<blockquote class="postcontent restore ">
</blockquote>
السلام عليكم ورحمة الله
لا أستغرب ان يقف أستاذ جامعي موقف مهرب في الجمارك المغربية...
لا أستغرب ان يقف أستاذ جامعي موقف مهرب في الجمارك المغربية...
هذه رسالة مفتوحة إلى كلّ مسؤول غيور
في هذا البلد العزيز قادر على أن يتدخّل لتحرير كتابي المحتجز ورفع الظلم
والحيف الذي لحق بي من قبل موظّفين تابعين لإدارة الجمارك في مدينة وجدة.
وهي رسالة موجّهة أيضا للرأي العامّ لتحسيسه بنوع غريب من المتاعب يمكن أن
يتعرّض لها كلّ ممتهن للبحث والتأليف في المغرب، ناهيك عن عموم المواطنين.
وهي متاعب قد تبدو تافهة مع "الديوانة" لكنّها جديرة بالتأمّل في مغرب
القرن الواحد والعشرين. وأفترض أنّ ما عانيته، شخصيّا، مع الجمارك يعاني
أضعافه كثير من المواطنين بحيث يواجهون متاعب جمّة وضياعا لوقتهم الثمين
وهدرا لمصالحهم وأموالهم وأعصابهم بما يتعرّضون له من مساومات وإهانات
باسم بيروقراطية مسطريّة فجّة، أو فقط باسم المزاجيّة والهوى الشخصيّين؛
وذلك كلّه قد يكون فقط، كما هو في حالتي، من أجل استلام كتاب من مكتب
إدارة الجمارك بوكالة البريد في بلدي.
بالفعل، منذ أكثر من أسبوعين ونسخ من كتابي الصادر مؤخّرا عن دار المشرق
في بيروت محتجزة لدى جمارك وجدة بوكالة البريد أمانة من دون وجه حقّ. فقد
رفضت إدارة الجمارك تسليمي النسخ الخمس والعشرين التي وصلتني من دار النشر
كحقوق للتأليف؛ رغم أنّي قد أدليت لهم برخصة من المديريّة الجهويّة
للثقافة. وأكثر من ذلك فقد تعرّضت إلى إهانة مشينة وتعسّف وإذلال لكرامتي
على يد السيّد الآمر بالصرف بالمديريّة الجهويّة للجمارك بوجدة الذي نهرني
وطردني من مكتبه كما تعرّضت لتعنيف واستنطاق مهينين على يد السيّد المفتش
وزميله بمكتب الجمارك في وكالة البريد، بل وكادت الأمور تصل إلى ما لا
تحمد عقباه عندما استنكرت طريقة تعاملهما معي لو لم أنجو بجلدي. صحيح، لا
فرق يُعتبر بين أن تكون أستاذا جامعيّا أو أن تكون مهرّبا، فلا معنى لهذا
الفرق أمام موظّف في مكتب الجمارك؛ فأنتما سواسيّة تماما أمامه.
تبدأ قصّة معاناتي مع الجمارك منذ توصّلي بإشعار بوصول نسخ من كتابي إلى
مركز البريد. اعتذر موظّف الجمارك بلطف عن تسليمي النسخ لأنّه لابدّ من
رخصة مكتوبة من المديريّة الجهويّة للجمارك وبالضبط من السيّد الآمر
بالصرف. وفي مكتب هذا الأخير كانت المفاجأة، إذ بعد أن تصفّح الكتاب وبعد
أن أسمعني درسا غير قصير في علم المساطر، وكأنّه عضو في لجنة مناقشة
علميّة، طلب منّي رخصة مكتوبة من وزارة الثقافة باعتبارها الجهة الوحيدة
المختّصة في الموضوع تماما كما أنّ وزارة الصحّة هي الجهة الوحيدة
المختصّة في النظر في مدى صلاحية الدم المستورد من الخارج، كما فضّل أن
يوضّح. لكن مفاجأتي الكبيرة كانت عندما حاولت إقناع السيّد الآمر قائلا،
وبكلّ أدب، إنّ الكتاب هو جزء من أطروحة دكتوراه وكان ضمن المنشورات التي
عرضت في المعرض الدولي للكتاب لهذا العامّ بالدار البيضاء وأنّه كان يمكن
لإدارة الجمارك ووزارة الثقافة القيام بالإجراءات الأمنيّة اللازمة، لتظلّ
العلاقة مؤسّساتية- مؤسّساتية، إن كانت كذلك، ولأُعفى من ترخيص لاستيراد
كتاب أنا مؤلّفه. فغضب السيّد الأوردوناتور واتّهمني بقلّة الحياء بل
ونهرني بعنف وطردني من مكتبه.
