ثارت صور ومقاطع فيديو نشرها نشطاء تواصل اجتماعي عن خلو الحرم المكي وصحن الكعبة المشرفة من المصلين والطائفين مشاعر أليمة لدى الكثير منهم، حيث بدا يوم الخميس الموافق 10 رجب 1441هـ/ 5 مارس 2020م خاوياً على عروشه من الطائفين في مشهد لم يحدث منذ أمد بعيد.
اشتعلت القلوب حسرة وغيرة وحزناً على ما وصل له المسجد الحرام والمسجد النبوي، ونزفت قلوب كثير من المسلمين على هذا المشهد دماً بدل الدموع، ولا أحد ينكر في ذلك تلك المشاعر الفياضة التي تملكت كثيراً من المسلمين، إلا أننا إذا نظرنا للأمر لوجدناه إجراء روتينياً في وقت تفشى فيه وباء قاتل، والأهم من ذلك أن ننظر إلى قلوبنا الخاوية من قيم الكعبة وتعظيمها وتعظيم شرائع وشعائر الإسلام.
هذه القيم التي خلت منها القلوب وأبدلناها بحب الدنيا والتمسك بها، وتضيع قيم الكعبة من القلوب وعدم تعظيمها والالتزام بشرائعها هذه الشرائع التي وصفها الله تعالى بقوله: {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المائدة:97).
لقد كانت الكعبة المشرفة نور التوحيد، ومنطلق شهادة الإخلاص، وهما إطار العقيدة الحقة وأصل المنهج الذي تقوم على أساسه الأمة الوارثة لما بقي من الرسالات الإلهية الأولى من فضائل وكمالات.
أجل، يموج العالم بعضه في بعض والحرم الآمن، وأي شيء وراء أمن الأنفس والدين ونعمة الدعة والاستقرار، وترادف أنعم النماء والازدهار تتعلق به أنفس وتستشرفه قلوب.
لا ننكر عشق الناس بالبيت الحرام، وهو الذي وصفه ابن القيم بقوله: علقت القلوب على محبة الكعبة البيت الحرام، حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هَجْرَ الأوطان والأحباب، ولذَّ لهم فيها السفرُ الذي هو قِطعةٌ من العذاب، فركبوا الأخطار، وجابوا المفاوز والقِفار، واحتملوا في الوصول غاية المشاقّ، ولو أمكنهم لسعَوا إليها على الجفون والأحداق:
نَعَمْ أَسْعَى إِليكِ عَلَى جُفُونِي وَإِنْ بَعُدَتْ لِمَسْرَاكِ الطَّرِيقُ
وسِر هذه المحبة هو إضافة الربِّ سبحانه له إلى نفسه بقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125].
لكن يجب أن ننظر إلى سلوكنا، وإلى أخلاقنا، وإلى مدى التزامنا وتمسكنا بديننا، ومدى تعظيمنا لحرمات الله سبحانه التي ننتهكها، بل بلغ بنا الأمر أن أصبحت دمائنا حلال لبعضنا، يقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 30، 31].
ويقول الشيخ رشيد رضا في تفسير "المنار": جعل الله الكعبة قيامًا للناس الذين يقيمون حولها، ويحجون إليها؛ فكانت سببًا لقيام مصالحهم ومنافعهم بإيداع تعظيمها في قلوبهم، وجذب الأفئدة إليها، وصرف الناس عن الاعتداء عليها وعلى مجاوريها وحجاجها، وإعانتهم على توفير الأرزاق فيها، ويؤيده دعاء إبراهيم عليه السلام لما حكاه الله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم: آية 37).
إن الحج والذهاب لهذه الرحلة المباركة هو منحة إلهية ييسر الله بها على من يريد، والحاج وهو في وسط هذه البقاع الطاهرة ونتيجة الزحام الشديد يجب عليه أن يتحلى بكف الأذى، وطلاقة الوجه، والصبر، والتعاون، وحسن المعاشرة للغير، فيعود المخلص بحج مبرور وذنب مغفور، "إذا خرج الحاج حاجًّا بنفقة طيبة ووضع رِجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء، لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور" (رواه الطبراني في الأوسط).
فإذا كان خلو المسجد الحرام من الطوافين كإجراء احترازي لتطهيره قد تم فيجب أن يتطهر أيضاً من مظاهر الشرك التي يقع فيه بعض الحجاج، كما يجب تطهيره من المنكرات الظاهرة بإزالتها والذنوب والمعاصي بهجرها، والسلوكيات المنحرفة بعلاجها يأتي تبعاً لذلك، قال الثعالبي: تطهيرُ البيت عامٌ في الكفرِ والبدعِ وجميعِ الأنجاسِ والدماءِ وغيرِ ذلك.
إن قيام الناس في أمر دينهم وتهذيب أخلاقهم وتزكية أنفسهم بما فرض عليهم من الحج هو من أعظم أركان الدين؛ لأنه عبادة روحية بدنية مادية اجتماعية وتزكية للنفس من الرذيلة وتحبب إليه وتدني منه الفقراء والمساكين، ويتسع بها رزق الناس.
