سقوط ببت المقدس
لقد بلغ من عمالة الفاطميين أو بالأحرى الباطنيين العبيديين الروافض- أن استعانوا بالصليبيين للقضاء على السلاجقة الأتراك، وفي الوقت الذي كان الصليبيون في طريقهم إلى القدس، وكانت مدن الشام تتساقط تحت أقدامهم، كان الفاطميون والسلاجقة يتناوبون التنازع على المدينة المقدسة متجاهلين خطر الجيش النصراني، ولم يحرك قائد الفاطميين ساكناً.
إنه تاريخ طويل من الخيانة والعمالة والطعن في ظُهُورِ المسلمين السُّنَّة، وها نحن نراه واضحًا مكرَّرا في سوريا والعراق ومن قبل في أفغانستان !!
ولكن الأخطر من ذلك، تخيل معي جيدًا لترى حالة الأمة السوء !! عندما خرج الجيش الصليبي من أنطاكية صوب بيت المقدس كان تعداده ما يقارب ثمانين ألف مقاتل فقط، ومع ذلك تمكَّن الصليبيون من اختراق سوريا ولبنان وفلسطين، دون أدنى مقاومة تذكر، بل تفاعل وتعاون من ولاة تلك الإمارات المسلمة، ففي ذي الحجة 502هـ/1109م سقطت طرابلس وكون الصليبيون بها إمارتهم الثالثة، وفي 16 آيار/مايو 1099م غادر الصليبيون طرابلس وتابعوا تقدمهم جنوباً فاجتازوا البترون وجبيل ثم وصلوا إلى بيروت فصيدا ثم صور، والمسلمون في كل ذلك يتجنَّبونهم بالهدايا والأموال لكيلا يتعرضوا للإيذاء، ثم اخترقوا لبنان إلى فلسطين، وعبروا نهر الكلب، وهو الحدُّ الفاصل آنذاك بين أملاك السلاجقة وأملاك الدولة العبيدية، فمرُّوا بعكا فقام أميرها العبيديّ بتمويلهم بالطعام والمؤن، ووعد بالدخول في طاعتهم بعد سقوط بيت المقدس !
ثم مرَّ الصليبيون بقَيْسَارِيَة ثم أُرْسُوف ثم غيَّروا طريق الساحل، وشقُّوا البلاد شرقًا إلى الداخل صوب بيت المقدس، واحتلُّوا في طريقهم الرَّمْلَة، وهي مدينة صغيرة، ولكنها تسيطر على الطريق الواصل من بيت المقدس إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فسيطر عليها الصليبيون ليؤمِّنوا طريقهم بعد ذلك إلى البحر؛ حفاظًا على إمدادات السفن والأساطيل الأوربية، وفي هذه المدينة (الرملة) توقَّف الصليبيون ليعقدوا اجتماعًا مهمًّا لتحديد خطوات الغزو، وكان ذلك في (492هـ) أوائل يونيو 1099م.
إنَّ هذا كله لا يعطينا فقط انطباعًا عن طبيعة حكام المسلمين، بل تعطينا انطباعًا أوسع وأشمل عن طبيعة ذلك الزمن بأسره، فهؤلاء هم الحكام في منطقة الشام يوم غزو الجيوش الصليبية. وليست المشكلة في الحكام فقط، فهؤلاء الزعماء لا يقاتلون بمفردهم في الحروب، إنما يقاتلون بجيوش، ومن وراء الجيوش شعوب، ولا شك أن هذه الجيوش التي لا تعرف لها قضية، وهذه الشعوب المغيَّبة تستحق ما يحدث لها من نكبات وأزمات.
لقد عانَ المسلمون من بُعْدٍ عن الدين، وغياب للحميَّة الإسلاميَّة، وافتقاد للنخوة المستندة إلى عقيدة قويَّة صحيحة. وعانوا كذلك من فُرقة مؤلمة، وتشتُّت فاضح، حتى صارت كل مدينة إمارة مستقلة، ودويلة منفصلة، بل ومتصارعة مع جيرانها المسلمين.
غادر الصليبيون الرملة في 492هـ / 6 من يونيو 1099م، ووصلوا حول أسوار بيت المقدس في 492هـ/ 7 من يونيو 1099م، وبلغ عدد القوات الصليبية التي وصلت إلى أسوار القدس وتمركزت حولها وبدأت بمحاصرتها نحو أربعين ألفاً من مختلف الأعمار ذكوراً وإناثاً، وكان عدد الرجال المقاتلين منهم نحو عشرين ألفاً.
ومرَّت الأيام الصعبة، والعالم الإسلامي يُشاهِد الجريمة في صمت، ومرَّ شهر كامل والمدينة محاصَرة، واستطاع الصليبيون فتح أبواب المدينة من الداخل، ومن ثَمَّ تدفَّق الصليبيون بغزارة داخل المدينة المقدسة!! وكان ذلك في يوم الجمعة 22 من شعبان سنة 492هـ الموافق 15 من يوليو سنة 1099م، وهو من الأيام المحزنة التي لا تُنْسَى في تاريخ الأُمَّة.
انطلق الصليبيون الهمج ليستبيحوا المدينة المستسلمة، يقول ابن خلدون في تاريخه: "استباح الفرنجة بيت المقدس، وأقاموا في المدينة أسبوعًا ينهبون ويدمرون، وأُحصِي القتلى بالمساجد فقط من الأئمة والعلماء والعبّاد والزهاد المجاورين فكانوا سبعين ألفًا أو يزيدون..."، وهؤلاء هم كل سكان المدينة تقريبًا، فقد صُفِّيَتْ تمامًا، ولم ينجُ منها إلا الحامية العسكريَّة العبيديَّة! والجدير بالذكر أن القتل في هذا اليوم لم يكن خاصًّا بالمسلمين فقط، بل عانى منه اليهود أيضًا، فلقد جمع الصليبيون اليهودَ في الكَنِيسِ ثم أحرقوه عليهم ! بل ارتكب الصليبيون حرب إبادة عرقية واسعة في بيت المقدس !!!
وكان قد لجأ إلى سطح المسجد الأقصى مئات من المسلمين، أعطاهم قائد الجند الصليبي تانكرد الأمان وأعطاهم رايته ضماناً لهم، إلا أنهم، في اليوم التالي، ذبحوا جميعاً، ذبح النعاج، على أيدي جنود صليبيين دخلوا الحرم الشريف وقتلوهم جميعاً بلا استثناء لولد أو شيخ أو امرأة، غير عابئين بالأمان الذي أُعطي لهم.
احبتي في الله لاتنسوا هذه الجرائم فعدو الأمس لايمكن أن يكون صديق اليوم.