ولم تشفع لي تماما الوثيقة التي حصلت عليها من المديريّة الجهويّة لوزارة
الثقافة لتسهيل استلام نسخ كتابي بعد ثلاثة أيام من التردّد على هذه
المديريّة. بل والأدهى من ذلك فقد خضعت في مكتب الجمارك بالبريد لاستنطاق
مهين على يد ثلاثة موظّفين قدّم لي أحدهم على أنّه السيّد المفتش، بمبرّر
أنّي أسأت الأدب مع رئيسهم السيّد الآمر، وهدّدني إثنان منهم بالضرب
والاعتقال بحجّة الهجوم على مكتبهم حينما تشبّثت بحقّي على الأقلّ في أخذ
الوثيقة التي سلّمتها لي مديريّة وزارة الثقافة. فاحتجزا أيضا، عن غير وجه
حقّ، الوثيقة التي كان قد سلّمها لي السيّد المدير الجهويّ لوزارة الثقافة
مشكورا.
وقد أصبت جرّاء هذا التعامل بانهيار نفسيّ وبضغط دمويّ حادّ كاد يودي
بحياتي بسبب الإهانة المشينة والشعور بالحگرة القاتلة. أنا أستاذ باحث في
الجامعة المغربيّة، ولست مهرّبا. ولم يطرأ على بالي أبدا أن ألاقي يوما ما
مثل هذه المتاعب مع جمارك بلدي وإلا لكنت طلبت رخصة مسبّقة من جهاز
الجمارك قبل تأليف هذا الكتاب ولكنت ربّما استشرتهم حتّى في موضوع البحث
أو التخصّص في أمر بعيد عن الفلسفة الإسلامية ولا يثير أيّة شبهة لدى
إدارة الجمارك.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب الصادر عن دار المشرق في بيروت العام 2010
تحت عنوان مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائية (الذي هو موضوع
رهن الاحتجاز) هو جزء من أطروحة دكتوراه في الفلسفة الإسلاميّة ناقشتها في
بلدنا المغرب، بكليّة الآداب ظهر المهراز في فاس عام 2003 تحت إشراف
الأستاذين محمد ألوزاد وأحمد علمي حمدان بعنوان إشكاليّة الإرادة لدى
فلاسفة الإسلام، القول الطبيعي والمدني والإلهي. والنسخ التي وصلتني عبر
البريد هي من حقوق التأليف، وعددها 25 نسخة.
الآن، بعد أن رويت باختصار هذه التجربة المريرة، لي أن أتساءل بكلّ سذاجة:
هل يشكّل هذا الكتاب الذي احتجز، بسبب الاحتياط من استيراد أفكار "هدّامة"
من الشرق، خطورة ما على الأمن الروحي للمواطنين؟ أليست المجلاّت والكتب
التي تحمل مثل هذه الأفكار موجودة على الأرصفة لا فقط في المكتبات؟ من
بوسعه في إدارة الجمارك المغربيّة أن يحكم على أفكار هذا الكتاب أو ذاك
أنّها "هدّامة" وأنّها من ثمّ لا يجب أن يسمح لها بالدخول، هذا مع أنّه لا
معنى لهذا الإجراء أصلا؟ لعلّ الأمر في الأحوال جميعا، يحتاج إلى لجنة
مختصّة للبتّ لا إلى موظّفين لا فرق في نظرهم بين الشاي الجزائري وكتاب
مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائية؛ فللمنتوجين معا خطورة ما.
ألم يحن الوقت بعد لتتولّى المؤسّسات شؤون المواطنين، وترحمهم من مزاجية
وتقلّب الأشخاص الذين يحتلّون مواقع المسؤولية؟
تُرى من يحمي المواطن البسيط من هذه المزاجية المتقلبّة التي لا يحكمها
ضابط؟ ألا يمسّ هذا السلوك الصادر عن هذا الموظّف مصير البحث العلميّ في
البلد؟ هذا مع أنّني لا أدّعي أنّ كتابي هو البحث العلميّ ذاته، وإن كان
إسهاما متواضعا في مساره. أليس الموقف السليم هو الاستسلام لشؤون الحياة
اليوميّة الممتعة وترك متاعب البحث والتأليف جانبا أو إلى حين توفّر
شروطها الموضوعيّة؟ ترى هل أخذت اللجنة التي كُلّفت بإحصاء الإنتاجات
العلميّة للأساتذة على الصعيد الوطني مثل هذه المعطيات في الاعتبار؟
أسئلة ساذجة ربّما، ولا تمسّ سوى فئة قليلة من المواطنين، غير أنّها أسئلة
لا تحسب بالكمّ، إنّها أسئلة عمّن يدير شؤون البلاد ويتحكّم بقراراته في
مصائر العباد. فمعذرة لكلّ موظّف شريف ونزيه.
