لا ينكرُ أهمية المسجد في الإسلام إلا غافل؛ إذ لا شكَّ أنَّ أهميته جليّةٌ جليلة، فلا تبتدئ بنشر الإسلام وتوعية أبنائه، ولا تنتهي باجتماع المسلمين فيه متآلفين، فهو مَجْمعُ الفضيلة ومركز العبادة، وكيف لا يكونُ له هذا الفضل والله -سبحانه- أثنى في كتابه العزيز على عُمّاره ورُوّاده فقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[١]، ولبالغ أهمية المساجد في الإسلام فإنَّ أول عملٍ فعله النبي -الكريم- حين وصل المدينة هو أنْ بنى مسجدًا،[٢] وسيتناول هذا المقال الحديثَ عن أوّل مسجدٍ بُني في الإسلام. اسمُ أوَّلِ مسجدٍ بُنيَ في الإسلام حين قدم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة، أقام مسجد قُباء، فكانَ -عليه الصَّلاة والسلام- أوَّلَ من وضع حجرًا في قِبلته، ثم جاء أبو بكرٍ بحجرٍ فوضعه، ثم جاء عمرُ بحجرٍ فوضعه إلى حجر أبي بكر، وأخذ الناس يبنون وراءهم، وما زال البناء يرتفع، والصحابة الكرام كخلية النحل؛ لا يهدؤون، فرحين مستبشرين، وهم يعملون بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتمّوا بناءه لآخر حجرٍ فيه، فكان مسجدُ قُباءٍ هذا أوَّلَ مسجدٍ بُنيَ في الإسلام، وقد أثنى الله -تعالى- على أهل قُباء بقرآنٍ يُتلى إلى يوم القيامة، فقال: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}،[٣] وقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذا المسجد مزيةً ليستْ لغيره؛ حيث كان يزورهُ كلَّ سَبتٍ، وصار هذا ديدنُ أهل المدينة، حيث يذهبون إلى مسجد قُباء يوم السَّبت للصّلاة فيه حتى الآن، ولهذا المسجد فضيلة أوردها النبيُّ -الكريم- مبينًا ثواب الصّلاة فيه فقال: "من تطهَّر في بيتِه ثمَّ أتَى مسجدَ قُباءَ فصلَّى فيه صلاةً كان له كأجرِ عُمرةٍ".[٤][٥] يقع مسجد قباءٍ جنوبَ المدينة النبوية، وأما مساحة بنائه حين أُنشِئ فليست معلومةً تمامًا، وقد وردَ أنه أوَّلَ إنشائه لم يكن به محراب، وقد اهتم المسلمون به على اختلاف عصورهم؛ فجدَّد بناءه عثمانُ بن عفانَ -رضي الله عنه-، ثم في عصر بني أميّة عمرُ بن عبد العزيز، وتتابع الخلفاء منْ بعدُ على توسيعه وترميمه، حتى كانت التوسعة الأخيرة في عام 1406هـ، حيث بلغتْ مساحة المصلّى وحده 5035 مترًا، وبلغت المساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له 13500 مترًا.[٦] أهمُّ آداب المساجد لمّا كانت المساجد بيوتًا لله كان لا بدَّ لمن يؤمها أن يصتبغَ بآدابٍ يُثاب فاعلُها أعظمَ المثوبة عند الله؛ إذا عظَّمَ حُرُماته، ولئن كان هذا حَسَنًا في حقّ عامة المساجد، فإنه بحق أولِ مسجدٍ بنيَ في الإسلام أولى، وهذه بعض الآداب:[٧] الدعاء أثناء الذهاب إلى المسجد. المشيُ إلى الصلاة بسكينةٍ ووقار. الدعاء عند دخول المسجد وعند الخروج منه. يُستحبُّ أداءُ تحية المسجد عند الدخول. النهيُ عن البيع والشراء في المسجد. النهي عن حضور المسجد لمنْ أكل ثومًا أو بصلاً. النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان. عدم المرور بين يديْ المصلي. عدم رفع الصوت في المسجد، والتشويش على المصلِّين، ويدخل في هذا تركُ الهاتف الجوَّال مفتوحًا أثناء الصلاة. وكلُّ هذه الآداب وغيرها لها من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلّم- ما يؤكدها والله -تعالى- أجلُّ وأعلم.