة منذ تولي الرئيس محمد مرسي منصب الرئاسة، فبلغت
الظاهرة مستوى غير مسبوق في كثافتها وحدتها؛ فقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء
وقفزت فوق الأشخاص لتبلغ مستوى السخرية من الشعائر والعبادات والعقائد..
القضية ليست هجوماً تقليدياً - قديماً متجدداً - على الإسلاميين والإسلام،
الأمر أكبر من ذلك، فهو يتعلق باقتراب الإسلاميين للمرة الأولى في التاريخ
المعاصر من بناء دولة متكاملة بجميع مؤسساتها عن طريق الانتخاب، واعتماداً
على إرادة حرة للشعب..
فالدولة تقوم على أربعة أركان تتشكل عن طريق الانتخاب، وهي: الدستور، الرئاسة، البرلمان، والحكومة..
واكتمال هذا البناء – بأركانه الأربعة - على أيدي الإسلاميين، يعني أن
الدولة ستأخذ طابعاً خاصاً يصعب إزالته حتى لو تنحى الإسلاميون مؤقتاً عن
الحكم، فـ «تأسيس» السلطة يختلف عن «تداولها»، إذ لا شك أن المؤسس يترك
بصمته على النظام الذي يبنيه، وهي بصمة غير قابلة للمحو إلا بجهد جهيد وبعد
زمن طويل..
واكتماله يعني أيضاً أن تتولد رغبة متزايدة في محاكاة البناء الجديد لدى
الشعوب العربية المجاورة، وهذه هي عتبة الخطر التي يبذل الغرب كل جهد من
أجل الحيلولة دون بلوغها؛ لأنها تعني تغييراً استراتيجياً في الخريطة
السياسية للمنطقة، وتبدلاً جوهرياً في معادلات التوازن التي صنعوها بأيديهم
وحافظوا عليها عقوداً متتالية.
كن ما دخل السخرية من الإسلاميين في هذه القضية المعقدة؟
إنها المرة الأولى التي يكون فيها العالم الغربي مضطراً للمكوث
أمام شاشات الفضائيات مترقباً - تماماً مثل أي مواطن عادي - النتائج التي
يأتي بها صندوق الانتخابات، وهي حال ذليلة لم يتعودوا عليها من قبل، وإذا
كانوا عاجزين عن التحكم في الصندوق كما كان يحدث في أزمنة ما قبل الثورات،
فإن الخيار المتاح الآن هو محاولة التحكم في إرادة الناخبين ودفعهم دفعاً
وقسرهم قسراً إلى التحول بعيداً عن الأحزاب الإسلامية..
هذه المرحلة من الصراع السياسي يكون موضوعها وهدفها هو: إنتاج صورة سلبية
للخصم - الإسلامي - وبذل الجهد في إهانته، وذلك لتحقيق أهداف عدة، أبرزها:
1 - تدمير الروابط الدينية التي تعمق التواصل بين الإسلاميين والجماهير؛
(الهجوم على الخطباء، تحطيم هيبة المساجد، والسخرية من الشيوخ والدعاة).
2 - تشويه سمعة الإسلاميين من أجل حصارهم وإضعاف قدرتهم على التمدد والانتشار.
3 - إشغال الإسلاميين بالدفاع عن أنفسهم، وإرباكهم بالاستغراق في البحث عن الثغرات والأخطاء، وإرهابهم لتخفيف جرأتهم وشدتهم في الحق.
هذه الحالة تذكرنا بحال جميع الأنبياء السابقين وحال أممهم في السخرية منهم
والاستهزاء بهم.. وتذكرنا بصورة خاصة بنبي الله نوح - عليه السلام - عندما
كان قومه يسخرون منه بينما يبني سفينته..
الآن يسخر العلمانيون وأعداء الدين وأعداء المشروع الإسلامي من الإسلاميين بينما هم يبنون دولتهم.
وهنا يتجلى لنا المنطق القرآني صادعاً واضحاً واصفاً حالهم وحال كل فئة
مسلمة تواجه سخرية الملأ الذين يغفلون عن عاقبة فعلهم وسخريتهم، فيقول
تعالى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ
عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إن تـَسْخَرُوا مِنَّا
فَإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}[هود:38].
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم سخر المنافقون من المتصدقين من المؤمنين،
فإذا جاء الرجل بمال كثير اتهموه بالرياء، وإذا جاء آخر بصاع من تمر
قالوا: ما أغنى الله عن هذا، فنزل قوله تعالى: الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْـمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ
اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة:79].
فما أشبه اليوم بالأمس وما أشبه الليلة بالبارحة.. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
منقول