إمضاء: سعيد البوسكلاوي
جامعة محمّد الأوّل وجدة
وجدة في 4 ماي 2011
في هذا البلد العزيز قادر على أن يتدخّل لتحرير كتابي المحتجز ورفع الظلم
والحيف الذي لحق بي من قبل موظّفين تابعين لإدارة الجمارك في مدينة وجدة.
وهي رسالة موجّهة أيضا للرأي العامّ لتحسيسه بنوع غريب من المتاعب يمكن أن
يتعرّض لها كلّ ممتهن للبحث والتأليف في المغرب، ناهيك عن عموم المواطنين.
وهي متاعب قد تبدو تافهة مع "الديوانة" لكنّها جديرة بالتأمّل في مغرب
القرن الواحد والعشرين. وأفترض أنّ ما عانيته، شخصيّا، مع الجمارك يعاني
أضعافه كثير من المواطنين بحيث يواجهون متاعب جمّة وضياعا لوقتهم الثمين
وهدرا لمصالحهم وأموالهم وأعصابهم بما يتعرّضون له من مساومات وإهانات
باسم بيروقراطية مسطريّة فجّة، أو فقط باسم المزاجيّة والهوى الشخصيّين؛
وذلك كلّه قد يكون فقط، كما هو في حالتي، من أجل استلام كتاب من مكتب
إدارة الجمارك بوكالة البريد في بلدي.
بالفعل، منذ أكثر من أسبوعين ونسخ من كتابي الصادر مؤخّرا عن دار المشرق
في بيروت محتجزة لدى جمارك وجدة بوكالة البريد أمانة من دون وجه حقّ. فقد
رفضت إدارة الجمارك تسليمي النسخ الخمس والعشرين التي وصلتني من دار النشر
كحقوق للتأليف؛ رغم أنّي قد أدليت لهم برخصة من المديريّة الجهويّة
للثقافة. وأكثر من ذلك فقد تعرّضت إلى إهانة مشينة وتعسّف وإذلال لكرامتي
على يد السيّد الآمر بالصرف بالمديريّة الجهويّة للجمارك بوجدة الذي نهرني
وطردني من مكتبه كما تعرّضت لتعنيف واستنطاق مهينين على يد السيّد المفتش
وزميله بمكتب الجمارك في وكالة البريد، بل وكادت الأمور تصل إلى ما لا
تحمد عقباه عندما استنكرت طريقة تعاملهما معي لو لم أنجو بجلدي. صحيح، لا
فرق يُعتبر بين أن تكون أستاذا جامعيّا أو أن تكون مهرّبا، فلا معنى لهذا
الفرق أمام موظّف في مكتب الجمارك؛ فأنتما سواسيّة تماما أمامه.
تبدأ قصّة معاناتي مع الجمارك منذ توصّلي بإشعار بوصول نسخ من كتابي إلى
مركز البريد. اعتذر موظّف الجمارك بلطف عن تسليمي النسخ لأنّه لابدّ من
رخصة مكتوبة من المديريّة الجهويّة للجمارك وبالضبط من السيّد الآمر
بالصرف. وفي مكتب هذا الأخير كانت المفاجأة، إذ بعد أن تصفّح الكتاب وبعد
أن أسمعني درسا غير قصير في علم المساطر، وكأنّه عضو في لجنة مناقشة
علميّة، طلب منّي رخصة مكتوبة من وزارة الثقافة باعتبارها الجهة الوحيدة
المختّصة في الموضوع تماما كما أنّ وزارة الصحّة هي الجهة الوحيدة
المختصّة في النظر في مدى صلاحية الدم المستورد من الخارج، كما فضّل أن
يوضّح. لكن مفاجأتي الكبيرة كانت عندما حاولت إقناع السيّد الآمر قائلا،
وبكلّ أدب، إنّ الكتاب هو جزء من أطروحة دكتوراه وكان ضمن المنشورات التي
عرضت في المعرض الدولي للكتاب لهذا العامّ بالدار البيضاء وأنّه كان يمكن
لإدارة الجمارك ووزارة الثقافة القيام بالإجراءات الأمنيّة اللازمة، لتظلّ
العلاقة مؤسّساتية- مؤسّساتية، إن كانت كذلك، ولأُعفى من ترخيص لاستيراد
كتاب أنا مؤلّفه. فغضب السيّد الأوردوناتور واتّهمني بقلّة الحياء بل
ونهرني بعنف وطردني من مكتبه.