فيجب أن تعلو صرخاتنا حينما تخلو قلوبنا من قيم الكعبة وشرائعها وشعائرها، فقد فزعنا حين سمعنا خبر خلو الكعبة ومنع العمرة دون إنذار، فكيف إذا أغلق باب التوبة دون إنذار؟ وكيف بنا إذا جاء ملك الموت دون إنذار؟
اشتعلت القلوب حسرة وغيرة وحزناً على ما وصل له المسجد الحرام والمسجد النبوي، ونزفت قلوب كثير من المسلمين على هذا المشهد دماً بدل الدموع، ولا أحد ينكر في ذلك تلك المشاعر الفياضة التي تملكت كثيراً من المسلمين، إلا أننا إذا نظرنا للأمر لوجدناه إجراء روتينياً في وقت تفشى فيه وباء قاتل، والأهم من ذلك أن ننظر إلى قلوبنا الخاوية من قيم الكعبة وتعظيمها وتعظيم شرائع وشعائر الإسلام.
هذه القيم التي خلت منها القلوب وأبدلناها بحب الدنيا والتمسك بها، وتضيع قيم الكعبة من القلوب وعدم تعظيمها والالتزام بشرائعها هذه الشرائع التي وصفها الله تعالى بقوله: {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المائدة:97).
لقد كانت الكعبة المشرفة نور التوحيد، ومنطلق شهادة الإخلاص، وهما إطار العقيدة الحقة وأصل المنهج الذي تقوم على أساسه الأمة الوارثة لما بقي من الرسالات الإلهية الأولى من فضائل وكمالات.
أجل، يموج العالم بعضه في بعض والحرم الآمن، وأي شيء وراء أمن الأنفس والدين ونعمة الدعة والاستقرار، وترادف أنعم النماء والازدهار تتعلق به أنفس وتستشرفه قلوب.
لا ننكر عشق الناس بالبيت الحرام، وهو الذي وصفه ابن القيم بقوله: علقت القلوب على محبة الكعبة البيت الحرام، حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هَجْرَ الأوطان والأحباب، ولذَّ لهم فيها السفرُ الذي هو قِطعةٌ من العذاب، فركبوا الأخطار، وجابوا المفاوز والقِفار، واحتملوا في الوصول غاية المشاقّ، ولو أمكنهم لسعَوا إليها على الجفون والأحداق:
نَعَمْ أَسْعَى إِليكِ عَلَى جُفُونِي وَإِنْ بَعُدَتْ لِمَسْرَاكِ الطَّرِيقُ
وسِر هذه المحبة هو إضافة الربِّ سبحانه له إلى نفسه بقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125].
لكن يجب أن ننظر إلى سلوكنا، وإلى أخلاقنا، وإلى مدى التزامنا وتمسكنا بديننا، ومدى تعظيمنا لحرمات الله سبحانه التي ننتهكها، بل بلغ بنا الأمر أن أصبحت دمائنا حلال لبعضنا، يقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 30، 31].
ويقول الشيخ رشيد رضا في تفسير "المنار": جعل الله الكعبة قيامًا للناس الذين يقيمون حولها، ويحجون إليها؛ فكانت سببًا لقيام مصالحهم ومنافعهم بإيداع تعظيمها في قلوبهم، وجذب الأفئدة إليها، وصرف الناس عن الاعتداء عليها وعلى مجاوريها وحجاجها، وإعانتهم على توفير الأرزاق فيها، ويؤيده دعاء إبراهيم عليه السلام لما حكاه الله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم: آية 37).
إن الحج والذهاب لهذه الرحلة المباركة هو منحة إلهية ييسر الله بها على من يريد، والحاج وهو في وسط هذه البقاع الطاهرة ونتيجة الزحام الشديد يجب عليه أن يتحلى بكف الأذى، وطلاقة الوجه، والصبر، والتعاون، وحسن المعاشرة للغير، فيعود المخلص بحج مبرور وذنب مغفور، "إذا خرج الحاج حاجًّا بنفقة طيبة ووضع رِجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء، لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور" (رواه الطبراني في الأوسط).
فإذا كان خلو المسجد الحرام من الطوافين كإجراء احترازي لتطهيره قد تم فيجب أن يتطهر أيضاً من مظاهر الشرك التي يقع فيه بعض الحجاج، كما يجب تطهيره من المنكرات الظاهرة بإزالتها والذنوب والمعاصي بهجرها، والسلوكيات المنحرفة بعلاجها يأتي تبعاً لذلك، قال الثعالبي: تطهيرُ البيت عامٌ في الكفرِ والبدعِ وجميعِ الأنجاسِ والدماءِ وغيرِ ذلك.
إن قيام الناس في أمر دينهم وتهذيب أخلاقهم وتزكية أنفسهم بما فرض عليهم من الحج هو من أعظم أركان الدين؛ لأنه عبادة روحية بدنية مادية اجتماعية وتزكية للنفس من الرذيلة وتحبب إليه وتدني منه الفقراء والمساكين، ويتسع بها رزق الناس.
فيجب أن تعلو صرخاتنا حينما تخلو قلوبنا من قيم الكعبة وشرائعها وشعائرها، فقد فزعنا حين سمعنا خبر خلو الكعبة ومنع العمرة دون إنذار، فكيف إذا أغلق باب التوبة دون إنذار؟ وكيف بنا إذا جاء ملك الموت دون إنذار؟