صلة الرحم إن صلة الأرحام من أكثر ما دعا له الدين الإسلامي وحبب فيه وأشاد بمن يلتزم به، فإن من يلتزم بصلة الرحم ويُتمّها على أفضل وجه يكون قد وصل إلى درجةٍ عاليةٍ من الامتثال لأوامر الله، وارتقى في الفضل والخير، ومن امتنع عن وصل رحمه فقد خسر الكثير، وفاته فضلٌ عظيم، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى فضل صلة الرحم وواصل الرحم في العديد من الأحاديث النبوية الصحيحة، وستبحث هذه المقالة موضوع صلة الرحم إجمالاً، والأحاديث الواردة في هذه المسألة، ومقصودها ومعناها، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بصلة الرحم وقطعها. معنى صلة الرحم الرَّحِم لغةً: من رَحِم المرأة، الذي هو موضع الجنين، ومنه استُعيرت لفظة الرحم كنايةً عن القرابة الناشئة عن التوالد، وكأنه يُراد بذلك أن من كانت بينهم قرابة رحمية فهم خارجون من رحمٍ واحدٍ، والمراد بالرَّحم في هذا الموضع: الأقارب من جهتَي الأم والأب على حدٍ سواء.[١] تعني صلة الرحم في الاصطلاح: الإحسان إلى الأقارب بالقول والفعل الذين تربطك معهم رحمٌ، ويكون ذلك من خلال زيارتهم، والسؤال عن أحوالهم وتفقّدهم، ومساعدة من يحتاج للمساعدة منهم، والسعي في تيسير مصالحهم وإتمامها إن كان ذلك متوفراً.[١] أحاديث صلة الرحم ورد في سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحاديث التي تدعو إلى صلة الأرحام وحرمة قطيعتها، وإن دلَّ ذلك على شيءٍ فإنما يدلُّ على أهميّة صلة الرحم في الإسلام وعظمتها، وضرورتها في تكاتف المجتمعات وتماسكها وتعاضدها، ومما جاء من الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يلي: صلة الرحَّم تُدخل صاحبها الجنة: فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- (أنّ رجلًا قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرْني بعملٍ يُدْخِلُني الجنةَ، قال: ما له؟ ما له؟ وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَرَبٌ ما له، تَعْبُدُ اللهَ ولا تُشْرِكْ به شيئًا، وتُقِيمُ الصلاةَ، وتُؤْتِي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحَمَ)،[٢] فيُظهر الحديث أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قرن صلة الرحم بعبادة الله التي ترتبط بالناحية العقائديّة، والصلاة والزكاة اللتين تُمثلان جانب العبادات، فكانت صلة الرَّحم مثالاً حيّاً على المعاملات بل من أهمها، إذ أشار النبي لأهم الجوانب في الإسلام على الإطلاق لدخول الجنة وهي: عبادة الله دون شريك، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصلة الرحم.[٣] صلة الرَّحم طريقٌ لرضى الرحمن: فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: (إن الرحم شُجْنةُ متمِسكة بالعرش تكلم بلسان ذُلَق، اللهم صِل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول تبارك وتعالى : أنا الرحمن الرحيم، و إني شققت للرحم من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن نكثها نكثه)،[٤] فمن وصل رحمه رضي الله عنه ووصله كما وصلها، ومن قطع رحمه وأساء معاملتها كبَّه الله وسخط عليه.[٣] صلة الرَّحم وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: فعن أبي ذرالغفاري -رضي الله عنه- أنه قال: (أوصاني خليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن لا تأخذَني في اللهِ لومةُ لائمٍ وأوصاني بصلةِ الرحمِ وإن أدبرَت).[٥] الرَّحم مأخوذٌ من اسم الرحمن، ومن قطعها قطعه الله: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحمُ معلَّقةٌ بالعرشِ تقولُ: من وصلني وصله اللهُ، ومن قطعني قطعه اللهُ).[٦] صلة الرَّحم تُبارك في العمر، وتزيد في الرزق: فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يُبسَطَ له رزقُه، وأن يُنسَأَ له في أثرِه، فلْيَصِلْ رَحِمَه).[٧] فإن الله سبحانه وتعالى يُبارك في عمر من يصل رحمه ويزيد فيه، ويجعله يستغله بما يفيده ويعود عليه بالنفع لدينه ودُنياه، كما يُبارك له في رزقه ويزيد فيه ويجعل له في الخير.[٣] من أهم أسباب دخول الجنة صلة الرحم: فعن عبد لله بن سلام -رضي الله عنه- قال: (لمَّا قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ انجفلَ النَّاسُ قبلَهُ قالوا: قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم. فجئتُ لأنظرَ فلمَّا رأيتُهُ عرفتُ أنَّ وجْهَهُ ليسَ بوجْهِ كذَّابٍ. فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سمعتُهُ منْهُ أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أطعِموا الطَّعامَ، وأفشوا السَّلامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجَّنَّةَ بسَلامٍ).[٨] صلة الأرحام دليلٌ على قوة إيمان المسلم وصدقه وتعلُّق قلبه بالله: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).[٩] فإن من آمن بالله حقاً سينعكس إيمانه عمليّاً على باقي أموره الحياتيّة، فمن صدُق إيمانه وصل رحمه.[٣] عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعمالَ بني آدمَ تُعرضُ كلَّ خميسٍ ليلةَ الجمعةِ فلا يُقبلُ عملُ قاطعِ رحمٍ).[١٠] قاطع رحمه لا يدخل الجنة: فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلُ الجنةَ قاطعُ رحمٍ).[١١] حكم صلة الرحم صلة الرَّحم واجبةٌ شرعاً، وقد ثبت وجوبها بالقرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء، فمن كان له رحمٌ وجب عليه وصلها والإحسان إليها، إلا أن يكون في رحمه من يُجاهر في معصية الله ويعادي أولياءه، ويُظهر العداء للإسلام وأهله فحينها يجب مقاطعته حتى يعود عن ذلك، والرَّحم التي يجب وصلها هي: أصحاب الرَّحم المحرمة من جهة الأم والأب، وهم كل من يحرم التزواج بينهم لو كانوا إناثاً وذكوراً، كالرجل وعمته أو خالته أو أخته أو ابنة أخته أو ابنة أخيه، والرجال الأقارب الذين لو فُرض أحدهم أنثى حرُم التزاوج بينهما؛ كالرجل وعمه أو خاله أو شقيقه أو ابن شقيقه أو ابن شقيقته وهكذا.[١٢]