ولم تشفع لي تماما الوثيقة التي حصلت عليها من المديريّة الجهويّة لوزارة
الثقافة لتسهيل استلام نسخ كتابي بعد ثلاثة أيام من التردّد على هذه
المديريّة. بل والأدهى من ذلك فقد خضعت في مكتب الجمارك بالبريد لاستنطاق
مهين على يد ثلاثة موظّفين قدّم لي أحدهم على أنّه السيّد المفتش، بمبرّر
أنّي أسأت الأدب مع رئيسهم السيّد الآمر، وهدّدني إثنان منهم بالضرب
والاعتقال بحجّة الهجوم على مكتبهم حينما تشبّثت بحقّي على الأقلّ في أخذ
الوثيقة التي سلّمتها لي مديريّة وزارة الثقافة. فاحتجزا أيضا، عن غير وجه
حقّ، الوثيقة التي كان قد سلّمها لي السيّد المدير الجهويّ لوزارة الثقافة
مشكورا.
وقد أصبت جرّاء هذا التعامل بانهيار نفسيّ وبضغط دمويّ حادّ كاد يودي
بحياتي بسبب الإهانة المشينة والشعور بالحگرة القاتلة. أنا أستاذ باحث في
الجامعة المغربيّة، ولست مهرّبا. ولم يطرأ على بالي أبدا أن ألاقي يوما ما
مثل هذه المتاعب مع جمارك بلدي وإلا لكنت طلبت رخصة مسبّقة من جهاز
الجمارك قبل تأليف هذا الكتاب ولكنت ربّما استشرتهم حتّى في موضوع البحث
أو التخصّص في أمر بعيد عن الفلسفة الإسلامية ولا يثير أيّة شبهة لدى
إدارة الجمارك.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب الصادر عن دار المشرق في بيروت العام 2010
تحت عنوان مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائية (الذي هو موضوع
رهن الاحتجاز) هو جزء من أطروحة دكتوراه في الفلسفة الإسلاميّة ناقشتها في
بلدنا المغرب، بكليّة الآداب ظهر المهراز في فاس عام 2003 تحت إشراف
الأستاذين محمد ألوزاد وأحمد علمي حمدان بعنوان إشكاليّة الإرادة لدى
فلاسفة الإسلام، القول الطبيعي والمدني والإلهي. والنسخ التي وصلتني عبر
البريد هي من حقوق التأليف، وعددها 25 نسخة.
الآن، بعد أن رويت باختصار هذه التجربة المريرة، لي أن أتساءل بكلّ سذاجة:
هل يشكّل هذا الكتاب الذي احتجز، بسبب الاحتياط من استيراد أفكار "هدّامة"
من الشرق، خطورة ما على الأمن الروحي للمواطنين؟ أليست المجلاّت والكتب
التي تحمل مثل هذه الأفكار موجودة على الأرصفة لا فقط في المكتبات؟ من
بوسعه في إدارة الجمارك المغربيّة أن يحكم على أفكار هذا الكتاب أو ذاك
أنّها "هدّامة" وأنّها من ثمّ لا يجب أن يسمح لها بالدخول، هذا مع أنّه لا
معنى لهذا الإجراء أصلا؟ لعلّ الأمر في الأحوال جميعا، يحتاج إلى لجنة
مختصّة للبتّ لا إلى موظّفين لا فرق في نظرهم بين الشاي الجزائري وكتاب
مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلاميّة المشّائية؛ فللمنتوجين معا خطورة ما.
ألم يحن الوقت بعد لتتولّى المؤسّسات شؤون المواطنين، وترحمهم من مزاجية
وتقلّب الأشخاص الذين يحتلّون مواقع المسؤولية؟
تُرى من يحمي المواطن البسيط من هذه المزاجية المتقلبّة التي لا يحكمها
ضابط؟ ألا يمسّ هذا السلوك الصادر عن هذا الموظّف مصير البحث العلميّ في
البلد؟ هذا مع أنّني لا أدّعي أنّ كتابي هو البحث العلميّ ذاته، وإن كان
إسهاما متواضعا في مساره. أليس الموقف السليم هو الاستسلام لشؤون الحياة
اليوميّة الممتعة وترك متاعب البحث والتأليف جانبا أو إلى حين توفّر
شروطها الموضوعيّة؟ ترى هل أخذت اللجنة التي كُلّفت بإحصاء الإنتاجات
العلميّة للأساتذة على الصعيد الوطني مثل هذه المعطيات في الاعتبار؟
أسئلة ساذجة ربّما، ولا تمسّ سوى فئة قليلة من المواطنين، غير أنّها أسئلة
لا تحسب بالكمّ، إنّها أسئلة عمّن يدير شؤون البلاد ويتحكّم بقراراته في
مصائر العباد. فمعذرة لكلّ موظّف شريف ونزيه.
إمضاء: سعيد البوسكلاوي
جامعة محمّد الأوّل وجدة
وجدة في 4 ماي 2011
</blockquote>