الكبار يموتون والصغار ينسون
رشيد حسن
"الكبار يموتون..والصغار ينسون"، أطلقها ابن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني، وتبناها أشهر وزراء خارجية أميركا في حقبة الحرب الباردة، دالاس.. وعلى نهجهما سار كثيرون من ساسة أوروبا وأميركا والعالم...
أما سبب هذه المقولة البائسة اليائسة الميكافيلية بامتياز فهو: التنصل من تبعات وتداعيات القضية الفلسطينية، بتركها للمجهول... وخاصة قضية اللاجئين، الذي يزيد عددهم اليوم عن «6» ملايين لاجىء، تهرسهم المعاناة والشقاء في «60» مخيما، وفي الشتات في أربعة رياح الأرض.
واليوم ونحن نقترب من تجرع مرارة الذكرى «72» للكارثة الفلسطينية، لنكبة النكبات.. نجد أن الواقع والحقائق على الأرض وفي مخيمات اللجوء والشقاء، ومن خلال تتبع نضال شعبنا وكفاحه، وثوراته، وانتفاضاته التي لا تنطفئ، فهي متواصله كأمواج البحر، موجة تتبع أخرى حتى يبلغ المد الشاطئ، وشرارة توقد نارا، واستشهاديون يتوارثون الشعلة.
نجد وبكل فخر واعتزاز أن شعبنا أثبت أن مقولة "ابن غوريون " كانت أقرب الى الأماني والأمنيات لم ولن تتحقق.
صحيح أن الكبار يموتون فهذه سنة الحياة.. ولكن غاب عن دهاقنة الصهاينة، أن هؤلاء الكبار أخذوا على أنفسهم عهدا ووعدا، أن يزرعوا فلسطين في قلوب وحدقات عيون أبنائهم وأحفادهم فلا ينسوها أبدا.
لقد آمنوا إيمانا مطلقا بأنهم يحملون أمانة ثقيلة، أثقل من الجبال الراسيات، أثقل من جبال الجليل والجرمق وعيبال.. ولا بد من تأديتها عاجلا أو آجلا، فحفظوا فلسطين في العقول والقلوب، وافتدوها بالمهج، وأصروا على غرس جغرافيتها وذكرياتهم ومواويلهم وأهازيجهم.. وترويدة الأحرار في جينات الأجيال يتوارثونها جيلا بعد جيل.
فعلاوة على أن حب الوطن من الإيمان، إلا أن حب فلسطين وهي من أقدس الأوطان يعادل الروح، وصنو الحياة الكريمة، فقد علمتنا الغربة المرة، بأن من لا وطن له.. لا كرامة له، ومن لا كرامة له فهو في سجل الأموات وإن كان يمشي على رجليه.
الأبناء والأحفاد حفظوا الوصية، رغم أنفي "ابن غوريون ودالاس"، وترجموا هذا الحب نضالا مجيدا، ومقاومة باسلة مستمرة، منذ أكثر من مائة عام وعام.
ويكفي في هذا المقام أن نستشهد بمثالين وهما:
الأول: أشبال "الآر. بي. جي" الذين تصدوا لقوات العدو الغازية في جنوب لبنان عام 1982، ودمروا العديد من دبابات "الميركافاه" فخر الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وأعاقوا تقدمه..
الثاني: أطفال الحجارة، والذين أطلق عليهم الختيار ياسر عرفات: جنرالات الحجارة.. فهم من فاجأوا العدو في انتفاضة الحجارة، وهم من أربكوه، وهم من قلبوا الطاولة في وجه هذا العدو الفاشي المتغطرس، وفي وجه حلفائه، وقلبوا الواقع العربي والدولي رأسا على عقب، فأعادوا القضية الفلسطينية إلى صدارة الأحداث، وأثبتت الانتفاضة التي دخلت قواميس العالم أنها الحدث الأبرز والأهم، فلأول مرة يشهد التاريخ شعبا أعزل، يقرر مواجهة العدو بالحجارة والمقلاع فقط، فيدمي ويشج رؤوس جنود الصهاينة التي تفور فاشية وكراهية، ويثير حقد كبير جنرالاته، رابين، فيفقد صوابه ويقوم بتكسر أطراف الأطفال الذين هزموه وهزموا جيشه. وأفشلوا خططه، وأسقطوا مشروعه، وأكدوا بأنهم هم وحدهم أصحاب الأرض الحقيقيين، وأنهم القادرون على كتابة التاريخ من جديد هذه المرة.. وبحجارة فلسطين..
الحجارة تكلمت عربي في يد أطفال فلسطين. و"الآر. بي.جي" زغرد في مخيمات جنوب لبنان وهو يفجر دبابات العدو ويحيلها إلى رماد.. وقد أصبح الفتى فارس عودة أيقونة الانتفاضة. وأيقونة جيل لا يعرف الهزيمة وسيحقق المستحيل..
أطفال فلسطين أسقطوا مقولة "ابن غوريون" البائسة، اليائسة، وأثبتوا للغزاة الصهاينة.. أنهم أبناء وأحفاد آباء وأجداد جبلوا على الوفاء، وحب فلسطين، ولن يتخلوا عن وطنهم.. عن الفردوس المفقود.. طال الزمن أم قصر.
المركز الفلسطيني للإعلام(بتصرف)